البخل وشح النفس 16
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/8/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية

البخل وشح النفس

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين

السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته

حديثنا هذا اليوم، بإذن الله تعالى، يكون حول أحد الأمراض الأخلاقية التي ينبغي أن يتقيها الإنسان، أو يعالجها لو تسربت إليه. ذلك هو: مرض البخل. البخل، كما ورد في تعريف الراغب الأصفهاني، في كتابه: مفردات ألفاظ القرآن الكريم: إمساك المقتنيات عمن لا يحق حبسها عنه، ويقابلها الجود. ومفهوم البخل، بنحو إجمالي، هو واضح لدى أكثر الناس، ولكن في هذا التعريف إلفات معين إلى أنه: حبس المقتنيات، أي كل ما يقتنيه الإنسان، سواء كان: مالا أو لباسا أو طعاما. فإذا حبسه عمن لا يستحق أن يُحبس عنه، يكون بخيلا. فأحيانا قد يستحق شخص معين أن تحبس المال عنه، مثلا: الإنسان المبذر، الذي بلغ مرتبة السفه، فالحاكم الشرعي يحبس عنه حتى ماله، فضلا عن مال غيره. لأن هذا المال سيكون عرضة للإتلاف لو ما يُحبس. على ضوء هذا، لا ينبغي للأب - مثلا - أن يعطي ابنه السفيه أو المبذر المال. ولو حبسه عنه، لا يقال له: بخيل. لماذا؟ لأنه حبسه عمن يستحق أن يُحبس المال عنه. وأما إذا كان لا يستحق أن يُحبس المال عنه، كأن يكون ابنا مدبرا، فينبغي على الأب حينئذ أن يكون سخيا معه. أو كانت زوجة صالحة، فينبغي للزوج حينئذ أن يكون جوادا بالنسبة إليها. هذا فضلا عن خارج الدائرة الرحمية: صديق، صاحب مشروع، غير ذلك من الناس، فلا ينبغي أن يحبس الإنسان هذا المال عن تلك الأطراف ما لم تستحق أن يُحبس عنها.

في ضمن هذا التعريف أيضا، ذكروا عبارتين وعنوانين. في بعض الأحيان يأتي لفظ البخل والبخيل، وفي بعض الأحيان يأتي لفظ الشح والشحيح. وقد ورد كلا اللفظين في القرآن الكريم. ورد مثلا: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)، وورد أيضا: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)، وأيضا: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ)، وهو: جمع شحيحة. فهل أنهما متساويان؟ أم هناك فرق بينهما؟

ذكر البعض بأن هناك فرقا بين البخل والشح، وبين البخيل والشحيح. فقسم قالوا: إن الفرق بينهما هو في أن البخيل: من يحبس ماله عن الغير، بينما الشحيح من يحب أن يُحبَس مال غيره أيضا عن ذلك الغير. فتارة الإنسان هو من يمنع رفده، يمنع عطاءه، يمنع أن يصل ماله إلى الآخرين. وهذا هو البخيل. وتارة أخرى، لا يمنع ماله الشخصي فقط، وإنما يرغب لو أن مال غيره لم يصل إلى فلان أيضا. فلو سمع أن زيدا من الناس أعطى إلى ابنه، أي إلى ابن زيد، مبلغا من المال. يتأذى! لماذا يعطيه هذا المبلغ؟ ما الداعي أن يصرف عليه؟ ذلك لم يكن من جيبه، لكن يتأذى. قالوا: هذا هو الشحيح، الذي ليس يحبس فقط ماله الشخصي، وإنما يتمنى ويسعى لو يُحبَس مال غيره أيضا عن الآخرين، رغم أنه لا يخسر شيئا لو صُرف من مال غيره على غيره. وسيأتي - بعد قليل - أن هذا يشبه الإنسان الحاسد في بعض جوانبه. على كل، هذا أحد الفروق التي ذكرت بين البخيل والشحيح. فالبخيل هو الذي يضن بمال نفسه، والشحيح هو الذي لا يسخو بمال غيره، ولا يتمنى أن يكون غيره سخيا على الآخرين.

هناك بعض آخر، قال: هناك فرق أدق من هذا. وهو: أن البخل هو الحالة الخارجية لهذا الإنسان، وهي: المنع. فعندما يمنع الإنسان عطاءه عن غيره، هذا بخل. ولكن الحالة النفسية الداخلية التي تدفع هذا الإنسان إلى هذه الجهة، هي: الشح. لذلك عادة تضاف إلى النفس: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ). فكأنما الشح هو الصفة الداخلية، المحركة للبخل. أما البخل فهو المنع الخارجي. ولعل هذا الفرق أدق من الفرق السابق. وعليه أيضا شواهد.

على أي الحال، هذه الصفة من الصفات الذميمة. هذا مرض من الأمراض التي إذا استوطنت إنسانا فقدته لذة الحياة، وأفقدت من يعيش معه أيضا تلك اللذة. فلا هو يتنعم بحياته، بماله – إذ لديه أموال، لكن من يتنعم بها؟ البنك. قسم من الناس هكذا: رصيده ضخم في البنك. لماذا؟ يقول: "حتى أجني الأرباح". ماذا عن أبنائه وبناته؟ فهذا لا يستطيع الزواج بعد، والثاني لا يملك بيتا، والثالث بلا سيارة، وبيته ينقصه الكثير، لكنه ينتظر أن يحول الحول حتى يربح 4%! فالمائة ألف التي في البنك، تركها فيه، رغم إمكان تزويج ابنه بها وتحصينه من الانحراف، أو منح ابنته منها كي تدرس بها، لكنه يعطيها للبنك فقط، وملَّاكه – أي ملَّاك البنك – هم وحدهم من يتنعمون بها. فهذه لا تبقى في خزائنهم وإنما يعمدون لاستثمارها.

فهذا البخيل يجمع المال – وإن شاء الله نتحدث عن آلية حياته في وقت لاحق – ثم يعطيها إلى مالك البنك، كأنما يقول له: تفضل، اعمل بها، رفه نفسك، افتتح لك فروعا جديدة، تنعَّم! وأنا سأنتظر حتى آخر السنة، لأجني من كل مائة 4 أو 5، أقل، أكثر. وحديثنا هذا مع غض النظر عن الحكم الشرعي في هذا السلوك.

وقسم من هؤلاء لا يأخذ الأرباح، يقول: جيد أن ألحقها برأس المال. ممتاز! فيتركها سنة، ثانية، ثالثة، ورابعة. وصاحب البنك ذاك يتنعم بها، يرتاح، يعيش أفضل حياة بأموال هذا الإنسان الذي دأبه أن يجمعها في جيب ذاك، مالك البنك. فإلى متى؟ ليس معلوما؛ لأنه إذا تمكنت هذه الصفة من الإنسان، أصبح دائما يخاف من المستقبل، فلا يتنعم الآن بماله، خوفا من الفقر في المستقبل! وهذا ما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين (ع)، عندما قال: "عَجَبًا لِلْبَخِيلِ! يَتَعَجَّلُ الفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ". فهذا البخيل، يقول: حتى لا أصبح بعد عشرين سنة ليس ذا مال، سأعيش الآن فقيرا، بوضع غير مستقر، على قلق، وفي شدة وأزمة، حتى لا أكون هكذا بعد 20 سنة! فبهذا يتعجل الفقر الذي منه هرب.

ففي المستقبل من الممكن أن يصبح فقيرا. لذلك هو يعيش الفقر الآن، لعشرين سنة مثلا، حتى لاحقا لا يعيش هذا الفقر! هكذا يفكر! مع أنه يحاسب حساب الأغنياء، وقد يحقد عليه أبناؤه، ولا يعودون يرتاحون منه، بل وقد ينفصلون عنه، ويعيش هو وهم حالة من النكد؛ لوهم مستقبلي. وهذا مرض. هذا هو الداء الأخلاقي الذي إذا ابتلي به الإنسان، توترت حياته، وعلاقاته بأهله، ونعمته – تدرون؟ – تزول. وسيأتي الحديث - إن شاء الله – عما هو عندنا متعارف، وهو صحيح، وعليه روايات: أن المعونة على قدر المؤونة. هذه مفاد روايات.

أحد غلمان الإمام (ع) يأتي إليه، فيسأله: "هَلْ أَنْفَقْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا"، أذهبت فاشتريت؟ هل جلبت أغراضا إلى البيت؟ غير ذلك؟ قال: "لَا. فَقَالَ الْإِمَامُ (ع): وَيْحَكَ، فَكَيْفَ تُرِيدُ أَنْ يَخْلِفَ اللهُ عَلَينَا؟"، إذا هذه الأموال ظلت مجموعة، موجودة، فالله يقول: أنت لديك أموال، لم تنفقها بعد، فلماذا تطلب أن تُرزق مالا؟! فبمقدار ما تنفق في مؤونتك، الله يعوضك ويرزقك. فإذا ما أنفقت، يبقى هذا المال وهذا الرزق على وضعه الطبيعي والاعتيادي. فيظل قليلا محدودا.

في القرآن الكريم، بالإضافة إلى الروايات، هناك الكثير الكثير من النصوص الذامة للبخل وللبخيل. نقرأ بعضها. منها ما ورد في قصة ذلك الرجل من أصحاب رسول الله (ص) الذي - نتيجة البخل وعدم الإنفاق - قال القرآن فيه: أنه انتهى إلى النفاق: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ). إذ قال للنبي (ص): "يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَالًا". فقال له النبي ما معناه: أنك لو تبقى على ما أنت عليه، لهو أفضل لك وأحسن. فلو ترزق بمال يفرط أمرك. فوعده الرجل أنه: لا، لو يُرزق، سيصنع كذا، ويفعل كذا وكذا، وإلى غير ذلك. وما زال برسول الله يلح عليه، حتى دعا له، فقال: "اللهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا". فحصل على شاة، وتوالدت بعد ذلك وتناجت. فباع واشترى؛ حتى صار صاحب شياه وأغنام كثيرة. وقتها، أصبح لا يستطيع البقاء في المدينة. فترك الصلاة مع رسول الله (ص) وراح خارجها. واقتصر أن يأتي للصلاة كل جمعة. وهذا حدث بعدما كان "تربة مسجد" كما يقولون. لكن اختار الخروج من المدينة بعد أن توسع رزقه، ونما قطيعه. فهو يحتاج أن يداري هذه الأغنام والأشياه. يحضر لها العلف والماء، يصعد وينزل من أجلها، هذه والد، وتلك حامل، وثالثة مريضة، وهكذا. حتى ما عاد يأتي للصلاة حتى يوم الجمعة. والجمعة - في زمان رسول الله (ص) - كانت لازمة. لكنه ما عاد يلتزم بها.

فلما نزلت آية الزكاة، جاء لهذا الرجل – الذي قال: إذا رزقه الله المال، سيصنع كذا وكذا، لا يبقى يتيم إلا أكفله! ولا مشروع إلا أعطى فيه! ومحتاج إلا ألبسه – من يجمع الزكاة ويجبيها، وأخبره بنزول آية الزكاة، وأن الزكاة واجبة عليك، فلديك أغنام، وفي هذه زكاة بهذا المقدار. فقال: أنا مسلم وهذه – أي الزكاة - نوع من أنواع الجزية! أنتم تعتبروننا فقراء. فشرح له: الجزية شيء والزكاة شيء آخر. فعاد يقول: لا، لا يصح هذا ولا يستقيم. وظل في أخذ ورد. قيل له: كل من حولك دفع الزكاة. فطلب من الجابي الذهاب الآن، على أن يأتيه لاحقا. فلما أتاه في وقت لاحق للتذكير، وجده قد جمع له من الأغنام والشياه من كانت عرجاء، وأخرى عوراء، وثالثة مريضة، وهكذا. فقال له المزكي: رسول الله (ص) لم يؤمرني بهذا. وتركها عنده ورجع إلى المدينة وأخبر رسول الله (ص) بالقضية. فما كان ذاك عنده شيء، ثم أصبح ببركة دعاء رسول الله (ص) ذا مال. فهل هكذا تكون المعاملة والنتيجة. فنزلت الآية المباركة: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)، أي: إلى يوم القيامة سيحسب هذا ضمن المنافقين.

البخل في بعض درجاته، يصنع هذا، يصنع نفاقا. وهذا أمر لا نجد ربما من الصفات، إلا القليل منها. لكن القرآن الكريم يثبت هذا المعنى. ففي آية أخرى، يتحدث: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ)، وفي ثالثة يتحدث عن جماعة: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ).

قسم من الناس هكذا. إذا رأوك تعطي مالا إلى زيد من الناس، قالوا: "أنت لماذا تعطي هذا؟! كثير من هؤلاء كذابين، مزورين، وما عندهم حاجة"، وإلى آخره. لكن هذا المال المعطى ما كان من جيبك! لست من دفع. لكنه يظل يقول لك: "لا تدفع إلى هذا، فهو إنسان مشبوه، وذاك ليس محتاجا، وثالثا كذا"، وإلى آخره. (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ). وهكذا أيضا وردت روايات كثيرة في موضوع البخل.

فالبخيل هو: من يمارس هذه الخصلة السيئة، بأن يمنع ماله عمن لا يستحق أن يُمنع عنه. لكن بعض الروايات لدينا وسعت دائرة البخيل، هذه الدائرة التي هي ضيقة، لكن بحسب روايات عن النبي وأهل بيته (ع)، توسعت. فمثلا، من تلك الروايات، عن سيد الأنبياء محمد (ص)، يقول: "إِنَّمَا الْبَخِيلُ حَقُّ الْبَخِيلِ مَنْ لَمْ يُؤَد الزكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ مِنْ مَالِهِ، وَلَم يُعْطِ النَّائِبَةَ فِي قَوْمِهِ، وَهُوَ يُبَذِّرُ".

قسم من الناس، ترى مثلا، حالته الاجتماعية: كريم. اليوم هو صاحب عزيمة، غدا دعوة، بعد غد كذا، سمعته هكذا. لكن عند حق الله عز وجل، كالزكاة، تجده لا يتحرك. في الخمس – الحق الشرعي – تجده لا يتحرك. فإذا كانت القضية: قضية سخاء نفس وعطاء، فينبغي أن يكون تحرك الإنسان في أداء حق الله عز وجل أسرع من حركته في السمعة الاجتماعية.

فليس مطلوبا منك في شهر رمضان، أن تقوم بعمل إفطارات، مثلا. ولا مطلوب منك في كل جمعة أن تعقد مجلس قراءة حسينية، ولا مطلوب منك كذا وكذا، إلا بمقدار ما هو مطلوب منك أن تؤدي الحق المالي المفروض عليك. لهذا يقول النبي (ص) في هذه الرواية: حتى لو كان ذاك يبذر هنا وهناك، لكن من لا يعطي الزكاة المفروضة عليه - والزكاة هنا: تعبير عن عموم الحق المالي الواجب، لا الزكاة الاصطلاحية فقط - أي: بخل عن أداء حقه الشرعي، فهذا لا يعد سخيا، وإن كان يعزم الناس، ويعقد القراءات، ويصنع الاحتفالات، وما شابه ذلك. فهذه توسعة لدائرة البخيل، شملت: من منع حق الزكاة المفروضة.

أيضا، في رواية أخرى، عن زرارة، عن الإمام الصادق (ع)، تعبير آخر: "إِنَّمَا الشَّحِيحُ مَنْ مَنَعَ حَقَّ اللهِ وَأَنْفَقَ فِي غَيْرِ حَقِّ اللهِ". غير حق الله، يعني: عزائم. مثلا: على فلان من الربع والأصدقاء، ولا بد أن يعزمنا. وهو؛ حتى يبين أنه كريم وليس بخيلا، يأتي بهذه الأطعمة. حسنا، لكن حق الله عز وجل أنت لم تؤده بعد! ما هو غير حق الله، أنت تنفق فيه. وما هو حق الله، لا تنفق فيه! هذا بخل وليس سخاء. وهذه توسعة لدائرة البخيل إلى من منع حق الله عز وجل.

أيضا، في جهة أخرى، وسعت الروايات موضوع البخيل إلى من بخل بالصلاة على النبي محمد (ص). اللهم صل على محمد وآل محمد. ففي الخبر عن رسول الله (ص): "الْبَخِيلُ حَقًّا مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ". اللهم صل على محمد وآل محمد. وهذا في الواقع أيضا تعبير فيه دقة متناهية: أن في الإنفاق المالي، يخسر الإنسان بعض ماله عادة. فلو كان لديك 100، وأنفقت منها 50، أي أعطيتها. فأنت هنا - بحسب الظاهر - أنقصتَ مالك، أي نقص من جيبك مال بمقدار معين. فقسم من الناس، يمتنع عن هذا، كأن له تبرير.

حسنا، عندما يذكر رسول الله (ص)، فلا تصلي عليه، ما هو خسرانك؟ ما الذي ستخسره لو صليت على محمد وآل محمد؟ اللهم صل على محمد وآل محمد. فكأنما ذاك الشخص الذي - بحسب الظاهر - عندما يخرج شيئا من المال، يشعر أنه سيخسر شيئا، فيتراجع كأنه معذور؛ لشعوره بالخسران. هو هنا لا عذر له؛ لأنه لن يخسر شيئا.

ومثل ذلك: التوسعة في باب آخر اجتماعي، وهو: البخل بالسلام. فعندما يبخل الإنسان بسلامه على الآخرين - وهناك قسم من الناس، كأنما إذا مر على جماعة وسلم عليهم، قد خسر مالا، أو أسهم، أو فقد يدا، أو غير ذلك! الحالة العادية للإنسان، أنه إذا مر على جماعة - لا سيما إذا كان معروفا بينهم أو كانوا يستقبلون السلام منه - يسلم عليهم. فماذا يضرك لو سلمت عليهم؟ قسم من الناس يمر فلا يسلم! وأحيانا، لو سلمت عليه، يرد عليك كأنما روحه تُنتزع. ماذا تخسر الآن وأنت ترد السلام؟ لا سيما إذا كان لهذا خلفيات، مثلا: مذهبية، أو سياسية، أو غير ذلك.

هذا السلام هو شعار المسلمين، وتحية الله للناس، وجنة الله هي: دار السلام. هذه التحية الدنيوية والأخروية التي اختيرت للمسلمين، هي هذه التحية: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ). وهنا أيضا في هذه الدنيا نفس الشيء. وفيها ثواب أيضا. فأنت ليس فقط لن تخسر شيئا، بل ستربح أشياء. ليس فقط لن تنفق من جيبك شيئا، بل سيملأ جيبك ثواب. البادئ بالسلام له من الدرجات شيء كثير. ففي الرواية عندنا، عن النبي (ص)، أنه قال: "أَبْخَلُ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلَامِ"؛ نظرا لأن هذا الإنسان لا يخسر شيئا، بل هو يربح. ومع ذلك هو لا يسخو ويضن بذلك.

فالبخل قد يكون بخل مال، وقد يكون بخل عواطف، وقد يكون بخل تفاهم واتفاق. وهذه أمور - إن شاء الله - نتعرض لها في حديث لاحق، بإذن الله تعالى. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3431
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 28612.15 KB
تشغيل:

هكذا نواجه الرغبة في الخيانة 15
البخل العاطفي والبخل المادي 18