عقوبة اكل مال اليتيم
(من سلسلة ثواب الاعمال وعقابها )
تفريغ نصي الفاضلة تراتيل
قال الله العظيم في كتابه الكريم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ النساء 10
. صدق الله العلي العظيم وفي الحديث عن الامام أبو جعفر الامام الباقر عليه السلام قال : "ان آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهم في بطنه حتى يخرج النار من فيه ويعرفه اهل الجمع انه آكل مال اليتيم "
حديثنا اليوم في ضمن حلقات عقاب الاعمال و سيتناول عقوبة آكل مال اليتيم .
من هو اليتيم ؟
يقول علماء اللغة ان اليتيم بالنسبة الى غير الانسان كالحيوانات هو الصغير الذي يفقد امه .مثلا العجل الصغير اذا ماتت امه البقرة يقال له يتيم اما اذا مات اباه الثور فلا يقال له يتيم وهكذا في مثل الكلب فان الجرو الصغير اذا ماتت امه الكلبة يقال له يتيم ولكن اذا مات ابوه فلا يقال له يتيم.
اما بالنسبة الى الانسان فعكس ذلك حيث اليتيم هو من يموت اباه من الصغر ولو كانت امه وجدته موجودتان , ولا يُعد يتيم ولا يصح ان يسمى يتيم اذا ماتت امه طالما ان اباه موجود .
وهناك شرط اخر في اللغة والشرع حتى يسمى الانسان يتيم وهو ان لا يبلغ الحلم , فاذا بلغ الحلم خرج عن كونه يتيم , أي انه يفقد اباه وهو دون سن الشرعي للتكليف , فالولد اذا بلغ خمسة عشر عاما او ظهرت عليه سائر علامات البلوغ وكذلك الفتاة اذا بلغت التاسعة او ظهرت عليها علامات البلوغ وتوفى والداهما فهما غير يتيمين. وهكذا فانه اذا بلغا او ظهرت عليهما علامات البلوغ فانهما لا يعدان يتيمين من الناحية الشرعية . فلا يصح ان يقول لك احدهم وهو بعمر العشرين انه يتيم فقد جاء في الحديث ( لا يُتْم بعد احتلام )
في الشرع و اللغة هناك توسعه بلحاظ بعض الاثار فقد يكون لا ينطبق عليه عنوان اليتيم بحسب اللغة ولكن الشرع يقول ان هذا يتيم فمثلا عندنا رواية في الكافي يسأل احدهم الأمام علية السلام يقول :(ما ايسر ما يُدْخِل النار؟؟ فقال له الامام عليه السلام : ان يأكل من مال اليتيم درهما , ونحن اليتيم فمن اكل من حقنا درهما دخل النار ) هذه توسعه في عنوان اليتيم أي يريد الامام القول بانهم في حرمة حجب حقهم عنهم(الخمس الشرعي) كاليتيم فكما ان اكل مال اليتيم محرم ويدخل به الانسان الى النار فكذلك اكل حق اهل البيت هو محرم وكل من حجب حقهم فانه يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا
و هناك توسعة بلحاظ اخر وهو ما ورد في بعض الروايات ان اليتيم هو من انقطع عن امامة - بقى بعيد عن القائد و الموجه وليس لديه اتصال به و ليس له مركزية دينية - فهذا في لزوم رعايته والعناية به هو كاليتم الذي يفقد والده و يحتاج الى حياطه وعناية والرعاية , لذلك وُصِف علماء ال محمد صلى الله عليه وآله بانهم من يرعون يتامى ال بيت رسول الله حتى لو كانت أعمارهم كبيره كالخمسين سنه مثلا فطالما هم مقطوعين عن مركز التوجه الديني ومعرفة احكام الله فهم كاليتامى و يحتاجون الى رعاية لذا على المبلغين الواعين العلماء ان يهتموا بهم . أيضا من حبس الخمس الشرعي عن ذرية رسول الله فهو كمن يأكل مال اليتيم ولذا قال الأمام :" نحن اليتيم ".
نعود للآية ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ النساء 10
هذه تنطبق على المعنى الأول اللغوي هذا لإن اليتيم به نقطة ضعف جدا قوية فبما ان والده غير موجود فان هذا اليتم يفقد الموجهة والراعي و تكون قدرته على إدارة حياته وتدبير شؤونه و أمواله ضعيفة لذلك هو يكون محطة لاستغلال الأخرين . فأحيانا فلان يكون وصي على الايتام سواء بوصية او بتكليف من الحاكم الشرعي او بحسب الوضع العائلي هنا يأتي من يسيطر فهذا الوصي قد يستولي على أموال هذا اليتيم ويصادرها -وعُبّر عنها بالأكل لان الاكل هو اول شي لاستهلاك الانسان و قد تكون صيغة مبالغة - وحقيقة هذا العمل هو انه لا يأكل المال بل هو يأكل نارا ولكنه لا يبصر ,فكثير من الأشياء نحن نتعامل معها لكن لا نعرف حقيقتها فمثلا الذنوب التي نذنبها كل ذنب له رائحة خاصة وله صورة قبيحة ونحن لا نستطيع ان نشمها ولا نراها , فكما ان العمل الصالح له رائحة طيبة وصورة حسنه كما يستفاد من الروايات فمثلا سورة يس تتمثل يوم القيامة في صورة شاب حسن المنظر بهي الطلعة جميل الصورة عطر الرائحة - فهذه السورة تحفظ قارئها و حافظها فعندما نقرأها لا نرى شيء ولكن حقيقتها موجوده .
كذلك بالنسبة للذنوب فمن يأكل مال اليتيم حقيقته هو اكل للنار للهب ولكن نحن لا نستشعر بألمها , فقط من لديه بصيرة هو يرى تلك النار والله سبحانه يرى قبلهم و ينبهنا ويحذرنا ويقول :" انما يأكلون" وكأنما يحصرها في انه يأكل فقط النار وليس شيء أخر سوى النار فهذا عقاب الدنيا و اما عقاب الأخرة فهو انهم يَصْلون نارا سعيرا وهذه صفة للنار فكما ان الكلب المسعور هو كلب يركض وراءك ووراء ضحيته و لا يكتفي ان ينهش, فهذا التسعّر من اللهب هو يذهب اليك واعوذ بالله واياكم من مثل ذلك المصير
هناك امثلة ومظاهر لأكل مال اليتيم حتى لا يكون الحديث نظري , مثلا : فلانه تتحدث ان زوجها تقول انه توفي وعندهم أولاد صغار من ذكور واناث وعنده ا خ شاب فيحصل اقتراح بان عم الأولاد يتزوج ارملة أخيه وهذا حلّ جيد ليشرف على تربية أبناء اخية ورعايتهم ولكن الخطأ الذي يحصل أحيانا هو ان اخ الزوج يعيش في بيت أخيه فهذا من اكل مال يتيم ظلما والظاهر من هذا الفعل انه حسن وفيه احسان ولكن هذا لا يجوز لان هذا المنزل بعد وفاة ابيهم اكثر قيمته هي للأولاد واقله للزوجة امهم - من ثمن البناء وليس الأرض فلو كان سعر البيت 250 الف منها 150 الف ريال سعر الأرض و 100 الف ريال سعر البناء فان للزوجة ثمن المائة الف ريال أي حوالي 12 ألف ريال فقط - لذلك عندما يريد ان يعيش عليه ان يستأذن من الأولاد ولكن هنا الأولاد لا يمكن ان يأذنون له لانهم صغار قُصّر غير بالغين لذلك عليه ان يدفع اجرة ,
و الأكثر سواء من ذلك فيما نقل عن بعضهم وبعضهن ان زوج الام يأخذ كرت التأمينات الخاص بوالدهم ثم يصرف منه قيمة المأكولات والمشروبات والاحتياجات وهذه الأمور هو يستهلك منها معهم وهذا يعتبر اكل مال اليتيم , و قبل هذا لابد ان تكون هناك جهة شرعية توليه او وصية من والدهم المتوفي , وان قام بهذا بنفسه فالأمر جدا فيه اشكال . اذا لوحظ انه يأكل من أموال اليتيم فانه لابد من رفع امره الى الحاكم الشرعي ويوضع عليه مراقب واذا تبين خيانته فيعزل عن هذه الولاية .
وهكذا الحال بالنسبة الى حالة المواريث . فاذا توفي اب وله أولاد صغار فمن اليوم الأول للوفاة لا يجوز استهلاك الأمور المشتركة , البيت اذا كان مشترك مثلا فلابد من حفظ مال اليتامى فتعزل حصة الصغار اليتامى او يعطوا في مقابل سكن هؤلاء مبالغ معينه .
وعلى الوصي ان يعزل أموالهم -مثلا 400 الف ريال - وعليه ان لا يتصرف بها كأن يستثمرها في اكتتابات وغيرها فهذا لا يجوز ولا يجوز الاقتراض من أموالهم أيضا حتى و ان كنت ستضمن ارجاع المبلغ . ولو استثمرت أموالهم في تجارة فان كل الربح يرجع اليهم , نعم لو كان من البداية الربح معروف انه مؤكد و كان الربح شيء ثابت وليس فيه مخاطره وفيه مصلحة لليتيم وانت ولي شرعا فيجوز ولكن الربح كله للأيتام وانت تأخذ اجر العامل كالمعتاد , فلو اخذت من الأرباح ما يزيد عن اجرة العامل فلن يكون ذلك سائغا
التصرف فيما لا مصلحة واضحة للطفل فيه فانه مشكل , فمثلا عمل حفلة عيد الميلاد لليتيم فلا يجوز عملها من مال اليتيم ولكن يجوز من مال أي شخص اخر كالولي .
او الذهاب معه الى مطاعم والصرف من أمواله على هذا المورد فانه لا يجوز , بعض العلماء افتى بانه اذا كان هناك ضرر على اليتيم من عدم ذلك كأن كان سيتأثر نفسيا ويشعر بانه اقل من الباقيين هنا يجوز لان هذا سيكون في مصلحة الطفل
وهكذا فان الاعتناء بأموال اليتامى امر يحتاج الى دقة , والإسلام يعتني بهذا الامر جيدا فحتى لو بلغ اليتيم من الناحية الشرعية فلا يسلّم له حصته من الورث حتى يختبر و يأنس منهم الرشد لو كان سيسحب من أمواله من اجل اللعب على النت مع الاخرين وغير ذلك من الأمور التي توضح بانه غير راشد فانه لا يُسَلّم له الورث
لو كانت الآية "فان انستم منهم رشدا " تنطبق على الجميع في المجتمع فهذا مشكل لان هناك الكثير من الناس تصرفاتهم تدل على عدم الرشد, فهناك من يشترى فرده نعل فلان المشهور بعدة آلاف و هناك من يشترى ملابس داخلية للفنان الفلاني بمبلغ وقدره كذا ,, اين الرشد ؟؟؟
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يفقهنا في احكامه وان يعيننا على الالتزام بها انه على كل شيء قدير
وصلى الله على محمد و آله الطاهرين |