12 طهر النهضة الحسينية وأبطالها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/1/1440 هـ
تعريف:

طهر الثورة الحسينية

كتابة الأخت الفاضلة أم أحمد ياسر

عن مولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال :

اللهم إنك تعلم أنه ماكان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً لشيء من فضول الحطام .. ولكن لنري المعالم من دينك .. فتقام المعطلة من حدودك .. ويأمن المظلومون من عبادك .. صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ..

هذه الكلمات التي فيها إشعار من الله عز وجل على طريقة سعي الإمام عليه السلام .. وردت تارة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأخرى مروية عن الإمام الحسين عليه السلام ..حيث ذكرها ابن شعبة الحراني في كتابه (( تحف العقول عن آل الرسول )) ..

إبن شعبة أحد علمائنا الكبار ..ووفاته كانت في القرن الرابع الهجري وللأسف لا تتوفر معلومات كثيرة عنه .. لكن كتابه ( تحف العقول عن آل الرسول ) كما يقول العلماء، يعرب عن منزلته العالية ..فهذا الكتاب الذي جمع فيه المؤلف من الخطب والوصايا والكلمات القصيرة للمعصومين ( ع ) وأضاف إليها أيضاً بعض ما روي عن المسيح عيسى ابن مريم .. وكأن هذا الكتاب أريد منه دورة تربوية دينية للإنسان الشاب المسلم والمسلمة ..

وبحق هذا الإنتخاب منه ينطبق عليه عنوان (( محاسن كلامنا )) الذي ورد في حديث الرضا ع عندما سؤل كيف يُحْيَ علومكم ؟؟ قال : يتعلم علومنا ويعلمها للناس .. فإن الناس لو عرفوا محاسن كلامنا لاتَّبعونا ..

نحن نعلم أن كل كلامهم حسن لأنه ليس نابعاً من الظن ولا نابعاً من الهوى وإنما هو عين الحق والواقع.. فكله حسن.. لكن قد يكون شيء حسن و شيء آخر أحسن بالقياس (( كما يقولون )) .. أي بالنسبة بمعنى أن هذا الكلام بالنسبة لي هو أحسن من الكلام الآخر ..

ولنفترض مثلاً : أن إنساناً غير محافظ على صلاته .. فإنك إن أتيت للتحدث له بالميراث فإن هذا حسن .. ولكن لو أتيت له بحديث عن المعصومين حول أهمية الصلاة ولزومها فإن هذا يكون بالنسبة له أحسن ..

وكذلك لو فرضنا أن شخصاً بخيلاً مثلاً ، فلو تحدثت له   بكلام عن الإنفاق وثوابه فإن هذا أفضل من أن تتكلم له عن التدبير في المعيشة ولزوم الإقتصاد .. فهو إنما يحتاج إلى كلام عن الإنفاق ولأن يفتح يده. . فهو إنما هذه هي مشكلته ..

فإنك إن أنت قلت له بأن هناك روايات عن التدبير والإقتصاد فقد يدفعه هذا الى الظن بأنه مسرف .. إن كان يعتقد بأن القليل الذي ينفقه قد يؤدي إلى الإسراف فإنه سوف يقطع حتى هذا القليل ولهذا فإن ( حسن وأحسن ) إنما يسمى بالقياس ..القياس إلى الأفراد .. القياس إلى الأوضاع .. القياس إلى الأزمنة .. وهكذا ..

وكتاب ( تحف العقول ) فعلاً ينطبق عليه أنه من محاسن كلام أهل البيت عليهم السلام وكل كلامهم هو محاسن .. ولكن وبالقياس إلى الجانب التربوي والديني والأخلاقي فإن هذا يعد من أفضل ما تكلم به المعصومون عليهم السلام ..وفي هذا الكتاب ورد كلام للإمام الحسين ع يوجهه للعلماء بأن لا يلجأو إلى أهل الدنيا والسلطان وأن لا يقدِّموا الدنيا على آخرتهم .. ثم في آخر كلامه عليه السلام يقول :اللهم إنك تعلم أنه ما كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً ل شيء من فضول الحطام .. وكما ذكرنا أيضاً أنه مروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ..

وهذا الكلام واضحٌ معناه .. فإن أهل البيت ع قد نازعهم غيرهم في مراتبهم ومواقعهم ..والمعروف أن المفروض أن أمير المؤمنين ع يكون بعد النبي مباشرةً ولكن تمت منازعته ، والإمام لم يسكت بل طالب وتحدث وبيَّن عن أحقيته.. بيَّن أن هذه الطريق التي سلكها غيره ليست قائمة على منهاج .. فبفكرة القرابة هو أقرب منهم ، وبفكرة السابقية الإسلامية وبالجهاد هو أكثر منهم ..

فإذا لا ميزة لهم حتى بهذا الإعتبار الدنيوي .. فضلاً عن قضية النص والنصب الإلهي ..ولقد وُجَّه عتاب لأمير المؤمنين ع في هذا الأمر ولهذا يشير الإمام ( ع ) حيث يقول :

فإن أقل ، يقولو حرص على الدنيا ، وإن أترك يقولو جزع من الموت .. إن قلنا بأننا أصحاب حق وأنتم إنما جئتم متطفلين على هذا المنصب ، يقولون بأن علي ابن أبي طالب الذي يدَّعي بأنه زاهد في الدنيا ، قد طالب بها ونازع عليها .. وإن سكتنا ، اتهمتمونا بالجبن والخوف ولو لم يكن كذلك لكان قد طالب بحقه وسعى إليه.. إذن فالإمام يطالب بحقه حيث يقول : إني أتكلم ، أتحدث ..ولكن ماهي غاية الإمام ؟! يقول : اللهم إنك تعلم أنه ما كان منا من المدافعة ومن المطالبة ومن الإحتجاج ، لم يكن هذا منازعة في سلطان ، فلسنا نبحث عن رئاسة ، ولاعن حكومة ، ولا نطمع في فضول الحطام من أموال أو ذهب وما شاكل ..

فنحن إنما نقول لها : ياصفراء ويا بيضاء غرَّي غيري ( كما أُثر عنه عليه السلام ) فلا الرئاسة تغرنا ولا الأموال تجذبنا

فلماذا إذن ، (( ولكن لنري ( في نسخة ) ، ولِنَرَد ( في نسخة أخر ى ) .. )) ومعنى نرد أي نصل إلى المعالم وهذا اللفض عادةً يستخدم فيما يخص المياه .. يقولون أورد الناقة الماء، أي وصل إلى الماء .. فالورود والمورد يستخدم في هذا المعنى إذن .. وبناءً على هذا المعنى فالإمام يقول : لنرد المعالم من دينك ، أي نصل ويصل معنا الناس إلى المعالم الإلهية ، إلى الأحكام الإلهية ، إلى الأصول الدينية .. وأما بناءً على النسخة الأخرى (( لنري المعالم من دينك )) أي بتطبيقنا أحكام الشريعة فإنه يتبيَّن للناس منافع الأحكام والمعالم ويعجبون بإنصاف وعدالة الشريعة .. وبالتالي فإن النتيجة ستكون أن تقام المعطلة من أحكامك وحدودك وتكون نتيجتها المباشرة على الناس فيأمن المظلومون من عبادك والخائفون الذين سلبت حقوقهم فيحصلون على الأمن ويحصلون على الحق بقيادتنا نحن آل رسول الله ..

هذا إجمال المطلب.. ونفس الكلام ذكره الإمام الحسين عليه السلام

ولهذا الكلام أبعاد.. ومن أبعاده أن طريقة مطالبتنا (نحن أهل البيت )وأن أعمالنا في هذا الصدد كلها مقيدة بإطار القيم والأحكام الشرعية .. فنحن ( الذين نريد ان نري المعالم من دين الله ) لايجوز لنا أن نخالف هذه المعالم في الأساليب.. فنتبع أسلوب خارج إطار الدين لنحقق هدف من أهداف الدين ..

فهناك قسم من الناس يقول : لماذا الإمام علي عليه السلام وعندما أتته الخلافة ( وذلك بعد وفاة الخليفة الثالث ) .. حيث قالو له : نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين .. قال لا ، أما على كتاب الله نعم .. على سنة رسول الله نعم على اجتهاد رأيي نعم ..

فهم يعتبون على الإمام من باب أنه مادام قد وصلت له الخلافة بهذا الطريق فلماذا( ياعلي ) لم تقبل ولم تقل انك توافق على هذا الرأي ثم تعمل ما بدا لك في خلافتك ..تقبل بسيرة الشيخين ثم بعد ان تتسلم زمام الأمور ترتبها كيفما تشاء ..وكذلك يوجه له عتاب آخر : أنه أنت ياعلي وبعدما أتتك الخلافة بعد خمسة وعشرين سنة كيف اصبحت ( وبعجلة من أمرك ) تريد أن تعزل معاوية وتعزل آخر وتعزل كل الولاة الذين ولوهم قبلك ..

لما لا تعطيهم مهلة بحيث تمهلهم ثلاث سنوات.، أربع سنوات أو خمس سنوات .. حيث يطمأنون لك من جهة وتتمكن أنت من جهة أخرى ثم يمكنك ان تتخلص منهم الواحد تلو الآخر..

هذا بالمنطق السياسي النفعي صحيح ولكن بمنطق( لم يكن الذي كان منا تنافساً في سلطان ولا التماس ل شيء من فضول الحطام ) ، لايمكن أبداً ، لأنه أولا : كذب والإمام لن يعمل بسيرة من سبقه والإمام يعتبرها سيرة خاطئة، وبالأصل تماماً فإن سيرة واحدة لا توجد ..

زيد من الناس يقوم بقرار وعمر من الناس يقوم بضده كيف يكون ذلك..شخص يقول بالتفضيل بين الناس بحسب مراتبهم القبلية وسابقاتهم الدينية وإنجازاتهم..وشخص آخر يقول : لا .. كلهم سواسية ..فمع اي فريق ستعمل بهذا ام بذاك.. فبذلك أنت لم تعمل بسيرة الطرفين..

وثانياً هو ( الإمام )؟لا يراها صحيحة حتى يعمل بها فإن قال نعم اعمل بها فهذه أول كذبة..وكيف له أذن حينها أن يطبق أحكام الله وهو يكذب؟ كذلك في قضية معاوية ولماذا لم يبقيه الإمام في منصبه ..لو أن الإمام أبقاه وهو غير صادق في إبقائه ولو أن الإمام عمل أي عمل مخالف للدين فهو مسؤول ٌ عنه..واذا كان الإمام سيبقيه وهو غير جاد في إبقائه وإنما ينتظر ( الإمام ) أن يغدر به فيغيره ويعزله بعد أعطاه الأمان وهو يضمر له الكيد ..

فإذا كان الخليفة سيكون بهذا التصرف من البداية فكيف سيستطيع أن يعمل في الأمة بخلاف هذه الطريقة؟! إذن فقد كان الإمام واضحاً من أول يوم حيث قال سلام الله عليه بأن كل الأموال العامة ترد إلى بيت المال .. حتى ولو وجدته قد تُزُوِجَ به النساء وملك به الإماء.. فإن من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق..

فكلمة (اتركهم يا علي في مواقعهم) .. يرد عليها الإمام فيقول : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور؟ !أتمكن من البلاد والعباد بوسائل جائرة ؟ بوسائل ظالمة ؟ والله ما أطور به ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجما..هيهات أن أفعل ذلك .. وإلا فما الفرق بيني وبين معاوية نفسه؟ وقد قالها سلام الله عليه صريحة في نهج البلاغة

وفي غير نهج البلاغة.. بحيث أن كاتباً فحلاً مثل عباس محمود العقاد حين يمر عليها يبقى كالمبهوت أمامها وهي( يقول : قال علي عليه السلام والله ما معاوية بأدهى مني.. يغدر ويفجر ولولا الإيمان لكنت أدهى العرب وإن كل غدرةٍ فجرة وكل غادر يأتي وله لواء يوم القيامة..) وهو لواء الغادرين ..

فالإمام يقول أنا اقدر أن أفعل مايفعله غيري ولكن لا أصنع ذلك أبدا فليس هذا من أخلاقي ولا من ديني.. وإذا كان الدهاء سيكون بهذه الطريقة فليس في هذا براعة تذكر ..يقول عليه السلام ( قد يرى الحوَّل القوَّل وجه الحيلة ودونه حاجزٌ من أمر الله عز وجل ) إني على علمٍ كيف تدار الأمور ولكنه أمامي محددات شرعية لا يحق لي أن أتخطاها وإلافإني لست علي ابن أبي طالب

الثورة الحسينية والنهضة الحسينية تجلى فيها هذا الأمر بشكل واضح فجاءت طاهرة في طواتها في خطوات أبطالها على مستوى القيادة الأساسية للحسين عليه السلام وعلى مستوى من دونه..

ولنذكر بعض الأمثلة هنا ..

أولاً إن الحسين عليه السلام جاء إلى مكة المكرمة ،ومكة ضمن الإطار الشرعي بلد حرام لايجوز فيه القتال ضمن دائرة الحرم المكي بل لايجوز فيه حتى إيذاء الوحوش والحيوانات فضلاً عن قتال البشر ولا سيما في الأشهر الحرم.. والإمام قد ذهب اليها وكان بإمكانه عندما علم أن الأمويين يهددون باغتياله وأنه سوف يرسلون له من يقتله .. فالأولى وعلى مستوى الدفاع عن النفس ( لإنه لايجوز اراقة الدماء هناك فيقاتل أو يبدأ بالقتال ) ولكن لو تعمده أحد بالقتل يجوز له أن يدافع عن نفسه ..

ولذلك عندما اعترض القرشيون على النبي (ص ) وعلى أصحابه فقالو كيف لكم أن تقاتلو في ايام حرم ؟؟! فيرد عليهم القرآن بقوله تعالى ( والفتنة أشد من القتل )..والفتنة هي أن تفتنوا الناس في أديانهم حتى يرجعوا عن الدين .. فإن هذا حكمه عند الله أشد من أن شخصاً ومن أجل الدفاع عن نفسه ودينه أن يقاتل المعتدي عليه ومن يريد أن يريق دمه فيشهر سلاحه ..نعم إن هذا في الحالة العادية غير جائز .. ولكنه إذا كان يدافع عن نفسه .. يدافع دينه أمام الفتنة فإن المعتدي هو من يقوم بأشد مما يفعله المُعتَدى عليه من الدفاع عن نفسه بالقتال .. في هذا المكان المقدس ..

والإمام الحسين عليه السلام مع أنه كان بإمكانه أن يعمل بهذا المقدار .. ولكنه لم يفعل ..كان بإمكانه عليه السلام أن يقول أنا لا أبدأ بقتال ولا ابادر لإراقة الدم .. ولكن لو أن أحداً من الأمويين جاء ليقاتلني ويفسك دمي فلي أن أشهر سيفي في وجهه لأدافع عن نفسي ومع ذلك لم يفعل الإمام هذا محافظاً على قانون ديني .. قانون شرعي وهو ألا تنتهك حرمة البيت الحرام وحرمة الشهر الحرام وحرمة منطقة الحرم ..

لأن هذا الفعل ( وهو القتال في داخل الحرم ) سيكون مفتاحاً لمن يأتي بعده ممن لا يرقب في الإيمان إلاً ولا ذمة فيقتحم كل المحرمات .. وحتى مع أن الحسين عليه السلام قد تفادى هذا الأمر إلا إن الأمويين أتوا وقصفو الكعبة المشرفة فيما بعد شهادته عليه السلام فكيف به عليه السلام لو لم يتفادى هذا الأمر (وهو القتال في بيت الله ) ويقبل بوقوعه ..

فالإمام عليه السلام إذن كان يريد أن يترك للناس هذ المعنى ومن يمكن أن يتأثر به في حفظ الحرمات .. حرمة الزمان .. حرمة المكان ..حرمة البيت.. وبمقدار ما كان أن يستطيع، فَعَل عليه السلام ..حتى أنه عندما سأله بعضهم ( في هذا الأمر ) قال(ع ) : لأن أقتل خارج الحرم بشبر أحب إلي من أن أقتل داخل الحرم بشبر فهذا المقدار من الإهتمام كان لدى الإمام عليه السلام ..وليس الحسين فقط والذي يعد إماماً معصوماً وهو تربية أمير المؤمنين عليه السلام ..تربية رسول الله .. من أهل الكساء..  

بل هو حتى عند من كان متأثراً في أخلاقياته بالأئمة عليهم السلام ..وكمثال : مسلم ابن عقيل عليه السلام ( وهو للأسف مظلوم في معرفة شخصه فالصورة الموجودة لدينا عن مسلم هي صورة مختصرة وهي أنه قد بايعه جماعة من اهل الكوفة ثم قتل بعد ذلك )..والشاهد هنا إيضاح الجانب الأخلاقي والجانب الفقهي وجانب الإلتزام الديني فيما يرتبط بسلوك الثائرين..

ونحن إنما نقول هذا لأننا نجد في كثير من المجتمعات المسلمة أن الثورة أحياناً تترافق مع تكسير الحواجز ..بحيث يثور الإنسان عندما ينكسر حاجز ديني .. او تكون عنده ثورة عندما ينكسر حاجز أخلاقي أو عندما تسلب الحقوق وتسرق الأموال وتهدم البيوت ..

وهذا يختلف عن أخلاقيات الإمام تماماً بحيث يقول اننا لا نقوم بهذ الفعل بل نتبع نهجاً آخر يرتبط بالجانب الأخلاقي والديني..وليس الإمام فقط من يقول ذلك بل حتا مسلم ابن عقيل ..ومثالاً على ما فعله مسلم : ونظراً لأن الحدث التاريخي عادة في أذهانكم فلا نفصل فيه فالمعروف عادةً أن مسلم وبعدما أعلنت الأحكام العرفية وحالة الطوارئ حيث أغلقت الأبواب ولم يكن معه أحد فجاء وجلس على باب طوعة ( وقد ذكرنا هذا في ليلة مضت عن موضوع طوعة ) وحسب النقل التاريخي ، خرجت طوعة وقالت له ما جلوسك على باب داري ، أو لا أجيز لك الجلوس على باب داري أو شبيه هذا ، مما يفهم منه عدم الأذن بالبقاء أمام باب طوعة .. من هنا فإن الإنسان العادي يمكنه أن يقول ما هذا الكلام .. أنا الآن حياتي مهددة بالموت وهذه المرأة تقول لا أجيز لك الجلوس على الباب ؟ ليس علي أن أسمع كلامها .. بل أدخل داخل الدار لكي أحافظ على حياتي أو أن أقول لها هذا المكان ليس ملكاً لك ولا لأبيك فافعلي ما يحلو لك..ولكن مسلم ( ع ) ليس من يفعل ذلك .. فمسلم إنما يفهم (إن لكل دارٍ حريماً ، وأن حريم الدار مالم يأذن فيه صاحب الدار ، لايصح أن ينتهك )، و على سبيل المثال:

أأتي لأقف على باب بيت احد من الناس فأنظر إلى الداخل ولو سئلت عن سبب هذا الفعل ، أجيبه مثلا : انت لا تملك هذه الأرض فأنت إنما حدودك هذه الأرض التي انت عليها وأنا أنما اقف خارج أرضك فلا يحق لك أن تمنعني ..فهذا الفعل لايجوز شرعاً ، والشرع يقول أن هذا من حريم الدار، ولايجوز لك أن تأتي إلى مثل حريم الدار حتى تكشف ستر من في داخلها، ولا ان تضايق دخوله وخروجه ..فطوعة عندما تقول لمسلم ما قالت له فإن مسلم يفهم ذلك المعنى ، وعليه أن لايبقى ..مالم تأذن له

نعم إن حريم الدار لمحدود ، فلا يأتي أحدٌ ما ويقول أن طول بيتي مثلاً طول الجدار ثلاثين متراً ، ولا أسمح لأحد أن يقف بسيارته مثلا بجانب هذا الجدار ، لا بل أن البعض يقول أكثر من ذلك فيقول مثلاً أي أحد يقف في هذه المنطقة أثقب إطار سيارته فهذا غير جائز شرعاً وهو ضامنٌ في هذه الحالة ..

فأنت إنما لك حقٌ محدود وليس لك حق أكثر من ذلك .، ولا يحق لك إتلاف سيارة من يقف في هذه المنطقة.. فكل شيء بحسابه في الشرع..فمسلم عندما فهم من طوعة أنها لاتجيز له البقاء على باب دارها، كان ينبغي أن ينصرف..نعم ، هنا لما طلب منها الماء ، وهذا أمرٌ طبيعي جاءت إليه بالماء وتعارفا ، وعرفت بأن هذا مسلم ابن عقيل، وآن إذٍ أدخلته دارها ،ومن دون ذلك لم يكن يجز له فقط أن لا يدخل الدار وإنما لايجوز له حتى أن يبقى على عتبة باب الدار من دون إذنها لأنها صاحبة الدار ..كان يمكن لمسلم أن يقول أنا ثائر ضد الظلم ، وكل من ما هو أمامي لي أن أقتحمه ( بحجة أنه ثائر) ..

وانتم ايها الأخوة رأيتم في بعض بلاد العالم الإسلامية ماالذي حدث وما الذي جرى ..

وهنا يأتي سؤال آخر قد وجَّه إلينا وسنذكرلكم هذا السؤال ، وهو أنه كيف دخل مسلم ابن عقيل دارها وهي إمرأة ليس لها زوج فآن إذٍ يكون هذا التصرف خلوةً والخلوة محرمة ، ويفترض بمسلم أن يكون ملتزما من الناحية الدينية ؟ للجواب على ذلك ، نقول أن الخلوة عند العلماء على رأيين ،

الرأي الأول يقول : الخلوة هي اجتماع رجل وامرأة في مكان وإغلاق الباب على نفسيهما بحيث يأمنان من دخول أحدٍ عليهما ، فبمجرد أن يكون هذا هو الحال فإنه يكون خلوةً..

والقول بهذا إنما سيضيق دائرة اجتماع رجل وامرأة إلى أدنى الدرجات ، وحتى المصعد على سبيل المثال فلو أن رجلاً وامرأة اجتمعا في المصعد فيصعد بهما فإنه بناءً على هذا القول فإن هذه الخلوة غير جائزة ..أما الرأي الثاني يقول إن الخلوة بالإضافة إلى اجتماع رجل وامرأة وإغلاق الباب عليهما ،أن يكون يحتمل منهما وقوع الحرام، فليس مجرد الإجتماع يعد خلوة بل لابد من وجود شرطٍ آخر وهو احتمال وقوع الحرام، وعدم الأمن من وقوع الحرام ، فإذا كان كذلك فهي إذن خلوةٌ محرمة ..وبالطبع فإن هذا الرأي سيوسع الدائرة.. فلو فرضنا مثلاً بأن إمرأةٍ ذهبت لتستفتي مرجع التقليد الذي تقلده وأُغلق الباب في هذه الأثناء وهي معه، فإنه بناءً على الرأي الأول أنهما يرتكبا محرماً لأنها خلوة..وبناءً على الرأي الثاني لايرتكبان الحرام ، لأنه المفروض أنه لا يحتمل منهما وقوع الحرام ..وبناءً على الرأيين لم تحصل خلوة في قضية مسلم ابن عقيل لأنه عندما أدخلته داخل البيت أفردت له داراً قصية ، غرفةً بعيدة عن داخل البيت مثل بعض البيوت الآن تجد فيه المجلس منفصل تماماً عن البيت الداخلي ..

وطوعة التاريخ ينص على أنها أفردت له داراً بعيداً عن مكانها ، فإذاً هما لم يجتمعان في هذه الغرفة ،وأضف إلى ذلك أنهما لم يكونا آمنان أصلاً ، لأن ابن طوعة كان يدخل ويخرج من البيت فهو مثلاً لن يأخذ موعدا للدخول بيته فكان يدخل ويخرج كيفما يشاء ولذلك لما دخل البيت رأى أمه تدخل إلى مكان في الدار ليس مؤلوفاً أن تذهب إليه فتأخذ إليه الماء وما شابه ذلك فعرف أن هناك شي ، فلو كانا داخل البيت الداخلي ماكان يحتاج إلى نوع من التلصص والتجسس ..أضف إلى ذلك الرأي الآخر ، وهي أنه لم يكن يحتمل أن يصدر الحرام في تلك الأجواء نظراً لشخصية مسلم ابن عقيل والأجواء المحيطة به ..

وعوداً على موضوع مسلم ابن عقيل ، عندما جيئ به وقد شتر وجهه بالسيف وكتف ، تنقل هنا أكثر من حادثة ، الأمر الأول في قضية شرب الماء، لما سقطت دماؤه في القدح امتنع من الشرب والسبب هنا واضح وهو سبباً شرعياً نظراً لأن هذا الماء يفتر ض( مهما كان ) هوماء ينطبق عليه عنوان الماء القليل في نظر الشارع فأي قطرة تصيب ذلك الماء من النجاسة يصبح نجساً ، لا يجوز له أن يشرب ، وكذلك لم يكن مسلماً مثلاً في درجة من الإظطرار كالإنسان الذي سيموت من العطش إن لم يشرب حتى يقال أنه يحوز لمسلم أن يشرب حتى ولو كان الماء نجساً.. طلب مسلما الماء مرة أخرى فحدث مثل المرة الأولى ، حينها تعفف مسلم عن الشرب .. فهو إذاً انساناً ملتزماً حتى بهذا المقدار، وهو أنه لا يشرب هذا الماء النجس مادامت القضية ليست قضية اضطرار إلى درجة الموت عطشاً ، في نفس الفترة وفي نفس الحادثة تقول الروايات أنه استدنى عمر ابن سعد وقال له أنه لي عندك وصية ، فسأله وما هي تلك الوصية ؟ فقال مسلم : أنني مديون بأربعمئة درهم ، وهذا سيفي ودرعي يستحقان أكثر من هذا المقدار، فبعهما وسدد ديني ..

بنو زهرة وبنو هاشم يرتبطون في الجدود في قريش ، فرأى مسلم أن أقرب واحد من الممكن أن يقوم بتنفيذ هذه الوصية هذا الذي بينه وبينه صلة قرابة ، فقام عمر ابن سعد ولكي يبين موالاته لابن زياد وقال لابن زياد ان مسلماً أوصاني بكذا وكذا.. فعاتبه ابن زياد على ذلك ،عبيد الله ابن زياد والذي هو بهذه القسوة عاتب عمراً ،حيث قال لعمر: لم يكن هناك داعٍ لِأَن تخبر عنه .. (؟ما خانك الأمين ولكنك أأتمنت الخائن )

إنما هي وصية .. أحدٌ ما مديون وأوصاك بوصية شخصية فما الداعي لِأَن تخبر الناس بهذا الأمر ؟ وقد أبى عمر أن يقوم بهذه الوصية .. حتى يبين للحكومة أنه معها ، أي وأنه حتى بهذا المقدار فإنه لا ينفذ وصيته..فطلب مسلم ابن عقيل من شخص آخر ان يقوم بالوصية وقد قبلها ذلك الشخص، ونفذ وصيته..

وهنا تستوقفنا أمور:

الأمر الأول: ان شخصاً ما على سبيل المثال قد أتى من يوم خمسة شوال و دخل الكوفة وبقي إلى ثمانية ذي الحجة وهو خلال هذه الفترة آلاف الناس قد جاءوا إليه ، فمن كانت لديه أموال سلمها ومن كانت لديه تبرعات أحضرها ، هذاالشخص الذي بايعه ثمانية عشرألفاً بما يشكلون من قوة عددية وقوة مالية ، ومع ذلك يموت مسلم ابن عقيل مديون أربعمئة درهم ؟ هذه هي النزاهة ..في حين أن قسم من الناس لايمضي عليه وقت من وجوده في الوزارة أو الإرادة ، تراه تجري السيول من الأموال في حساباته الشخصية..

ومسلم الذي بقي ثلاثة أشهر في الكوفة، وثمانية عشر ألف يقولون له نحن نبايعك ، هم كبارأهل الكوفة ، ثم يقضي مسلم مديون بأربعمئة درهم ، وأول ما يفكر فيه يفكر في ديونه..أين هذا وأين قسم من الناس ،من يكون مديوناً عند هذا وعند ذاك ولا يفكر حتى في حياته العادية فضلاً عن قرب موته..يستأجر شيءاً ولا يدفع قيمة الإجار ..؟يشتري شيءاً ولا يدفع الباقي ،يدفع عربوناً ثم يتناسى .. يافلان إن عليك ديناً، فلا يجيب إلا: ليس لدي مال الآن أو يسوِّف ويقول خيراً يكون..

أين هذا من ذاك ! ..فأربعمئة درهم أمر بأن تسدد عنه، وهذا يبين لنا هذا المعنى وهو أن صور قضية الديون وبالذات في كربلاء كأنما تريد أن تعظ الناس..

والأمر الثاني : شخص يقال له مالك ابن النضر الأرحبي، جاء إلى الإمام الحسين في الطريق ودعاه الحسين إلى نصرته ، ثم علم الحسين ( ع ) أن هذا الرجل مديون بدين فقال له :لا.. إذهب سدد دينك ، وفي بعض الروايات تقول أعطاه أموالاً وحلل لتسديد ذلك الدين ..

وشخص آخر أتى الإمام عليه السلام أيضاً كان له إبن قد أسر ، وقد تصرف معه الحسين بنفس الطريقة.. الشاهد أن الإمام الحسين يصنع هذا الصنع بالنسبة للمديون ومسلم ابن عقيل يصنع لنفسه هذا الأمر.. فما هذه الأخلاقية والإلتزام الديني والأخلاقي..يصل ( مسلم ) إلى قريب اقتناص الثمرة بعرف السياسيين.. فهذا عبيد الله ابن زياد وراء الإسطوانة ومسلم في داخل الدار يمكن أن يخرج سريعاً ويطبره بسفه ،وهناك قسماً من الناس يقول : لِم لَم يستفد مسلم من هذه الفرصة ويقتل عبيد الله ابن زياد ؟ وقد قالها البعض كشريك الأعور، قال لمسلم لو قتلته لقتلت رجلاً فاسقاً ..

ولكن الفرق بين شريك الأعور وهو وإن كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وبين مسلم ابن عقيل أن شريك يتكلم بالمنطق السياسي وأن مسلم هو منطق الإنسان المؤمن لرسالي.. حيث يقول أنا ملتزم بحديث عن رسول الله ( الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن )عبيد الله إنما يستحق أكثر من القتل لكن أنا لا أفعلها، ولو كان كذلك لتم الإعتراض على الإمام علي عليه السلام لِم لَم تقل لهم أعمل بسيرة الشيخين ؟ ثم بعد ذلك تعمل ما بدا لك ؟ لِم لَم تلعب لعبة سياسية فأبقيت الولاة ثم بعد ذلك انقلبت عليهم ؟

نفس الكلام..ونفس الباب ..ونفس الجواب..فهو إنما متأثر بتلك التربية.. ونحن أيضاً يجب أن نكون هكذا..أكثر من هذا بعض الشروط التي تبدي غريبة عندنا لكن الإمام عليه السلام يلتزم بها كما ذكر في قضية الضحاك المشرقي ..

الضحاك ابن عبيد الله المشرقي ( وهو راوية لأكثر أحداث الطف ) وهو واحد من الرواة الأساسيين لأحداث معركة كربلا .. فمن جملة ذلك ما ينقل عن لقائه مع الإمام الحسين .. يقول : التقيت انا وابن عم لي وهو مالك ابن النضر مع الحسين وسامنا على الإمام ، قال ما الذي أقدمكما في الطريق ؟ قلنا له جئنا نسلم عليك .. قال: كيف تركتم الناس خلفكم؟ ف تحدثنا له عن ذلك ..، ثم دعانا إلى اللحاق به، فأما صاحبي فقال له أني مديون وعلي أن أوفي ديني ، فصرفه الحسين (وأيضاً في هذه الرواية أن الحسين زوده ببعض المال لكي يساعده في تسديد دينه) ، وأما أنا دعاني إلى نصرته فقلت له يا أبا عبدالله أنا أجيبك إلى ذلك ولكن بشرط، أنني أقاتل عنك أو معك ما وجدت معك مقاتلاً ، فإن ذهبت أنصارك فأنا في حلٍ من ذلك ..

فتعجب الإمام الحسين .. فالإنسان عادة يحتاج إلى النصرة في وقت الضيق ، وقت الذي لايوجد معك أحد ، أما إذا كانت الناس موجودة حولك، فإن الحاجة لك تكون أقل  ! ...ولكن الإمام الحسين عليه السلام فسح له المجال في أن يناصر بهذا المقدار، فلعل الهداية تدركه في آخر الأمر فيستشهد ، فقال الإمام عليه السلام : قبلت بذلك ولك شرطك ..إن مقولة ( لك شرطك والإلتزام بها )قسم كبير من الناس لايعتني بها ،

فعلى سبيل المثال، أأتي لأشتري منك سيارة بشرط أنها كذا وكذا وكذا فتعطيني هذه السيارة بدون هذه الشروط وتقول هذا هو الموجود وهذا ما لدي أين إذاً الشرط ؟! انما الشرط جزءٌ من الثمن له، وبعض الشروط شرعاً تمكني من الإرجاع.. تمكنني من أخذ فارق الثمن ..

وفي أمثلة آخرى ، أتزوج إمرأة على شرط أنها بكراً ثم يتبين لي عكس ذلك ،أشتري سيارة على أنها موديل هذه السنة ويتبين لي بعذ لك أنها موديل سنوات سابقة،أأخذ بضاعة على أنها بهذه المواصفات ثم يتبين أنها فاقدة لهذه المواصفات ..إن الشرط له جزءٌ من الثمن ، ففي بعض الحالات الشرع يقول لك أن هذه البيعة أصلاً باطلة ، فأعدها وخذ أموالك ، وفي بعض الحالات أيضاً يقول لك الشرع بإمكانك أن تخصم من مقدار الثمن ما تخلف عنه الشرط ..

إذن ،ف ( لك شرطك ) قاعدة يجب أن تكون في حياتنا ..فالإمام الحسين عليه السلام قال لذلك الرجل لامانع ، لك شرطك ..وفعلاً حضر وقاتل حتى يوم عاشوراء وبعد أن قتل كل الأصحاب ، وكل الهاشميين وبقي هو لم يقتل بعد، فجاء إلى الإمام الحسين عليه السلام وقال: يا أبا عبد الله إني على شرطي ، ( أقاتل عنك ما وجدت معك مقاتلاً ) ، أما الآن فليس معك أحد وإني ذاهب عنك ، فقال له الإمام ( ع ) بلى ولكن من أين لك النجاة  كيف بإمكانك الخروج الآن ، لإن الخيل أكثرها عقرت ، ضربت بالسهام ،فكيف لك بالنجاة؟ ان خرجت ماشياً فهؤلاء الأعداء يمسكو بك! فقال : لا، قد أخذت للأمر أهبته وعدته ،

فقال له الإمام وما الذي صنعت ؟ قال : لما بدأت الخيل تعقر ، أخذت فرسي وضممتها إلى الفسطاط ، تركتها بين الخيام ، فلم يصبها شيء، استعداداً مني لمثل هذا اليوم ،فقال له الإمام ذاك لك إن شئت ..هذا إنما أتى وطرق باب الجنة ما عليه إلا أن يدفع الباب  ! لكنه  ! .....لم يكن مقسوماً له..

وهذا ما نقوله ، أن فرصة الخير لاتكرر في حياة الإنسان ولا تتأجل ولاتنتظر أن تقوم بها أو لا فما دام خيراً ، أقدم عليه وفي نقس اللحظة ولا تؤخره أبداً ، ففي التأخير آفات ..

ثم قال الإمام الحسين عليه السلام له ذاك إليك ، وبالفعل ركب الرجل فرسه ووكزها وأخذ يجري بها ولحقت به جماعة من العدو ، ولكن استنقذه آخرون ، وبقي على قيد الحياة ، لم يصبح من شهداء كربلاء ،، خسارةٌ ما بعدها خسارة ..الشاهد هنا ، أن الحسين حتى في هذه الظروف ، ومع الحاجة إليه أن يدافع عنه ، إلا أنه قال لك شرطك ، وأنا ملتزم بالإلتزام الذي التزمته معك ،

( مع شدة الحاجة إلى مثله في ذلك الوقت ) ..هذا إنما يعلما أن نسير على هذا المنهاج ، فغاياتنا الحسنة والنبيلة ينبغي أيضاً أن تكون وسائلها وسائل نبيلة وحسنة ، وأن نكون ملتزمين بالشرع بشكلٍ دقيق ، فلا نفرط هنا وهناك ..لاحظوا هذه المسألة ، ثم نختم بها الحديث نحن عندنا أن عظمة يوم عاشوراء معروفة ، يعظمه شيعة أهل البيت عليهم السلام وأول من يعظمها مراجع الدين ولكن أيضاً تعظيمهم لها في إطار الحكم الشرعي ..

يُسأل المرجع ، هل يجوز لي الذهاب إلى عملي في يوم العاشر ، هل يجب علي الذهاب أم لا؟ هنا العالم الفقيه ( وهم المراجع ) أعلى الله كلمتهم يقول : يجب هنا أن نفصل بين نوعين من العمل ،عمل شخصي خاص بك ، تجارة خاصة ، بقالة بيدك ، دكان أنت تفتحه ، لست مربوط بعقد مع أحد ، هنا يكره السعي يوم العاشر في حوائج الدنيا ، ويستحب له أن يتفرغ لإقامة المأتم والمشاركة فيه ..وأن الإنسان إذا قام بهذا الأمر فإن الله يبارك في رزقه ، هذا إن كان العمل شخصي ولا يرتبط بأحد ولست موظفاً عند جهة ..لكن إذا كنت موظفا عند شركة ، أو مؤسسة ، موقعاً عقداً ، فإنك تارةً يمكنك أن تأخذ إجازة ( وليس عن كذب ) حين تقدم إلى المسؤول ( سكليف) ،إجازة مرضية ، وأنت لست مريض أصلا ، أو غير ذلك ( زوجتي وضعت ) أو أي عذر مختلق ، فهنا لايجوز الكذب ..ما يجب أن تقدمه ، هو أنك لديك مناسبة دينية ، أو لك أن تأخذ اجازة اضطرارية ، حيث يمكن لك ذلك..

وتارة أخرى ، عندما لا يؤذن لي فتارة لا اذهب لعملي ولا أخذ أجراً ، فلا يكون علي شيء ، نعم خالفتُ العقد ، فمثلاً العقد يقول أنني لابد أن أداوم طول الشهر، ولكن مع ذلك فإني في غيابي عن عملي لم آخذ أجراً ..

ارتكبت مخالفة للعقد نعم لكني لم أخذ أمولاً حرام بدون مبرر ، ومرة أخرى ذاك البعيد لايذهب لعمله وهو ملزم بالذهاب وأيضاً يأخذ مقابل ذلك اليوم ، ولنفترض مئة ومئتي ريال ثم يأتي ويسأل هل يجوز لي التصدق بها ؟!

لا ، لايجوز لك ذلك ويجب عليك إرجاعها لأصحابها ،فأنت واقعاً لاتستحقها ولاتملكها، وإذا أردت مثلاً أن تتصدق عن مالكها فإنه إن أذن لك بذلك فنعم ، وأما إذا لم يأذن لك بذلك فلايجوز أن تتصدق بها .. فلاحظوا العالم الفقيه المرجع الديني ومع أنه يقر بأن كل شيء عندنا من الحسين عليه السلام، ومن مراسمه ومواسمه ، ولكنه يقول لك لا تتعدى على حقووق الآخرين ..لايقول لك خالف العقد الموقع بينك وبينهم وخذ من عندهم أموال ولا إشكال في ذلك لا.. لايجوز ذلك ، والحسين عليه السلام ماأدبنا بهذه الطريقة ، بل أدبنا على أن نلتزم .. إذن فحتى في مثل هذه الموارد الإنسان ينبغي أن يلاحظ..نعم لو كان يصبح في بلاد المسلمين إعظام لشأن هذا الإمام العظيم بحيث يكون الجميع في عطلة، فهذا شيء حسن ، أو لا أقل ينتمون إلى أهل البيت عليهم السلام، فيؤذن لهم فهذا شيء لاريب أنه خطوة باتجاه بر رسول الله صلى الله عليه وآله ،وفيها من الآثار الإجتماعية مافيها ،إما إذا لم يحدث هذا فإن الإنسان يجب عليه الإلتزام بأوامر دينه ومذهبه ..

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من السائرين على خط الأئمة الطاهرين إنه ولي ذلك والقادر عليه ..

مرات العرض: 3382
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2553) حجم الملف: 61180.81 KB
تشغيل:

11 أدوار مؤثرة لنساء رساليات
13 عن دفن الامام الحسين ومدفنه