الخيانة الزوجية 14
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 24/7/1438 هـ
تعريف:

سلسلة الأمراض الأخلاقية 
الخيانة الزوجية
كتابة الأخت الفاضلة أمجاد حسن
بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.
حديثنا يقع ضمن متابعة الحديث عن موضوع الخيانة، كأحد الأمراض الأخلاقية والذنوب الدينية وقد سبق أن تحدثنا عن الخيانة المالية، والخيانة في الأعمال، وسواها من المواضيع. وحديثنا اليوم يتناول موضوع الخيانة الزوجية. افتتحنا بذكر الآية المباركة من سورة يوسف، والتي يتحدث فيها القرآن الكريم عن تلك اللحظة النهائية التي أنهت سلسلة من المقدمات والأجواء والأزمنة التي كانت امرأة العزيز - وهي الحاكمة في ذلك القصر – قد أنهت فيها كل هذه المقدمات؛ لكي تطلب طلبا صريحا - الخيانة - من يوسف.
القرآن الكريم يتحدث في هذه الآية وفيما قبلها من الآيات المباركات، في معان معبرة جدا، في كل آية، بل في كل كلمة. في أصل القصة، لاحظوا أن تلك الخيانة هي التي قد أحيطت بسرية تامة، وبمحاولات أن لا يطلع عليها حتى من كان حاجبا وحارسا في القصر، فضلا عن خارج القصر، فضلا عمن هو خارج ذلك الزمان. فهي – أي امرأة العزيز – التي باشرت، وغلَّقت الأبواب، ولم يكن بابا واحدا. مقتضى جمع الأبواب أنها أبواب متعددة؛ احترازا واحتياطا. وليس: أغلقت، وإنما غلَّقت، وهذه الحالة من التغليق بالتشديد فيها إشعار بشدة الاهتمام والإحكام. مرة أنت تقول: أغلقت الباب، ومرة تقول: غلَّقت الباب. بمعنى أنك سعيت أن لا يفتح. غلَّقت الأبواب وليس بابا واحدا، ثم أعربت بصراحة عن رغبتها. والوضع سري، ولا يوجد أحد ناظر، ولا أحد يعلم. ولكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد فضيحة إنسان بخيانة، فلا تقتصر الفضيحة على معرفة الزوج. بل حتى أهل المدينة: (قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ)، ولا في ذلك الزمان، وإنما إلى زماننا الآن، وإلى أن يبقى هذ القرآن. آلاف السنين، مات الملايين من البشر، الذين عرفوا أن هذه المرأة الخائنة، قد قامت بالخيانة، مع سعيها الشديد في الاستتار. وهذا يبين لنا قضية مهمة، أن من يرد الله فضيحته، لا يمكن لأحد أن يستره. لا ليل يستره، ولا زمان يخبئه، ولا باب يحفظه.
إلى يومنا هذا، يضرب المثل إلى هذه الحالة في الخيانة بهذه المرأة، مع شدة احتياطها. لذلك ينبغي أن يتوجه كل إنسان إلى ربه بأن يستر عليه ما أذنب. اللهم استرنا واستر ما علينا واحفظنا ولا تفضحنا على رؤوس الأشهاد. فهذا نموذج يقدمه القرآن الكريم في الخيانة. في المقابل، النموذج الأبرز في العفة والاعتصام، (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ)، نعوذ بالله عز وجل، (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي)، هذا الرب أحسن مثواي. وهنا معنيان، ذكرهما المفسرون: البعض قال: أن إشارته إلى (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)، يقصد أن العزيز هو مالكه ومولاه، وقد أحسن مثواه، وأوصاها بشدة العناية به، فلا يناسب خلقه أن يخون صاحب النعمة عليه. هذا رجل له أفضال كثيرة علي، وأحسن مثواي، وأنقذني من عدم، ومن فقر، ومن حاجة، وحفظني، واهتم بشأني، وهو رب نعمتي فكيف أخونه في قصره! هذا رأي ذهب إليه قسم.
وقسم آخر، قالوا: لا، (إِنَّهُ رَبِّي)، إشارة إلى الله سبحانه وتعالى، ولو أن يوسف قد عبر عن الملك تارة بالرب ولكنه لم ينسبه إلى نفسه، يقول المفسرون، قال: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، ولم يقل: اذكرني عند ربي. معنى أنك أنت تراه ربا لك. ولهذا قالوا أن نبي الله يوسف لا يقصد هنا (إِنَّهُ رَبِّي)، يعني: العزيز. وإنما يقصد رب الأرباب، وملك الملوك، الله سبحانه وتعالى. وهو الحقيقي الذي أحسن مثوى يوسف. هو الذي انتجبه واجتباه، وهو الذي حفظه في البئر، وسخر له السيارة القادمين، وألقى محبته في قلب العزيز. المحسن الحقيقي لنبي الله يوسف، هو الله سبحانه وتعالى. وباقي الأشياء هي أدوات ووسائل. خصوصا، في موارد متعددة عبر عنه بأنه ربه، أي الله سبحانه وتعالى.
على أي حال، قد يكون المعنى الثاني هو أوفق بالمعنى الديني، والمعنى الأول أوفق بالمعنى الاجتماعي. يعني أنا أخلاقي الاجتماعية لا تقبل مني أن أخون شخصا قد أنعم علي، وفي داخل بيته، كما يقولون، أقوم بعمل من هذا النوع. فإنه مستنكر عند العقلاء.
صديق يجعلك تدخل داخل بيته، ويأتمنك على أهله وعرضه وماله، فتخون من حيث ائتمنك. هذا أمر قبيح جدا عند عقلاء الناس. حتى لو لم يكونوا متدينين. على أي حال، هذه صورة يقدمها القرآن الكريم في سورة يوسف تتحدث عن محاولة خيانة قامت بها امرأة وهي على فراش الزوجية، أن تخون زوجها.
أحيانا يتصور قسم من الناس، أن هذا النمط من الذنوب، وهذه الخيانات، إنما هي في هذه الأزمنة. فيقولون لك: الآن بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وغير ذلك، كثرت قضايا الخيانات، وكثر الطلاق بسبب ذلك. وكأنهم يلقون باللوم على الوسائل والإمكانات. وهذه فكرة خاطئة.
الخيانة الزوجية من قبل الزوج أحيانا ومن قبل الزوجة أحيانا أخرى، موجودة في كل العصور. والوسائل ليست أسبابا وإنما هي مسرعات ومبطئات. السبب الحقيقي في الخيانة: هو عدم مراقبة الله سبحانه وتعالى. وعدم الالتزام الديني والأخلاقي. وهذا قد يوجد في زمان نبي الله يوسف، وقد يوجد في زمان الجاهلية - كما في قضية والدة زياد ابن أبيه - وقد يوجد في بعض قصور العباسيين، سوف يأتي بعد أيام ذكرى شهادة الإمام الكاظم (ع)، أن إحدى نساء امرأة خليفة عباسي اتهمت بعد وفاة زوجها بواحد من الوزراء. اتهمت بالخيانة معه. وهي أيضا في درجة من الرفاه والملك والرئاسة وغير ذلك. وإلى هذه الأزمنة الحديثة أيضا.
نحن وجدنا هذه الحالة. رجل يخون زوجته بإقامة علاقة غير مشروعة، أو زوجة تقيم هذه العلاقة غير المشروعة مع رجل. هذه موجودة في كل الأزمنة. لا يصح أن نأتي ونلقي بالمسؤولية على هذه الوسائل وعلى هذه الأساليب. السبب الرئيس ليس هذه الوسائل. السبب الرئيس عدم الخشية من الله عز وجل. السبب الرئيس عدم تطبيق الدين في هذه الموارد. عندما يأتي الشرع – مثلا – ويقول: أن أهم صفات الزوجة بالنسبة إلى زوجها أن تحفظه في ماله ونفسها، هذا مقياس لهذه الزوجة المتدينة. سواء لديها انترنت أو لا، كانت في الزمن القديم أيام يوسف، أو في زماننا هذا. إذا حافظت على نفسها واعتصمت بتوصيات دينها وتمسكت بأخلاقها، فلا يختلف الحال إذا كانت في عصر الصواريخ النووية، أو كانت في عصر السهم والسيف. وهكذا الحال بالنسبة للزوج.
القضية الأخرى، أن الخيانة كما تحصل من الزوجة، أيضا من الممكن أن تحصل من الزوج. وهنا لا بد أن نستثني ما يكون من العلاقات مغطى بغطاء شرعي. إذ لا يمكن لنا أن نذهب إلى ما ذهب إليه بعضهم من عد - مثلا: الزواج الآخر، الشرعي، كالزواج المنقطع مثلا، أو الزواج الثاني أو الثالث، - خيانة! هذا ليس بخيانة من الناحية الشرعية. هذا له بحث آخر. هل هو حسن أو غير حسن؟ بحث، وهل هو خيانة في نظر الدين، أو ليس بخيانة؟ هذا بحث آخر.
نحن حديثنا عن تلك الخيانة التي تعد في نظر الدين ذنبا وجريمة وتعديا على أحكام الله عز وجل. يحصل في هذه الفترات، مثل هذه الأمور. كما قلت، الوسائل الموجود قد تسرِّع هذا الأمر. في السابق، كان ربما يحتاج الأمر إلى ذهاب شخصي إلى بيت فلانة المنحرفة لينحرف معها. الآن لا يحتاج إلى هذا الأمر. الوتساب طريقة سهلة للتواعد، الفيسبوك طريقة سهلة للتعرف. وأحيانا الإنسان يبدأ في زعمه في شيء عادي. مثلا: لدينا حوارات سياسية أو ثقافية، أو أحيانا حتى دينية. ثم يبدأ فرضا يستحسن هذه الفتاة، ثم يتحول الاستحسان إلى إعجاب. إلى فترة، ثم أحدهم يقول: صرت لا أصبر عن التخاطب معها. بمجرد أن - مع أني متزوج - آتي من العمل، أنصرف لأرى هل هي على الخط؟ أم لا؟ لكي يتبادل معها - فيما يزعم - الأفكار.
وبالتدريج الإعجاب يتحول إلى ثناء ومدح ومكالمات، وإلى غير ذلك. فإذا كانت تلك من النساء اللاتي ينزلقن بأسهل شيء، ولا سيما إذا كانت متزوجة، فإنها ترتكب بهذه المقدمات أمورا غير مشروعة. وقد حصلت حالات للأسف الشديد، انتهت إلى خيانة مجلحة صلعاء كما يقولون، بحيث تورط هذان في أمر الخيانة والعلاقة غير المشروعة التي تنتهي إلى الزنا والعياذ بالله عز وجل.
لذلك، وجدنا كم كان العلماء في هذه الجهة - استهداء منهم بأحاديث المعصومين (ع) – يرفضون هذه المقدمات التي تنتهي إلى هذه النهايات. مثل ما عندنا، وقد سبق أن تحدثنا في هذا الموضوع ذات مرة، في موضوع العلاقات الزوجية، فقط نشير إليه هنا إشارة عابرة بالمناسبة: قضية المفاكهة وتبادل النكات، مع أن ظاهرها أمر طبيعي، فتقول أنت: لا تصبح متعنتا، وبغمي – حسب التعبير – اضحك قليلا، هات نكتة، استلم نكتة، وعلى هذا المعدل. هذه بالتدريج تكسر الحواجز، ثم تتطور فيما بعد إلى بعض النكات ذات الصبغة الجنسية، وبالتدريج تفتح أبوابا تنتهي إلى نهايات غير حسنة.
لدينا في هذه الفترات ما يساعد على هذا الأمر، أمر الخيانة، وهو: ما تصوره بعض المسلسلات والقصص في التلفزيونات، لا سيما الأجنبية وشبه الأجنبية. فتصنع لك بيئة: أن هذه فتاة متزوجة، لكن زوجها قاس ويتكلم معها بعنجهية وجبروت، وربما يضربها. فيأتي ذلك الرجل الآخر، الشاب الوسيم، الذي كلامه كلام طيب، فتبدأ تبثه همومها، فيتطور الأمر، ويقع ما يقع، ولا تسأل عن الخبر، كما يقولون.
ثم يصور لك أن هذه كيف كانت في أعلى درجات السعادة مع هذا الشاب الوسيم الحنون الرومانسي. انتقلت القضية، من أن هذه جريمة، اسمها: جريمة زنا، بامرأة متزوجة، إلى أنهم حاولوا أن يستقطبوا المشاهد إلى أن هذه كانت مظلومة، والآن جاء هذا ورفع الظلم عنها. يصنعون بيئة يتعاطف فيها المشاهد، لا سيما ذو الجنبة العاطفية، مع هذه الفتاة، ومع عشيقها أو حبيبها الجديد، مع أنها متزوجة! هنا اختفى جانب القبح، جانب الشناعة، وزُين هذا الأمر. هم لا يقولون للزوجة إذا صادفت شيئا من هذا القبيل، اعملي هذا العمل. لا يقولونه بالصراحة. ولكن مؤدى هذا الفيلم، أو هذا المشهد: هو هذا. أنه بالتالي من حقك إذا كان الزوج شديدا أو عنيفا أو غير ذلك، أن تبحثي لك في هذه الأثناء عن آخر ممن يعطيك حنانا. لكن هذه متزوجة!
وللأسف تحصل حالات فيها تبرير، أنه أنا مثلا: زوجي يضطهدني، يظلمني، لا يحترم شخصيتي، فأدى ذلك إلى أن أذهب مع فلان؛ لأنه يحترم شخصيتي؛ ولأنه يكرمني ويشتري لي الهدايا. هذا أمر محرم منه ومنك. كلمة منه لك هي حرام. فضلا عن لمسة، فضلا عما بعد ذلك.
أو أنا زوجي – على سبيل المثال – يغيب لفترات طويلة، فلا أقدر أن أتحمل، ولذلك ذهبت في هذا الطريق. أنت ترتكبين الزنا، وهو محرم. فإما أن يستطيع هذا الزوج تغيير عمله بحيث يأتي إلى زوجته ويكون معها بمقدار ما يشبع رغبتها، وإلا فليريا طريقا. أما واحد هو الأصل، وواحد احتياط - حسب التعبير، على الانتظار. فهذا أمر محرم لا يمكن تبريره لا دينيا ولا أخلاقيا.
وكما في جهة النساء، أيضا، يوجد لدينا – للأسف - عبث في جانب بعض الرجال. هو مطمئن، يزعم أن زوجته في البيت، ولكن هو يخرج هنا وهناك، فيبدأ بنفس الطريقة أيضا، مكالمات، ومواعدات، وغير ذلك. وكلها ضمن إطار غير مشروع من الناحية الدينية. وهذا لا يعلم أنه إذا فتح الباب لنفسه قد يُفتح الباب على أسرته وعائلته.
ينبغي إرجاع المسألة إلى حقيقتها، لا ينبغي التخفيف منها. كلمة: أنه أنا أعيش حرمان عاطفي؛ لذلك ذهبت مع فلان، أو فلان، هذا تعبير خاطئ. التعبير الصحيح: أنني ذهبت لإقامة علاقة عبر في عنها في الشرع بتعبير: الزنا. والله تعالى يقول: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا). هذا الشخص الذي يقول: أنا لا أجد مع زوجتي ارتياحا، ليس لديها ثقافة، ولا تفاهم. أجلس معها بلا حوار. لذلك أذهب أتحاور مع فلانة وفلانة.
لا تضحك على نفسك. هذه بداية بالنسبة إلى بعض الناس، بداية الانزلاق في علاقات محرمة. ذاك الطرف الذي تتناقش معه، إن كانت غير متزوجة، توكل على الله، الطريق معروف، شرعي، اذهب وأقم معها علاقة زواج شرعية. أما إذا كان لا يمكن، كأن تكون ذات زوج، فهذا طريق النار. لا تستطيع أن تتحرك فيه. لا تخدع نفسك. غيرك سلك هذا الطريق، وتورط فيه، وانزلقت رجله. والبعض استمرأ هذه الطريقة، فذهب فيها.
وقد جعل هذا الذنب من أعظم الذنوب عند الله عز وجل، في الحديث: أن عبد الله بن مسعود، يسأل نبينا المصطفى محمد (ص)، قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ"، أي الذنوب أعظم؟ قال: "أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَقَدْ خَلَقَكَ"، شرك بالله، هذا من الذنوب العظيمة جدا، قال: "ثُمَّ أَيُّ؟"، يعني: أي ذنب في الدرجة الثانية؟، قال: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟"، لأنهم كانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم خشية إملاق. "قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِي حَلِيلَةَ جَارِكَ". هنا، ما له مدخلية، هل هذا يعني أنه لو زنى هذا بحليلة غير جاره، فلا بأس! كلا. وإنما عادة هذه هي الأقرب. فبينهما شيء من العلاقة، شيء من الارتباط، ذهاب، وإياب، إلى غير ذلك.
أحدهم كان يقول: رأيت حركات غريبة من شاب كان يجلس إلى جوارنا، فراقبت الوضع. فرأيت أنه يأتي في أوقات غير طبيعية. يجلب أشياء - لنفترض - باسم البيت أو غير ذلك، ثم تنبهت أن الأمر يحتاج إلى شيء من الملاحظة، وأن أرى هذه الزوجة، لأنه بالتالي لا بد أن يكون هناك شيء من القبول في هذا المنزل. أما أحدهم يأتي باستمرار، يطرق الباب ويدخل فلا يحدث هذا عادة.
في كثير من الأحيان، هذه العلاقة - إلا إذا كان الإنسان متدينا مراعيا لهذه الأمور - ولو ظاهرها طبيعي، إلا أنها قد تحكي عن أشياء غير طبيعية. فأن تزاني حليلة جارك، باعتبار أن الوضع في تلك الأزمنة، المجاورة أقرب إلى وجود هذه العلاقة. الآن هذا ليس موجودا. الآن، بواسطة هذه الوسائل، أصبح الناس كلهم جيران بعض.
الحديث الآخر، في عقاب الرجل الزاني: "لَنْ تَجِدَ رَجُلًا أَعْظَمَ مِنْ رَجُلٍ هَدَمَ الْكَعْبَةَ، أَوْ قَتَلَ النَّبِي،َّ أو رَجُلٌ أَرَاقَ مَاءَهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ حَرَامًا". أي مارس معها العلاقة الجنسية وهي لا تحل له، وهي محرمة عليه.
وتعلمون، أن هذا الأمر من الأشياء التي تشدد فيها الشرع. بحيث لو أن إنسانا أقام علاقة من هذا النوع والعياذ بالله مع امرأة متزوجة، فزنا بها. فالرأي المعروف بين علمائنا، أن هذه تحرم عليه حرمة مؤبدة. فلو فرضنا أن زوجها طلقها فيما بعد، فلا يستطيع هذا الزاني بها أن يتزوجها. حتى لو أتت مثلا وقالت له: أنا وضعي الكذائي النفسي والاجتماعي، وهذا زوجي لا يدير باله علي، وأخذ ينصت إليها، وهي تتكلم إليه، ثم تواعدا، ثم قام بعملية الزنا معها، وهي متزوجة. الزوج - على سبيل المثال - رأى أن سلوكها غير مناسب، فقام بتطليقها. الآن هذا الذي زنا بها وهي متزوجة، على الرأي المعروف عند علمائنا، لا يستطيع أن يتزوجها، إلى أن تموت أو يموت. يعني هي محرمة عليه حرمة مؤبدة.
هذا نوع من الحفاظ على الأسرة، ونوع من الردع القوي لهذا الإنسان، بأن يعاقب بخلاف ما أراد. أنت أيها الخاطئ، كنت تريد المتعة واللذة، وهي غير متيسرة لك، محرمة عليك، باعتبارها متزوجة. فقمت بذلك. الآن الشارع يعاقبك، بأنه حتى لو طلقها زوجها، أو مات عنها زوجها، لا تستطيع أن تتزوجها أبدا.
في حديث آخر، في عقوبات الزاني والزانية، نعوذ بالله، عن أبي الله الصادق (ع)، عن أبيه الباقر، قال: "لِلزَّانِي سِتُّ خِصَالٍ، ثَلَاثٌ فِي الدُّنْيَا، وَثَلَاثٌ فِي الآخِرَةِ، أَمَّا التِّي فِي الدُّنْيَا، فَيُذْهب بِنُورِ الوَجْهِ"، هذا إذا عنده نور في وجهه. أي: على فرض أن هذا عنده نور في وجهه، فالزنا يذهب به. إذ عندنا أشياء تأتي بنور الوجه، مثل: صلاة الليل، وفقكم الله وإيانا إليها. وأشياء تذهب بنور الوجه، كالزنا، "وَيُوِرِثُ الفَقْرَ"، من موجبات الفقر، وهذا يعبر عن الجانب الغيبي، من أن الله سبحانه وتعالى، غير سعيك أنت للرزق، فقد يطرح الله البركة فيه من عنده، في حال الزنا، يرفع الله هذه البركة عنك. ذاك الوقت قد ترى نفسك أينما تعمل وتجعل مالك تخسره، وأينما تبذل جهدك، يضيع. "وَيُوِرِثُ الفَقْرَ وَيُعَجِّلُ الفَنَاءَ، وَأَمَّا التي فِي الآخِرَةِ: فَسَخَطُ الرَّبِّ، وَسُوءُ الحِسَابِ وَالخُلُودُ فِي النَّارِ". نعوذ بالله من هذا المصير.
وفي خصوص الزوجة يقول الإمام الصادق (ع): "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُم اللهُ وَلَا يزكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ، مِنْهُم المرَأَةُ تُوطَئُ فِي فِرَاشِ زَوْجِهَا"، أو "تُوطِئ فِي فِرَاشِ زَوْجِهَا". تجعل الزوج يخرج للعمل، ويذهب وراء الرزق، وراء الجهد، وراء التعب، وهي تخلو بعشيق خاطئ لها، في بيته، على فراشه. هذه ممن لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم. ثم لا يحتاج لها أن: تعال نتحاسب، حسنات، وسيئات، ونأخذ ونعطي إلى آخره، وإنما يغض النظر عنها ولهم عذاب أليم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الآمنين المأمونين، وأن يجنبنا وأهلنا وعيالنا وأبناء مجتمعنا الخيانة رجالا ونساء، إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3418
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2559) حجم الملف: 36261.56 KB
تشغيل:

الخيانة في الأعمال والمال 13
هكذا نواجه الرغبة في الخيانة 15