رؤية جامعة في الابتلاء والوباء 2
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/1/1442 هـ
تعريف:

رؤية جامعة في الابتلاء والبلاء

تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبدالعال

تدقيق ر. ع

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الحديد: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)) 

سورة الحديد الآية 22-23

من منطلق هذه الآية الكريمة سنسلط الضوء على تساؤل يدور في أذهان الكثير منا وهو:

    ما هو معنى الابتلاء؟ والبلاء؟ الذي هو في حقيقته تجلي لمعنى المصيبة.

    في البداية اسمحوا لي ان اضيف معنى توضيحي مبسط لمعنى البلاء –الابتلاء:

تعريف البلاء لغة وإصطلاحًا :

في اللغة: بُلِيَ فِي أمْرِهِ: اُمْتُحِنَ.

الابتلاء في اللغة أو بلغة القرآن الكريم تعني: الاختبار.

وهي تؤخذ من الفعل بلى وتنشق منها كلمة ابتلى.

من ذلك قولهم: بلي الإنسان وابتلاه اللّه أي اختبره، ويكون البلاء بالخير والشر معًا. 

واللّه عز وجل يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، وذلك راجع إلى معنى الاختبار لأنه بذلك يختبر صبره وشكره، 

وبلوته تأتي أيضا بمعنى جزيته.          مقاييس اللغة لابن فارس - 1/ 292

قال ابن منظور:  

والمعروف في اللغة: ان الابتلاء يكون بالخير وبالشر معا من غير فرق بين فعليهما ومن ذلك قوله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ).     الانبياء 35 - لسان العرب - 1/ 355 

وقال ابن بري: 

يأتي الابتلاء أيضا بمعنى الإنعام كما في قوله عز من قائل: (وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ) الدخان 33. 

أي إنعام بيّن، وقال تعالى في قصة سليمان عندما سخّر له من يأتيه بعرش بلقيس في طرفة عين: (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).    النمل 40       وفي الحديث: «من أبلي فذكر فقد شكر»  

قال ابن الأثير: الإبلاء «هنا» هو الإنعام والإحسان. النهاية لابن الأثير-1/ 155

كما تعرف كلمة البلاء أو الابتلاء في قاموس اللغة العربية بالمحنة التي تقع على الإنسان ليختبر بها، وعلى قدر صبره على قدر جزاءه الذي يجازى بها. 

 أما اصطلاحا:

عرف الابتلاء اصطلاحًا، الاختبار والامتحان.

فالابتلاء معناه الاختبار والامتحان بما يتعرض له العبد في هذه الحياة من الفتن بالخير والشر، سواء قبل ورضى أو رفض وأبى، فأمر الله واقع لا محالة. وهنا قد يجعل الله الابتلاء إصلاحًا لحاله ويجعله من أشداء العزم ويختبر صبره. 

والبلاء هي المحنة التي تصيب الشخص والمصاعب التي يواجها في حياته وقيل من عظم غناؤه عظم بلاؤه. 

قال الكفوي:   الابتلاء: التكليف في الأمر الشّاقّ، ويكون في الخير والشر معا، ولكنهم عادة ما يقولون في الخير: أبليته إبلاء وفي الشر: بلوته بلاء.     الكليات 1/ 29 .

وقال المناوي: البلاء كالبلية: الامتحان، وسمي الغم بلاء لأنه يبلي الجسد.      التوقيف ص 82

    كما أورد لكم تفسيرا وردا في معنى هذه الآية: 

عن الصادق عليه السلام أنه لما ادخل علي بن الحسين عليه السلام على يزيد لعنه الله نظر إليه ثم قال له: يا علي بن الحسين: "ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" 

فقال علي بن الحسين: كلا ما هذه فينا نزلت، وإنما نزلت فينا:

" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ". 

فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ولا نفرح بما أوتينا.

بحار الأنوار -العلامة المجلسي -ج ٤٥ -الصفحة ١٦٨

نعود الآن للآية الكريمة ومحور حديثنا حول رؤية جامعة حول موضوع الابتلاء والوباء، ينطلق من الآية المباركة التي يصرح فيها ربنا سبحانه وتعالى بانه لا يوجد مصيبة في الأرض ولافي النفوس الا وهي محسوبة قبل ذلك ومقدرة ومقررة قبل ان تخلق، وإذا تعاظم الإنسان هذا الشيء، الله سبحانه وتعالى يقول: إن ذلك على الله يسير.

الأمر فعلا مرعب، ومهول، لا توجد أي مصيبة سواء بالمعنى اللغوي او الاصطلاحي الا وهي مقدرة ومحسوبة.

يعني كل ما يصيب الإنسان، أي شيء يصيبه: مرض، عثرة، نجاح، فشل، خسارة مال، وغيرها.

لو فرضنا ان الانسان له ملف وأراد ان يكتب ملفه من أول حياته إلى أن يموت، ماذا أصابه من أمور، فإنه يحتاج إلى مجلدات.

ولو فرضنا إنك اليوم لا تريد تدوين ما الذي حدث لك، هذا تعبير آخر، (ما أصابك من مصيبة)، ماذا حدث لك؟ من الصباح عندما فتحت عينك إلى أن تنام، شيء كثير! فإذاً ستدون عمرك كله!!

وإذا فرضنا ان كل البشر في كل الأزمنة دونوا مجريات حياتهم هل لك ان تتخيل حجم تلك المجلدات، كمثال: يقال ان العالم بحدود 8 مليارات، طيب، في هذه الفترة، لو تحسب من أول ما خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة، وكل واحد من البشر، ماذا أصابه وماذا حدث له؟ 

شيء يستعصي علينا عده وحصره، لكن الله عز وجل يقول: (ما أصاب من مصيبة في الأرض)، ليس عندكم فقط، بل ما أصاب الحيوانات، والحشرات، والأشجار والأنهار والبحار، والأسماك، وغيرها وإلى آخره، أي شيء في الأرض أصابه شيء: شجرة قطعت، زلزال صار في مكان ما، هذا الحدث في هذه البقعة من الأرض، في كل أدوار التاريخ، أي شيء حدث من هذا، هو في ماذا؟ 

في كتاب، (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب). شيء كثير! 

يقول: لا، (إن ذلك على الله يسير). لماذا نقول هذا الكلام؟ لماذا نصرح في القرآن بهذا؟ 

(لكيلا لا تأسوا على ما فاتكم).

نورد هذا المثال للتوضيح: 

عندما تقول لأحدهم يا فلان والله لو كنت هنا قبل خمس دقائق، لكنت قد حصلت الجائزة.

هنا نقول له: لا، قبل أن تخلق، أنت مقدر لك، أن تأتي بعد خمس دقائق، عندما يغلقوا الباب، لا تتأسف.

أو: لولا أن فلان عطلني، لكنت وصلت، وقبلوني في العمل.

نعود ونقول له: لا، غير صحيح، فهو مقدر لك قبل أن تخلق، وقبل أن يخلق الكون، أنه إذا صرت ووجدت في هذه الدنيا، فستأتي في يوم من الأيام، متأخر عن الدوام، وتخسر المقابلة فلا تأسى على ما فاتك. 

والله لو عملت كذا، لكان. 

لا، غير صحيح، لا يوجد شيء من هذا القبيل، كل شيء مسجل في كتاب. 

اذن القضية لا تستأهل الندم والأسف.

وأحيانا تذهب وتتعارك مع شخص، قد تكون زوجتك مثلا وتقول بسبب هذه المرأة تأخرنا، لو لم تأخرنا لما حدث ما حدث! 

لا يا عزيزي، هذا الذي حدث ليس من قسمتك، وليس من رزقك، رزقك الذي كان سيصيبك، يصل إليك رغم كل شيء. 

ورزقك الذي ليس من نصيبك، لو تناطح الجبال، فهو ليس لك.

لا تتأسف عليه، إذا تأسفت على شيء، تأسف على مراقي ومنازل، أنت تستطيع ان تحصل عليها ولم تحصلها، عمل معروف تستطيع عمله ولم تفعله.

إنفاق في سبيل الله ولم تصنعه، تبليغ للدين ولم تفعله، عمل إحسان لآخرين لم تفعله. 

هذا هو ما يجب أن تتأسف عليه، (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)

تجد أحدهم يقول: انظر أنا بعرق جبيني، عملت كذا!

أيضا نقول له: لا، لقد آتاك الله إياه، الله أعطاك القوة، وأعطاك الفكرة، ويسر الظروف، وأوصل لك هذا، فالله هو الذي آتاك. 

لو قليل من الذكاء سلبه منك، فإنه لن يصلك، لو يدك التي تحرك فيها عضلاتك كانت مصابة بالمرض، والله عز وجل لم يعطيك القوة، لما وصلك هذا الرزق، ولو لم يرتب الله لك الظروف الخارجية بنحو أنت تستطيع أن تستفيد منه، لما جاءك هذا الرزق، فالذي آتاك كل ذلك هو الله، لا تفرح وتقول: أنا، أنا عملت، وهذا عرق جبيني، (إنما أوتيته على علم عندي) كما قال قارون.

أحيانا الإنسان يصبح قاروناً صغيِّراً، ذاك قارون كبير ويتظاهر (إنما أوتيته على علم عندي).

وأنا آتي وأقول: نعم، أنا بعرق جبيني لم يعمل أحد لي شيء، أنا إنسان عصامي.

لا يا عزيزي قل: (هذا من فضل ربي).

الله يريد أن يرى أنت تكفر بما أنعم به عليك أم تشكر؟!

موضوع البلاء والابتلاء والوباء من هذا يأتي.

من هنا يأتي الابتلاء والبلاء على خلاف ما هو في أذهان بعض الناس، ليس بشيء سلبي.

لقد ابتلى الله الناس بابتلاء، هذا لا يعني انه قد ورطهم وعمل لهم مشاكل.

لا، الابتلاء أصله هو التقليب.

مثال: تاجر النحاس، يأتي بقطعة النحاس، وتاجر الذهب، يأتي بقطعة الذهب، كلاهما يقلبان ويشخطان ويشاهدوها فيجدوها كلها صافية أو مغشوشة، وماهي نسبة الصفاء فيها، هنا تسمى: يبتلي.

أحيانا يحتاج مثل النار، يحمى عليه، أحيانا لا، يخطه خط، هذا يسمى ابتلاء.

الغرض منه: هو اختبار وكشف حقيقة ذلك الشيء، سواء كان نحاس أو ذهب أو إنسان. 

ومن هنا نتساءل، فلسفة وجود الإنسان في هذا الكون، ماهي؟ 

(خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه).

لاحظ ماذا؟ (نبتليه)، نقلبه، نختبره، تأملها جيدا.

ليس لأجل أن الله يعلم بحقيقته، لا بل لأن الله سبحانه وتعالى – كما قلنا – يعلم بما سيجري عليه وما يخطط وما يصنع، (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد).

لكن حتى هو في هذه الدنيا يعرف مقداره، وإذا الله عز وجل وفقه وادخله الجنة، سنجده يقول: الحمد لله، أنا نجحت في الاختبار والابتلاء، وخرجت سالما، وإذا قصر في حق ربه، وأرسله إلى نار جهنم، فلا يقول: لا، أنا مظلوم.

لأنه في حينها سيقولون له:

تفضل لقد قدمت امتحاناتك كلها، ونتيجتها دوائر حمراء، في المال فشلت، في الجنس فشلت، في العبادة فشلت، في سائر الأمور فشلت، ماذا لديك؟ هل لديك شيء تطلبنا فيه؟ 

فالابتلاء هذا أصله، وهذا جوهره.

الابتلاء، بناء على هذا، ليس فقط في الأمور السلبية، بمعنى، يبتلي الإنسان بالشر، لا. (ونبلوكم بالخير والشر فتنة)، فتنة أيضا نفس المعنى: من الابتلاء. 

إذا حمى النار على النحاس أو الذهب، يقال: فتنها، فتن القطعة الذهبية.

هذا الإنسان يبتلى بالخير ويبتلى بالشر، وترى بعض الناس في امتحان الخير قد يسقط، بينما في امتحان السوء قد ينجح. 

في المرض يمكن يصبر، لكن إذا صار عنده أموال يشح بها، هذا في امتحان المرض نجح، لكن في امتحان الخير الظاهري فشل. 

فإذن قضية الابتلاء أولا ليس مفهوما سلبيا، بمعنى: مصيبة ومشاكل.

ولذلك أحيانا يوصف بالبلاء العظيم، وأحيانا يوصف بمجرد البلاء، لأنه من الممكن أن يكون خفيفا، ومن الممكن أن يكون صعبا.

(نبلوكم بالخير والشر فتنة)، من الممكن أن يكون في الأمور الإيجابية، ومن الممكن أن يكون في الأمور السلبية. 

والمراد من هذا هو أن الإنسان ماذا ينتج بعد ذلك؟! 

    هل الابتلاء والمصائب والمشاكل منا أو من الله عز وجل؟ 

البعض يأتي ويقول: كيف أن الله عز وجل من جهة يقول: وما أصابكم من مصيبة فمن الله، وفي مكان آخر يقول: فمن أنفسكم. 

من جهة يقول: فبإذن الله، ومن جهة أخرى، يقول: فبما كسبت أيديكم، لم نفهم! هل هي من صوب الله، أو من صوبنا نحن؟ 

الجواب على هذا: 

في النظام العام للكون، لا شيء يجري إلا بإذن الله، لا يوجد شيء، ولا حركة في الكون تحصل إلا بإذن الله، بأمر الله، بعلم الله، تحت نظر الله عز وجل، طبعا هذا ما ينتهي إلى الجبر، لكن عندما نتحدث عن المباشر، عند ذلك يصير: فبما كسبت أديكم، بل (ويعفو عن كثير)، كل شيء في الكون.

الآن لو أردنا أن نمثله بمثال قريب، هذا المسجد المبارك، كل حركة فيه، ما دمت أنت موجود فيه، هي تحت سقف هذا المسجد، سواء كانت صلاة أو تضرب أحد بجانبك، صحيح أولا؟ فهي تحت نظر الله عز وجل، سواء عملت عملا صالحا أو عملت عملا سيئا، هنا شبهة هذا الكون كله بهذا المسجد، الكون كله تحت نظر الله عز وجل، فأي حدث فيه يحدث هو تحت نظر خالقه، لكن عندما تصلي، أو تضرب شخص بجانبك، فبما كسبت أيديكم. 

إذا صليت تثاب، وإذا ضربت تعاقب.

كذلك بالنسبة إلى موضوع البلاء والابتلاء هو من هذا القبيل، لا شيء في هذا الكون يجري إلا وهو تحت هذا السقف من العلم الإلهي، ولكن مباشرة الأمور هي بيد الإنسان، يستطيع أن يحسن فيها ويستطيع أن يسيء، لذلك فإنه يحاسب، مع أن الله يعلم به تماما.

مثل ما شبهنا بمثال هذا المسجد يقول الله سبحانه وتعالى: (ما أصيب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها).

هذا كله تحت علمنا، من قبل أن نبرأها، من قبل أن نخلقها، نحن عالمون به، لا تستغرب (إن ذلك على الله يسير)

لكن عندما نأتي إلى قضية المباشر، والمسؤولية عن ذلك، لا تقل: ما دام الله يدري عن الموضوع، إذن أنا لست مسؤول.

 لا. يقول الله سبحانه وتعالى: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك).

كان بإمكانك أن تختار طريق الصواب، فلا تحصل على السيئة ولكنك اخترت طريق السيئة فحصلت على تلك النتيجة. 

وفي آية أخرى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، لو أن الله سبحانه وتعالى، أراد أن يعاقب البشر، بالنتائج العادية لأعمالهم، كل شيء تعمله فله نتيجة وأثر، لو أن الله أراد أن يحسبها حساب رياضي، هل تعمل هذا العمل، وينتج ذلك الناتج ويحصل لك. 

ذاك يعمل هذا العمل والبشر كلهم يعملون أعمال، تنتج نتائج، لو أن الله أراد أن يصنع ذلك في البشر، لكان ذلك صعبا جدا، ولكن (يعفو عن كثير).

لا يرتب عليه الآثار، خصوصا في هذه الدنيا

نعم يحتاج البشر إلى إيقاظ، حتى لا يتمادوا. 

وكمثال آخر لنتأمل الآن هذا الوباء، الذي عم العالم، هذا نوع من أنواع البلاء يفسر لنا بما كسبت أيديكم، والذي فيه أيضا (ويعفو عن كثير) وهو في علم الله عز وجل. 

هذا ينطبق عليه: (ما أصاب من مصيبة في الأرض)، فالله يعلم بذلك، ومحسوب في كتاب، من قبل أن نبرأها، من قبل أن نخلق الأرض، والمصيبة الله يعلم بأنها ستقع في تاريخ كذاو شهر كذا في سنة كذا، سيحصل بلاء ينطلق من ذلك المكان، هذا العلم موجود، من أين هذا؟ بما كسبت أيديكم. 

بما كسبت أيديكم، يعني: يا أيها البشر عندما تتعدوا حدود الله سبحانه وتعالى، لن تكون آثاره في يوم القيامة وحسب بل ان له آثاره وتبعات تترتب عليه في هذه الدنيا أيضا.

أنت أتيت أيها الإنسان والله قال لك: هناك أشياء محلل لك أن تأكلها وهناك أشياء محرمة لا تأكل منها، بهذه الطريقة تنعم وبتلك الطريقة لا تتنعم، هذا الإنسان الغافل، هذا الإنسان الأحمق، الذي لا يدرك مصلحة نفسه، ولا يسمع لمن يعرف مصلحة نفسه، من أنبياء الله ورسله، يقوم ويأخذ له كل ما في الطبيعة من أشياء ويتعامل معها بطريقته هو. 

ونلاحظ الآن أكثر النظريات الشائعة الموجودة، في هذا الزمان عن بداية الوباء، هو ذلك السوق الصيني المعروف، والذي لا يوجد شيء يدب أو يدرج أو يزحف على الأرض، يطير في الهواء، أو يسبح في البحر، إلا وأخذوه وأكلوه. أي شيء، تخيل ذلك.

طيب، هذه الأشياء ليست مناسبة لبدن الإنسان، ليست صالحا لجسم الإنسان، ولروحه، هذه تخريب للطبيعة، هذا فساد للكون، ما هكذا تورد يا سعد الإبل! 

الإنسان يمشي في هذا ويذهب ورائه، طيب هذا له نتائج، ونتائجه أن هناك فيروس، من أصغر ما خلق الله تعالى، يبدأ يفتك في هذا الإنسان، وينتقل بشكل عجيب وغريب في هذا الكون، هنا: فبما كسبت أيديكم، ما دام لم تفعل هذا، أو تقدم على هذا العمل السيء، لم تصبح هناك نتيجة له. 

وفي الحديث عندنا عن الإمام الرضا عليه السلام: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون). 

الكافي: ٢ 275 / 29.  ميزان الحكمة -محمد الريشهري -ج ٢ -الصفحة ٩٩٥

هذا الإنسان، يفترض أن تكون لديه قدرة الاكتشاف التي أعطاه الله إياها، وزوده بها، أن يسخرها في الخير وفي تقدم الإنسان، وحضارته وفي رفاهيته وسعادته، وفي اكتشاف الطرق إلى الله عز وجل، لا أن يسخر هذه القدرة الإكتشافية والذكاء الذي لديه في الذنوب! 

شيء ليس حلال يقتحمه، حدود الله يكسرها، (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، النتيجة بديهية، ما هي؟ 

قد تكون كما هو حاصل الآن فيروس ينطلق من ذاك المكان، ويجعل هذا العالم واقف على رجل ونصف! لا اقتصاد يتحرك، لا سياسة، لا علم ولا مدرسة، لا رفاهية ولا سياحة ولا دين ولا دنيا، ولا غير ذلك، كل العالم توقف. 

وهنا أيضا نجد لطف الله عز وجل وكرمه يحيط بنا (ويعفو عن كثير)

ماذا لو أن الله سبحانه وتعالى جعل في هذا الفيروس، قدرة على الانتقال في الهواء، بلا حدود! 

نجدهم يتحدثون الآن ويقولون: نحن الان ملزمون بالتباعد بمقدار معين متر ونص أو مترين حتى عندما يعطس المصاب أو ما شابه ذلك فان الفايروس سينتقل بهذا المقدار، لكن حين تبتعد أكثر من هذا لا تحدث اصابة، حسنا، اذن نفهم انه في حالة وجود متر ونص فلن تحدث إصابة واحتمال الإصابة أيضا لايزال واردا في

ذاك الوقت، اذن لا تفيد فيك الاحتياطات، 50 فرد، أو20 فرد ولا فرد واحد! في بيتك سيأتيك، مع الهواء سيأتيك، طالما إنك تتنفس فانه سيأتيك، (ويعفو عن كثير) هذا وأمثاله كثير.

مثال آخر: البشر الآن عندهم مشكلة التسخين الحراري للكرة الأرضية، على أثر كثرة المصانع وعدم مراعاة النسب، هذا الغلاف الجوي تهتك، وأصبحت الإشعاعات تأتي والأرض تسخن أكثر. 

العلماء يقولون: إذا استمر الحال على هذا الأمر، كل الثلاجات الضخمة العظيمة في المحيط المتجمد الشمالي، ستتحول إلى ماء. في ذلك الوقت ستصير سيول جبارة، يعني العمائر ذات عشرين وثلاثين طابق لا تفيد ذلك انها ستغرق مثل قشة في ماء، كل الأرض تغرق. 

وتظل (يعفو عن كثير)، من أمثال هذا، وهو كثير جدا، لو أردنا أن نتحدث عنه. 

فهنا يحتاج الإنسان أن يرجع إلى ربه، وأن يلتفت أن هذا إشعار وتنبيه للإنسان أنك إذا تستمر على هذه الطريقة وتتذمر فأنت حياتك، ليست الفردية، ولكن انه الكون كله، المجتمع كله، وهنا لا يفيدك أن تقول: أنا لم أفعل!، لا. هذه سفينة واحدة. سفينة أتى واحد وخرقها.

يقول ذاك الثاني: أنا ما علي. 

لا أيها العزيز، هي سفينة واحدة، إذا انخرقت من مكان انتهت، لقد دخل الماء، لذلك أوجب الله سبحانه وتعالى، والديانات أوجبت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا المجتمع كله يتذمر، ولا يقدر الإنسان أن يقول: المهم أن أنا إنسان صالح، ولا أبالي! 

لا، عليك أن تعرف ماذا يحقق هذا البلاء والابتلاء؟ 

 هناك توجد فوائد البلاء والابتلاء ليس كله شر ظاهري، بل توجد بعض الفوائد، ولعل ابتلاء الله الناس بهذه البلاءات وأمثالها، الغرض منه هذه الفوائد المتحققة، واحدة منها: انها تتيح للإنسان فرصة كي يختبر إيمانه. 

إذا بلاء بعنوان شر وضرر ومرض وأمثال ذلك: "نصبر على بلائه فيوفينا أجور الصابرين". 

وإذا لا، جهة نعمة، مال، شخصية، إمكانات، هذا أيضا بلاء، بلاء بالخير والشر فتنة، حتى ينظر أأشكر أم أكفر؟! 

فأولا: هي فرصة للإنسان، يمتحن فيها شخصيا نسبة إيمانه: شاكرا، أو كافرا، صابرا أو جازعا. هذا واحد. 

الثاني: من الأمور التي تنفع: التنبيه على عواقب التعدي على حدود الله عز وجل.

لا تتصور أيها الإنسان، أن حائط الله هبيط، متوهم إذا تتصور ذلك، الله جبار السماوات والأرض، الله هو المنتقم، شديد العقاب، وفي نفس هذا الوقت هو أيضا شديد العقاب، لا يقبل أن يتعدى هذا الإنسان الصغير الفقير المحتاج في كل نفس إلى خالقه، أن يتعدى على ربه، وعلى المنعم عليه، وعلى بارئه، ويتحداه! 

الله يغفر مرة ومرتين وثلاث، وعشرة، يا أيها الإنسان توجه، التفت، اتق وخاف الله. 

إذا هذا الشيء لم يحدث، فسيأتيه البلاء. 

وهو تنبيه على عواقب هذا التحدي، وهو أيضا نوع من عرض جنود الله على الإنسان: (وما يعلم جنود ربك إلا هو).

سلاطين يعملون لهم عروض عسكرية، لا يستخدمونها امام الناس، لا يطلقون الرصاص على الناس، ولكن، كأنما يقولون: انظروا هذه عسكرنا وهذه جنودنا.

الله سبحانه وتعالى يقول: أنتم لا ترون ما هي جنودي؟

جنودي عندي لا ترى بالعين المجردة، لا تقدرون أن تتصيدونها إلى الآن.

بعد مرور قرابة السنة، الأطباء يقولون: هذا الفيروس فيروس متحول، كل ما نقول طريقته كذا، نرى إصابات بشكل آخر، كلما نعمل له علاج بشكل معين، نرى حالات لا ينفع فيها هذا العلاج.

حاملة طائرات، تحوي ثلاث حاملات طائرات لثلاث دول، في عمق المحيط، فيها 6000 جندي، تستعرض قوتها، كيف وصل لها هذا الفايروس! وإذا بقائد حاملة الطائرات تلك، يقول: 

نحن لدينا إصابات كثيرة، لا نستطيع أن نتحرك، نحتاج لطبيب يأتي ويعالجنا، الآن لا نستطيع أن نهاجم غيرنا، وهذه الآلة الآن صارت قطعة حديد، لأن كل واحد منا لا يقدر أن يأتي قرب الآخر، أي سلاح في ذلك الوقت يفيد! أي قطعة عسكرية تنفع! (وما يعلم جنود ربك إلا هو). 

هذا يوضح لنا بعض التوضيح فيما يرتبط بنهضة الإمام المهدي (عج).

قسم من الناس يقول: كيف أن الإمام المهدي يجيء مع هذه الأسلحة، والطائرات، وحاملات الطائرات، وهذه الصواريخ، فوق الصوتية، والعابرة للقارات، نقول له أيها العزيز، فيروس واحد يعطل كل هذا. لأنه يعطل كل من يشتغل عليها، انتهى أمره. 

الجيش هذا اللي تفترضه جيش مهاجم ومقاتل، لا يستطيع عمل شيء، فمن اللازم على كل فرد ألا يجلس بجانب صاحبه، أو مع رفيقه، هذا مجرد شيء بسيط، تمهيد، (وما يعلم جنود ربك إلا هو).

الله سبحانه وتعالى يعرض لنا ويقول: في يوم من الأيام، هذه الجبال (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) جبال صلبة، هل نظرتم الى المدينة ومكة، الله يرزقكم زيارتهم، بالذات في مكة المكرمة، حتى ينحتوا قطعة جبل، كم من الآلات يحتاجوا، وكل يوم يتقدمون متر أو مترين، ديناميت يستخدموا لبعض الأماكن، وآلات كاسحة يأتون بها من أماكن أخرى، والله عز وجل يقول: لا.

وهم يقولون نحن لا نعمل ذلك، الجبال هذي، نحولها إلى تراب، وتراب، الكثيب المهيل، يعني: الريح اللي تزيحه، تنظرون الصحراء عندما تمر الريح وتنقل هذا الكومة من التراب وتزيحها من مكان إلى مكان، الريح فقط، الجبال الضخمة تصير كثيب مهيل. 

لو فرضنا فقط هذا الفرض أن الله سبحانه وتعالى ينزع خاصية الالتصاق في التراب، فقط هذا، تصور أن بناية قائمة على أساس الاسمنت والتراب، والله عز وجل يلغي خاصية الالتصاق، وتصير حبة التراب لا تلتصق مع الثانية، ماذا يحدث؟  

كثيب مهيل، تحول هذا الجبل الضخم الصخرة العظيمة الى هذه الذرة ولا تلتصق مع الذرة الأخرى، فتصير هباء وغبار. انها بعض جنود ربك. 

بعض من قدرة ربك إذا أراد أن يستعرضها، وإذا قدرة الله هي هكذا، يحتاج الإنسان أن يخشاه ويخافه حق خشيته. 

أيضا في البلاء والابتلاء فوائد: 

فائدة علمية، تجعل الإنسان يشغل دماغه وذهنه لكي يكتشف أمصال لهذا الوباء، وعلاجات لذلك المرض، وطرق لحل تلك المشكلة. 

فالابتلاء بهذا المعنى، ليس شرا مطلقا، وإنما إذا أحسنت الاستفادة منه أصبح شيئا حسنا للدنيا والآخرة. 

    موقفنا أمام الابتلاءات، كما قال سيدنا ومولانا الحسين (ع): "نصبر على بلائه فيوفينا أجور الصابرين".

إذا مصيبة تصيبنا، لفقد عزيز، ومرض، وخسارة مال، وغير ذلك، فشل هنا أو هناك، لا نجزع، لا نتمرد، لا نبدأ بكلام سيء تجاه المنعم علينا، وإنما نقول: صبرا على قضائك. لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين. 

هذا هو موقف الإمام الحسين (ع) في مواجهته لتلك الدولة المتفرعنة، التي أرادوا منه أن يقر بها ورأى فيها الذلة وطعم الحنظل وأبى أن يعيش إلا عزيزا، وتجلى الكفاح وهو صريع. 

عزمه من بنـانـــــه      وكأن من عزمه حد سيفــــــه مطبوع

فتلقى الجموع فردا      ولكن كل عضو منه في الروع جموع

ولنساهم معاً في نشر ثقافة الصبر على الابتلاء ونغير نظرنا فيه على انه منحه وليس محنه فهي نعم في هيئة نقم.

قال الإمام العسكري عليه السلام: "ما من بلية الا ولله فيها نعمة تحيط بها"     

ميزان الحكمة -محمد الريشهري -ج ١ -الصفحة ٣٠٤ -البحار: ٦٧ / ٢٣٧ / ٥٤ و٧٨ / ٣٧٤ / ٣٤.

قال النبي صلى الله عليه وآلة وسلم: "ان آللّـّه ليغذي المؤمن بالبلاء كما تغذي الوالدة باللبن"    

ميزان الحكمة -محمد الريشهري -ج ١-الصفحة ٣٠٥ -البحار: ٦٧/ ٢٣١/ ٤٧ و٧٨ / ٢٠٠/ ٢٧ و٨ / ١٩٥/ ٥٢.

جعلنا الله واياكم من المتعظين والصابرين على البلاء العارفين والعاملين الى رفعه عن أنفسهم بإذن الله عز وجل.






مرات العرض: 3437
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2575) حجم الملف: 54821.6 KB
تشغيل:

إحياء الموسم الحسيني حياة 1
هكذا غيبت القضية الحسينية تشويه المصادر3