كظم الغيظ في المجتمع والسياسة ( شهادة الامام الكاظم )
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 25/7/1439 هـ
تعريف:


كظم الغيظ في السياسة والمجتمع

شهادة الامام الكاظم عليه السلام

تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الرمضان

تصحيح الفاضل أبي محمد العباد

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)[1]  صدق الله العلي العظيم

بمناسبة ذكرى شهادة سيدنا ومولانا كاظم الغيظ موسى بن جعفر نفتتح بحثنا هذا بهاتين الآيتين المباركتين، عُرف الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر بالكاظم وبكاظم الغيظ وقد وردت هذه الصفة في القرآن الكريم في هذه الاية المباركة التي تتحدث عن أن الجنة التي عرضها السماوات والأرض إنما أعدت للمتقين، من هم المتقون هنا؟ هم من يتميزون بهذه الصفات الأربع:

المنفقون في السراء والضراء.

الكاظمون للغيظ.

العافون عن الناس.

الإحسان إلى الآخرين.

كظم الغيظ:

   معنى أخلاقي فلو أخذنا مثال على ذلك القِربة التي تملأ بالماء، في الزمن القديم كانوا يربطونها من أعلاها حتى لا يندلق الماء، فتربط بحبل وما شابه ذلك فيقال كظم القربة يعني لم يترك الماء يخرج منها على أثر ربطها بهذا الحبل فهذا المعنى الخارجي للمثال الظاهري، فاستعير في المنحى الأخلاقي فاعتبر قلب الانسان يمتلئ أحيانا بالغيظ.

   الغيظ أيضا شدة في الغضب، شخص ما يستفز إنسان آخر فيصنع له أعمالاً كأن يكلمه بأقوال أو يتصرف بتصرفات أمامه تغيظ هذا الانسان مما يصنع الغضب في داخل قلبه، فإذا بلغ شدة الغيظ شدة الغضب امتلأ القلب تماما، يقال صار عنده غيظ في قلبه بحيث يتبين ذلك الأثر على وجهه وفي كلامه وأحياناً في سلوكه ولذلك مثلا يفرقون بين الغيظ والغضب، لا نستطيع القول اغتاظ الله أو غيظ الله لا يصح ذلك، لماذا؟

   لأن هذا الشيء الحاصل يؤثر على جوارح الانسان، الانسان المغتاظ يظهر هذا في وجهه وفي فلتات لسانه ولكن الغضب ليس كذلك ولذلك يقال غضب الله ولا يقال غيظ الله.

فلا يصح أن نعبر عن هذه الصفة بأنها من صفات الله، نقول ان الله يغضب لغضب فاطمة ولكن لا نستطيع القول ان الله يغتاظ.

   فهذا في دائرة معنى الغيظ والكاظم للغيظ، الكاظم للغيظ هو الذي يشد حبل التجلد على قلبه بحيث لا يخرج غيظه في صورة كلام الآخرين وفي صورة سباب وفي صورة فحشاء فيقال: كظم غيظه أي جعله داخل قلبه أغلق عليه وهذه من اهم صفات الامام الكاظم عليه السلام.

هذه الصفة ظاهرة لسائر المعصومين، لماذا أصبحت للإمام الكاظم على وجه الاختصاص؟

     لدينا في رواياتنا كما نقلها الشيخ الطائفة الطوسي في تفسير التبيان والشيخ الطبرسي في مجمع البيان بل البيهقي في سنن البيهقي من علماء مدرسة الخلفاء وكلهم تقريبا في مرحلة متقاربة (458-460)هـ، يذكرون في ذيل هذه الآية المباركة ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[2] إنها طبقت في أيام الإمام زين العابدين عليه السلام عندما كانت جارية تصب عليه الماء فوقع الابريق وكان ثقيلاً من يدها على يده فآذته ولكي تتقي مثلاً ردة فعل الإمام، قالت: إن الله يقول ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) قال: كظمت غيظي، قالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال: قد عفوت عنك، قالت: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله.

     بعضهم ينقلها في سائر الأئمة كما قيل إنها منقولة في حق الامام الصادق ومنقولة في حق الامام الكاظم ولكن أكثر المصادر عندنا وعند المدرسة الأخرى تشير إلى أن هذه الحادثة حصلت للإمام زين العابدين عليه السلام.

   أناس آخرون عندما نسبوها إلى خارج هذه الدائرة كالغزالي من علماء المدرسة الأخرى نسبها إلى ميمون بن مهران وآخر نسبها إلى هارون العباسي وهذا أمر عجيب حيث أن هارون الذي قتل الكثيرين أينه وأين كظم الغيظ؟! كان سريع الانتقام،ليس فقط بالنسبة إلى أهل البيت حتى بالنسبة إلى جماعتهم ويكفينا قضية نكبة البرامكة على يده.

   إذن الصفة الشاخصة للإمام الكاظم عليه السلام بالرغم من اننا نجدها في سائر المعصومين عليهم السلام فما هو وجه الاختصاص ؟

   كظم الغيظ تارة تكون في منحنى فردي وأخرى في منحى اجتماعي وثالثة في منحى سياسي والأخيرة وهي الأهم تماماً وقد تجسدت في زمان مولانا الامام أبي الحسن موسى سلام الله عليه وبها استطاع أن يبقى خمسة وثلاثين سنة كإمام وهي من أطول فترات إمامة الأئمة، فالإمام الهادي والإمام الصادق صلوات الله عليهم جميعهم تجاوزوا ثلاثين سنة.

إذن في ذلك الظرف المضطرب والمشحون في خلافة بني العباس - المنصور العباسي ، المهدي العباسي ، الهادي العباسي ، الرشيد – وهذه الألقاب التي وردت في التاريخ هي في الحقيقة لا تجسد هداية ولا مهدية ولا رشداً ولا هم يحزنون.

   عاش الإمام الكاظم عليه السلام ظروفاً استثنائية خمسة وثلاثين سنة كانت في غاية الاستفزاز وفي أشد حالات المواجهة وحرص إمامنا الكاظم عليه السلام في إيصال سفينة التشيع بأفضل ما يمكن إلى زمان الامام الرضا سلام الله عليه.

 بعض الأمثلة والنماذج فيما يرتبط بكظم الغيظ الشخصي والفردي:

    كظم الغيظ هو منحى أخلاقي مطلوب منا فأي شخص من أتباع أهل البيت ينبغي أن يكون كاظماً لغيظه، فمن الخطأ أن يكون هذا الإنسان الذي يأتي ويفتخر بقوله ويقول أنا لا أتكلم في غياب الشخص بل أواجهه وأعطيه الحقيقة المرة أمام عينيه مهما تكون النتائج، هذا ليس محل فخر لك بل توبيخ لك، هو صحيح أنت لم تتكلم وراءه وهذه غيبة ولكن أن تأتي إلى زيد من الناس وتحرجه أمام الناس هذا ليس موقف أخلاقي لكي تفتخر،إذا استفزك شخص تعال قل ومثلما قاله نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله ( من كظم غيظا في صدره وهو يقدر على امضاءه اتاه الله يوم القيامة اجر شهيد )

   يستطيع الوالد أن يوبخ ابنه وبرميه بأشد العبارات وقد يترك هذا أثراً سيئاً على الابن وربما يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها، لكن إذا ما أراد الوالد تربية ابنه تربيه صالحة مسك غيظه وفكر تفكير هادئ وجعل العتاب بعد الهدوء.

     زوجته على سبيل المثال عملت أو عملت شيء اغاظه فقام بتوبيخها وجعلها تبكي من شدة الكلام، فلو كظم غيظه وجعل قِربة القلب المملوءة بشحنة سلبية وربطها ولم يؤذي زوجته بكلام جارح أتاه الله يوم القيامة أجر شهيد وفي رواية أخرى بنفس المضمون ( من كظم غيظه وهو يستطيع على إمضاءه خيره الله يوم القيامة بين الحور العين ). 

   إنسان يغيظك في المنزل أو في العمل أو في الشارع أو في علاقتك معه قريب بعيد أخ أو إبن زوجة أو بالعكس، فأنت تمسك غيظك وتقول له غفر الله لك هذا كظم الغيظ على المستوى الشخصي، وهذا ما مارسه الإمام الكاظم كثيراً، اهم من هذا في تقديرنا ما مارسه الإمام الكاظم عليه السلام فيما يرتبط بقيادة اتباع المذهب في ظرف كان في غاية الاستفزاز.

   اليوم نحن نرى في بعض الأماكن تندلع الحروب بسبب فلان تكلم على فلان أو بسبب مقال من جهة معينة ضد جهة أخرى يكون مقدمة لمشاكل كبيرة.

    مضايقات الخلفاء العباسيين للإمام الكاظم عليه السلام وأتباع أهل البيت:

   لاحظوا في زمان الخلفاء الأربعة العباسيين وهؤلاء من عاصرهم الإمام الكاظم حيث عاصر زمان المنصور العباسي عشر سنوات وزمان المهدي العباسي عشر سنوات واشهر وزمان الهادي العباسي سنة واشهر وزمان هارون العباسي ثلاثة عشر سنة هذه مجموعها تصبح خمسة وثلاثين عاماً وهي مدة إمامته عليه السلام حيث تولى الإمامة وعمره عشرين سنة، وعادة عشرين سنة الإنسان العادي في هذا العمر يحتاج إلى نضج وإلى حكمة في مقابل أولئك الخلفاء الذي كان استفزازهم للحالة الشيعية ولأئمة أهل البيت وإلى بني هاشم في اعلى درجاتها، فالإمام الكاظم كظم غيظه ولم يستجيب إلى ذلك الاستفزاز، الخلفاء العباسيون هؤلاء الاربعة كان إضافة إلى قضية العداء، كان عندهم حالة قذارة لسانية، أحياناً عدوك يكون إنسان معقول ويكون لسانه لسان معقول، وأحياناً يكون لسانه لسان قذر، فالذين واجههم الإمام الكاظم عليه السلام كانت ألسنتهم قذرة. وإليك بعض الأمثلة: 

     المنصور العباسي عاصره الامام الكاظم عشر سنوات وهذا الخليفة من السهل عنده أن يتهم بالزنا، ففي أحد الأيام رأى عبدالله بن الحسن بن الحسن السبط حفيد الإمام المجتبى عليه السلام، فيسأله عن إبنه محمد المعروف بالنفس الزكية، وهذا كان معارض إلى الحكم العباسي لأن العباسيين هم نفسهم بايعوا محمد على أنه هو الخليفة لكن فيما بعد نكثوا بيعته، فلما أتى المنصور العباسي تتبع بني هاشم وأول شخص أراده هو محمد لأن للمنصور بيعة له في عنق صاحب النفس الزكية فاختفى محمد حفيد الامام الحسن فذهب المنصور العباسي خليفة المسلمين يسال والد عبدالله بن الحسن قال له: أين ابنك محمد؟ قال له: لا أعرف عنه شيء، آخر عهدي به في قبل سنة منى في موسم الحج شفته، فقال له: إذن فلماذا زوجته متمشطة مختضبة أتراها زانية؟

   ما الذي أدراك يا خليفة المسلمين أنها متخضبة ومتمشطة هذا أولاً؟ ثانياً هل هذا كلام يليق بإمام المسلمين وخليفة رسول الله وعلى الملأ؟ إذا كان لديك معركة معه وهو مطلوب لديك فما الداعي تأتي وتتكلم على زوجته أنها تتمشط وتتخضب حتى تذهب للزنا.

   فأجابه عبدالله بن الحسن قال له: يا أمير المومنين لا تتحدث عن ابنة عمك هكذا هذه من بنات عمومتك من الذرية النبوية ونحن أبناء علي بن ابي طالب وبنو العباس أولاد عمومة لا يناسب أن تتكلم هكذا، فقال له: أسكت يا ابن الخناء -أجل الله السامعبن -ترداد إلى نفس الكلام يعني يا ابن الزانية.

   فقال له: أي أمهاتي تلخن؟ يعني من عهدك أنه أمهاتي كانوا وراء هذه الأمور فاطمة بنت محمد مثلاً. بعد ذلك يأتي المنصور العباسي إلى آل الحسن قيل ثلاثة وعشرين شخصاً وقيل اكثر وسجنهم في سجن مطبق تحت الأرض ثم بعد مدة من الزمان هدّ عليهم السجن فماتوا في داخله. هذا خليفة! بهذه الطريقة يتعامل مع من يخالفه بهذه القذارة وبهذا الأسلوب.

    لاحظ أيضاً كيف هذا أو غيره مثل هارون العباسي أو المهدي العباسي الذي سلط بعض الشعراء السيئين حتى شتموا فاطمة الزهراء عليها السلام، وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله محل إجماع بين المسلمين، فإذا أنت لديك معركة سياسية مع بعض أبناءها ما دخل النساء في ذلك، أتى بمروان بن أبي حفصة هذا الشاعر السيئ وشتم فاطمة الزهراء عليها السلام وتكلم فيها، وقد رد عليه شاعر أهل البيت إبن الحجاج رضوان الله تعالى عليه قائلاً:

أكان قولك في الزهراء فاطمة        قول امريء لهج بالنصب مفتون

عيرتها بالرحى والحب تطحنه         لازال زادك حب غير مطحون

   أنت تعير فاطمة بما هو فخر لها عيرتها بالرحى والحب تطحنه لازال زادك حب غير مطحون وقلت أن رسول الله زوجها مسكينة بنت مسكين لمسكين.

   هؤلاء الخلفاء أحضروا الصراع إلى هذا المستوى وهذا يؤدي ببعض الناس إلى شدة الغيظ انت تأتي تتكلم في عائلتي وعرضي وفي امي تتكلم وفي زوجة ابني.

   وهذا أدى إلى تفجير عدد من الثورات العلوية واحد من أسباب نهضات العلويين أن هؤلاء الخلفاء كانوا لا يرقبون في آل البيت عليه السلام إلاً ولا ذمة، أكثر من هذا كان الاستفزاز لأهل البيت عليهم السلام ففي الأمور الاجتماعية مثلاً يذكرون من قضية ثورة الشهيد شهيد فخر الحسين بن الحسن بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن بن الحسن بن الحسن السبط، -يسمونه الحسن المثلث وهذا غير النفس الزكية والذي يسمونه الحسن بن الحسن المثنى- هذا رجل من خيرة أهل البيت رجل فقيه في المدينة المنورة كان يمارس حياته الاعتيادية، عيّن موسى الهادي العباسي والياً على المدينة وهو من أعداء أهل البيت، وأمره بان يستعرض مجموعة أسماء من الناس في كل يوم يأتون ويجلسون في دار الامارة لفترات طويلة بلا عمل مما يؤدي إلى تعطل حياتهم وأمورهم، تخيل انه من اللازم أن يكون متواجد يومياً كتسجيل حضور فإذا غاب أحدهم لفترة طويلة لسبب ما كعمرة أو غيرها فيكفله شخص ما، فيسجن الكافل حتى يحضر المكفول، فكان هذا العمل بمثابة إيذاء نفسي إلى أن رأى الحسين بن علي شهيد فخ أن استمرار مثل هذا الأمر غير محتمل فأخذ يناقش هذا الوالي في هذه المسألة، الوالي أيضاً تجرأ عليه وقام يضربه ويسبه،فتحرك الحسين وأعلن الثورة فحدثت موقعة فخ التي قتل فيها، فما كان بعد كربلاء واقعأ أعظم من واقعة فخ حيث قُتل الذين ثاروا وقطعت رؤوسهم وسبيت النساء كما صل في كربلاء.

   هؤلاء القتلة من قبل من ؟ من قبل أبناء عمومتهم العباسيين.

     غير هذا من الأمور الاستفزاز بالقتل في ليلة واحدة كما ينقلها الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك ومن الكتب التاريخية المعتمدة يقول عن حميد بن قحطبه وهي مشهورة الرواية في ليلة واحدة قتل ستين علوياً وألقى بجثثهم في البئر، لماذا؟! وماذا عملوا؟!

حكمة الإمام الكاظم عليه السلام في التعامل استفزازات الخلفاء العباسيين:

   المنصور العباسي لما حضره الموت وهو قد هلك في الطريق إلى مكة قبل أن يخرج من بغداد استدعى ريطه زوجة المهدي ابنه، والمهدي هذا ولي عهده كان خارج بغداد فأراد أن يوصي توصية إلى زوجة ابنه فجاء بها إلى مكان مثل المخزن وفتحه أمامها فكان الرائحة جداً مزعجة حيث يوجد فيها توابيت ورؤوس شباب وشيبة وأطفال وكل منهم موضوع عليه رقعة هذا فلان بن فلان. 

والتاريخ لا يذكر كم عدد هؤلاء بل يذكر أنه هناك رؤوس كثيرة للهاشميين، فقال لها: إذا أنا ذهبت ولم أعد من طريقي، أول ما يصبح المهدي خليفة أحضريه إلى هنا وقولي له: بهذا يستقيم لك الامر.

   في مثل هذه الظروف والذي بلغ الاستفزاز أقصى حدوده فعندما يسمع الامام الكاظم عليه السلام من يشتم جدته الزهراء عليها السلام وعندما يسمع من يهجو بني هاشم وبالذات أمير المؤمنين عليه السلام وعندما يرى أحفاد امير المؤمنين وهم بنو عمومته قتلى واسرى وسجناء وهي كلها تخلف في داخله أذى كثيراً، فماذا يصنع؟ هل ينهض ويتحرك ويواجه هؤلاء؟ هنا يأتي قضية كظم الغيظ من قبل الامام عليه السلام.

   إذا كان الإنسان في حالة مطاردة وفي حالة سجن وحالة تصعيد ومشاكل متى يتيسر له أن يربي عدد كبير من العلماء؟ متى يتيسر له ان يحمي شيعته من المواجهات؟ كما ذكرنا أحيانا أنت تشاهد أو تسمع أن أحداً من القادة يقول كلام معيناً يستفز به طرف آخر، فتكون الضحية أتباعه وجماعته مسلم مع مسلم أو جماعة مع جماعة، فهنا يأتي دور قضية كظم الغيظ من قبل الامام عليه السلام، فهو الذي حافظ على هذا الكيان الشيعي ومع كل ما حدث لم ينزلق الإمام عليه السلام إلى مواجهة ساخنة لم يكن يريدها كما حدث مع غيره مثل الحسين بن علي شهيد فخ وبعض أبناء الامام الكاظم عليه السلام لم يتحملوا تلك الأوضاع فثاروا ونهضوا ضد السلطة وأنتهى بهم الأمر إلى أن قتلوا وقُتل جماعتهم، لكن الإمام الكاظم عليه السلام وهو يرعى الحالة الإسلامية الهامة لم يُرِد أن ينزلق إلى هذا الأمر، فاستطاع الإمام عليه السلام خلال خمسة وثلاثين سنة مع أنه سجن عدة مرات في زمان المهدي وإن كانت فترة قصيرة وسجن في زمان هارون عدة مرات ثم تهديد الامام بالقتل في زمان الهادي لأن هذا موسى الهادي كان شرساً وباطشاً، فلما ثار الحسين بن علي شهيد فخ وقتله قال: نحن قتلنا هذا لكن رأس بني هاشم وهو الأساس لم نفعل له شيء للتخلص منه -وهو يعني الإمام موسى بن جعفر -فلا بد من قتله

   فكان هناك بعض الفقهاء مثل أبو يوسف القاضي قال: هذا الرجل ليس في وارد القيام ولا المواجهة ولا الحركة العسكرية وإنما هو مشغول بنشر العلم عن أبائه وأقسم له بالأيمان المغلظة أن موسى بن جعفر ليس هذا هو منهجه.

   فالإمام عليه السلام استطاع خلال هذه المدة أن يقود ساحة شيعة أهل البيت بحيث لم يتأثروا بما كان يفعله أولئك الخلفاء الأربعة الشرسون، واستطاع أن يكظم غيظه وأتبعه في ذلك شيعته حيث ساروا على نفس المنهج ونفس السياسة، فتحمل الإمام عليه السلام بنفسه الآلام وتحمل بنفسه السجن والأذى من أجل أن يصون كيان شيعته وأتباعه فصلوات الله على موسى بن جعفر أبي الحسن الكاظم للغيظ صلوات الله وسلامه عليه.

على المستوى الفردي كان كاظماً للغيظ وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي أيضا كان كذلك وبواسطة كظم الغيظ هذا استطاع أن يحفظ شيعته ومذهب آبائه الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم إلى أن وصل الامر إلى منتهاه، فعندما رأى هارون العباسي أن يجعل الإمام عليه السلام تحت رقابته المباشرة وأن يفصله عن الناس، جلب الامام سلام الله عليه من المدينة المنورة إلى البصرة ثم إلى بغداد وبقي الإمام حتى في حالات اطلاق سراحه المؤقتة كان الخليفة العباسي يبقيه في بغداد بل يضعه تحت الملاحظة المباشرة.

وكان ينتظر هارون أن الامام الكاظم تحت هذا الوضع أن يقول كلمة تستفزه تكون سبباً في القضاء على الإمام عليه السلام لكن الإمام كان يكظم غيظه ويفكر في ما يقول حتى لا يتورط في هذا ولا يورط شيعته في مثل هذا الأمر.

    نسال الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أتباع الإمام الكاظم وأن يزيدنا به معرفة وأن يشفعه فينا في يوم القيامة إنه على كل شيء قدير.

   اللهم صل على محمد وآل محمد وصل على موسى بن جعفر وصي الأبرار وإمام الأخيار وعيبة الأنوار ومجمع السكينة والوقار الذي كان يحي الليل في السهر إلى السحر بمواصلته الاستغفار.

 [1] ) سورة آل عمران : 133-134

[2] ) سورة آل عمران : 134

مرات العرض: 3547
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2562) حجم الملف: 51402.41 KB
تشغيل:

الحالة العامة للمذهب أيام الامام علي الهادي
مولد الامام الحسين وقضية الملك فطرس