25 أصحاب النبي من أنصار الحسين عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/1/1440 هـ
تعريف:


  أصحاب النبي صلى الله عليه وآله من أنصار الحسين (ع)

 

كتابة الفاضلتين حنان الهواشم وزهراء تريك

روي عن سيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه : (أمَّا بعد ، فإني لا أعلمُ أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي ، ولا أهل بيتٍ أَبرَّ ولا أوصل مِن أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرًا) (1)

 حديثنا –بإذن الله- يتناول موضوع أصحاب النبي (ص) ممن رزقوا الشهادة في يوم عاشوراء الحسين (ع) ، وقد مرَّ بنا شيءٌ من الحديث عن عددِ أصحاب الحسين وعن جهة الإختلاف في إحصاء عددهم وماهو المعيار في ذلك ، وكما يصدق هذا الأمر على العدد أيضًا يصدق على الفئات .

فكما أن هناك اختلاف في عدد أصحاب الحسين على نحو الإجمال كذلك يوجد إختلاف في عدد الاصحاب بحسب الفئات ، وهناك آراءٌ مختلفة في عدد الاصحاب بحسب الفئات ، وقد يكون هذا راجعًا في بعض الحالات إلى اختلاف تعريِف (صحبة النبي) ، لذلك سوف نتحدث عن أربعة منهم ممن استشهد مع الحسين في كربلاء ممن اتفقت الكلمة – تقريبًا- على أنهم من أصحاب النبي (ص) وهم :
1.أنس بن الحارث الكاهلي .
2.عبدالرحمن بن عبد ربه الانصاري
3.مسلم بن عوسجة الاسدي
4.حبيب بن مظاهر الأسدي

وهؤلاء الأسماء –هناك- متفق عليهم من قبل المؤرخين الرجاليين علىأنهم من أصحاب رسول الله ممن استشهدوا في كربلاء .

وحينما نتحدث عن أصحاب النبي لا نستهدف أن نعطي شرعية للثورة الحسينية من خلال الحديث عنهم ، وانما صار لهم فضلٌ على غيرهم لاتباعهم الحسين (ع) ، وهذا يذكرنا بما نُقِل ، أنَّ احدهم سأل أحد أصحاب أمير المؤمنين ، قائلاً : كما كان مع علي بن أبي طالب من الصحابة في يوم الجمل ؟ فالتفت إليه ، قائلاً : كأنك تريد أن تعرف فضل علي بهم ؟ قال : ذاك ماأردت فقال له : والله ماعرفنا لهم فضلاً إلا باتباعهم إياه !

إذن ، فنحن نثني على الصحابة لأنهم طبقوا ماسمعوا من رسول الله في فضل الحسنين عليهما السلام ، وعملوا طبقًا لتوجيهاته ، وبهذا كان لهم هذا الفضل .

فالصحبة عند الشيعة الإمامية لا تعطي فضيلةٌ استثنائية ، فالصحبة ليست عملاً اختياريًا ، فأن يكن إنسان في زمان النبي او زمن قدوم النبي الى المدينة فهذا أمرٌ ليس من صنعة الإنسان .

بينما الصحبة في مدرسة الخلفاء ، هي أن يكون الانسان في زمن الرسول (ص) وقد أدركه والتقى به ، حتى لو كان بمقدار خمس أو عشر دقائق سواء أَسمع منه أم لم يسمع .

هذه الصحبة ، بهذا التعريف – في تقديرنا لها – لا قيمة لها . ومانريد أن نبينه أن الصحبة بذاتها غير كافية للأفضلية .

القيمة والأفضلية لها تكون إذا التزم الصحابيُّ رسول الله ورافقه وعَمِل بتوجيهاته وسمع لِأقواله متحريًا بذلك رضاه .
•نظرية عدالة الصحابة :

تقول هذه النظرية أن جميع الصحابة عدولٌ ولا يجوز جرح أحدهم أو الطعن في أفعاله ولو كانت هذه الأفعال منكرة .

وهذه النظرية نظرية أموية ، وقد وضعت بدءًا على يدِ الأمويين ثم تطورتْ لا سيّما في الفترات الأخيرة من الزمن . فصار عنوان (الصحابة) له قداسة في مقابل العنوان القرآني والعنوان النبوي وهو (أهل البيت) ، قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ( (2) سورة الأحزاب أية (33)

وكذلك النبي (ص) استخدم نفس العنوان ، عن جندب بن جنادة أبي ذر الغفاري ، سمعت رسول الله (ص) ، يقول : (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من دخلها نجا ، ومن تخلف عنها هلك ) (3)

وقال : (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلوا بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي) (4)

[كتاب الله وعترتي أهل بيتي] هذا عنوان قرآني عنوان نبوي ، تمَّ التأكيد عليه من الجهتين ، والأمويون جاءوا بعنوان جديد في مقابل العنوان القرآني النبوي وهو عنوان (الصحابة) .

فذكروا حديثًا يقول : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (5)

وقد غَفَل هؤلاء أنه ليست كلُّ النجوم تَهدِي ، فمعلوم عند العارفين بالطرق في البرِّ أو البحر ، أن هناك بعض النجوم يُهتَدى بها في تعيين الإتجاهات لا كل نجم .

اذن ، لا يمكن تصديق صدور هذا الكلام من رسول الله (ص) فإن من يتبع معاوية ينتهي بقتال علي ، ومن يتبع عليًا ينتهي بقتال معاوية فكيف يكون : (بأيهم اقتديتم اهتديتم) ! فكيف يكون القاتل والمقتول مهتديين .
تطور نظرية الصحابة :

تطورت النظرية الى اكثر مما ذكرنا سابقًا ، فقال أصحاب هذه النظرية :
1.أن الصحابة كلهم عدول
2.أن الصحابة كلهم من أهل الجنة

وهذا مانصت عليه النظرية الأموية ، وتطورت الى قولهم : أنهم أفضل الخلق بعد رسول الله ! وقد وُضِعَت هذه النظرية وفقًا لأهدافٍ مدروسة وأغراض معينة . والصحابة والصحبة بهذا المعنى تكون منطبقة حتى على مروان بن الحكم ! ونحن نعتقد أن الأمر ليس كذلك .

فالصحابي من رأى رسول الله (ص) من سمع حديثه واتبع منهجه هو من له فضل عظيم بذلك الاتباع وإذا لم يتبع منهجه ، فالحجة عليه أعظم وذنبه أكبر وعقابه أكثر .

ومن دواعي حديثنا عن أصحاب رسول الله ممن استشهد مع الامام الحسين (ع) .

أولاً : للتمييز بين الفئات .

ثانيًا : لأن هؤلاء تميزوا وتفوقوا باتباعهم لأوامرِ رسول الله في نصرةِ الدين والشهادة مع الامام الحسين عليه السلام .
•وأولئك الذين ذكرنا أسمائهم في بداية حديثنا ، عنونوا بأنهم من أصحاب النبي وممن استشهد مع الامام الحسين (ع) وهم كالتالي :

أولاً : أنس بن الحارث – أو الحرث – الكاهلي :

أنس وأبوه الحرث صحابيان ، وقد نقل أنس حديثًا – كان من أسباب سعادته بشهادته مع الحسين – ينقل الحديث عن رسول الله .
•قال سمعت رسول الله يقول – والحسين بن علي في حجره - : ( ان ابني هذا يُقتل بأرض العراق ، ألا فمن شهده فلينصره ) . (6)

وكان عمر الحسين (ع) في حدود السنتين او الثلاث ، وأنس بن الحارث يسمع كلام ابيه وبقي هذا الحديث في ذهنه الى سنة ستين (60) ه ، وقد سمع أن الامام الحسين قد خرج من المدينة الى مكة ، ومن مكة الى الى العراق فالتحق أنس به في طريق مكه عملاً بوصية رسول الله (من أدركه فلينصره) ، وبالفعل فاز بالشهادة ، وقد تجاوز الستين (60) من عمره ، ونحن نفترض اذا كان من أصحاب الرسول (ص) – لا سيما اذا لم يكن من صغارهم – فلا بد أن يكون عمره بين خمسة عشر سنة اقل او أكثر بقليل ، أما صغار الصحابة فعادة يشار لهم ، فيقال – مثلاً - : ابن عباس من صغار الصحابة ، مع أنه اكبر سنًا من الامام الحسين ، وكذلك عبدالله بن جعفر يُعد من صغار الصحابة ويشار إليه وكذلك الحسنان (ع) .

أما اذا لم يُشر لأحد منهم بهذه الإشارة ، فمعنى ذلك أنه أدرك الرسول (ص) وعمره عُمْرًا مُعتدًا به ، لذلك من المنطقي أن من نصر الامام الحسين في كربلاء من أصحاب رسول الله قد تجاوزوا عمر الخمسة والسبعين (75) ، والبعض منهم كمسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر يذكر أنهما تخطيا الثمانين .

وهذا ماذكر في شأن أنس بن الحارث الكاهلي .

ثانيًا : عبدالرحمن بن عبد ربِّه الأنصاري :

صحابي مدني من الأنصار من قبيلة الخزرج ، وهو من جملة الأنفار الذين استنشدهم الامام علي في رحبةِ الكوفة ، وشهدوا بأنهم سمعوا حديث الغدير في شهر ذي الحجة .
•مناشدة أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الرحبة ، سنة (35) :

إن أمير المؤمنين (ع) لما بلغه اتهام الناس له فيما كان يرويه من تقديم رسول الله إياه على غيره ، ونُوزِعَ في خلافته ، حضر في مجتمع الناس بالرُحبة في الكوفة واستنشدهم بحديث الغدير ، ردًا على من نازعه فيها ، فقام منهم اثنا عشر شخصًا أو ثلاثة عشر ، لأنه يوجد اختلاف على احد الأسماء إن كان معهم أم لا ، البعض من الناس لم يقروا بذلك ، وكان خطهم خطًا غير حسن ، والبعض منهم بينوا وشهدوا ، ومن هؤلاء عبدالرحمن بن عبد ربه الانصاري ، قام وشهد ، وقال : جمعنا رسول الله (ص) فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قلنا : بلى ! فقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه وعادي من عاداه )

ويتبين من هذا الحديث ثباته على ولاية أمير المؤمنين ، من وقعة الغدير في السنة العاشرة (10) ه الى حديث المناشدة في سنة الخامسة والثلاثون (35) ه . وقد اشترك في بعض معارك الرسول .
•ومما يذكر في شأنه يوم كربلاء :- أنه في يوم التاسع من المحرم امر الامام الحسين (ع) بفسطاط فضُرب وبرير وعبدالرحمن بن عبدربه على باب الفسطاط ، فجعل بريرٌ يهازل عبدالرحمن ويضاحكه ، فقال عبدالرحمن بن عبد ربه : دعنا فوالله ماهذه بساعة باطل ، فقال بريرُ والله لقد علم قومي أني مااحببتُ الباطل شأبًا ولا كهلاً ، ولكني والله لمستبشرٌ بما نحن لاقون ، والله أن مابيننا وبين الحور العين إلا أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددتُ أنْ مالوا بها الساعة .
•ومما يجدر الإشارة إليه ، أن برير بن خضير مُفسرٌ ومعلم للقرآن ، ويظهر من الدلائل والقرائن بأن معلم القرآن في تلك المراحل كان ارفع درجة مما يعتبر في هذه الأيام .

ففي عصرنا هذا معلم القرآن مجرد شخص يقريء الناس حتى لا يلحنوا بقرائته ، وكذلك يعلمهم الاعراب والتجويد .

بينما في القرون الماضية ، كان معلمُ القرآن لابد أن يكون له معرفة دينية فقهية (معرفة الأحكام) ومعرفة بتاريخ الأنبياء ومايرتبط بها ، وإلى معرفة إجمالية بالعقائد .

وبحسب تعبيرنا المعاصر : لابد أن يكون له ثقافة دينية متميزة ، ولهذا نفهم أن السيدة زينب الكبرى عندما كانت في الكوفة مع أبيها ، كانت تُعلِّم النساء القرآن ضمن هذه الدائرة الواسعة ، لا من ضمن دائرة التجويد والاعراب المحدودة . وبرير بن خضير أحد تلامذة أمير المؤمنين عليه السلام .

/ بين قوسين (.....) : مما يجدر الإشارة إليه أيضًا تعليقًا على ماسبق ، هناك حد بين الابتدال في المزاح وبين أن يكون الإنسان – دائمًا – جادًا عابسًا ، فكلاهما غير حسن ولابد من اجتنابهما .

فالبعض تراه يحمل همه على رأسه ، لماذا هذا كله ؟!

الدنيا لا تستحق كل هذا ؟!

ينبغي على المؤمن أن يكون بشوشًا ليِّن العريكة ، بشره في وجهه ، في الرواية عن أمير المؤمنين في صفة المؤمن : (الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ  فِي وَجْهِهِ،حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مشْغولٌ وَقْتُهُ، شَكُورٌ صَبُورٌ، مغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ، ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ ، وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.( (7)

وقد كان نبينا محمد (ص) يمازح أصحابه ، ولا يقولنَّ إلا حقا ، ونُقل عن رسول الله ذلك ، وهذا لا يقدح بشخصيته ولا من شأنه ولا من نبوته ولا من تعبده وتوجهه الى ربه .

هناك بعض من الناس مزاحه مبتذل واينما يكون فهو اضحوكة للآخرين ، والبعض مزاحه من باب حسن الخُلق والبشاشة .

فبرير بن خضير ضمن هذا الاطار كان مزاحه لانهم مقبلون على شيء حسن على جنة ونعيم ، فأظهر فرحته وسروره واستبشاره ولكن عبدالرحمن بن عبد ربه لم يقبل هذا المزاح ، ولكن حينما وضح برير له الأمر ، قبل منه ذلك . هذا بالنسبة للصحابي عبدالرحمن بن عبد ربه الأنصاري .
•الثالث : مسلم بن عوسجه الأسدي (8)

مسلم بن عوسجه ، من صحابة رسول الله (ص) ومن عُبَّادِ الكوفة وملازمي جامعها الأعظم ، وقد كان ممن لازم امير المؤمنين .
•مواقفه المشهورة :-

عرف مسلم بالبطولة والشهامة ، وكانت له مواقف بطولية في حياة الإسلام .. ففي السنة الثانية والعشرين (22) من الهجرة ، شارك في فتح أذريبجان ، وقد فتحت في أيام الخليفة الثاني ، وهي أقصى حدود البلاد الإسلامية من جهة الشمال آنذاك . اذريبجان اثنتان ، احدهما تابعة لإيران تسمى اذريبجان الغربي والأخرى اذريبجان مستقلة وتسمى الشرقية ، وكانت سابقًا واحدة وكان قائد الجيش حذيفة بن اليمان العنسي ، وهو من اعظم الشخصيات الإسلامية ومن أصحاب الامام علي (ع) ، وكان عارفًا بالخطوط المنحرفة في الأمة ، وورد عن أمير المؤمنين في حقه حينما سُئِل : ياأمير المؤمنين فأخبرني عن حذيفة بن اليمان ، قال : (ذلك امرؤ علم أسماء المنافقين ، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه عارفًا عالمًا) (9)

ولذلك كان قسم من أصحاب رسول الله يخشون أن يكشفهم ويفشي بأسمائهم ، وبقي حذيفة من أولياء أمير المؤمنين الى أخر حياته ، بل كان يحث الناس على اتباع امير المؤمنين . "وإذا اشتكلت عليكم الفتن فعليكم بعلي بن ابي طالب ع " ) .

وقد تولى حذيفة في زمن الخليفة الثاني بعض الولايات وقاد بعض الجيوش ، ومنها الجيش الذي كان ذاهبًا الى فتح الشمال الشرقي من ايران واذريبجان . (10)

وهناك فكرة يقول بها كثيرٌ من العلماء ، وقد أشار لها العلامة (الكوراني) في موضوع من كتاب عن الفتوحات الإسلامية بالأرقام ، وهي ان كثير من قادة نشر الإسلام كانوا ممن يتولون امير المؤمنين ، واحدهم حذيفة بن اليمان ، وكان بعض أصحاب امير المؤمنين في هذه الجيوش ، نعم في خصوص الحسنين لم يثبت ذلك .

فلم يثبت أن الحسن والحسين عليهما السلام قد شااركا في حروب الخلفاء السابقة ، قبل أمير المؤمنين ، ولكن في العلماء المتأخرين من قال ذلك ، وهو ابن خلدون المتوفى ثمانمائة وثمانية (808) ه . بعد ثمانية قرون من الحدث ، في الوقت الذي ألفت كتب قبل هذا لم تذكر هذا الامر .
•ولعله يتباذر الى للأذهان : لماذا كان كثير من قادة نشر الإسلام من الموالين لأمير المؤمنين ع ؟!

ونجيب على هذا التساؤل : إن وجود هؤلاء وهم الأكثر نزاهة واخلاصًا سنقلل من الأخطاء ، فحين يُرسل شخص أمين صادق ، فالاخطاء ستقل ويكون العمل صالحًا ، ويكون هذا الشخص أكثر رفقًا بالاراضي المفتوحة .

وكذلك كان مسلم بن عوسجة من أصحاب امير المؤمنين ، ومن ضمن هذا الجيش المتوجه الى اذريبجان ومن المقاتلين فيه ، هذا مانقله بعض أعضاء الجيش الأموي كشبت بن ربعي ، الذي ضرب الرقم القياسي في التقلب في المواقف :

أولاً : لما اسلمت سجاح وارتدوا ارتد معها ، وصار مؤذنًا ، ولما انكسرت شوكتها رجع مسلمًا من جديد ، وصار مع الخلافة ، ولما ثار الثائرون ضد عثمان ثار معهم ضده ، ولما جاءت الخلافة الى امير المؤمنين تقرب من الامام علي (ع) وخاض الحروب معه ، ولما صارت فتنة الخوارج في النهروان صار منهم وقاتل الى صفهم ، ولما انتهى امر الخوارج واستشهد امير المؤمنين التحق ببني امية وصار واحدًا من قادتهم في الكوفة ، وهو ممن كتب الى الامام الحسين عليه السلام ، ولما أتى عبيد الله بن زياد صار معه ، ولما هلك ، أراد أن يلتحق بالمختار ، ولكنه رأى المختار وقد بدأ بقتل قتلة الحسين ، فهرب وذهب الى عبدالله بن الزبير ومصعب ، وقد هلك في دولتهم .

فواحد مثل هذا متقلب اذا شهد في حق شخص مخالف له ، هذا ادعى للتصديق ، [والحق ماشهدت به الأعداء]

لما استشهد مسلم بن عوسجة في يوم عاشوراء ، صاحت جاريته : وامسلماه ، وابن عوسجاه ، واسيداه ! . وتباشر جيش عمر بن سعد بمقتله ، فقال شبت بن ربعي (قائد ميمنة ابن سعد) لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ! انما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلِلُّون أنفسكم لغيركم ، وتفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة ؟!

امَا والذي اسلمتُ له لرُبَّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم (سلق اذريبجان) قتل ستة من المشركين قبل ان تتامَّ خيولُ المسلمين .. أفيقتل منكم مثله وتفرحون ) (11)

وأعظم من موقفه في اذريبجان ، موقفه في كربلاء ، فمع كبر سنه كان له موقفًا عظيمًا وقد كان يعصب حاجبيه بعصابة حتى لاتسقط على عينيه – ومن المعروف أحيانًا – اذا استبد العمر بالإنسان ، يضطر في بعض الأحيان لشد الحاجبين كي لا تسقط على عينيه فتعيق الرؤية لديه .

فمسلم بن عوسجة كان له موقفًا عظيم في يوم كربلاء ، الى أن استشهد ، جاءه الحسين (ع) ومعه حبيب بن مظاهر الأسدي – وهو من بني عمومته فكلاهما اسديان – فالتفت مسلم الى حبيب وبه رمق من الحياة ، فقال له حبيب : لولا أني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصيني بما أهمك !

فأشار مسلم بن عوسجة الى الامام الحسين ع وقال : اوصيك بهذا خيرًا ، قاتل دونه حتى تموت .

وبالفعل أبَّنَهُ الحسين تأبينًا يليقُ بمقامهِ وموقفهِ العظيم ، وفي ذلك يقول الشاعر :

نصروك أحياءًا وعند مماتهم / يوصي بنصرتك الشفيق شفيقا

أوصى ابن عوسجةٍ حبيبًا / قال : قاتل دونه حتى الحمام تذوقا

 
1.من لا يحضره الفقيه ، الجزء (3) ص (15)
2.سورة الأحزاب آية (33)
3.بحار الأنوار – العلامة المجلسي ، الجزء (23) ص (121)
4.نفس المصدر السابق ، الجزء (2) ص (226)
5.هذا الحديث رواه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم) وابن حزم في (الاحكام)
6.انظر العسقلاني ، احمد بن حجر في (الإصابة في تمييز الصحابة) ج (1) ص (27) وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ج(14) ص(124)
7.نهج البلاغة – الحكم – الحكمة (330)
8.ذكره ابن سعد في الطبقات
9.الاحتجاج (139)
10.اذريبجان اثنتان ، احدهما تابعة لإيران تسمى اذريبجان الغربي والأخرى اذريبجان مستقلة وتسمى الشرقية ، وكانت سابقًا واحدة
11.مقتل الحسين (ع) مسلم بن عوسجة (38)

 

مرات العرض: 3420
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 47764.89 KB
تشغيل:

24 عدد أصحاب الامام الحسين عليه السلام
26 شخصية حبيب بن مظاهر الأسدي