التوسل والاستشفاع بالنبي محمد عند المسلمين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/2/1438 هـ
تعريف:

التوسل والاستشفاع بالنبي (ص) عند المسلمين

 

كتابة الأخت الفاضلة فاطمة آل السيد

قال الله العظيم في كتابه الكريم: “وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا” صدق الله العلي العظيم.

 

من المواضيع التي يتشاطرُ فيها أتباعُ الإمامية مع أكثرية أبناء الأمة الإسلامية الفكرَ والرأيَ والممارسة موضوع التوسلِ والاستشفاعِ بالنبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وبالأولياء والأوصياء، في مقابل فئة من أبناء الأمة قليلة العدد اتجهت إلى المنع من قضية التوسل ولا سيما التوسل والاستشفاع بالنبي (ص) بعد وفاته ومغادرته للدنيا ..

 فهم يقولون مثلا أن التوسل الأصلي ينبغي أن يكون بالأعمال الصالحة للإنسان، ثم بأن يذهبوا إلى رسول الله حال حياته، ويطلبوا منه أن يدعو لهم .. هذا المقدار هو الجائز عندهم .. وأما باقي المراتب فإن هذه الفئة القليلة من المسلمين لا تقبلها وتعدها بدعةً من البدع وربما ارتقت بها إلى الوصف بأنها شركٌ بالله ..

في مقابل ذلك يذهب الإمامية ومعهم أكثر أبناء الأمة من غير الإمامية إلى القول بأن التوسل بقسميه في أثناء حياة النبي والولي جائز، وبعد مماته أيضا هو جائز، وهذا أيضا بقسميه.

 فتارةٌ يُدعى الله سبحانه وتعالى بحق النبي، بجاهه، بمنزلته، بفضله أن يستجيب للإنسان دعاءَه. تقول “اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد” .. أو “بجاه نبيك المصطفى” .. أو “بمنزلة الرسول عندك وأهل بيته .. اللهم إني أسألك بذلك كله أن تستجيب لي دعائي ، وأن تبلغني مناي وحاجتي” .. هذا نوعٌ من التوسل بحق النبي وبحق الوصي وبحق الولي.

وقسمٌ آخر أن تسأل من النبي أو الولي أو الوصي أن يسأل الله سبحانه في حاجتك، مثلا أن تخاطب النبي بأن تقول: “يا رسول الله، يا حجة الله على خلقه، كُن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي

 الحالة الأولى:

أن تسأل ربك سبحانه تعالى مباشرةً ولكن بحق النبي، بفضل النبي، بمنزلة النبي، وفي بعض الأدعية شرح أكثر من هذا، مثل “اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي لديك” أخلقته يعني جعلته خَلِقًا مُهَلهَلًا، الثوب تارةً يكون جديدًا، وتارةً يكون مهلهلا خَلِقًا بال، فكأنما الذنوب تصنع بوجه الإنسان هكذا، هذا الداعِ يقول “اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي لديك فإني أسألك بوجه نبيك محمد (ص)، وبجاهه، أن تستسجيب لي دعائي” أو في دعاء آخر “اللهم إني أسألك بمحمد وآل محمد الذين اخترتهم على علم على العالمين، أن تفعل بي كذا وكذا” فهذا السؤال لله ولكن بجاه النبي وجاه الوصي والولي ..

الحالة الثانية:

أن تتوجه إلى النبي (ص) فتقول “يا رسول الله كَن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي، يا رسول الله استغفر الله لي، يا رسول الله اطلب من الله قضاء حاجتي” وهذا ما فعله أبناء يعقوب بالنسبة ليعقوب في أيام حياته، قالوا “يا أبانا استغفر لنا” قال “سأستغفر لكم ربي” وأمهلهم فيما قيل إلى ليلة الجمعة ..

 فإذن هذان النوعان من التوسل بالنبي أو الولي أو الوصي بعد موته الظاهري يعتقد به الإمامية ويشاركهم في الجملة أكثر أبناء الأمة، بينما انفردت فئة من المسلمين و رفضت أي ارتباط من هذا النوع بين الإنسان المسلم وبين من هو ميت، مات إذن انتهى، لا يستطيع التأثير في رأيهم، ولا يستطيع أن يحرك ساكنًا ولا أن يُسَكِنَ مُتحركًا.

 سيكون حديثنا إن شاء الله في القسم الثاني وهو الذي اعتمد عليه الإمامية وأكثرية أبناء الأمة من الأدلة والوجوه في الاستدلال على أن التوسل بالنبي (ص) بعد مماته هو سائغٌ ومشروع، وأمرٌ قرآني، وسنةٌ من السنن، وقد بدأت قبل وجود النبي (ص) واستمرت إلى ما بعد حياته المباركة.

فهم أولا يستدلون ببعض الآيات العامة مثل “وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ” - قول الله عز وجل - ويعتقدون بما يأتي من الشرح في الروايات أن النبي (ص) هو أعظم الوسائل إلى الله، أعظم شيء يُوصِل إلى الله عز وجل، وهذا ما قرره نص دعاء الندبة عندما قال في أوله “وجعلتهم الوسيلة إليك والذريعة إلى رضوانك” وبعض الأدلة الأخرى التي تأتي في خصوص هذا المطلب مثل “ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا

هل التوسل خاص بحياة النبي ؟

الطرف المخالف لقضية التوسل عندما يقرأ هذا الآية المباركة يقول هذه آية خاصة بما كان في حياة النبي (ص)، لأن القرآن يقول “جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ “ وهذا كله ظاهر في أن النبي موجود حتى يأتي إليه أحد وحتى يستغفر النبي (ص).

وقد يجاب عن ذلك بأن هذه الآية المباركة ليس فيها أولا تحديد بزمان الحياة، فالله لم يقل و لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك يا رسول الله وأنت حي فطلبوا منك وكذا وكذا، وإنما قال “جَاءُوكَ” والمجيء يصدُق على المجيء للنبي (ص) وهو حي وهذا أظهر أنحاء المجيء إليه (ص)، ويصدُق عليه كذلك وهو غير حي، لا سيما وأننا نعتقد أن للنبي المصطفى (ص) حياة عظيمة حتى وهو في غير ساحة الوجود، فإنهم ينقلون - أعني كل المسلمين - ينقلون أن النبي (ص) يجيب من صلى عليه “من صلى علي صلاة واحدة صليت عليه عشرا” ماذا يعني صليت عليه إذا لم يكن النبي (ص) قادرا على التلقي والاستجابة، وكان ميتا لا يتحرك ولا يسمع ولا يستجيب؟ ماذا يعني أني صليت عليه عشرا؟؟!

 أو الحديث الآخر الذي ينقلونه هم أيضا في مصادرهم فيقولون عن النبي (ص) أنه قال “إن لله ملائكة سياحين يبلغونني الصلاة علي أينما وقَعت” فأي مكان في الدنيا وأي زمان من الأزمنة هذه الملائكة تطوف وأي شخص يكون قد أرسل الصلاة على النبي (ص) يحملها إليه الملائكة السياحون بناءًا على هذه الرواية، ماذا يعني يحملها الملائكة السياحون إذا كان لا يسمع ولا يستجيب ولا يصدُق عليه أنه حي؟!

 هذا أمرٌ آخر، أمرٌ ثالث أن صحابة النبي (ص) والتابعين بعدهم وعامة المسلمين المتقدمين لم يفهموا من هذه الآية المباركة أنها خاصة بحال حياته، ولذلك فقد توسلوا بالنبي (ص) وسألوا الله بجاهه بعد وفاته، ولو كان الأمر مربوطا بوجود النبي الظاهر على قيد الحياة لما كان هناك معنًى لقيام أصحابه بالتوسل بقبره مرة، وبالتوسل بجاهه وحقه مرة أخرى وهو ليس على قيد الحياة الظاهرية.

 ألستم تقولون أن الصحابة هم أفهم الناس بأحاديث رسول الله (ص)، وهم أقرب الناس إلى رسول الله (ص)، وهم أفضل الناس؟ طيب نأتي معكم إلى هذه النقطة، الصحابة لم يفهموا من هذه الآية ولا من سائر التوجيهات أن التوسل بالنبي (ص) مربوطٌ فقط بحال حياته، يعني إلى سنة ١٠ أو ١١ هجرية، وإنما تم التوسل به أولا قبل وجوده، قبل خلقته تم التوسل به، قبل ولادته، وبعد ولادته وهو صغير، وفي أثناء حياته، وبعد حياته، والمبحث طويل لكن أنا أشير إليه إشاراتٍ سريعة، فأول ذلك ما نُقل في مصادر مدرسة الخلفاء عن توسل نبي الله آدم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام، وتوسله بحق النبي محمد (ص).

 فقد روى الحاكم في المستدرك - الحاكم النيشابوري - في المستدرك على الصحيحين، وهو مُعتَمِدٌ رجالَ الصحيحين، يعني المفروض أن ما يصح في كتاب المستدرك هو صحيحٌ عند البخاري ومسلم، يقول في حديث لما اقترف آدم الخطيئة - نحن طبعا الإمامية لدينا تفسير خاص لخطيئة آدم وخطيئة الأنبياء، الآن لا نتحدث عنه وإنما فقط لكي نلتزم بنص الحديث -، يقول في الحديث لما اقترف آدم الخطيئةَ قال “يا رب أسالك بحق محمدٍ لما غفرت لي”، فغفر له، وقال لهُ الله “من أين عرفت محمد (ص)؟” فقال “لما كنتُ في ذلك العالم رأيت مكتوبا أسماء منها اسم النبي محمد (ص)”، عندنا نحن أسماء الخمسة ولكن هنا في الحديث مذكور اسم النبي محمد (ص)، لايضر .. يكفينا هذا المقدار لأننا نريد أن نثبت أصل موضوع التوسل بالنبي (ص)،

بعد ذلك يُكمل صاحب المستدرك يقول فقال الله عز وجل “غفرت لك، ولولا محمد لما خلقتك”، هو أقسم على الله بماذا؟ بحق محمد (ص)، محمد (ص) إلى الآن ما موجود في عالم الدنيا صحيح أم لا؟! صحيح في عالم الأنوار في عقيدتنا موجود، ولكن في عالم الدنيا كوجود ظاهري خارجي هو غير موجود، ومع ذلك - وهذا الحديث من مصادرهم - أقسم آدم على الله وتوسل بمحمد (ص) فاستجاب له وغفر له.

  هذا قبل خلقته الظاهرية، فيما بعد حين نأتي لزمان رسول الله (ص) الأمر نظرًا لأنه اتفاقي بين المسلمين أنه يجوز أن يُتوسل بالنبي (ص) في حال حياته فلن نذكره كثيرا، فقط نذكر منه لمعةٌ أخرى وهي أن القضية مو فقط كانت خاصة بالمسلمين قبل الإسلام بل أيضا مذكور في سيرة النبي (ص) أنه لما أقحطت قريش وفزعوا حينها إلى عبد المطلب، جاء عبد المطلب يحمل غلامًا صغيرًا لعله بين أربع سنوات أو ما حولها، حتى أخذه على كتفه وألصق ظهره بجدار الكعبة ودعى الله بحق هذا المولود أن يُغيث الناس، فاجتمعت السحب، وتراكمت الغيوم، وأُمطروا مطرًا كثيرًا حتى خاف الناس من الغرق ببركة هذا المولود المبارك. هذا النبي وهو حي لكن إلى الآن لم يُبعث بالنبوة، في زمان النبوة كما قلنا نظرًا لأن المسألة اتفاقية فلن نتعرض اليه، وإلا هناك الكثير من الروايات.

 بعد انتقال رسول الله إلى ربه يذكرون عددا كبيرا من الحوادث منها ما كان في زمان الخليفة الثاني، وينقله ابن أبي شيبة في المصنف - وهذا الرجل من العلماء الاثبات عندهم مهم جدا - يرويه في مصنفه بسند صحيح إلى مالك بن عياض، يُقال له مالك الدار، قال وكان خازن عمر على الطعام، فقال أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي (ص) - جاء إلى أين؟ إلى قبر النبي (ص) وفي زمان الخليفة الثاني - فقال “يا رسول الله” خطاب إلى النبي، لم يُقسم على الله بحق النبي - بعد هذي مرحلة متقدمة، خطاب مباشر إلى رسول الله (ص) - فقال “يا رسول الله، استسقي لأمتك فإنهم قد هلكوا”، جدب، قحط، لا يوجد مطر، سيهلكون، هذه أمتك وأنت استسقي لهم، المفروض هنا أن يقولوا له - شنو قاعد تتكلم مع واحد ميت لا أثر له؟! .. انت روح دور لك واحد من الأحياء .. انت تخاطب واحد لا يستجيب لك - ولكن لا، قال يا رسول الله استسقي لأمتك فإنهم قد هلكوا، فما عدا أن غادر المكان حتى اجتمعت السحب وتراكمت وهطل المطر بفضل رسول الله (ص).

في زمان الخليفة الثالث عثمان هناك قضية مفصلة أنا سأنقلها متعمدا، لماذا؟ لأنه أحيانا بعض الكتب لا سيما كتب هذه المدرسة المخالفة لأكثرية المسلمين تبتر الحديث حتى يتبين أن الحديث كان في زمان حياة النبي، لكن إذا يُقرأ الحديث بكامله يتبين أنه هذا في زمان الخليفة الثالث، - وين زمان النبي ووين زمان الخليفة الثالث - يعني من سنة ٢٣ هـ فصاعدا تقريبا بعد ١٠ سنوات أو ١٢ سنة من وفاة رسول الله (ص)، الرواية تقول، وقد ذكرها أحمد بن حنبل في المسند، وذكرها الترمذي وقال هذا الرواية رواية صحيحية عن عثمان ابن حنيف الانصاري، عثمان ابن حنيف وسهل ابن حنيف هما من أصحاب أمير المؤمنين (ع) ولأمير المؤمنين (ع) رسائل إلى عثمان، وكان واليه على البصرة، وهو من أتى له جماعة الخارجين على الإمام أمير المؤمنين (ع) ونتفوا شيبه وحواجبه وطردوه من البصرة بالقوة، يقول عثمان ابن حنيف والرواية يرويها الترمذي ويرويها أحمد ابن حنيل، يقول كان رجل يختلف إلى عثمان بن عفان ويطلب منه حاجة، حاكم ويحتاج إلى أن يقضي له هذا الحاكم حاجة من حوائجه، فكان الخليفة يتشاغل عنه ولا يعطيه وجها أو اهتماما، مرة، مرتان، ثلاث، فالتقى عثمان بن حنيف وقال له أن وضعي هكذا، والخليفة لا يُدير لي بال و لا يسمع مني فضلا عن أن يقضي حاجتي وهي مربوطة بي، فقال له عثمان ابن حنيف ائتِ الميضات - مكان الوضوء - فتوضأ، ثم ائتِ المسجد فصلي فيه ركعتين، ثم قل “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا نبي الرحمة (ص)” ونحن أيضا نتوجه إلى الله بنبينا نبي الرحمة (ص) في قضاء حوائجنا، في تفريج همومنا، في شفاء مرضانا، في اللطف بحالنا، في تخليص مجتمعاتنا من مآسيها، حوائجنا الشخصية وحوائجنا العامة، “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا نبي الرحمة (ص)” هذا القسم الأول من التوسل، القسم الثاني ثم قال “يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي” أقول لكم هذا الحديث مهم من البداية لأنه يحتوي على القسمين وفيه وضوح أن النبي (ص) ليس على قيد الحياة الظاهرية، وفي كلا التوسلين “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا نبي الرحمة (ص)” هذا واحد ثم خطاب مباشر إلى النبي “يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فيقضي حاجتي” أنا أتوجه بك إليه، أنت اطلب من ربي أن يقضي لي حاجتي وتذكر حاجتك، هذا عثمان ابن حنيف يقول للرجل المتعطل طوال هذه المدة .. طيب ..

ورُح إليَ حتى أروحَ معك، مع أنه يعرف عثمان الخليفة، عثمان ابن حنيف يعرف عثمان الخليفة وصديق مثلا وكذا، لكن لا بد أن يقدم أماه ماذا؟ “إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله

يقول فانطلق الرجل فصنع ما قال له عثمان بن حنيف ثم أتى إلى باب عثمان الخليفة فجاء البواب حتى أخذه بيده فأدخله عثمان فاجلسه معه على الطُنْفُسة - نفس المقعد الي قاعد عليه الخليفه الآن أجلسه عليه - أمس أول أمس ما كان ينظر إليه بنظرة، ولا يسمع له كلمة، الآن هذه وجاهة رسول الله (ص)، ودعاء رسول الله (ص) صنع ذلك، فأجلسه معه على الطنفسه وقال: حاجتك؟ - شنو حاجتك - فذكر له حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت من حاجتك كانت هذه الساعة، وماكان لك من حاجة أخرى فأتنا - مو بس هالحاجة .. أي حاجة أخرى تصير إلك تعال إلنا - هذا فضل التوسل برسول الله (ص) بحقه، وفضل الخطاب المباشر إلى رسول الله (ص)، وهذي الرواية ليست فقط عندنا، وإنما في مصادر مدرسة الخلفاء أيضا.

ثم أن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان ابن حنيف فقال جزاك الله خيرا، ما كان ينظر إلي في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته وعملت ما أمرتني، القسم الثاني هو الذي يُنقل عادة في مصادر هذه الفئة المعارضة للتوسل بالنبي (ص)، فقال عثمان بن حنيف - نقل حادثة أخرى هذه المرة - فقال أنا ما كلمته - ترى الأثر مو من صوبي ها .. ذاك كان يتصور أن عثمان بن حنيف مثلا تكلم مع الخليفة وأن هذا الاهتمام جزء منه لكلام عثمان ابن حنيف .. قال لا أنا ما كلمته في شيء وإنما هذا كله أثر توسلك برسول الله (ص) - قال والله ماكلمته ولكن شهدت رسول الله (ص) أيام حياته وأتاه ضرير - كفيف البصر - فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي أفتصبر؟ قال يا رسول الله إنه ليس لي طاقة، ليس لي قائد وقد شق علي - ما أقدر وما عندي واحد يقودني - فقال له النبي (ص) ائت الميضات ثم صل ركعتين - نفس الكلام الي قاله عثمان ابن حنيف - ثم ادعو بهذه الدعوات - يعني الي علمتك بيها أنا - “اللهم إني أتوجه إليك بنبينا نبي الرحمة محمد (ص)، يا محمد كُن شفيعي إلى الله في قضاء حاجتي” قال عثمان فوالله ما تفرقنا، في ذاك الوقت، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل - ذاك الرجل الضرير الذي قال له النبي (ص) افعل هالأمور وذهب وتوضأ وصلى ركعتين واقسم على الله بحق رسول الله (ص) - حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط، يعني أصبح بصيرا.

 فهذه الحادثة حدثت في زمان النبي (ص)، واستفاد منها عثمان ابن حنيف أنه بعد وفاة النبي (ص) أثر النبي لا يزال باقيا، وحصل هذا الرجل صاحب الحاجة نتيجة من ذلك. بل أكثر من هذا، كانوا إذا أقحطوا فتحوا كُوةً من قبر رسول الله (ص) - كما قلت ذات ليلة إذا أحد راح المدينة أنا أنصح بزيارة متحف المدينة هناك، هذا متحف قام عليه أحد الدكاترة ومن التوجه المحب لرسول الله (ص) وراسم المدينة بحسب ما ورد في التاريخ بالأبعاد الثلاثية وبالخرائط المفصلة وشيء معتبر وجميل، ومن جملة الأشياء التي أشار إليها اشار إلى هذه الحادثة - أنه كانت تُفتح كُوة في زمان القحط من قبر النبي (ص) على السماء مباشرة يعني لا يكون بينها وبين السماء حاجب، فيستمطرون بذلك وهذا له حادثة نقلها صاحب سنن الدارمي في رواية - وإن ضعفها الألباني .. الألباني وبعض ممن هم مخالفون لهذا التوجه ضعفوها لكن المحققين ردوا عليهم بأن الشخص الذي ضعفتموه ثقة بنصوص أعلام أئمة الرجال - الرواية تقول هكذا وهي عن أبي الجوزاء أوس بن عبدالله أنه قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة زوجة النبي (ص) فقالت انظروا قبر النبي (ص) فاجعلوا منه كُوة إلى السماء حتى لا يكون بينها و بين السماء سقف - ما يكون بينها وبين السماء حاجب .. أصلا ما يحتاج انك تأتي وتتوسل .. لا .. يكفي أن هذا القبر ينفتح منه كُوة وهالأثر يتصل إلى السماء - قالوا ففعلوا، فمطرنا مطرا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.

فهذه أيضا من الأحداث التي بعد زمان رسول الله (ص)، يُفتح كُوة من القبر إلى السماء مباشرة من غير حاجز ولا حائل فيكون ذلك استمطارا، ويُنزل الله المطر على الناس، ويصنع لهم الحياة.

  هذا زمان الصحابة، ألستم تقولون أن الصحابة أفهم الناس بالقرآن؟ هذه ممارسات الصحابة، ألا تقولون أنهم أعرف بمُرادات القرآن وبما كان يريده رسول الله (ص) ؟ فهذا قولهم وهذه ممارستهم وهذه طريقتهم، لم يكونوا يرون أن موت النبي (ص) مانع عن استجابة دعائه وعن التأثير، نعم مِثلُ مروان ابن الحكم والحجاج الثقفي وأمثال ذلك يعتبرونه رُمة بالية، قال ذلك الرجل الآثم وهو الحجاج، قال ما بالهم يطوفون بأعواد ورُمة بالية؟ يقصد قبر النبي (ص)، لكن هؤلاء لا يُعتنى بهم وإلا عامة الأصحاب كانوا يرون هذا الأمر ويعملون على طبقه.

  بعد زمان الأصحاب أيضا نفس الشيء، زمان التابعين، ينقلون قصة معروفة بقصة العتبي وهو ليس من الصحابة وإنما بعد جيل الصحابة، يعني جيل التابعين، وقد نقلها كثيرون، والعجب أنه قد نقلها ابن كثير في تفسيره، ابن كثير عنده توجه مخالف لمثل هذه الأمور فهو متأثر بالمدرسة الشامية والنهج الأموي، مع ذلك نقل هذه القصة التي حكاها العتبي يقول كنت جالسا عند قبر رسول الله (ص) فجاء أعرابي فقال: “السلام عليك يا صفوة خلق الله، أنت الذي أنزل الله عليك - وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا - وقد ظلمت نفسي، وها أنا قد أتيت أستغفر من ذنبي، اشفع لي إلى ربي يا رسول الله” - ماحد اجى قال له شنو انت تتكلم ويا واحد ميت ولا أثر له، وتستشفع بإنسان تحت التراب ولا يملك لك نفعا ولا ضرا ومن هالكلام هذا- ثم أنشأ يقول:

 يَـا خَـيْــر مَــنْ دُفِــنَــتْ بِــالقَـاعِ أَعْـظُـمُـهُ .. فَــطَــابَ مِــنْ طِـيـبِـهِـنَّ الـقَــاعُ وَالأَكَــمُ

  هذه الأبيات كانت مكتوبة في وقت من الأوقات على بعض جدران المسجد النبوي ..

 يَـا خَـيْــر مَــنْ دُفِــنَــتْ بِــالقَـاعِ أَعْـظُـمُـهُ .. فَــطَــابَ مِــنْ طِـيـبِـهِـنَّ الـقَــاعُ وَالأَكَــمُ

نَفســي الفـــداءُ لقبـــرٍ أنــتَ ســاكِــــنُهُ .. فِيــه الـــعفــافُ وفيـــه الجـــودُ والكـــــرمُ

أنـــتَ الحبيـــبُ الـــذي تُـــرجــــى شفـــاعتُهُ .. عنــــدَ الصــراطِ إذا ما زَلتِ القدمُ

أنـــتَ البَشـــيرُ النَذِيـــرُ المُستَــــضَاءُ بـــهِ .. وشـــافِعُ الخــــلقِ إذ يغشَــــاهُمُ النَـــدَمُ

تخُــــصُـــــهم بنَعِـــيـــمٍ لا نَفَــــاذَ لــــهُ .. والحُــــورُ فـي جنــــةِ المــــأوى لــــهم خــــــدمُ

 وأكمل، قصيدة جدا بديعة وقوية المضمون والوزن، وهو يخاطب النبي (ص)، فلما فرغ، يقول بعضُ من حضر غفت عيني فرأيت النبي (ص) في المنام يقول لي: الحق الأعرابي وقل إن الله قد غفر له ببركة النبي محمد (ص)، فهذه أيضا من القضايا، هذا كله في المدرسة الأخرى حديثنا الآن، وأما ما عند الإمامية من الروايات فحدث ولا حرج، يكفيك ما ورد في آمال الصدوق بسنده إلى الإمام الصادق (ع) في هذا المعنى يقول: أتى يهودي للنبي محمد (ص)، فقام بين يديه يحد النظر إليه - ينظر له بنظرة حادة - فقال النبي: يا يهودي ما حاجتك؟؟ فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله، وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر، وأظله بالغمام، أنت أفضل أم ذاك؟! - ذاك الله كلمه، أنزل عليه التوارة، أعطاه العصا التي تلقف ما يأفكون، وظلله بالغمام، فأنت أفضل أم هو؟ - فقال له النبي (ص) أنه يُكره للعبد أن يُزكي نفسه - شوف هالسمو الأخلاقي عند رسول الله (ص) يعني أنا ما أحب أقول أني أنا أفضل، مكروه، هذا شيء غير حسن، حتى أنا وأمثالي نتعلم أن هذا الضمير أنا وأنا وأنا، وإذا واحد يعني شوية يخدش هذي الأنا مالتي تقوم حرب داحس والغبراء، كيف يقول لي هذا الكلام؟ أنا فلان كيف ما يسمع كلامي؟ كيف ما يوقرني؟ هذي حالة الأنا الي هي منشأ المشاكل - النبي يقول أنا لا أقول عن نفسي أنني أفضل، يُكره للعبد أن يزكي نفسه - لكن هذه مسألة لا بد من الإجابة عليها لأنها مربوطة بقضية عقائدية - ولكن أقول لك أن آدم (ع) لما أصاب الخطيئة كانت توبته أنه قال “اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي” فغفرها الله له، - اللهم إنا نسألك بحق محمد وأل محمد، اقضِ حوائجنا، يسر مطالبنا، اشف مرضانا، ارزقنا خير الدنيا والآخرة - ، وإن نوحًا (ع) لما ركب في السفينة وخاف الغرق قال “اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق” فنجاه الله منه، وإن إبراهيم (ع) لما أُلقي في النار قال “اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها” فجلعها الله عليه بردًا وسلامًا، وإن موسى أيضا - موسى الي انت جاي تسأل عنه - لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال “اللهم إني أسالك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني منها” فهؤلاء الأنبياء - مو سالفة أفضل من موسى - نجاتهم، سموهم، استجابة دعائهم، إنما هي ببركة محمد وآل محمد (ص).

 نحن أيضا في حوائجنا نتوسل إلى الله سبحانه هذه الأيام أيام رسول الله (ص)، أيام فاطمة الزهراء (ع) وأحزانها على أبيها، “يا رسول الله، يا إمام الرحمة، يا حجة الله على خلقه، يا سيدنا ومولانا، إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيها عند الله اشفع لنا.  

مرات العرض: 3401
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2563) حجم الملف: 52140.11 KB
تشغيل:

19 أبناء الامام علي في كربلاء
20 سطور من حياة العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام