قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ وَلَـٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ)الآية المباركة ينهى فيها الله الناس عن أن يقولوا للشهداء بأنهم أموات ويقول بأنهم أحياء ٌ عند ربهم أنتم الذين لا تشعُرون. ماهو الغرض من هذا التوجيه؟ لو أن الإنسان أراد أن ينظر إلى القضية ضِمنَ إطارِها الظاهري لقال أن الشهداء بالنتيجةِ هم أموات، لا يتنفسون لا يأكلون لا يتحركون لا يتفاعلون وهم تحت التراب فما الداعي إلى مثل هذا الخِطاب الجازم والحزم في أنه لا تقولوا لهم هذا الكلام؟ كأن أحد الأغراض التي يريدها القرآن الكريم هو : أن يصنعَ هو ثقافة الناس الصحيحة والسلامة وان لايت ك الثقافات الخاطئة والأفكار الباطل تتحكم في أذهان المسلمين؛ لأن من المعلوم أن حركة الانسان في الحياة تابُعة لثقافتِه وفِكرِه، إذا اعتقد أن الحياة لعِبٌ ولهو يتحرك على ضوء ذلك.، وإذا اعتقد أن الحياة ليست كذلك، وإنما (لَوۡ أَرَدۡنَاۤ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوࣰا لَّٱتَّخَذۡنَـٰهُ مِن لَّدُنَّاۤ إِن كُنَّا فَـٰعِلِینَ * بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَـٰطِلِ فَیَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقࣱۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَیۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ) الحياة ليست عابِثَة لاهِيَة، بل من أجلِ غرض وهدف. المؤمن بهذه الفكرة يتحرك على أساسِها والمؤمن بتلك الفكرة يتحرك على أساسِها، الذي يعتقِدُ أن مَنْ يُقتَل في سبيل الله هو ميّت، انتهى انعدم، انتهت حياتُه فهو لن يُقْدِم على قضية القتال في سبيل الله والشهادة من أجله؛ لأن الإنسان يخافُ الموتَ والعَدَم والنهاية، فكأن هذه الفكرة أن الشهيد ميت مُنْعَدِم هذه الفكرة تُشَكّلُ حاجِزاً أمام الإقدام على الشهادة والجهاد، أما إذا عرِف الإنسان أن من يُقْتَل حي (فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ) هنا تتغيّر المُعادَلة، مادام مستمِراً باقِياً مُؤثّراً فإن إقدامَهُ هو ومَنْ سِواه على الشهادة يكونُ مُختلِفاً، فتأثير حتى المُصطلَح أحياناً ( ميّت _ شهيد) يختلف في تأثيرِهِ على سلوك الناس وعلى حياتِهم، من هنا رأينا أن القرآن الكريم بالإضافة إلى ما جاء به من آيات الأحكامِ الشرعية ، التي هي بتقدير 10٪ من القرآن كما هو المشهور أم هي أكثر من ذلك، على أي حال هي ليست كل القرآن، بل إن في القرآن مساحات واسِعة من القصص والحِكم، وأنباء الماضي، وأنباءِ المُستقبل، وطريقة إدارة الحياة، وثقافة العيش موجودة فيه. لماذا كل هذا؟ مع أن هذا الدين جاء بالحلال والحرام وما شابه ذلك؛ يريد الله أن لا يكون فِكرُ الإنسان وعقلِه خالِياً فيُمْلأ بالأفكار ِ الباطِلة، فيملأَهُ بثقافة القرآن. فيه إطلالة على ثقافة البشر والأنبياء، وفيه كلام عن المُجتمعات ومُستقبلِها، وفيه طريقة الحياةِ موجودة، وفيه معارف مُتنوعة، الغرض منها أن الإنسانلا يكون عندهُ نُقاط خلل في ذِهنِهِ وفِكرِه، بحيث تأتي تيارات واتجاهات خاطئة تُعَبِّئ هذا الفِكِر، ولذلك كلما اقترب الإنسان من ثقافة القرآن، ودرسها واستوعبَها، كان أبعد عن الثقافات الباطِلة... بعض الأفكار الخاطئة التي قد تنتشِرُ في المجتمع، وقد يكون ظاهِرُها أحياناً ظاهِر حَسَن، لكن واقِعُها سيِّء ..... بعض هذه الأفكار لا أصل لها من حيث القائل، وبعضها له أصلٌ من حيث القائل، لكن فيها إلتِباسٌ من حيث المعنى.. القِسم الأول : هناك أقوال تُعبّرُ عن أفكار ،
مثل : ما انتشر في صُفوف بعض المُثقّفين وكُتاب المقالات، وهي : إن الطُرُقَ إلى الخالِق بِعدَدِ أنفاسِ الخلائق، هذا الكلام ظاهِرُهُ لطيف، لكن بالتحليل، ما هو مصدر هذا الكلام؟ هل جاء في وحيٍ سماويٍّ؟. قطعاً لا. ليس هناك آيةٌ قُرآنيةٌ تقول بهذا المعنى.. هل هو حديثٌ عن رسول الله أو أحد المعصومين؟ كلا.. وإن ذكر بعضُ العلماء كالعلاّمة النَّرَاقي رضوان اللهِ تعالى عليه المُتوفى سنة ١٢٤٥ ذكر في أحدِ كُتُبِهِ أنه عن أمير المؤمنين، لكن هذا الكلام ردّهُ علماءٌ مُحقِّقون، وقالوا : إنه من باب الإشتباه وسَبْقِ القَلَم كما يقولون. لا يوجَدُ في تُراث أمير المؤمنين الحديثي ولا سائر المعصومين مثل هذه العِبارة، لماذا نقول أنه لم يرد، لأنه أحياناً الإنسان يكون عنده مقارَنة بين قولَين، بين آيةٍ وقول مثل هذا القول،، أنا لستُ مُلزَماً أن أُصَدِّقَ هذا القول، أنا مُلزَم أن أُصدّق الآية المباركة، مُلزَم أن أتّبِع الحديث الثابت عنهم، أما قولٌ قالهُ شخصٌ ما،. عارِفٌ من العُرفاء ، عالِمٌ من العلماء، فلسْتُ مُلزَماً بإتّباعِه، وإذا خُيِّت بين قولِ الله وبين هذا القول فلا آخُذُ به،، فهو لا مصدر صحيحٌ له... لنَنْظُر إلى القول نفسه ( انظُر لما قيل، ولا تنظُر لمَن قال) هذا الكلام في ذاتِه ما هو المقصود منه؟ هناك مقصَد صحيح، ومَقصَد خطأ هو الذي يُروِّجُ له بعض الكُتّاب، وهو أن الطُرُق إلى الله عزّ وجل كثيرة، فتستطيع أن تصِلَ إلى الله عَبْرَ الإسلام، وتستطيعُ أن تصِل إلى الله عَبْر المسيحية، أو اليهودية، فهناك إذن طرُق مُتعدِّدة، فتستطيع أن تصِل إليه عَبْرَ أهلِ البيت، أو عَبْرَ غيرهم... هذا المعنى الذي يُروَّجُ له حتى عُبِّرَ عنه عند بعضهم بعنوان الصراطات المستقيم، ليس عندنا صراط مستقيم واحد وإنما صراطات مستقيمة، هذا المعنى المُراد يُعبَّرُ عنه الآن بالتعددية الدينية، فهو لا شك ولا ريب مُخالِفٌ لما جاء في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة، بل المُتواتِرة عن أهلِ البيت ِ عليهم السلام، أما ما جاء في القرآن فمعلوم أنه صِراطٌ واحد فقط، (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ) الصِراط المستقيم المعهود المعروف، وفي جهة النفي (وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ)، هذا المعنى الأول الذي أرادهُ أصحاب هذا القول يعني حتى البوذية والسيخ توصِلك لله وغير ذلك . إذن أين صارت خاتَمِيَّةُ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأين النفي (إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ )؟ يعني بعد رسول الله ينحَصِرُ الدين الذي يطلُبُه الله فقط في الإسلام. ومَن يبتَغِ غيرَه غير مقبول العمل " لن يُقبَل منه"، على مستوى المذهب أيضاً إذا كان أيُّ طريقٍ يُوصِل إلى الله، فماذا يعني قولُ رسولِ الله : ( مَثَلِ أهلِ بيتي فيكم كمَثَلِ سفينة نوح مَنْ ركِبَها نجا ومَنْ تخَلَّفَ عنها غرِق ) مهما ركِب من السفن الأخرى، وهذا مُقتضى الشرطية، ليست أي سفينة / سفينة نوح التي كانت في ذلك الزمان كانت لا عاصِمَ من أمرِ الله إلا مَن رحِم، برُكوبه في تلك السفينة، حتى لو صعدت فوق الجبل.هنا بهذا المعنى لا يوجد صراطات مستقيمة . فإنما هو طريقٌ واحد ( وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِیلِهِۦۚ ذَ ٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) سبيل واحد،. صِراط واحد، طريق واحد، نعم يوجد معنى آخر يمكن أن يكون صحيح، لكنه لا يُقصَد به أصحاب الثقافة المعاصرة، وإنما مقصود بعض العلماء ممن استدل بهذه الكلمات، ولعل المحقق النَّرَاقي واحداً منهم.. إذا اتخذت الاتجاه الصحيح _ الصراط المستقيم _ تمسكت بالقرآن وأهل البيت عليهم السلام بناءً على وصية رسول الله، حينئذٍ في الطرق الفرعية في الوصول إلى الله إلى ما شاء الله. تريد تصل إلى الله بعد التمسك بهذا الطريق لك ما شئت، تريد أن تتصدق لك ذلك، تصلي، تصوم مستحب، تُنفِق، تخدم خدمة اجتماعي وهكذا كلها توصلك إلى الله، مادام خطُّك الأساس في الوصول إلى الله هو الطريق المستقيم... هذا المعنى له وجْهٌ صحيح، لكن أصحاب الثقافة المعاصرة لا يريدون هذا، وإنما يريدون قضية الاتجاهات الأصلية، الديانات المتعددة والتيارات المختلفة كلها توصِل إلى الله وهذا كلام لا معنى له أبداً... وهذا واحد من تبك الشعارات غير الصحيحة. من ذلك إيضاً في موضوع اجتماعي وأخلاقي : الفكرة المتداوَلة التي تقول : دعِ الخلقَ للخالق. عندما تقول : هذا الاتجاه الذي يذهب إليه فلان اتجاه مُنحَرف وذاك الاتجاه صحيح. يرد عليك : دع الخلق للخالق... كما قلنا سابقاً : ما هو مصدر هذا الحديث؟ لا هو موجود في القرآن ولا في الحديث ولا في الروايات، لكنه كلامٌ قيل،. وهو يُعبِّرُ أيضاً عن معنىً خاطئ، فلا الكلام له أصل من حيث جهة المصدر ولا له معنى صحيح في ذاته ومُحتواه، إلا بتوجيهٍ آخر، لعل هذا أيضاً ناشئ من فكرة روْج لها الأمويون في وقتٍ من الأوقات، وهي فكرة إرجاع المُخطِئين إلى ربهم يوم القيامة، لماذا تنتقد البيت الأموي؟ لماذا تنتقد أن الخليفة يسكَر ويسرق وكذا وكذا؟ دعِ الخلقَ للخالق. حسابهم على ربهم يوم القيامة ما شأنُكَ أنت؟ ولعل المصدر لها في أصلها هو ما ذهب إليه المُرْجِئة ... فإذا انتقد أحدهم أصحاب سلطة أصحاب نفوذ أنت لستَ مُوَكّلاً عليهم، لا تنتقِدهم ولا تعارضهم، هؤلاء لهم رب يوم القيامة يُحاسبهم، وهذا يُحوِّل المجتمع إلى خُنثى في الموقف السياسي تجاه الظالمين، لا يدع الانسان فياحة في التمييز بين الطيبِ والخبيث، والخَيِّر والشرّيو، وفوق هذا يعدم شيء اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يشمل كل المجتمع، إذا صار الإنسان يعتقِد بهذه المقولة هكذا حينئذٍ لا معنى لأن يأمر بمعروفٍ أو ينهى عن منكر.. لا يكون فقط مُجَمّد الموقِف، مُجَمّد الفعل، لا يقول لشيءٍ هذا خطأ، وبعضهم أيضاً احتجّ على الإمام الحسين عليه السلام بمثلِ هذه الكلمات، أنت إبق على عبادتك ويزيد وغيره لهم ربٌّ يُحاسِبهم يوم الالقيامة وهو المُوَكَّل بهم. فهذا المعنى بلا ريب معنى مُخالف للأصول الإسلامية التي نعرفُها. الله تعالى يأمرنا بأن نعمل شيئاً، نتخذ موقِفاً؛ حتى يَمِيزَ الخبيثَ من الطيِّب.. فهذا فِعل الله عزّ وجل، ثم فعل الأنبياءْ، يا إبراهيم ويا موسى ويا محمد لماذا لا تَدَعوا الخلق للخالق؟فهذا في نهاية لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل فيه نهاية لأصل حس الإنسان في تمييزِه بين الخير والشر، لا تبقى هناك فائدةٌ من عقلِه الذي أُعطِيَ إليه، ليُمَيّز بين خَيِّر الأمور وشرها. نعم هناك شيء يُمكِن أن يكون صحيحاً إذا قُصِد منه وهو أن لا تبحث على نِيَّات الناس.. لو إنسان عمِلَ عملاً صالِحاً، مثلاً : ذهب للصلاة في المسجد، أو تبرّع للجمعية ، أنت لا تحكُم بأنه فعل ذلك لكي يعرفُه الناس بهذا الفِعل. أنت لا تعلم عن نيت فقولُكَ هذا يجعلك كاذِباً عند الله.. فما يُدرِيك عما في قلبه؟ هنا محل : دع الخلق للخالق.. في نِيّاتِهم ، في بواطنهم،. في ضمائرهم.. أما إذا كان شخص فسقُه وفُجوره على رؤوس الأشهاد، لا تقول دعِ الخلق للخالق. فهذا نوع من التغفيل والحماقة.. بعض الباحثين يقول : أثر الأمثال الشعبية في نفوس الناس كبير، وأحياناً قد يكون هذا المثل أساساً في تحديد اتجاهاتهم، مع أنها قد تكون بلا أصل، كالمثل المشهور : الرجال ما يعيبه إلا جيبه، فقد يأتي شخص أخلاقه سيئة ودينه ضعيف أو باطل ليخطب بنت فلان، لكن عنده مال كثير، فيقول وليها المهم لا يكون فقير وباقي الأشياء غير مهمة، من مُنطلق المثل : الرجال ما يعيبه إلا جيبه. وهذا مثال باطل، مفهوم خاطئ ففي الحقيقة مَنْ ساءت أخلاقه يعني عندهُ عَيب دينه خفيف هذا عَيبٌ عنده ووو..... ولو كان مليونيراً.. هو مجرد مثل لكن لو نقلتُه لابني فسيُصدّقُه باعتبار أنه جاء من والده وهكذا... فكم الزيات قامت على قاعدة هذا المِثال!! _ توجد كلمات أو شعارات أصلها صحيح، ولكن تطبيقُها غير صحيح. مثل : لا إكراهَ في الدين. فلو قلنا للفتاة تحجبي الحجاب الصحيح. تقول : لا،. لا إكراه في الدين !!! ما الرابط؟ شخص تقول له : يجب عليك إخراج كفارة لو أبطلتَ صياماً مُتعَمِّداً. يرد عليك : إذن أين قول الله : لا إكراه في الدين؟ هذا لا يرتبِطُ بذاك.. إذن ما الذي يرتبط بهذه الآية؟ ذكر العلماء لها ٦ معانٍ كبها لا ترتبِط بهذا الموضوع. فما دام الإنسان حصل عنده تَبَيُّن أن هذا الطريق صحيح وهذا الطريق خاطئ ، فلا تستطيع أن تُجبِرَهُ على أن يتديّن على خِلاف الرُشْد. هو يعتقد أن هذا الطريق يُوصِل إلى الجنة فأنت لا تستطيع أن تُجبِره على أن يُغيّر دينه ، فالمؤمنون على مر التاريخ تعرّضوا للضغط الشديد حتى يُغَيّروا عقائدهم وإيمانه لكنهم ما كانوا يفعلون ذلك، مثل أصحاب الأخدود كان عندهم إستعداد لأن يُرمَوا في النار ولا يُغَيّروا عقائدهم.. وبعضهم يلتزمون بالرخصة والتقِيّة أما الظالم فيقولون بلِسانهم ( إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ ࣱ) الدين أمرٌ اختياريٌّ، لا يُمكِن الإكراهُ عليه. أو مثل : ( یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ) مثال لو ركّبت المرأة رموش صناعية على جفنِها لمدة أسبوع أو شهر فتوضّأت أو اغتسلت فما الحكم؟ .. الجواب هنا لو كانت هذه الرموش تُغَطّي جُزءً من الجفن بحيث لا يصل ماء الوضوء أو الغسل إليه، فالوضوء أو الغُسل باطِل ويجب عليكِ إعادتُهما وإعادة الصلاة .. فتحتَجُّ المرأة أليس الدينُ يُسراً؟ وكذلك الرجل لو اشتغل بالصمغ أو صُبغ وتوضأ وبعدها تبيّن له بعد الصلاة وجود الصمغ أو الصُبغ في يده فما وصل الماء إلى البشرة... فيُقال له وضوؤكَ باطل أعِد الوضوء والصلاة... فيحتَج بهذه الآية.... نعم الله يريد بنا اليُسر ولكن ليس هذا معناها... معناها أنه في أصل التشريعات الله سبحانه وتعالى، جاء بتشريعاتٍ مُيَسَرة.، مع أن حقه على العِبادِ بعدما خلقهم هو أعظمُ الحقوق.... لكن طلب منه صلوات بمقدار ساعة واحدة من يومِك،، وفي العُمُر ٥ أيام حج، وفي السنة ٣٠ يوم صيام.. هذا معنى يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر،. وإلا كان حق الله عز وجل لو أردنا أن نستوفِيَهُ، ولم يكن الله يريد بنا اليسر لكان على الإنسان أن يعبُد ربه طول الوقت .. أما في التفاصيل فكل شيءٍ له قانون. عندما تذهب إلى الطبيب ويُعطيك تركيبة مُعَيّنة من الدواء، مثلا قد تكون مُكوّنة من ٣ عناصر فقلت للطبيب لو جعلتُ التركيبة عُنصرين فقط وتعالجتُ بها.. فسيقول لك الطبيب هذه التركيبة ليس فقط لن تنفعك في الشفاء، بل من المُمكِن أن تُهْلِكك.. فالطبيب يريد مصلحتك ضمِمن إطار قانون أن هذه التركيبة تصِل إلى نتائجها. صلاتُك لا تُعطي أثرها ولا تُقبَل إلا ضِمن شروط... فالآية أصلها صحيح،. ولكن معناها لم يُفهَم بشكلٍ صحيح.. ومِثالُ ذلك أيضاً الآية المباركة : ( عَلَیۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا یَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَیۡتُمۡۚ) يفسرها قسم من الناس، بأنه لا عليك من غيرك، لا تدعوه إلى الخير، لا تُشجِّعه على الحق، لا تنصحهُ بنصيحةٍ حسنة، ولكن معناها الصحيح أنه إذا انحرف الناس لا تتَّبعهم،، غيرك إذا كانوا ضالين أنت لا عليك منهم، لا يضُرُّك ضلالهم، لا تتبِع ضلالهم... من عَظَمةِ واقِعةِ الحُسين عليه السلام وعُلُو شأنِها أنها خلّفَت لنا شعارات ثقافية عامة تتحول بتطبيق المجتمع لها إلى منصة إطلاق للبطولة والفِداء والتقدُّم والتديُّن.. ما يُنقَ في المنابر الآن هو من نعم الله علينا،، بعض كلمات الإمام الحسين عليه السلام، هذه شعارات تتحوّل إلى ثقافة ( كونوا أحراراً في دُنياكم) كُن حُراً أمام الشهوة، أمام الشُّهرة ، لا تكُن عبداً لأهوائكَ وشهواتِك وبطنك وفَرجِك، للمال، للسلطان، كُن حُراً،. تَحَرَر من هذه الضغوط الداخلية والخارجية لا تكُن عبداً للظلَمة وأصحاب القوة وإنما كُن مُتحرِّراً من ذلك فإذا طبّقهُ المسلم فسي تفع عند الله عز وجل. مثال آخر : إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا بَرَما. هذا مفهوم جديد يُعطيه الإمام الحسين عليه السلام للإنسان المؤمن، الحياة المقرونة بوجود الظلم فيها هذه الحياة لا يُحرَصُ عليها، بينما الموت في سبيل العِز، في سبيل الدين وفي سبيل الله هذه سعادة... وهكذا أصحاب الحسين وبنوا هاشم، يقول أبو الفضل العباس : واللهِ إن قطَعْتُموا يميني ** إني أحامي أبداً عن ديني ** وعن إمامٍ صادق اليقينِ يده مقطوعة تنزِف دماً فبدل من أن يتأوَّه ويصرخ من الألم ، يتذكر لماذا حصل له ذلك ويزداد إصراراً، مع أن الألم قطعاً كان ألماً حادّاً، لكنه هنا يستذكر مبادئه، إني أحامي أبداً عن ديني.. ومثل ذلك قول على الأكبر : أوَلَسْنا على الحق، إذن لا نُبالي وقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا... هذا تعبير جميلٌ ورائع نحن لسنا ننتظِر ونحن أصحاب الحق أن يأتينا الموت، لا نحن نقع على الموت ولا يختلف الحال عندنا بين الطريقتين.. هذه الكلمة خرجت من فم أشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومَنطِقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فالمنطق ومعناها طريقة التفكير فهذا نفس تفكير رسول الله أخذهُ عنه على الأكبر.. لو كان رسول الله في كربلاء فإنه لن يقول إلا مثل هذا الكلام وأعلى منه... يقول شاعرهم : لم ترى عينٌ نظرت مثله ** من مُحتَفٍ يمشي ومن ناعِلِ أعني ابن ليلى ذا السَّدا والندا ** أعني ابن بنت الحسب الفاضِل لا يُؤثِرُ الدنيا على دينِه ** ولا يبيعُ الحقَ بالباطِلِ يغلي بِنَيِّي اللحم حتى إذا ** أُنْضِجَ لم يغلى على الآكِلِ يبدو من هذه الأبيات أنه كان صاحب كرم وسهاء وضيافة نقلوا عنه أنه كان إذا رافَقَ أباهُ ومشى معه في النهار يمشي خلفهُ احتراماً له ، وإذا مشى معه في الليل يمشي أمامه، فسُئل عن الفرق في الأمر. فقال : في النهار أمشي احتراماً خلف والدي، وأما في الليل فلعل هناك عثرة أو خطر فليُصيبني أنا الخطر ولا يُصيب والدي الحسين عليه السلام.