عقوبة شرب الخمر
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 22/4/1441 هـ
تعريف:

عقوبة شارب الخمر

(من سلسلة ثواب الاعمال وعقابها )

تفريغ نصي الفاضلة تراتيل


في الحديث عن الإمام الباقر (ع) وقد سؤل" هل شرب الخمر شرٌّ أم ترك الصلاة؟ . فقال عليه السلام : شرب الخمر، أوتدري لم ذلك؟ لأنه يصير في حالٍ لا يعرف فيها ربه"
لايزال حديثنا في موضوع عقوبة الأفعال المحرّمة ونتحدّث اليومَ عن هذا الفعل المحرّم وهو شرب الخمر وقد وردت أحاديث كثيرةٌ عن المعصومين عليهم السلام فيها غاية التشديد على المنعِ من الاقتراب من هذا الفعل الآثم بحيث أنّنا ربما لا نجد أي فعل محرّم قد ورد فيه من الأحاديث كما ورد في شرب الخمر
على سبيل المثال:
الحديث الذي ذكرناه، من المعلوم أن ترك الصلاة في ذهن الإنسان المسلم، شيء عظيم جدًّا لما ورد بين العبد وبين الكفر سوى ترك الصلاة، طبعًا هنا الترك مستحلًّا لا فسقا فقط ، فقرنت في تركها بالكفر، إذا كان الترك عن استحلال لها وعن عدم إيمان بوجوبها .
شرب الخمر في الحديث
من الأحاديث التي يشار إليها أيضًّا من ضمن العقوبات المترتبة في شرب الخمر ماورد عن إمامنا الصادق (ع) أنّه قال: (لايزال العبدُ في فسحة من ربّه مالم يشرب الخمر، فإذا شربها خرق الله تعالى عليه سرباله، فكان ولده وأخوه وسمعه وبصره ويده ورجله إبليسا، يسوقه إلى كل شر ويصرفه عن كل خير) . وهنا كلمة سرباله تعني  تلك الحماية و الغطاء. فآنا إذن يصرف على كل خير، ويقذف في كل شر، هذا التعبير لا نجده مثلًا في الزنا ولا نجده حتّى بالقتل
في الروايات  يوجد مثل هذه الآثار والعقوبات التي تترتّب على مثل هذا العمل الشنيع ففي الحديث المشهور عن الإمام الباقر (ع) أنّه لعن رسول الله (ص) في الخمر عشرةً:
 
• غارسها لغرض تحويلها إلى خمر
• حارسها
• عاصرها
• شاربها
• ساقيها
• حاملها والمحمولة إليه
• ناقلها
• بائعها
• مشتريها
• آكل ثمنها
 
هذا لا نجده في أي عمل من الأعمال، حتى الخنزير لا نجد فيه هذه الأمور , عشرة أشخاص ملعونون في الخنزير؟ لا نجده ,ان  في موضوع الخمر خصوصية ربّما حتى وصل هذا الأمر بتشبيهه بعابد وثن... نعم  شارب الخمر كعابد وثن وهذا ترقّي إلى شيء كبير، لأن الفقهاء يميّزون بين أمور الأصول والعقائد وبين أمور الفروع والأعمال
عابد الوثن ترتبط بالعقائد يصبح مشرك، نفس عبوديته للأصنام ,هذا من الأمور المحرمة وأعظم شيء الشرك بالله عز وجل
هو ليس مربوط بالأعمال إنما اعتقاد بالقلب حيث يعتقد أن الوثن أو الصنم يستحق العبادة، الحديث يقول أن الشارب للخمر ليس فقط يعمل أعمال غير صالحة بل تصل للعقائد، لذلك شارب الخمر كعابد الوثن
سؤال، لماذا هذا التركيز والتأكيد في الردع بهذا المقدار
لدينا تشريعات لا تشابه الخمر مثل مسألة اللعن عشرة من مرتبطين بهذا الفعل المحرم حتى لو كان ارتباطهم بعيد. وأكثر من هذا، الجلوس على مائدة يشرب بها الخمر حرام على الإنسان لو نفترض أنك سافرت إلى أوروبا وكانت هناك طاولة موجودة وقمت بطلب قارورة ماء أو شاي ، وجاء شخص وجلس على هذه المائدة ولديه زجاجة خمر، يجب عليك أن تقوم لانه لا يجوز أن تكمل جلوسك.
هذا ما فعله الإمام الصادق (ع)، كان جالسًا كما نقل في البحارعلى مائدة عند أبي جعفر المنصور العبّاسي، فجاء أحد القادة واستسقى " طلب أن يشرب الخمر " جاؤوا له بكأس خمر ووضع أمامه، هذا يبيّن إلى أين وصلت الخلافة التي انحرفت عن طريقها ، وصلت إلى أنّه في مجلس خليفة يسمّى بأمير المؤمنين ويخطب يوم الجمعة في النّاس اتقو الله يا عباد الله، في مجلسه يستسقي أحد القادة فيؤتى له بكأس خمر، وضلّت تتنازل الخلافات إلى زمن المتوكّل الذي كان يشرب الخمر مع وزيره وقتل في تلك الحالة، قضيّته مشهورة.
شاهدنا انه لمّا وضع الخمر بالمائدة قام الإمام عليه السلام وانصرف.
ومنه وأمثاله، أخذ فقهاؤنا هذه الحادثة للحكم في لزوم تجنّب البقاء في مائدة يوضع فيها الخمر حتّى لو كان شخص ليس على دين الإسلام.
مثل هذه الأحكام لا نجدها في سائر الأفعال المحرّمة، كلعن عشرة  والنهي عن العمل معه أو تزويجه، غالبًا لا يوجد لدينا بخصوصه أن لا تتعامل تجاريا مع الزاني " نهي خاص " لكن في شارب الخمر عندنا ذلك، يقال أن إسماعيل بن امامنا جعفر الصادق (ع) الذي ينتمي إليه المذهب الإسماعيلي والذي توفّي في أثناء حياة والده كان ذات يوم دخل في تجارة مع أحد من الأشخاص، يقال أنّه شخص لديه أرباح جيّدة و فشاروا اليه ان تدخل معه في عمل تجاري ويربحك , فقام إسماعيل بإعطائه مبلغ من المال حتّى يشترك معه في التجارة فرآه أبوه الإمام جعفر الصداق (ع) فقال: أما وصلك أنّه يشرب الخمر؟ هنا إسماعيل كأنما قال: ما لي به ان شرب خمر هو يشرب خمر  وهذه تجارته وامواله , وبعد مدّة خسر هذا الشخص التاجر وخسر إسماعيل. فقال له الإمام الصادق (ع): ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾‏
 السفهاء لا ينبغي اعطائهم المال ، وأيُّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟
لأن الناس يصرفون الأموال الطائلة لتكميل عقولهم، وهذا شارب الخمر يصرف الأموال الطائلة لتهديم عقله , وهل توجد سفاهة أعظم من هذه؟
الناس يركضون وراء معرفة إضافية بربهم وخالقهم، وهذا تمر عليه ساعات لا يعرف فيها ربّه! لا يعلم من هو الله
و ما هو الله وماذا يشكّل. وأي سفيه أسفه من شارب الخمر، إن شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب.
هل عندك بنت؟ . لو قالو لك أن هذا شخص جيد و لديه أموال ...الخ ولكن  يشرب خمر و لا بأس من ذلك فأن كثير من الناس تشرب , فهل ستزوجه ابنتك ؟؟؟ ورد في الحديث :" من زوّج كريمته شارب خمر فقد قطع رحمها" . هذا تؤكده الحقائق حتى في بلادنا فالنساء اللاتي تزوجن ممن يشربون الخمر قسم منهن تأثرن بأزواجهن وقسم منهن تم الاعتداء عليهن وقسم منهن في حالة اضطراب ومشاكل.
اذن إذا خطب ينبغي ان لا يزوّج، وإذا شفع لا يشفّع، ولا يؤتمن على أمانة. لماذا هذا التأكيد والتشديد في موضوعه؟
قد يكون بالإضافة إلى ما ذكرنا من أمور، له جهات أخرى.
الجهة الأولى:
أن الخمر وشربه ليس مستنكرًا عند الناس كاستنكار القتل والزنا  . ففي مثال الخليفة المعتصم عندما اتى احد من  قواده وطلب ان  يشرب الخمر في ديوانه امام الجميع فلم يستنكر عليه احد سوى الامام، لكن لو زنا أمام الناس سيكون هناك استنكار شديد.
لو قتل احدهم سيكون الأمر صعبا، لكن  عندما يشرب الخمر لا يحصل شيء، ليس كذلك . هنا كأنما الشارع المقدّس يلتفت إلى أنّه شرب الخمر سيصبح جزء من عادات الناس الغير مستغربه والغير مستهجنه أو جزء من الشخصية , فإذا راح الى حفلة وقال أنا ما أشرب يرونه رجعيًّا متخلّفا متحجّر، هذا الكلام حق أهل اوّل
الآن لو تريد أن تكون متحضّر وموديل عام 2020م  لابد من شرب هذه الأشياء ويصبح هذا جزء من البرستيج ويستهين به الناس
الشيء الذي يستهان به مع عظمة الإثم الذي فيه يحتاج إلى تأكيد أعظم . استنكار شرب الخمر ليس كاستنكار القتل عند الناس والزنا، وليس كاستنكار السرقة لذا فانه يحتاج إلى أن يشدّد عليه ويؤكد عليه
الجهة الثانية:
حكاية كانت من السابق، التهاون في هذا العمل من قبل  قسم من هؤلاء الآثمين , يقول لك أنا لم اتعدى على أحد، أنا جالس أشرب الخمر في بيتي ولم اؤذي المجتمع , لم اذهب و أسرق أحد أو أتعدى على أحد، اليس هذا افضل حالا ممن يذهب ويسرق بيت الجيران؟ اليس هذا أحسن من الشخص الذي يزني؟ نقول له طبعا لا ,ليس في هذا حسن ولا في ذلك حسن
يقول انا لم اتعدى على احد ؟ نقول له انك اعتديت في أعظم شيءٍ انت اعتديت على رب العباد ,, انت لم تظلم  جارك، لكن ظلمت ربك و تخطّيت كل ما يمكن تصوّره
لو تتعدّى على واحد من العباد فهذا قبيح، لكن أن تتعدّى على رب العباد؟ هذا أقبح
تقيس هذا الأمر .. أن تتعدّى على انسان عادي فهو قبيح ولو تعدّيت على نبي أقبح، كيف لو تعدّيت على رب الخلائق ورب النبي؟  هذا أكثرقبحا  فأنت تعدّيت على الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
قد يأتي بعضهم يقول: هذه المشاكل والهموم لو كانت لديك مثلها كنت ستعمل مثلي
نقول له لا، هناك أشخاص في هذا العالم لديهم أعظم من بلاءاتك وابتلاءاتك ومشاكلك وقضاياك بمئات المرّات ومع ذلك لا يلجؤون إلى هدم عقولهم وبالعكس الإنسان الذي لديه مشاكل ومصائب ومتورّط هذا يحتاج إلى عقل زيادة لمواجهتها حتى يحل مشاكله ولا يهرب منها
فقد يكون هذا سبب لهذا الشخص ولأمثاله كمبرر لهذا الفعل الشنيع العظيم
هذا المبرر غير مقنع ويجب ان لا يتحول شرب الخمر إلى جزء من بريستيج الناس ومن الشخصيّة، فهذه المبرّرات غير معقولة وغير شرعيّة وهذا شيء خطير  يصل إلى مستوى الشرك بالله كعابد الوثن، يصل إلى مستوى اللعنة، وليس على مستوى الشارب فقط وإنما كل من يرتبط ولو برباط بعيد بهذه القضية.
نبتهل الى  الله تعالى أن يطهّر مجتمعنا المسلم من هذه الآفة، التي هدمت بيوتًا، وأضاعت أموالًا، وصنعت طلاقات , وأفحشت في الآثار التي ترتّبت عليها

و نسأل سبحانه ان يهدي ضالّ المسلمين وعاصيهم لكي يرجعوا لجادّة الصواب وأن يعيننا على طاعته والاستقامة عليها انه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد و آله الطاهرين

مرات العرض: 3404
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2627) حجم الملف: 37500.93 KB
تشغيل:

سلمان المحمدي واجد الحقيقة
التعريف بالمجاميع الحديثية المتأخرة 14