الخمس أسئلة صريحة واجابات واضحة 28
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/9/1439 هـ
تعريف:


 الخمس :أسئلة صريحة وإجابات  واضحة

كتابة الأخت الفاضلة فاطمة آل هليل

ورد عن مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليّه السلام أنّه قال: (الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير)([1]).

موضوعنا: الخمس أسئلة صريحة وإجابات واضحة.

وسنتناول بعض الاسئلة الّتي تثار في ما يرتبط في قضية وجوب الخمس تشريعًا وفي مصارفه تنفيذًا، ونتعرض إلى ذلك منطلقين من الرواية المعتبرة الّتي رواها سماعة بن مهران الحضرمي ([2]) عن الإمام الكاظم سلام الله عليه، والطريق إليها أيضًا طريق معتبر فالرواية تكون معتبرة، ودلالتها أيضًا دلالة واضحة وهي أنّ الخمس متعلق بكل ما أفاد الناس سواء أكان قليلًا أو كثير، وقد أشرنا في وقت لاحق بأن الخمس يكون في صافي الربح بعد إخراج مؤونة تحصيله من أجور العمال وأدواته وبعد مؤونة الشخص نفسه في حياته المعاشية دنيوية وأخروية، ما تبقى بعد ذلك يكون فيه الخمس.

لماذا آيات الخمس قليلة ؟

من الأسئلة الّتي تثار وهذا السؤال وافد من المدرسة الأخرة وربما حفظه بعض أتباع الإمامية، وهو: الخمس يساوي 20% من ميزانية الشخص، وفيه آية واحدة، أمّا الزكاة تساوي 2.5% من ميزانية الشخص، وفيها أكثر من سبعين آية. فكيف ذلك؟ أيّ أنّ الإنسان في الخمس يخرج مبلغ كبير ومع ذلك لا نجد في القرآن إلّا آية واحدة (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)([3])، في المقايل الزكاة تصل إلى 10% من الخمس وفيها بعين أو ثمانين آية، فكيف يكون هذا التشريع؟ بلّ إنّ المفترض أنّ يكون الخمس ليس أمر واجبًا بهذه الطريقة.

الجواب على ذلك:

أولًا: متى كانت كثرة الذكر لشيء دالة على أهميته، وقلة الذكر لشيء دالة على عدم أهميته؟ من يقول بهذا الكلام؟ هل صرح القرآن بأن الاهتمام فيصله كثرة الآيات أو قلتها؟

نحن واقعًا نرى العكس، نجد القرآن الكريم ذكر أشياء ذكر قليل مع اهميتها العظيمة، وذكر اشياء ذكر كثير مع أهميتها القليلة، ولنأخذ ثلاثة أمثلة:
1.في العقائد: لا ريب أنّ النبي محمد صلّ الله عليه وآله وسلم سيد من خلق الله إلى يوم الدين، فكل الأنبياء والبشر دون رسول الله ومع ذلك نرى أن ذكر أسمه في القرآن الكريم قليل، فقط أربعة مرات باسم محمد ومرة واحدة باسم أحمد. في مقابل موسى بن عمران الذي أورد اسمه 136 مرة، موسى وهو قطعًا ليس أفضل من رسول الله.هل يستطيع أحد من اليهود أنّ يأتي ويقول بأن حتّى القرآن الكريم يرى بأفضلية موسى ويعطيه أهمية أكثر من نبيكم حتّى أنّه ذكر أسمه أكثر من اسم نبيكم؟ فهل يقبل مسلم بهذا الكلام؟

.2)في العبادات: عندنا عبادة الصوم والحج، الصوم يشكل بالنسبة إلى الإنسان 10% من مجموع عمره، الحج يشكل خمسة أيام في العمر، مع ذلك ذكر الحج في24 آية على الاقل في تشريعاته والصوم ذكره في أربعة آيات فقط.

3) في المعاملات: لا نعلم شيء من الذنوب الّتي يرتكبها الإنسان (الذنوب الفردية) أكثر من القتل (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) ([4]) ، وقد وردت ثلاثة آيات فقط في القصاص من القاتل، بينما سائر المحرمات ترى فيها أكثر من ذلك.
ومن هذا يتضح لنا أنّ كثرة الآيات وقلتها لا يدل على الأهمية.
إذن عندما يأتي القرآن ويقول بأن في الخمس آية واحدة وفي الزكاة عشرات الآيات، فإن ذلك لا يدل على أهمية الزكاة وتقليل من أهمية الخمس، وغير هذا حتّى لو لم تأتي آية في القرآن الكريم لكن أتتنا رواية صحيحة السند واضحة الدلالة عن رسول الله صلّ الله عليه وآله وسلم، أو عن العترة النبوية فإننا نلتزم بها، ونحن نرى العديد والعديد من الروايات الصحيحة في هذا الأمر.

وهناك رأي علمي دقيق يقول بأن الزكاة في القرآن الكريم تعبير عن مجمل المال الذي يعطيه الإنسان قربة لله تعالى لأنّ في ذلك تزكية للنفس وتنمية للمال، والتزام لأمره وتارة يكون واجب وتارة يكون مستحب، وتارة يكون خمس وتارة يكون زكاة وتارة صدقة، تارة يكون من الأنعام وتارة يكون من الغلات، وغير ذلك.

ماذا عن روايات تحليل الخمس ؟

أمّا السؤال الثاني وعادة يثيره أفراد المجتمع الشيعي، وغالبًا من يؤيد هذا الرأي يكون خائفًا على ماله (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)([5])، وهذا السؤال قديم الطرح والنقاش، وحاصل السؤال: هناك في الروايات عندنا روايات تسمى بِـ (تحليل الخمس في زمان الغيبة) ([6]) فإذا كان هكذا فصحيح بأن الخمس كان واجب في زمان معيّن ثمّ حللوه المعصومين لشيعتهم فانتهى الخمس.

وجواب هذا الإشكال مستعار من سيد الطائفة السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه عنما بحث هذا الموضوع مختصرًا، قال:

نعم، عندنا روايات صحيحة تنص على أنّ الشيعة في حل من الخمس، مثل الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق عليّه السلام الّتي تدل على إباحة الخمس للشيعة مطلقًا وبلا قيد أو شرط، وصحيحة أبا جعفر الصادق عليّه السلام عن أمير المؤمنين عليّه السلام أنّه قال: (هلك الناس في بطونهم وفي فروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا وآبائهم من ذلك في حل).

وهذه الروايات غير قابلة للتصديق مطلقًا، لأننا لو تصورنا قول ذلك لعارض ذلك روايات كثيرة ممتدة في كتب المذهب، ومنها الرواية المذكورة في أول البحث ورواية (من اشترى شيئًا من خمس لا يعذره الله في ذلك)، ثانيًا لو أخذنا بهذه الرواية وتركنا الخمس، ومن جهة أخرى الذرية النبوية محرم عليهم الزكاة والصدقة فلا ضمان اجتماعي لهم، والخمس غير واجب عند الشيعة ولا معتبر عند غير الشيعة، فكيف يفعل الفقراء الهاشميين لإمرارا حياتهم؟ ومديونهم ومريضهم كيف يصنعون؟ هنا الله –والعياذ بالله- لي فقط لم يكرم ذرية رسوله بلّ ظلمهم بهذا فكان حالهم أسوء من الفقير العادي المباح له أخذ الصدقات، أيّ أننا لو سلمنا بهذه الروايات أيضًا ينتهي ذلك بنا إلى نقض أمر الله عز وجل في خصوص الفقراء الهاشميين فلا مودة للقربة في ذلك.

أيضًا دور الإمام في زمانه محتاج إلى المال، والإمام غير مكلف بأن يصرف ذلك من ماله الخاص، فلا الإمام يستطيع أداء أعماله المرتبطة بالمال ولا بني هاشم السادة يستطيع تسيير حياتهم.

وهنا نطرح سؤال عن كيفية التوفيق بين كون رواية الأمر صحيحة ورواية التحليل صحيح، هنا يمكن تفسير رواية التحليل إلى أنّها تشير إلى جهات أخرى، مثل:

1-جزئية التحليل، مثل (من أعوزه شيء في حقي فهو في حل) كأن يكون على أحد مس ثمّ لم يستطيع تأديته فالإمام يحلله.

2-هناك أموال تنتقل إلى شيعة أهل البيت من أخرين لا يعتقدون بالخمس، كالبائع الذي زبائنه من غير الشيعة المعتقدين بالخمس، فلا يخمس المبلغ المدفوع له، فإذا انتقلت لك أموال بضائع من غير المعتقدين بالخمس فأنت لست مسؤول بأن تسدد عنهم فأنت محلل بالمال الذي عندك، لرواية صحيحة السند ينقلها يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق عليّه السلام يقول فيها بأنّه كان عند الإمام ودخل عليه رجل من القماطين (تاجر) فقال للغمام: تقع في أيدينا الأموال والأرباح والتجارات، ونحن نعلم أنّ حقك فيها ثابت ([7]) ونحن في ذلك مقصرون، فقال له الإمام: "ما أنصفناكم إنّ كلفناكم بذلك اليوم، انتم في حل من ذلك". وأما في أصل أرباح الأنسان فخمسها واجب.

سؤأل في قضية مصارف الخمس :

سؤال يطرح في قضية المصارف، تارة تكون طريقة السؤال تهريجيه كمن يتهم المراجع والشيوخ بأخذ المال واللعب به وهؤلاء لا يجب الرد عليهم لأنّ حتّى الأعداء اعترفوا بنزاهة علماء الدين الإمامية، وكل من قصد المراجع علم بحالهم وسكنهم المتواضع بلّ علمنا أنّ هنالك علماء ومراجع تقليد كانت تجري بين يدهم الأموال الطائلة والهائلة إلى أنّ ماتوا لم يمتلكوا منزلًا بلّ كانوا يسكنون بيت وقف حتّى توفوا. طلاب أحد المراجع كان يتصفح صورة أحد مراجع التقليد ويرى بأن لباس هذا المراجع من 35 عام لم يتغير، فنزاهة علماء الشيعة محل اعتراف المنصفين، لا نقول كلّ من وضع العمامة على رأسه صار ملاك مقرب بلّ من أبناء الأنبياء عصاة وغيرهم، لكن النظام العام ليس كذلك بلّ فيه نزاهة وأمانة، ويحسن عدم الرد عليه، لكن هنالك سؤال يمكن أنّ يجاب عليه، وهو: إننا لا نجد وضوحًا في آثار مصارف الخمس في بلادنا، فنحن نريد مستشفيات وإسكان وغيرها فلما لا يكون الخمس في مثل هذه الأمور؟

وجواب هذا السؤال يكون بأننا تارة نتكلم عن منطقتنا المحلية ونرى احتياجاتها، وتارة نفكر على مستوى المرجعية ونرى احتياجات كلّ الطائفة، أنت في بلدك صحيح تحتاج إل مستشفى خمسة نجوم لكن جارك في المذهب لا يملك كسوة الشتاء أو لقمة عيش يأكلها وهو من ذرية النبي، المرجع هنا اب للجميع فأنت لو تصورت هذا الأمر ووضعت نفسك مكان هذا المرجع فلو فضل أحد دون أحد آخر فسيكون ذلك ظلم، فمال الخمس مال الله خرج من ملكك يصرف في مواضعه الصحيحة، فالمرجعية تعتبر كلّ المناطق سواسيه وتسعى للصرف في كلّ المناطق، وتجيز لوكلائها التصرف في مناطقها بنسبة معيّنة وباقيها يذهب إلى المرجعية ليتصرف بها، وهذا قمة في العدل، ولما نغض البصر عن ما في التشيع من كتب ومن مراكز ومساجد وحسينيات وحوزات وإنفاق على طالب العلم، قبل زمان من الآن حذف التشيع من القوائم وحورب فمن اين علا اسم التشيع من جديد؟؟

الخمس في الدائرة الإمامية يقوم بدور وزارة الشؤون والأوقاف في المناطق الإسلامية، كلّ ما يرتبط بأمور الدين والإنفاق مربوط بالخمس والحق الشرعي. تبليغ الخارجي للمذهب، السفر إلى المناطق المختلفة يحتاج لمبالغ مالية يموله الخمس في ذلك.

أمّا بالنسبة للخدمات المدنية فمصارف الخمس تقسم إلى: سهم السادة الفقراء، وسهم الإمام في سبيل الله. إذا رأى المرجع في هذا الزمان منفعة للإسلام في هذا الجهة وجه إليه في هذا الأمر.

هل سهم السادة طبقية ؟

والسؤال الأخير: البعض يرى بأن إعطاء السادة سهم الخمس تعليم للطبقية ونشر للكسل.

وجواب ذلك إذا علم من الذي يعطى من السادة انتفى السؤال، أولًا يجب على كلّ هاشمي مقدر إذا زاد عن مؤونته وجب عليه دفع الخمس وهو أولى بتطبيق شريعة جده ولا يغفر له التهاون في ذلك، وإذا لم يفعل ذلك فقد ارتكب حرامًا.

ثانيًا لا يدفع الخمس لأي سيد بلّ لابد أنّ يكون سيد فقير حتّى يجوز الدفع إليه والدفع لغيره غير مجزأ لابد من دفع بدله أو استرجاعه، فعنوان الفقر هو الأصل ثمّ السيادة لأنّ الله حرم الصدقة على ذرية رسول الله.

أمّا بالنسبة للتعليم على الكسل فلا فرق بين الزكاة أو الخمس، فالفقير الذي يعطى الزكاة أيضًا يتعلم على الكسل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أنّ يعلمنا أحكام ديننا ويعيننا على تطبيقها إنّه على كلّ شيء قدير.

 

[1]) ) (الكافي 1/545)

[2]) ) وهو ثقة عند رجال الحديث.

[3]) ) سورة الانفال 41.

[4]) ) سورة المائدة 32

[5]) ) سورة الفجر 20.

[6]) ) (الشيعة في حل من الخمس).

[7]) ) لأنّ الخمس واجب على الجميع، فالمشتري في مبلغه حقّ للإمام لم يسلمه.

مرات العرض: 3381
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 63129.07 KB
تشغيل:

من معالم المذهب الإباضي وأرائه 24
تشريع الزكاة في الاسلام 29