محبة الله سبحانه .. مقاييسٌ وعلامات
كتابة الأخت الفاضلة فاطمة آل السيد رُوي عن سيدنا زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية ما عُرف بمناجاة المحبين في خطابه لله عز وجل قال: “اِلـهي مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذَا الَّذي اَنـِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً، اِلـهي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَوِلايَتِكَ، وَاَخْلَصْتَهُ لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَشَوَّقْتَهُ اِلى لِقائِكَ، وَرَضَّيْتَهُ بِقَضائِكَ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ اِلى وَجْهِكَ، وَحَبَوْتَهُ بِرِضاكَ، وَاَعَذْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَقِلاكَ”
هذه فقراتٌ من المناجاة المروية عن الإمام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية والمعروفة بمناجاة المحبين. هناك ١٥ مناجاة مروية عن الإمام زين العابدين (ع) تُصَوِر مختلف حالات الانسان المؤمن في علاقته مع الله. هناك مناجاة المحبين التي تُصور علاقة الحب بين العبد وربه، هناك مناجاة الشاكين “اِلـهي اِلَيْكَ اَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ اَمّارَةً، وَاِلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصيكَ مُولَعَةً” تتحدث عن هذا الجانب، جانب شكوى الإنسان المؤمن من مشاكل نفسه الأمارة بالسوء، ومن الشيطان الذي يُغريه ويُغويه وهكذا، أيضا مناجاة الشاكرين تُصور حالة عجز الإنسان المؤمن عن شكر الله عز وجل نظرًا لتَتَابع وترادف عوائِد الله ونعمه عليه، فكلما قال الإنسان “لك الحمد يا رب” وجب عليه أن يقول “لك الحمد” لأن هذا التوفيق لحمد الله هو نعمةٌ من نعم الله على الإنسان حين يُوفَق لِشكر الله وذكره، المناجاة الأخرى مثل مناجاة المريدين ومناجاة المستغفرين ومناجاة التائبين تُصور مختلف حالات الإنسان، وفيها تعليم للإنسان المؤمن بكيفية خطابه مع ربه في اختلاف حالاته.
- معنى المناجاة: المناجاة ماذا تعني؟ الفعل نجى وناجى، ومنه تُشتق كلمة المناجاة، هو عبارة عن حديث بين اثنين يتسم بطابع الخصوصية، وإلى حدٍ ما فيه جانب الستر والسرية وأحيانًا يكون بصوت منخفض، ولذلك سُئِل سيدنا رسول الله (ص): أبعيدٌ ربُنا فنُنَاديه أم قريبٌ فنُناجيه؟ إذا كان بجانبك شخصٌ تتحدث معه بشكلٍ خاص وبصوتٍ منخفض، هذه يُقال لها مناجاة، وفي القرآن الكريم استخدامات متعددة لها، منها مثلًا ما ورد في آية النجوى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً” وكان هذا نظام امتحاني من قِبَل الُمشرع الإسلامي ليتبين للناس كم هم حريصون على هدايات النبي (ص).
نجد قِسْمًا من الناس مادامت المسألة لا تكلفه شيء، فيذهب ويمضي وقته مع النبي (ص) حسب التعبير، لذلك فُرض عليهم في أول الأمر أنه إذا أراد شخص أن يناجي النبي (ص)، يريد أن يأخذ ويُعطي معه، لديه قضية أو مسألة فيجب عليه أولا أن يَتَصَدَقَ على فقير، ففيها منفعةٌ للفقير وثواب للشخص، وحتي يتبين من هو المستعد لأن يجتمع اجتماع خاص مع النبي (ص) بنصف درهم. وقِيل في التفسير أنه لم يلتزم بهذا الأمر إلا علي ابن أبي طالب (ع)، أراد أن يناجي النبي (ص) فَقَدَمَ صدقة، وفي المساء كذلك، وغيرُ عليٍ (ع) حسب ما ورد في التفسير لم يكن مستعدًا أن يُعطي مقدارًا من المال مهما قل أو صغر من أجل أن يحظى بلقاءٍ خاصٍ مع النبي (ص)، وهذه آية النجوى من آيات فضائل أمير المؤمنين (ع).
النجوى إذن نوع من التواصل بين اثنين، وأحيانا أكثر ولكن فيها جانب استتار عن الآخرين كما في قضية يوسف (ع) حيث قال “خَلَصُوا نَجِيًّا” حينما نبي الله يوسف (ع) أخذ أخاه بتلك الطريقة المعهودة، قام اخوته بالتشاور فيما بينهم مشورةً سرية، ماذا نصنع مع وصية أبينا حيث قال لا ترجعوا إلا مع أخيكم؟ “خَلَصُوا نَجِيًّا” أي بدأوا يتشاورن بشكل خاصٍ وسري، المناجاة مأخوذة من هذا ووَرَدَ فيها كثير من الروايات والأحاديث. ومن الآداب أيضا ذُكر أن لا يتناجى اثنان والثالث ينظر إليهما. أحيانا مثلا أنت في مجلس والمجلس فيه عامة، فأنت تترك هذا الشخص الثالث أو الرابع لوحده وتنصرف بالحديث كاملا إلى شخص من الأشخاص غير مكترث بمن هو حاضر، فهذا يؤثر على الطرف الثالث والرابع لأنك لم تُشْرِكْهُم. بالنسبة إلى الخطاب مع الله، إذا انفرد الإنسان بالله في خطابه له ودعائه إياه يُقال ناجى ربه، ولذلك لدينا في القَسَم والتوسل “اللهم إني أسالك بمحمد نبيك وبموسى نجيك” أي من ناجيته، باعتبار أن الله تكلم مع موسى (ع) كلامًا خاصا فهو كليم الله. المناجاة بين العبد وخالقة مأخوذ فيها أن يكون هناك انفراد ونوع من الستر، ولذلك عادةً يُرغب فيها أن تكون في جوف الليل، وأن يناجي الإنسان ربه في جوف الليل منفردًا، هذا غير الدعاء الجماعي مثلا، فهذا تعريف لموضوع المناجاة. ومن تلك المناجاة مثلا مناجاة المحبين، ولدينا مناجاة كثيرة قلنا أن من جملتها ما جاء في الصحيفة السجادية عن الإمام السجاد (ع). المحبين جمع محب، والحب عبارة عن ميل القلب إلى شيء أو ذات تبعًا لأسباب. إذا مال قلب الإنسان إلى شخص، يعني أنه أحبه، أو مال إلى شيءٍ من الأشياء كمنزله مثلا، فيكون أحب منزله، والغالب أن يُنظر فيها إلى ذوات، ومن الذوات التي يميل القلب إليها هنا ربنا سبحانه وتعالى، فلذلك يُحب الإنسان المؤمن ربه “وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّله”
أسباب المحبة: المحبة لها مناشئ وأسباب متعددة، لنرى الآن هل توجد هذه المناشئ بالنسبة إلى الله عز وجل؟ أولاً: أن يكون المحبوب فيه جمال ظاهري فيميل القلب إلى محبة ذلك الجميل جمالا ظاهريا، وهذا واضح في المعنى العُرفي، الرجل مثلًا يميل إلى المرأة الجميلة، يحبها ويميل قلبه إليها لوجود هذا الحسن الظاهري، والمرأة تميل إلى الرجل الجميل نظرا لأن فيه حسنًا ظاهرًا.. ثانيًا: أو أحيانا يميل الإنسان إلى الحسن الباطني، كأن يميل إلى شخص آخر، صديقه مثلا، نظرًا لطهارة قلبه وعفة نفسه و ورع لسانه، وقد لا يكون هذا الصديق جميل جمال ظاهري ولكن لديه جمال باطني، وطهارة داخلية، ولذلك يميل إليه نظرًا لما فيه من صفات حسنة. ثالثًا: وأحيانا أخرى نظرا لأن ذلك المحبوب قد أنعم عليه وأعطاه شيئًا، مثلا الطفل، إن أعطيته هدية، ينغرس حُبُك في قلبه، لأنك أعطيته شيئا وقدمت له هدية، والحال نفسه في الإنسان البالغ، جُبِلَت النفوس على حب من أحسن إليها. رابعًا: أو سبب رابع وهو إعظام ذلك الطرف، افترض مثلا عالم كبير، أو مرجع ديني، ربما لا يكون فيه جمال ظاهري معهود، وربما لا تدري عن باطنه ماهو، ولم يقدم لكَ شيئًا في يدك، ولكن أنت تُعَظم هذه الشخصية، تجعلها شخصية عظيمة فتحبها، أنت تسمع في التاريخ عن شخصيات كأصحاب الحسين (ع)، لا تعرف صورهم، ولا تعرف ذوات أنفسهم، ولم يُقدموا لك شيئا، ولكن بما قرأت من سيرتهم أنت تُعِدُهُم عُظماء، هذه العظمة الموجودة لديهم تجعلك تحبهم، لذلك نحن نُحِب أصحاب الرسول (ص) الذين أخلصوا في ولائِهم للنبي (ص)، ونُحِب أصحاب أمير المؤمنين (ع)، وأصحاب الحسين (ع)، وأمثال هؤلاء نظرًا لأننا بما قرأنا وسمعنا عن سيرتهم، نُعَظِمُهُم، فإذا عظمناهم أحببناهم.
تَمَثُل أسباب المحبة في الله عز وجل: فهذه أسباب مختلفة تجعل الإنسان يميل إلى محبة شخص أو غيره، وكل هذه الأمور موجودة في الله سبحانه وتعالى. فلا شيء أجمل من الله عز وجل، لدينا الخبر من طريق السنة وهو صحيح، ومن طريق مدرسة أهل البيت (ع) أيضا موجود: “إن الله جميلٌ يُحِبُ الجمال” الله جميل، ولو لم يكن جميلًا لما أعطى الجمال لأحد “قُل كُلٌ يُنْفِقُ مِمَا عِنْدَه” أنت إذا لم يكن لديك أموال، لا تستطيع أن تُنفِق، إذا لم يكن عِندَكَ علم، لا تستطيع أن تُعطي العلم. وكذلك الله سبحانه، لو لم يكن جميلا لما خلق الجمال وأعطاه للمخلوقات، انظر إلى الجمال البشري أرقى أنواع الجمال، هو من عند الله، وكذا جمال الطبيعة، ولا يمكن أن يكون الله عز وجل غير جميل وهو يعطي الجمال، لا بد أن يكون جميلٌ غايةَ الجمال حتى يُعطِيه لخلقه. كذلك في ما يرتبط بصفات غير الجمال الأول، الجمال في الصفات، الرحمة، العطف، الكرم، السخاء، وإلى غير ذلك من الصفات الجميلة التي ينجذب إليها الإنسان. وأيضا بمقدار ما أنعم سبحانه، كما قلنا الطفل إذا أحسنت إليه بإحسان يُحِبُك على أثر هذا الإحسان. الله سبحانه أنعم على الخلائق وأسبغ عليهم نعمه ظاهرةً وباطنة، فكل إنسان في هذه الحياة، بل كل مخلوق هو مُطَوقٌ بنعم الله وإحسانه وعطائه، فمن الطبيعي للإنسان العاقل العادي أن يُحِبَ ربه، لأن هذا الرب أعطاه، منحه، رزقه، أوجده، خلقه، دبر أمره، فإذا كان يُفكر بنحو صحيح، المفترض أن يكونَ مُحِبًا لِخالقِه. وأيضا الصفة الأخيرة وهي الإعظام، فالله سبحانه وتعالى عظيم، وعند الخلق هو مُعَظم، وهذا ينتهي إلى محبة الله عز وجل، فجميع الأسباب التي قد تُوجد في البشر في جزءٍ بسيطٍ منها هي موجودة بتمامها وكمالها وتنوعها عند الله سبحانه، وهذا يستوجب أن يكون الله محبوبا من خلقه.
وهذا ما تُشير إليه هذه المناجاة “الـهي مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذَا الَّذي اَنـِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً” هذا فيما يرتبط بمحبة الله سبحانه.
كلمات في محبة الله سبحانه: هذه المحبة نجدها في كثير من كلمات المعصومين (ع)، وفي آيات القرآن الكريم، و ينبغي أن نفتش عن مظاهرها، حتى نرى هل تتجسد فينا محبة الله عز وجل في درجاتها العالية أم لا. لدينا وصفٌ في القرآن الكريم عن المؤمنين انهم اشد حبا لله “وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّله” وعند المقارنة والمقايسة، هل ما عندكم من أموال وأولاد وتجارة أحب إليكم من الله ورسوله (ص)؟ّ فذلك يُبَين أن محبتك محبة غير حقيقية لله سبحانه. في مقابل ذلك نجد في كلمات المعصومين (ع) من الأحاديث والروايات ما يُنبئ عن الصورة العليا التي ينبغي أن يكون الإنسان عليها من المحبة. نقرأ منها مثلا ما جاء في دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة، وهو دعاءٌ يُنصَحُ بقراءته في كل وقت وليس فقط في عرفة، يقول الإمام “اَنْتَ الَّذى اَزَلْتَ الاَْغْيارَ عَنْ قُلُوبِ اَحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ” أي قلوب أحبائك ليس فيها وجود لغير الله، ويكمل (ع) الدعاء “ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ، لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً” يعني إن كان هناك من يبحث شخص يجعله بديلا عنك في قلبه فهذا مخطئ وغيرُ سالكٍ طريقًا. الإمام السجاد (ع) يقول “الهي لو قرنتي بالأصفاط ومنعتني سيبك على رؤوس الأشهاد” أي لو كل الناس كانوا حاضرين وأنت لم تعطني شيئًا لما خرجَ حُبُكَ من قلبي، ولو منعتني من الرزق وقيدتني وعذبتني لم يخرج حُبُكَ من قلبي لأنه أعمق من هذا. وفي دعاء كميل أيضا نقرأ “إن أدخلتني النار أعلمت أهلها أني أحبك”. وأيضا كلمة الإمام الصادق (ع) كلمة عظيمة جدا، يقول “سيدي أنا من حبك جائع لا أشبع ، أن من حبك ظمآن لا أروى ، واشوقاه إلى من يراني ولا أراه” هذه حالة من التعلق والمحبة لله لا نجدها إلا في مثل الأئمة (ع) ومن يسيرون على منهجهم.
مقاييس درجات حب الله: الآن هل نعرف أنفسنا هل نحب الله أم لا؟ وبأي درجة؟ هناك مقاييس تُبين لنا درجات حب الله عند الإنسان: أول مقياس: كثرة ذكر الله على لسان الإنسان وفي قلبه. هناك قسم من الناس والعياذ بالله تَمُر ساعات دون أن يذكر ربه بلسانه فضلًا عن أن يذكره بقلبه وهي درجتان مختلفتان. حين نقول “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” أي بتَذَكُرِ الله وهيمنته وقدرته على إنجائك من مشاكلك ورزقك في فقرك، إذا تذكرت هذا المعنى فهذا تذكر قلبي، وإذا تذكرت هذا المعنى اطمأن قلبك. فهناك ذكر لفظي وهو طريق للذكر القلبي مثل قول “سبحان الله”، “الحمد لله”، وأمثال ذلك. والمطلوب من هذا الذكر اللساني أن يجعل قلبك متذكرًا لله، فهما درجتان، الأولى الذكرُ اللساني، والثانية الذكرُ القلبي. الفرق بينهما ماذا؟ نأخذ مثال: أنت تقود سيارة، تصل إلى إشارة حمراء، تُنَازِعُكَ نفسك أن تتجاوزها، تتذكر أن ذلك سيلزمك بمخالفة بالمبلغ الفلاني، فإذا تذكرت ذلك تتوقف بدون حاجة إلى أن تتلفظ بذلك بلسانك، تذكرته بقلبك، تذكرت أن هناك قانون يُلزم بمخالفة بهذا المقدار، وهذا جعلك تتوقف ولا تتجاوز الإشارة. إذا صار الإنسان عند إقدامه على شيء يتذكر “ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه” يعرُض عليه أمر، يهُم بفاحشة أو معصية، هناك ذَكَرَ الله فيتوقف، مثل الذي ذكر مخالفة تجاوز الإشارة، حتى بدون أن ينطق ولكن يتذكر الله في قلبه ويتوقف، وهذا طبعا ذكرٌ أعلى من الذكر اللفظي. مثلما حصل ليوسف (ع)، رأى برهان ربه واستحضر ربه في قلبه فمنعه عن ارتكاب المعصية أو حتى أن يُفكر فيها كما هو رأي الإمامية. فإذن اختبر نفسك في مقدار محبتك باختبارين، اختبار الذكر اللساني واختبار الذكر اللفظي، الآن أنت إذا تحب شخصا ما فمن الصعب أن تنساه، أو قليل أن تنساه، ولكن إن كنت تعرف إنسان أنت لا تحبه، ولا يُهِمُك في شيء، قلبك ليس متعلقًا به ربما تمر فترات طويلة دون أن تتذكره، الذي تحبه تستجلب سيرته وتتذكر مواقفه وتأتي بذكره على لسانك. والدك مثلا رباك وأحسن إليك فمن الممكن في كل مناسبة أن تتذكره وتقول رحمه الله، فهذا ذكر لساني، وهناك ذكر قلبي.
وللأذكار - حتى اللسانية منها - آثار كبيرة، والإنسان مأمور أن يُكثر من ذكر الله عز وجل، وأنا أنصح نفسي والإخوة بمثل هذه الأمور، يعني عندما تخرج صباحا إلى العمل، وأنت في السيارة انشغل بذكر الله سبحانه، انشغل بذكر “لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم” فهو من الأذكار العظيمة التي تصد الأخطار عن الإنسان. انشغل بالتسبيحات الأربعة “سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر” التي عُدت من الباقيات الصالحات “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا” نجد في بعض التفاسير أن الباقيات الصالحات هي هذه التسبيحات “سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر” ولذلك ربما كانت ثلاث منها تُعوض سورة الفاتحة التي هي أم الكتاب، ففي الصلاة في الركعة الثالثة والرابعة بإمكانك أن تقرأ الفاتحة أو أن تقرأ التسبيحات الثلاث، وكل منهما يقوم مقام الأخرى عدا الخلاف لدينا في داخل الدائرة الإمامية أنه هل الأفضل التسبيحات أو الفاتحة؟، المراجع المعاصرين في هذا الزمان يرون أن الأفضل قراءة التسبيحات، فهذا يبين فضل ذكر هذه التسبيحات الأربع، فلو التزم بها الإنسان في أوقات فراغه، أوانتظاره، أو سفره، أو حضره.
ومنها أيضا تسبيح الزهراء (ع) بعد الصلاة والذي وُصِفَ بأنه الذكر الكثير “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا” فُسِرَ الذكر الكثير في روايات المعصومين (ع) بأنه ذكر تسبيح السيدة فاطمة (ع). ومن الأذكار المهمة والنافعة جدا ذكر الصلاة على محمد وآل محمد، فإننا لا نجد في القرآن أمرًا بهذا النحو الذي جاء بالنسبة إلى الصلاة على محمد وآله، فالله يقول بأنه بنفسه والملائكة يقومون بهذا العمل فبناءًا عليه أنتم أيضا اعملوا كما نعمل “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” ولذلك، ولأجل أن ذكر الله له هذه الآثار نجد شغل الشيطان الأصلي أن يصدنا عن الذكر، يقول الله سبحانه “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ” إلى هذا المقدار أنه يصنع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وهذا يساوي أنه يصُدُكُم عن ذكر الله، يصدكم عن الذكر اللساني أو القلبي. فينبغي أن يمتحن الإنسان نفسه مع كثرة ذكر الله عز وجل سواء الذكر اللساني أوالقلبي، فهو علامة لحب الله سبحانه كما ورد عن أمير المؤمنين (ع) “علامة حب الله كثرة ذكره”
ثاني مقياس: طاعة الله وطاعة النبي (ص). فالقرآن الكريم يقول “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” فلا معنى لأن يقول الإنسان أن الإيمان في القلب، أنا أحب الله في قلبي حتى وإن كنت لا أؤدي الصلاة، هناك قسم من الناس يصلون ويغتابون ويؤذون غيرهم، أنا لا أفعل هذه الأمور وَلَدَي إيمان قلبي، فهذه مغالطة، فأنت حقيقة لا تحب الله لأن الُمِحبَ لمن يُحِبُ مُطِيعُ، يقول الشاعر: تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ .. هذا محالٌ في القياس بديعُ لَوْ كــانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْـتَهُ .. إنَّ الْمُحِــبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُــطِيعُ فحين تقول أنا أحب الله ومؤمن بالله، وغير مهم أن أقوم بالصلاة أم لا، فهذا خطأ، لأن طاعة الله مهمة جدا، الله أمرك بالصلاة، فإن كنت تحبه ينبغي أن تنبعث إليها، ذاك الذي يُصلي ويغتاب مُخطئ في غِيبته لا أنه مخطئ في صلاته، أنت صل ولا تغتب، صل ولا تشتم. إذن من العلامات لحب الله هي طاعته وطاعة نبيه (ص)، فينبغي للمرء المحب لله أن يطيعه سبحانه، ويطيع رسوله (ص). جاء رجل إلى رسول الله (ص) وهو يخطب في المسجد، والنبي على المنبر، الرجل قادم من البادية، سأل الرسول (ص) ولم يكن أصحاب النبي يسألونه وهو في أثناء خطبته عادةً، لا سيما خطبة الجمعة، والمفروض لمصلي صلاة الجمعة أن يستمع لخطاب النبي (ص)، ولكن هذا الرجل قادم من خارج المدينة ولربما لم يكن يعرف الأحكام، فقال “يا رسول الله متى الساعة؟” أي متى تقوم الساعة؟ النبي (ص)، وكان هذا دأبُهُ (ص) أنه إذا سُئِلَ سؤالاً ليس فيه منفعة يقوم بتحويله إلى أمر نافع، فقال النبي (ص) للرجل: “ماذا أعددت لها؟” أي الساعة تقوم ولكن أنت ماذا أعددت لها؟ قال الرجل “يا رسول الله ما أعددت لها غير حب الله وحب رسوله (ص)” فقال الرسول (ص) “أنت مع من أحببت”. نسأل الله أن يجمعنا مع جملة أحباب الله سبحانه وتعالى وأحباب نبيه (ص). فإذن هذه بعض علامات محبة الإنسان لله عز وجل، أن يُكثر من ذكره، وأن يُطيعه، ويُطيع نبيه (ص)، إذا أكثر الإنسان الذكر في سرائِه وضرائِه، في شدته ورخائه، في أوله وآخره، هنا يتبين أنه محب لله ويتبين أن مقدار محبته لله أكثر من غيره. |