18 أحكام فقهية مرتبطة بالقرآن
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 18/9/1440 هـ
تعريف:

أحكام فقهية مرتبطة بالقرآن


تفريغ نصي الفاضلة أمجاد عبد العال

تصحيح الفاضلة افراح البراهيم

(إنّه لقرآنٌ كريم. في كتاب مكنون. لا يمسّه إلا المطهّرون. تنزيلٌ من رب العالمين)1.
حديثنا بإذن الله تعالى حول هذه الآيات المباركات، والأحكام التي ارتبطت بالقرآن الكريم ، وقد وردت هذه الآيات في سورة الواقعة وهي من السور التي ورد الحثّ على قراءتها كثيرًا ، وندب إلى حفظها، حيث يستشعر الإنسان تلك المعاني التي وردت فيها لا سيما مشاهد يوم القيامة وما بعدها من نعيم الجنة و من مشاهد السوق إلى النار ، وقضايا المحشر والبعث وغير ذلك .
هذه السورة العظيمة تنقل الإنسان من غفلته عن ذلك العالم وانشغاله بأمور الدنيا لتفتح له نافذة على ذلك العالم، الذي سيصير إليه، حتى يتفكّر الإنسان في ذلك المصير ؛  ذلك لأنّ نسبة التفكير في عالم ما بعد الحياة الدنيا بالنسبة لنا، هي أقل بكثير مما يستحق ، فلوكنا نعيش في هذه الحياة الدنيا مثلاً ثمانين سنة أو تسعين سنة أو مئة سنة ومع ذلك فإنّنا كل يوم جلّ همنا في الكسب والعمل والدراسة واللباس والبيت والزوجة والأبناء ، هذه القضايا تستوعب كل تفكيرنا ، مع أنّ مدّة الحياة التي سنعيش فيها في هذه الدنيا، قد تقارب الثمانين أو المئة سنة، بينما في ذلك العالم الآخر ستكون الحياة خالدة قد تكون مليون سنة أو مليار أو تريليون سنة ، ومع ذلك قد لا نفكّر في ذلك العمر بمقدار عشر في المئة.
تأتي سورة الواقعة لتنقل الإنسان إلى التفكير في ذلك العالم الآخر و إلى المستقبل الممتد ، الذي ينتظر الإنسان فمن المناسب أن يكثر الإنسان من قراءة سورة الواقعة ، و من المناسب إذا استطاع أن يحفظها، أو أن يحفظ بعضها،  ليس فقط حفظها بل تأمّل وتدبّر معانيها والتفكّر في تلك الصور التي تقدّمها عن ذلك العالم.
يقول الله تعالى عن القرآن الكريم في هذه السورة (إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون)  أولّ ما يلفت النظر هنا أنّ الله سبحانه قد وصف القرآن الكريم بأنه كريم ، كلمة ( كريم  ) في اللغة العربية لها معنى ينشق إلى شعبتين: 
1/ المعنى الأول/  كرم الذات أي أن يكون الشيء ذا قيمة عالية ،  أن يكون كريمًا بمعنى جامعًا للصفات المطلوبة ، و أن يكون ذا قيمة مهمة .
2/ المعنى الثاني / يرتبط بالصفات ، أي كرم الصفات.

قد تأتي إلى حجر من الأحجار تقول له بأنّه من الأحجار الكريمة ، ماذا يعني أنّه من الأحجار الكريمة؟  أي أنّ حجمه بمقدار عقدة الأصبع لكنه يساوي ألف ريال أو ألفي ريال، وقد تشتري شاحنة وزنها أربعة أطنان فيها من الحجر العادي لكنّ ثمنه ثلاثمئة ريال ، فما لفرق بين هذين النوعين من الحجر ، إنّ الحجر الكريم كريم بذاته له قيمة في ذاته وله خاصية تجعله حجرًا كريمًا ، هذا بالنسبة إلى كرم الذات.
بينما كرم الصفات قد تقول عن إنسان بأنّه كريم ، فهو تارة كريم لكرامة في نفسه لا يجعل نفسه في ذلة ، لا يتناول الأشياء التي تهين شخصه، بل يكرم نفسه عن أن يوصلها إلى مواقع الهوان ، لا يسلم نفسه لشهوة ، ولا لطاغية يفرض عليه شيئًا ، ورد من صفات الإمام الحسن عليه السلام أنّه كريم أبي لا يشمّ رائحة الدنية والخضوع لكرامته .
وقد يكون كريمًا بمعنى السخاء والبذل واليد المفتوحة، إذن قد يكون ناظرًا إلى خاصية في ذات الشيء فتجعله صاحب قيمة عظمى، وقد تكون ناظرة إلى وجود صفات أخلاقية مثل كرامة في النفس، أو كرم في العطاء، والبذل.

(كريم ) هذه الكلمة تجمع كل هذه المعاني ، حيث أنّ الله سبحانه وتعالى استعمل هذه اللفظة لوصف القرآن الكريم، فقال: (إنّه لقرآن كريم) أي إنّ ذات هذا القرآن فيه صفة تجعله عالية القيمة، قد يكون لأجل أنّه كلام الله عز وجل ، و قد يكون لأجل أنّه يهدي للتي هي أقوم، وهذه الصفة الذاتية له تجعله صاحب قيمة عظيمة جدا.
وأيضاً هو كريم بمعنى البذل والسخاء نظرًا لأنّ عطاء القرآن الكريم لمن
يقرؤه  لا حدود له ، حيث أنّ وجود التفاسير التي وصلت إلى سبعين من المجلدات دليل على عطاء القرآن الكريم ، حيث أنّه يفتح للمتأمل الآفاق ويفتح أمامه أبواب خزائنه، فيحصل على العلم الوفير عند تأمّله للقرآن ، هذا القرآن المعطاء السخي النافع للناس ليس لسنة دون سنة أخرى ، ورد في الحديث الشريف ( ما بال هذا القرآن لا يزداد على النشر  والدرس إلا غضاضة )2 ، فكلما قرآه الناس أعطاهم أكثر فأكثر .
كلمة ( كريم ) وصف الله بها نفسه أيضًا ، فهي من صفاته الحسنى ولا شك ولا ريب أنّ الذات الإلهية هي صاحبة القيمة الأعلى، الله سبحانه وتعالى هو رب الكائنات، وأي سموٍ هو أسمى من هذ! ، وأيضًا بمعنى العطاء والسخاء  ( يا من لا تزيده كثرة العطاء إلا جودًا وكرمًا ) 3
وأيضًا وصف نبيه صلى الله عليه وآله بهذه الصفة إذ قال ( وإنّه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلًا ما تؤمنون) 4  ، هنا كلمة كريم ليست عائدة على القول، مع أنّ القول وهو القرآن  هو قول كريم، ولكنّ كلمة كريم هنا عائدة على الرسول لأنهّا لو كانت عائدة على القول لكان حقها أن ترفع، حيث أنها ستكون صفة للمرفوع، ولكنها صفة للرسول فكانت مجرورة (إنّه لقول رسول كريم)، فكريم هنا صفة للرسول، وليست صفة للقول.
النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله )  أيضًا يجمع كرامة الذات وعلوها، شخصيته شخصية مكرّمة و معظمة و كريمة ذات كرامة، وأيضًا ذات كرم وسخاء وعطاء.
وقد وردت هذه الصفة على لسان ملكة سبأ عندما قالت ( إنّه ألقي إليّ كتاب كريم)5  لكنّ هذه الصفة من ملكة سبأ  لا من الله سبحانه وتعالى  وإن كان الكتاب له كرامة إذ أنّه من نبي الله سليمان عليه السلام ، ونلاحظ في كلا الآيتين أنّهما بدأت بحرف التأكيد ( إنّه ) وهو يأتي في الجملة بهدف التأكيد ، إضافة لوجود اللام في قوله ( لقرآن )  ويستطيع أن يقول ( إنّه قرآن ) لكن اللام تأتي لزيادة التأكيد.
  ( في كتاب مكنون ) أي كتاب محفوظ ولوح محفوظ أي مستور لا يصل إليه نقص ولا تحريف ولا تزييف ولا غير ذلك، إلى أن أذن الله سبحانه وتعالى فأنزله في الآية الأخيرة، فقال: (تنزيل من رب العالمين). (لا يمسّه إلا المطهرون) فما معنى لا يمسّه إلا المطهّرون ؟؟
 يمكن أن تفهم بأكثر من منحى ، وكلاهما قد وردا في الروايات
1/ منحى عقائدي.
2/ منحى فقهي .
 المنحى العقائدي
 ينتهي إلى معنى: أنّ القادر على استخراج أعماق القرآن الكريم، هم من طهّرهم الله عز وجل  وهم محمد وآل محمد.
 يقول العلماء هنا  الجملة هي جملة خبرية ، أي أنّها تخبر عن أنّ القادر على ملامسة أعماقه واستخراج بطونه  هم المطهرون، والمطهرون من هم؟ المطهّرون غير الطاهرون، الذي يتوضّأ يصبح طاهر ، لكنه لا يصبح مطهّر ، بينما المطهّر وصفٌ وصف به الملائكة والأئمة المعصومون في آية التطهير (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا)6. فهم المطهّرون :
مطهّرون نقيات ثيابهم ,,,,,,,تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا7
 
فالمعنى الأول إذن  معنى عقائدي فهو خبر عن أنّ الذي يمسّ القرآن الكريم هم المطهّرون فقط ، وليس الطاهرون وهم الناس العاديون الذين يمسّون القرآن الكريم ، ولكن من يستطيع أن ينفذ إلى أعماقه، ويعرف مغازيه ومعانيه، ومفاهيمه بتمامها ، هم من طهّرهم الله.
وبالنسبة لكلمة ( يمسّه ) تختلف عن يلمسه من الملامسة الظاهرية ، فالفعل : مسّ استخدم في القرآن الكريم على عدة أنحاء:
1/ المواقعة بين الزوج والزوجة ، حيث استخدمها في أكثر من موضع ، استخدمها في آية الظهار ( فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا )8 إن قال أحدهم لزوجته مثلا: أنت عليّ كظهر أمي ، و معنى ذلك: أنّه حرّمت عليّ كما هو حرام علّى ظهر أمي، و حتى لا يعود الإنسان إلى مثل هذا الظهار فرضت عليه في الشريعة عقوبة ألا وهي أنّه لا يجوز له مسّ زوجته إلا بتحرير رقبة ، ( من قبل أن يتماسَا ) أي يمارسا العلاقة الزوجية .
 2/  الملامسة بالبشرة أي مسّ بشرته، مثل قول الله عز وجل  في قضية السامري عندما حاول أن يغوي قوم بني إسرائيل بعد ذهاب موسى فكان عقوبته كانت قوله  ( إنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس)9 أي أنّك ستذهب ولن يختلط معك أحد ولن يباشرك ويسلّم عليك .
وهنا في قوله ( لا يمسّه إلا المطهرون ) لا يقصد الملامسة اليدوية لأنّ الكثير يمسّ القرآن الكريم بدون طهارة ، وحتى لو كانوا على طهارة فهم طاهرون وليس مطهّرون بمعنى المدرك لأعماق القرآن والفاهم لبطونه وحقائقه ، لأنّ أهل البيت عليهم السلام هم من يدرك ذلك.
 المنحى الفقهي
بمعنى لا يلامس حروفه إلا من تطهّر، وبالتالي لا يجوز للإنسان أن يمسّ كتابة القرآن  إذا كان محدثًا بحدث أصغر، أو حدثًا أكبر ،  يعني إذا كان على غير وضوء أو كان على جنابة، أو كانت المرأة  في حالة الحيض أو النفاس، فهؤلاء لا يستطيعون مسّ خط القرآن الكريم ، وهنا تتحوّل الجملة ( لا يمسّه إلا المطهرون )  من كونها خبرية  إلى جملة إنشائية فهي ناهية عن مس كتابة القرآن على غير طهارة.
إذ أنّ الجمل لدينا نوعان: جمل خبرية وجمل إنشائية ، قد تعطي خبرًا كأن تقول : أنا ذاهب للمسجد ، أو تكون إنشاءً كأن تأمر ابنك بأن يذهب للمسجد فتقول له: اذهبْ للمسجد ، فهذا إنشاء أمر ، وقد يكون إنشاء نهي ، وكثير من الأحكام تأتي بصيغة الإنشاء كما في قوله تعالى ( و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة )10 ، (أقيموا الصلاة)، جملة إنشائية فيها أمر ، وكقوله (لا تقربوا الزنا)11  جملة إنشائية  فيها نهي.
 وبعض من التشريعات والأحكام جاءت بصيغة الخبر كقوله  تعالى ( ولله على الناس حج البيت)12 ، أي حجّ البيت مكتوب ومفروض على الناس فهذه جملة خبرية  لكنها في قوة الإنشاء بل أقوى كما يقولون ، ويوجد في الحياة العامة أمثلة على الجمل الخبرية لكنها تكون بقوة الإنشاء ، فعلى سبيل المثال عندما ترى العبارة المكتوبة على باب الإدارة ( الدخول ممنوع ) هي ليست خبر فقط أنّ الدخول ممنوع بل هي تتضمن أمرًا بأن لا تدخل ، إذن هي خبرية لكنها في قوة الإنشاء بل أقوى.
وعندما يقول: (لا يمسّه إلا المطهّرون) كأنّه يريد أن يقول: لا تمسّ كتابة القرآن إلا وأنت على طهارة، وهناك رواية تنقل عن الإمام الصادق  عليه السلام ( لا يمسّ الجنب درهمًا ولا دينارًا عليه اسم الله  )13 فكيف بمس كتابة القرآن بالنسبة للجنب كذلك لا يجوز ، والمحدث كذلك أي الذي أحدث و لم يتوضأ ، وكذلك يلحق بهما  المرأة الحائض.
ومن الممكن أن تكون الآية تحمل المعنيين معًا المعنى العقائدي والمعنى الفقهي ، ثم قال ( تنزيل من ربّ العالمين ) هذه صفة أخرى للقرآن الكريم ويمكن أن تعتبرها تعليلاً لما قبلها ، لماذا لا يمسّه إلا المطهّرون ؟ لأنّه تنزيل من ربّ العالمين ، فهذه الآية تثبت ما ذهب إليه المسلمون عامة أنّ هذا القرآن الكريم تنزيل من ربّ العالمين ، بينما يعض الغربيين ومن تبع ثقافتهم قالوا أنّ هذا القرآن من إنشاء رسول الله  أو هو من إنشاء جبرائيل، ولكنّ هذا الكلام غير صحيح فهو من إنشاء رب العالمين .
هذا الأمر يدعونا إلى الدخول في بعض الأحكام المرتبطة بالقرآن الكريم وتكريمه ، حيث أنّه من الواضح أنّ القرآن الكريم والسنة المطهرة شرّعت مجموعة من الأحكام  بعض غاياتها تكريم القرآن  الحفاظ على كرامته، وشخصيته وقيمته، فمن ذلك :

1/ استحباب قراءة القرآن الكريم على طهارة
إنّ الابتداء في قراءة القرآن بالوضوء  ليس شرطًا واجبًا لكنّه أمر مستحب ، حيث يكون القارئ على ضوء ففي ذلك  نور و كمال حيث تجتمع أنوار الوضوء مع أنوار القرآن الكريم لتؤثر في الانسان القارئ ، حيث أنّ للوضوء أنوارًا وإن كنّا لا نراها لكنها سنتان إلى يوم القيامة ، ويستحب للإنسان أن يكون على طهارة دائمًا وحبّذا لو يجعلها عادة بعد كل حدث ، فإنّ الوضوء له منافع كثيرة ومنها : إطفاء نار الغضب ، ويعطي لصاحبه نورانية في القلب ، كما أنّه يجعل صاحبه في عبادة دائمة إن توضأ ونام على فراشه، بل إنّه ورد في بعض الروايات أنّه لو توضأ و مات رزق منزلة الشهداء.
إذن هو أمر استحبابي ولا يجوز مس كتابة القرآن بدون وضوء ، ويجوز مس غلافه ، وإن كانت المرأة في حالة حيض أو نفاس لا يجوز لها مس كتابة القرآن ولكن يجوز لها أن تقرأ القرآن الكريم ولا مشكلة في ذلك ، وإن كان فيه كراهة فتلك الكراهة بسبب قلة الثواب ليس إلا.
أما بالنسبة لقراءة سور العزائم وهي السور الأربع ( العلق، النجم ، فصلت ، السجدة ) هذه السور تجب فيها السجدة الموجودة فيها، وهذه السجدات بالنسبة إلى الإنسان المجنب رجلًا  كان  أو امرأة لا يجوز قراءتها، بعض العلماء قالوا يجوز قراءة  السورة ولكن لا يجوز قراءة آية السجدة ، وبعض العلماء احتاطوا بترك قراءة السورة كاملة ، لكنّ الرأي المشهور والمفتي به الآن أنّه يجوز قراءة السورة  باستثناء آية السجدة..

2/  من الأمور المرتبطة بالقرآن الكريم، قضية إعطائه وإهدائه إلى الغير، ّإذا لم يكن من غير المسلمين ، مثلاً إن كان من أهل الكتاب كأن يكون مسيحيًا ، وأعطيه القرآن بهدف الانتفاع به أو التأثر إن كنت أضمن أن لا يكون معاندًا فلا يمزّق القرآن الكريم ويعرّضه للإهانة ، عند ذلك يجوز إهداؤه إذا لم يترتّب على هذا الإهداء هتك أو إهانة ،  أو تنجيس له أو ما شابه ذلك.
3/ إن كان لدينا قرآن ممزّق أو بعض الأوراق فيها بعض السور القرآنية فماذا نصنع فيها ؟ هل نرميها أم نحرقها ؟
الحرق من أكبر مصاديق الهتك وعدم الاحترام للقرآن الكريم ، فإن كان بالإمكان عدم الاستفادة من هذا القرآن أو هذه الأوراق وأخذه للمسجد للانتفاع به وكان بالإمكان الاستفادة منه فذلك جائز، أمّا إذا لم يمكن الاستفادة منه  وأردت التخلص من هذه الأوراق فيمكن التخلص منها بنحو لا يلزم منه الهتك و الإهانة لكرامته ، ففي هذه الحالة يمكن أخذ هذه الأوراق  إلى  ماء النهر أو البحر أو يدفن في التراب ، والآن يوجد بعض المصانع يعاد فيها تدوير الورق بحيث تستخدم مواد كيميائية تمحو الكتابة منها بشكل نهائي بحيث تصبح هذه الأوراق عجينة جديدة ، عندئذ لا مانع من ذلك وليس فيه إهانة للقرآن الكريم.

4/ يستحب عند قراءة القرآن قراءته بحزن وتجنّب اللحن عند القراءة ، كما قال نبينا المصطفى محمد ( صلى الله عليه وآله ):  ( اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها  و إياكم ولحون أهل الفسق و أهل الكبائر )14 ، يأتي أحدهم فيقرأ القرآن بصوت ويلحن فيه وكأنّه يغني والعياذ بالله ، كما يحدث للأسف الآن من بعض الرواديد الذين ينشدون القصائد الحسينية وكأنهم في مسرح غنائي ، فتراه يتغنّى بأسماء أهل البيت عليهم السلام  ممّا يعتبر إساءة لهذه الذوات المقدسة،  ونحمد الله أنّ أكثر رواديد الحسين (عليه السلام) ولا سيما المعروفين والمشهورين لا يمارسون مثل هذا الفعل.
إذن يستحب قراءة القرآن بالحزن فإنّه نزل بالحزن  بهدف مخاطبة القلوب ووعظ النفوس ومخاطبتها بأسلوب يرقّق الفؤاد ويؤثّر في النفوس ، وهناك الكثير من الأصوات الحزينة التي تتلو القرآن الكريم بأصوات حزينة يقشعر لها قلب السامع وتنفذ إلى أعماقه ، وهنيئًا لمثل هؤلاء القرّاء لأنهم يؤثرون في الآخرين ويسهمون في تغييرهم.
وهذا إمامنا موسى بن جعفر الكاظم سلام الله عليه وهو باب الحوائج إلى الله  والذي نتوسّل بذكره في قضاء حوائجنا ، فقد كان سلام الله عليه معروفًا بالعبادة مؤثرًا فيمن حوله ، حتى أنّهم ينقلون لمّا جيء به إلى سجنه الأخير، وهو الذي كان يتمنى هذه الفرصة أن يفرّغ لعبادة ربه فكان يقول ( اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت، فلك الحمد  )15
أتى له هارون العباسي بجارية جميلة من المغنيات بهدف إغوائه وإلهائه عن العبادة، فلما جاءت وبقيت عنده تسمع صوته الحزين وهو يتلو القرآن الكريم ، وتسمعه يلهج بالدعاء والتضرّع لله ، عندئذ فتح لها آفاق التوبة والرجوع إلى الله فخرّت ساجدة لله عز وجل تائبة مستغفرة، باكية على ما كان منها ، حتى رفع الجلاوزة أمرها لهارون ، وعندما أحضروها له وسألها كيف تأثرت به ؟ ، قالت إنّه عندما قرأ القرآن وسبّح غدا كل شيء يسبّح معه ولم يكن تسبيحًا عاديًا ، فكاّنّ كل شيء في الكون يستجيب لهذا التسبيح الموسوي .
هكذا هم رجال الله  ، السلام على علي بن موسى ، ، ( اللهم صلّ على محمد وأهل بيته ، وصلّ على موسى بن جعفر، وصي الأبرار ، وإمام الأخيار وعيبة الأنوار ، ووراث السكينة والوقار والحكم والآثار ،  الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر، بمواصلة الاستغفار )16
-----------------------------------------
1 سورة الواقعة آية 77/78/79
2 بحار الأنوار ج17 ص213
3 دعاء الافتتاح
4 سورة الحاقة آية 40/41
5 سورة النمل آية 29
6 سورة الأحزاب آية 33
7 موقع الميزان
8 سورة المجادلة آية 3
9 سورة طه آية 97
10 سورة النور آية 56
11 سورة الأسراء آية 32
12 سورة آل عمران آية 97
13 مصباح الفقيه ج1 ص231
14 الكافي للكليني ج2 ص614
15 شبكة العقائد الإسلامية
16 شبكة العقائد الإسلامية

 

 

مرات العرض: 3430
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2551) حجم الملف: 73260.09 KB
تشغيل:

17 ما يحتاجه المفسرون من علوم
19.. والقرآن مع علي عليه السلام