النتائج المترتبة على بذاءة اللسان 4
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/4/1438 هـ
تعريف:

3 النتائج المترتبة على بذاءة اللسان

 

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

قال الله العظيم، في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم

هذه الآية المباركة في ضمن سياق حديثنا عن عفة اللسان وبذاءته. تربط بين تقوى الله والقول السديد من جهة، وبين إصلاح العمل وغفران الذنب من جهة أخرى. يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)، فماذا يترتب على ذلك؟ (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، وقد نقل في الروايات: أن رسول الله (ص) ما صعد المنبر إلا وقرأ هذه الآية المباركة، وفي هذا بيان على أهمية المعاني الكامنة في هذه الآية المباركة.

سبق لنا حديث عن أصل عفة اللسان وعن بذاءته – نعوذ بالله من هذه الخصلة السيئة – وعن الظروف والعوامل التي تجعل إنسانا بذيء اللسان، وإنسانا آخر - أمثال الحاضرين والسامعين إن شاء الله – عفيف اللسان.

هذا اليوم حديثنا يتناول النتائج، أو بعض النتائج التي تترتب على الجانب السلبي، وهو: بذاءة اللسان. فلو أن إنسانا كان بذيء اللسان، سليط اللسان، فاحش القول، سبابا، شتاما، لا يوقِّر في كلامه شخصيته الذاتية، ولا يوقِّر سامعه، ولا يوقِّر المكان الذي هو فيه. فما هي النتائج التي تترتب على هذه الصفة: بذاءة اللسان؟

نحن نعلم أن اللسان منفذ من منافذ الذنوب، كما ذكرنا في حديث أسبق. كما أنه جسر إلى الجنة. وفي نفس الوقت، النبوات لا تتحقق رسالتها وغايتها إلا بالبلاغ، وهو اللسان. ولا يُذكر الله ذكرا لفظيا إلا باللسان. ولا يُتلى القرآن تلاوة إلا باللسان. هذا في جانب.

وفي جانب آخر أيضا، ذكر العلماء أن هناك 30 ذنبا – التفتوا إلى هذا الرقم – مرتبطا باللسان. أي أن لساني هذا من الممكن أن أرتكب به 30 ذنبا، بعضها من كبائر الذنوب. وقد ذكرها العلماء، في كتبهم الأخلاقية: أن أحد تلك الذنوب، هي: البذاءة، والفحش، والسباب، وما يرتبط بها. فلننظر إلى نتائج ذنب واحد، وخصلة سيئة واحدة في اللسان، وهي: البذاءة؛ حتى يتبين لنا ما الذي تصنعه أيضا باقي الذنوب الثلاثين، لو اجتمعت، والعياذ بالله.

فمما يذكره القرآن الكريم، أولا، في الآية المباركة: فساد الأعمال وتراكم الذنوب. فالإنسان الذي يتورط في الفحش، وفي البذاءة، والسباب، سوف يُراكم على نفسه ذنبا بعد ذنب. حتى عندما استغرب بعض المسلمين من أن اللسان تستغيث منه الجوارح، وتستجير بالله منه.

ففي روايات لدينا، أنه: في كل يوم، الجوارح تضج إلى اللسان وتستغيث به. أي حسب تعبيرنا نحن، أنه: بعرضك يا أيها اللسان، بمروءتك، لا تورطنا في نار جهنم. فأحدهم يسأل النبي (ص): "أَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ اللِّسَانِ؟ قَالَ: وَهَلْ يُكَبُّ النَّاسُ فِي نَارِ جَهَنَّم عَلَى مَنَاخِرِهِم إِلَّا حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِم". أي: هل هناك من شيء آخر يوصل الإنسان إلى نار جهنم، مكبوبا فيها على وجهه، إلا ما يحصده بلسانه: من غيبة، ونميمة، وتهمة، وفاحشة، وسيئة، وقول بالكذب، وبهتان على آخرين، وإعلام كاذب، إلى غير ذلك. هذه حصائد الألسنة.

فواحد من الأشياء: العمل الفاسد وتراكم الذنوب. في مقابلها الآية المباركة تعرض الصورة الحسنة: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) فماذا يصنع بكم؟ (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). فبعض الروايات أنقلها لكم. منها ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، من الكتب الحديثية عند أتباع مدرسة الخلفاء، وهو: في ميزانه العلمي يساوي الصحيحين؛ نظرا لأنه انتخب الرواية المروية بأسناد صحيحة موافقة لشروط البخاري ومسلم. فهو من الناحية العلمية، قيمة رواياته تعادل روايات البخاري ومسلم.

في رواية أن النبي (ص) قيل له: "أَنَّ فُلَانَةَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ وَلَكِنَّهَا سَلِيطَةُ اللِّسَانِ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا"، هي صائمة نهارها، وقائمة ليلها، متعبدة، ولكن لسانها سليط! افترض هذه الجارة أخرجت النفايات، وجعلتها متدنية قليلا على بيت الجارة الأخرى، ليس على بابها، بل قريب من بيتها، فتطلع تلك لها بلسان طوله ذراع: يا فاعلة، ويا تاركة، وليس عندكم أدب وليس عندكم كذا. فقال نبينا (ص)؛ لذكره صلوا عليه - اللهم صل على محمد وآل محمد - قال: "لَا خَيْرَ فِيهَا، هِيَ فِي النَّارِ".

لكن هذه المرأة متعبدة، تقوم الليل وتصوم النهار، لكنها سليطة لسان، وهذا يبدو شيئا بسيطا، لكنه قال عنها: هذه، لا خير فيها، هي في النار؛ لتقبيح وتشديد هذا الجانب. وهذا معنى ماذا: (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، إذا كنت قائلا بالقول السديد. وذاك البعيد، يفسد عمله، إذا كان قائلا بالقول الفاحش.

في حديث آخر معتبر، في الكافي لثقة الإسلام الكليني، عن أبي عبد الله الصادق (ع)، يقول: "مَنْ خَافَ النَّاسَ لِسَانَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ". فهناك قسم من الناس يقول لك محذرا إياك: لا تقترب من هذا، فهو لا يُواطن. تقول له: لماذا؟ فيقول لك: لسانه سليط؛ فيُتَوقى على أثر ذلك. وهذه النوعية من الناس، ممن اتقاه الناس وخافوا من لسانه، فهم في النار. في حديث آخر: "أَبْغَضُ الخَلْقِ إِلَى اللهِ عَبْدٌ اتَّقَى النَّاسُ لِسَانَهُ". وهكذا روايات أخر في هذا الباب.

بل عندنا روايات تشير إلى أثر سلبي للسان البذيء على دعاء الإنسان. أي لو أن إنسانا يدعو ربه بلسان تقي، صادق، نقي، فاحتمالات الإجابة كثيرة. لكن ذلك الذي يدعو ربه بلسان سليط، بذيء، فاحش، مثل: زوجة تتكلم على زوجها بالكيلوات: يا فاعل ويا تارك.

أحد الشباب جاءني قبل مدة، وقال: أنا أفكر أن أترك زوجتي. لما؟ قال: لأننا لا نكون في مكان، إلا وتبدأ بالحديث عني: أني خائن لها. وأتكلم في التلفون، وتقول: هذه التي كذا، أو التي كذا تكلمك، وتأتي بصفة من الصفات البذيئة غير المستحسنة. فأقول لها: اتق الله، هذا أحد أصدقائي، تفضلي، كلميه. أو أخرج إلى بعض أصدقائي، فتقول: تواعد فلانة وفلانة؟! وعلى هذا المعدل. هذه بذاءة لسان. حتى لو هي عندها سوء ظن فلا بد أن لا يخرج إلى الخارج.

وفي بعض الموارد – تعلمون؟ - يعتبر هذا قذف. وإذا قذفت، ولم تثبته، يجب عليها حد قذف إنسان مؤمن. والعكس كذلك أيضا. فهناك من الرجال الخاطئين من يتكلم على زوجته بهذه الطريقة. ثم يأتي هذا وتأتي تلك؛ ليرفعا كفهما إلى السماء.

في حديث معتبر، في الكافي لثقة الإسلام الكليني، عن الإمام الصادق (ع): أن رجلا من بني إسرائيل مؤمنا دعا ربه لمدة ثلاث سنوات ليُرزق بالولد. إذ تزوج وكان طامعا في الولد. وكل إنسان يحب الولد. لكنه لم يُرزق لثلاث سنوات، مع كثرة دعائه وصلاته.

آخر الآمر، ضاق ذرعا، حسب التعبير، فرفع يده إلى السماء وقال: يا رب، إما أنت لا تسمع، وإما أنت بخيل فلا تستجيب. فأنا أدعوك من ثلاث سنوات، وأطلب منك الولد، ولم تستجب لي. فرأى في الرؤيا أن هاتفا يكلمه، ويقول له: إنك – لاحظوا - تدعو الله عز وجل منذ ثلاث سنين بلسان بذيء، وقلب عاتم غير نقي.

فالدعاء يحتاج إلى أمرين: قلب طاهر طيب، نية صافية، ويحتاج إلى لسان طيب ونظيف. وأنت كلا الأمرين غير موجودين عندك. فلسانك بذيء، لسانك فاحش، لسانك سبَّاب، لسانك تهَّام، أي: يتهم الآخرين، لسانك لعَّان. وهذا عنصر أول يجعل دعاءك غير مستجاب. وأيضا، قلبك ليس نظيفا، فلا يستجاب لك. فنظف لسانك، وطهر قلبك، ثم ادع ربك. فليست فقط الأعمال تفسد، بل الدعاء أيضا لا يستجاب. فالذنوب تتراكم على أثر كون الإنسان ذا لسان بذيء، نعوذ بالله. هذا واحد من النتائج.

إحدى هذه النتائج، نتائج اللسان البذيء: سوء العلاقات. فالإنسان يعيش حياته في المجتمع. ونادر أن يعيش إنسان وحده، ولا يرتبط بأحد. وبالتالي يحتاج أن يرتبط بزوجة، ويكون له أبناء، وجيران، وإخوة. ويعمل مع جماعة، ويتاجر مع أخرى. فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه. فإذا كان سيء اللسان، بذيء الكلام، فكيف يستطيع أن يصنع لنفسه جوا اجتماعيا بهذا المعنى.

وتبدأ القضية من بيته. فمن كان بذيء اللسان لا يستطيع أن يسعد في حياته الزوجية. وقسم من الناس يقول: أنا طبيعتي هكذا، طبيعتي عصبي، طبيعتي إذا أحد أخطأ بحقي، أخطئ بحقه، قال لي كلمة، أرد بعشرة! طبيعتك هذه فاسدة، أصلح نفسك. فلست محل فخر. والإنسان إنما يفتخر بالطبائع الحسنة.

كنت أقرأ في ترجمة بعض العلماء والأدباء، وهذه الصفة، سبحان الله، كل واحد عنده هذه الصفة، صفة: بذاءة اللسان، وجدتها تُسجل عليه. فتقول لك الترجمة: وكان شاعرا بذيء اللسان. فربما عنده 50 صفة أخرى، ربما يكون كريما، سخيا، وكذا، لكن هذا العار يظل يلحقه.

بعضهم متوفى سنة 360 هجرية، ونحن اليوم في 1437، أي حتى بعد ألف سنة تقريبا، أقل من 1000 سنة من الزمان، مع ذلك يعرف فلان من الناس أنه: وكان بذيء اللسان. فهذا النبز الذي يلحقه، وهذه الصفة السيئة التي هي عنوانه.

فالإنسان ينبغي أن يكون عنوانه الخير والصلاح، لا أن يعرف بهذه الطريقة. لكن هذه بذاءة اللسان، وفُحش القول أول عنوان يواجه الإنسان؛ لأنه لا تحتاج لشيء، فقط أن تسلم عليه وتقول له: كيف حالك؟ فإذا كان بذيء اللسان، تعال واستلم منه.

فالسخاء يحتاج أن تجربه، أن يصنع لك أكلة وجبة مثلا، أو أن تعاشره لمدة من الزمان. العلم أيضا، يحتاج إلى فترة من الزمان، تجلسان معا، تراه وتسأله، تأخذ منه وتعطي له، لترى هل هذا عالم أم ليس بعالم. لكن بذاءة اللسان لا تحتاج إلى شيء، ولا أن تجربها حتى. إذ تسمع عنها: فلان سب فلانا، وشتمه، وأفحش له القول.

فينبغي أن يلتفت الإنسان جيدا إلى هذا الجانب، وأن يجتنبه اجتنابا تاما. فلا يستطيع الإنسان صاحب اللسان البذيء والفاحش أن يصنع علاقات اجتماعية مع غيره: لا مع زوجته، ولا مع أسرته، ولا في داخل العمل الذي يعمل، ولا في محيطه العملي، ولا مع المجتمع.

فأي عيشة هذه التي لا يستطيع الإنسان أن يكوِّن فيها أية علاقة، حتى مع داخل أسرته وبيته. ولا يستطيع أن يشعر بطعم النعيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)، فالقول السديد ينبغي أن يكون عنوانك. فإن لم تقدر عليه – ذاك البعيد – أي لم تقدر على القول السديد، "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخَرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت". ولذلك ورد في الحديث عن مولانا أمير المؤمنين (ع): "أَنَّ الحِلْمَ"، أو "الصَّمْتَ فدَامُ السَّفِيهِ"، فدام يعني: كمامة. أي أن هذا أحسن شيء يغطي به فمه؛ حتى لا يخرج منه الكلام. فدام، هي في الأصل، لهؤلاء المجوس الذين عندما يأتون إلى النار التي يقدسونها يجعلون على فمهم مثل الكمام الذي يستخدمه الأطباء الآن. فيقولون، هذا لكيلا يخرج من أنفاسهم شيء سيء، فيفسد قداسة النار! هذا يسمونه: فدام. وهذا الصمت، وهذا الحلم، وعدم الرد، يجعل أمام السفيه حاجزا عن الاستمرار.

ومن الآثار السيئة للسان البذيء: إيذاء المسلم، وإيذاء الآخرين. فالإيذاء على أقسام: قد يكون الإيذاء بالضرب، وقد يكون بالجرح وإخراج الدم، وقد يكون باللسان. وقد ورد في الشعر العربي: ولا يلتام ما جرح اللسان.

فهذه الجروح العادية تحتاج لثلاثة أيام، أقل، أكثر، حتى تبرأ وتشفى. لكن إذا أحد اعتدى على إنسان اعتداء لفظيا، وأفحش له القول، وشتمه، وسبه، فهذا من الممكن أن يبقى فترة طويلة من الزمان، يؤثر في نفس ذلك المعتدى عليه. وهذا من مصاديق إيذاء المؤمن والمسلم، وإيذاؤهما حرام. يقول ربنا سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).

فبين أن يأتي إنسان ويضرب أحدهم على وجهه، وهذا إيذاء. وبين أن يتفوه بكلمة من الكلمات يكون إيذاؤها أعظم من لطمة وصفعة خد. ولذلك يقول سيدنا أمير المؤمنين (ع): "إِيَّاكَ إِيَّاكَ وَمُسْتَهْجَنُ الكَلَامِ، فَإِنَّهُ يُوغِرُ القَلْبَ". أي يجعل القلوب غير صافية، يوغر قلب الآخرين عليك.

وآخر نتيجة نتعرض لها هذا اليوم، هي: أن الإنسان إذا تعود على فاحش من القول على الناس، فلا يتوقف عند هذا. أرأيتم في بعض الأماكن، وفي بعض المناطق، كيف يصل الأمر إلى سب الله عز وجل. هذا صحيح أم لا؟ ويصل إلى سب الدين، إلى سب الله، بكلمات يقشعر لها بدن الإنسان.

هذه لم تأتي مباشرة، وإنما بدأت بالبذاءة والسباب لشخص، فاستمرأ بذيء اللسان هذا الشيء، ثم ترقى في زعمه، حتى صار يفعل أكثر من ذلك. وأصبحت طبيعة عنده، ولا يقف أحد أمامه، ولم يفهمه أحد أن هذا شيء يهز شخصيتك ويحطم ذاتيتك. حتى بالتدريج وصل إلى سب الدين، وبعد ذلك إلى سب ربه الذي أنعم عليه بوجوده.

فإذا الإنسان كان عاقلا، ينبغي أن يقشعر بدنه أمام أول كلمة سيئة، وليس عند آخر كلمة. أنقل لكم هذه الحادثة، وأنهي بها الحديث إن شاء الله.

في الحديث المعتبر، في الكافي أيضا، عن سماعة، قال: "دَخَلْتُ" – أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) – قال: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فَقَالَ لِي مُبْتَدِئًا: يَا سُمَاعَة، مَا هَذَا الَّذِي كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ جَمَّالِكَ؟ إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ فَحَّاشًا أَوْ سَخَّابًا أو لَعَّانًا". كأنما هو مستأجر من جمَّال، صاحب دابة في ذلك الزمان، مثل تاكسي الآن أو ما شابه، فصار بينهما كلام. فالإمام (ع) قال له: ماذا هذا الذي كنت تقوله إلى الجمَّال! أي الذي استأجرت منه جماله. إياك أن تكون بهذه الصورة، بذيء اللسان، لعَّان، تهام. فقلت: والله لقد قلت ذلك لأنه ظلمني. فصحيح أن كلاما شينا صدر مني، لكنه هو أيضا ظلمني.

فهناك قسم من الناس هكذا، تتفق معه مثلا، على التاكسي: المشوار 50 ريال، لكنه بعد قليل، يبدأ يتكلم عن غلاء البنزين وكذا، وأنه أنا ظننت المكن أقرب من هذا، وإلى آخره، ثم لا يقبل إلا أن تزيده. فإذا لم تفعل، فمن الممكن أن يتكلم عليك!

كأن هذا الذي هو من طرف سماعة، كان من هذا النوع، فقال: ظلمني. اتفقت معه بمقدار معين، وهو أبى إلا أن أكثر من ذلك. فأخطأت عليه، فقال: "إِنْ كَانَ ظَلَمَكَ فَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيهِ، إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعَالِي وَلَا آمُرُ بِهِ شِيعَتِي". إذا هو ظلمك، فأنت لما سبيته، صرت أكثر منه ظلما، وأسوأ مما هو عليه. "لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيهِ" يعني: زدت على فعله. وهذا الكلام الذي تقوله ليس من فعالي أنا جعفر، ولا من فعال شيعتي ولا آمر به شيعتي. "اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ وَلَا تَعُدْ". قلت: "أَسْتَغْفِرُ اللهُ وَلَا أَعُودُ". فعلا الرجل هم استمع النصيحة وقبلها من الإمام (ع).

ينبغي للإنسان أن يطهر لسانه قدر الإمكان، وإذا زل في مكان من الأماكن، يقوم بأمرين: الأمر الأول: أن يستغفر ربه لأنه تجاوز الحد الإلهي، والثاني: أن يعتذر لذلك الطرف؛ لأنه تجاوز حقه معه، فتكلم كلاما سيئا على زوجته، وعليه أن يذهب ويعتذر إليها، أو تكلمت هي بكلام سيء على زوجها، فبعد أن تستغفر ربها، تذهب وتعتذر إليه. ويعتذر الأستاذ إلى تلميذه إذا كان قد تكلم عليه بكلام سيء. ويعتذر رب العمل إلى العامل إذا كان قد شتمه، فبعد أن يستغفر ربه، ينبغي أن يعتذر للعامل. لا تتصور أنه من حقك، ما دام هو قد جاء من كذا، من الجنسية الفلانية، فلك أن تسوقه بكم كلمة وكم لعنة وإلى آخره، بحجة أنه مقصر في العمل. لا. "لَقَدْ أَرْبَيْتَ عَلَيهِ". يقول الإمام (ع).

ينبغي أن يكون الإنسان هكذا، عندئذ يتحقق: (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم عفيفي اللسان، سديدي القول، حسني الفعل، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3384
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2579) حجم الملف: 30637.43 KB
تشغيل:

كيف نواجه الكسل في الحياة 31
الظلم ظلمات يوم  القيامة 24