7 دعاء عرفة اعتراف وعرفان
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 14/12/1440 هـ
تعريف:

في رحاب دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة 1
تفريغ نصي  الفاضلة أم سيد رضا
ينبغي ان نلاحظ ملاحظة قبل الولوج في هذا الدعاء، نعتقد أن الدعاء في مدرسة اهل البيت عليهم السلام هو أحد منافذ المعرفة الدينية وقد استخدم أئمة أهل البيت عليهم السلام طريقة الدعاء في بث المعارف الدينية والاخلاقية مثلما استعملوا طريقة الدرس والتدريس وإلقاء الحديث، فليس الأمر أن الإمام الحسين عليه السلام كان يقول كلمات مسجوعه أو طلبات مختصرة لله عز وجل وإنما كان من خلال تحميده لله تعالى وتسبيحه وتهليله إياه يبين الصفات العليا لله فيعطينا بذلك دروساً في التوحيد ويعرفنا جانباً من أسمائه الحسنى وصفاته العليا ويحدد لنا ما الذي في قدرة البشر الوصول إليه في معرفة الله عز وجل، وهكذا عندما يتحدث الإمام عليه السلام داعياً يطلب من ربه سبحانه وتعالى حزمة من المطالب وهنا يمكن أن نستفيد دروساً أخلاقية كتلك الأمور التي تعيق حركة الإنسان باتجاه ربه كما في مناجاة زين العابدين لله عز وجل في مناجاة الشاكين عندما قال: ( اللهم إني أشكو إليك نفساً بالسوء أمارة وإلى الخطيئة مبادرة، تسلك بي مسالك المهالك وتجعلني عندك أهون آلك، كثيرة العلل، طويلة الأمل... )، إلى سائر ما وصف به هذه النفس الأمارة، ثم ينعطف على الشيطان وعلى الأعداء الخارجيين، يتبين ان هناك مجموعة من العوائق أمام الإنسان تعيقه عن الوصول والسمو في رحاب الله عز وجل.
قد لا يكون هذا الامر درساً على الطريقة المعتادة ولكن من يتأمل في هذه الأدعية وفي هذه المناجاة يجد نفسه أمام مدرسة كبرى من مدارس أهل البيت عليهم السلام، ونحن نعلم أن أئمتنا وهم المعصومون قولهم حجة سواء كان ذلك القول في طريقة أمر وإنشاء او كان في طريقة بيان حكم فقهي أو كان على طريقة دعاء من الأدعية، ولذلك وجدنا علمائنا رضي الله عنهم يستدلون في كثير من الاحيان في الفقه بما جاء في أدعية أهل البيت عليهم السلام نظراً لأن هذه الادعية مع صحة سندها هي نفس القيمة التي توجد للأحاديث الفقهية المسندة والأحاديث العقائدية صحيحة السند وهكذا.
لذلك عندما نقرأ الدعاء ينبغي لما ان نقرأه ضمن منطق وهو أننا أمام مدرسة معصومة وأمام كلام فيه معاني كثيرة وعلينا الإستفادة منه.
ينعطف الإمام عليه السلام بعد ذكر حمد الله وبيان صفاته وتعداد جانب من انعم الله على هذا الإنسان الداعي إلى أمرين:
الأمر الأول: التسبيح.
الامر الثاني: بيان العجز عن الإحاطة بشكر انعم الله عز وجل.
متى يستطيع الإنسان أن يحيط بصفات شخص آخر؟ هو عندما يكون لهذا الإنسان قدرة على فهم ذلك الطرف والإحاطة بحدوده، أما إذا كان ذلك الطرف لا حدود لنعمه ولا حدود لصفاته ولا لأسمائه فكيف يمكن لهذا الإنسان الضعيف العاجز ان يحيط خبراً وعلماً بأنعم الله عز وجل.
فالإمام الحسين عليه السلام يقول: ( أجل لو حرصت أنا والعادون من عبادك على إحصاء أنعمك سالفها وآنفها ما قدرت أنا ولا هم، كيف وأنت القائل في كتابك وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )، لا يمكن للخلق بشراً كانوا أو غير بشر أن يحيطوا بأنعم الله عز وجل وهو المخلوقة فكيف يحيطون به سبحانه وهو الخالق، فإن كانوا لا يستطيعون أن يحيطوا علماً بما هو مخلوق لله عز وجل فكيف يستطيعون أن يحيطوا علماً بالخالق؟، لذلك يرفع الإمام عليه السلام راية التسبيح ويقول: ( فسبحانك سبحانك )، فقد أتي بالتسبيح هنا حتى ينزهه عن أن يحاط به علماً وعن أن يعرفه خلقه بتمام المعرفة وأن الله سبحانه وتعالى ليس شيئاً له حدود حتى يحاط، وفي هذا معنى يرد على من قال من المسلمين أن الله تعالى يمكن رؤيته يوم القيامة كما زعموا.
الرؤية: نوع إحاطة ونوع إدراك وشمول وهذا يعني ان الله محدود ويمكن أن يحصر في جهة حتى ينظر إليه وحاشر الله عن ذلك.
لذلك فإن الإمام عليه السلام يرفع راية التسبيح وينزهه عن الضعف والعجز وينزهه عن أن يكون محدوداً ومحاطاً ومعلوماً.
ومع ذلك فإن الإمام عليه السلام يقول: ( أقول مؤمناً موقناً الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً فيكون موروثاً ولك يكن له شريك في الملك فيضاده فيما ابتدع (أي فيما أنشأ من غير مثال سابق) ولا ولي من الذل فيرفده فيما صنع).
نلاحظ في هذه الفقرات أن الإمام الحسين عليه السلام مع انه في صدد الحمد إلا أنه يستدل بأدلة عقلية في العقائد على عدم وجود الشريك لله عز وجل وعلى عدم وجود الولد والند والنظير، لأنه إذا كان ذلك لضاده في أحكامه ولزاحمه في قدرته، هنا يناسب ان ينزه الله عز وجل من وجود الشريك ومن وجود الولد لأن وجود الشريك إنما يكون لجهة الذل وجهة الضعف والعجز.
فنحن عندما نتخذ معيناً ومسانداً ومساعداً لأنه لا نستطيع أن نقوم بجميع شؤوننا فنحن محتاجون أذلاء حاجتنا ولكن الله سبحانه وتعالى يجل عن الذل.
ثم يعود مره أخري عن التنزيه ويكرر: ( فسبحانه سبحانه سبحانه )، وبعد ذلك يعود ويسأل الله تعالى بعد حمده خشية حقيقية يقينية عندما قال: ( اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك، اللهم اجعل غناي في نفسي عن نفسي والنور في بصري والبصيرة في ديني والدين في قلبي والسلامة في نفسي وانصرني على عدوك وعدوي).
يأتي إمامنا عليه السلام ليحدد للإنسان ما الذي ينبغي ان يطلبه من ربه، شتان بين دعاء ودعاء، فقد نقل أن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رفع يده إلى السماء وقال: اللهم إني أسألك ضرساً طحوناً وبطناً وعيباً ودبراً نثوراً، فلو نظرنا إلى مستوى هذا الدعاء لوجدنا ان كل همه ضمن دائرة الطعام المطحون والبطن الكبير وما يخرج من ذلك المكان، بينما لو نظرنا إلى دعاء الحسين عليه السلام لوجدنا الفرق بين الظلمة وبين النور الباهر، فالإمام عليه السلام يطلب من الله ويعلمنا ان نطلب منه بهذا الطلب عندما قال: اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك.
لو تساءلنا لماذا لا يرتكب البعض المعاصي أمام الآخرين ولماذا لا يفعل أحداً منكراً في وسط السوق مثلاً؟ ذلك لأنه يراقب من ينظر إليه ويلاحظ من يراه، فالله سبحانه وتعالى محيط  بهذا الإنسان في وساوس نفسه وفي خلجات قلبه ولكن ينبغي للإنسان أن يستحضر هذا المعنى الذي قاله الإمام.
فقد قال الإمام أيضاً: اللهم اجعل غناي في نفسي، أي أنه عندما لا يكون الإنسان غنياً في نفسه لا يسعه و لا يكفيه شيء مهما امتلك من الأموال، كالأغنياء الذي يملكون الكثير من الأموال ولا يكفيهم ذلك بل يأخذوا أمولاً أيضاً من الضعفاء.
البصيرة في ديني: أي المعرفة في الطريق الذي يسعى إليه الإنسان وإلا فإن هذا الإنسان الذي لا يمتلك البصيرة فإنه لا ينفعه كثرة عباداته وأعماله الأخرى إذا لم تكن لديه تلك البصيرة في الدين.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستجيب لهم ويبلغهم أقصى أمانيهم إنه على كل شيء قدير.

مرات العرض: 3390
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2606) حجم الملف: 23263.95 KB
تشغيل:

6 منافع لهم
8 دعاء عرفة اعتراف وعرفان