13 النفس الراضية المرضية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/1/1438 هـ
تعريف:

النفس الراضية المرضية

 

تفريغ نصي الفاضلة هديل الزبيدي/ العراق

تصحيح الفاضلة ليلى الشافعي

 يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)      
صدق الله العلي العظيم
   حديثنا هذه الليلة بإذن الله تعالى تحت عنوان النفس الراضية المرضية  . افتتحنا الحديث بالآية المباركة من سورة الفجر وقد أُوِلت هذه الآية المباركة تارة بسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عليه السلام ،وأخرى بسيد الشهداء من الأولين والآخرين الإمام أبا عبدالله الحسين سلام الله عليه .
الفرق بين التفسير والتأويل :
      يعلم الأخوة والأخوات الأفاضل والفاضلات أن هناك فرقًا وبل هناك فروقًا متعددة بين التفسير والتأويل لكن أقربها وأسهلها في التعرف عليها أن التفسير يعتني عادة بالمعنى والمفاهيم إذا جاءت مثل هذه الآية المباركة "ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية"
    يأتي المفسر كي يشرح معاني هذه الكلمات والمفاهيم الموجودة فيها أو ارتباط هذا المعنى بما قبله وبما بعده يتحدث مثلًا عن النفس، يتحدث عن الاطمئنان ، يتحدث عن الرضا ، ثم يربط بين هذه الكلمات وبين الآية المباركة وبين سائر الآيات . فعمل المفسر يذهب إلى بحث المعاني والمفاهيم ،  إما معناها اللغوي المحدود ، وإما معناها ضمن الآيات المباركات ، وإما عبر تفسير القرآن بالقرآن ، ولهم في ذلك مسالك متعددة لكن المهم أن عمل المفسر هو في بيان المعنى ببيان المفهوم من ألفاظ الآية أو الآيات المباركة.
    أما عندما يأتي إلى مرحلة التأويل ، ففي التأويل العمل الأساسي هو تعيين المصاديق للآية المباركة هذه الآية على من تنطبق في الخارج ؟عندما يتكلم مثلًا عن الذين كفروا يأتي في تأويل الآية المباركة على سبيل المثال أنه أبو لهب أو أبوجهل أو من شابه هذا ليس معنى"الذين كفروا" وإنما هو تأويل له وتطبيق على المصداق الخارجي والإشارة إلى الأشخاص أو الأحداث وعندما تأتي آية مباركة "أولئك هم خير البرية"يأتي في مصادر الإمامية أن نبينا المصطفى محمدًا {صلى الله عليه وآله} قال لأمير المؤمنين عليه السلام {هم شيعتك ياعلي} نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ومن يستمع من هؤلاء، هذه (هم شيعتك ) ليس معنى خير البرية لأن البرية لها معنى وخير البرية لها معنى لاتعطي{هم شيعتك} ولكن في التأويل يراد بيان أن هذا المقطع من الآية له مصداق خارجي له شخص خارجي يشار إليه وهو مثلًا {شيعة أهل البيت}
    فيما يرتبط بالآية المباركة هذه أُوِلت تارة ب{حمزة بن عبد المطلب} سلام الله عليه وأنه أحد الشخصيات التي تنطبق عليها الآية المباركة{ نفس مطمئنة} وأنها عادت راضية مرضية إلى الله وأن مصيرها إلى الجنة في عباد الله الصالحين .
    بعد ذلك يأتي تأويل آخر أنه في الإمام الحسين {عليه السلام} في التأويل من الممكن أن يكون عشرين شخصية وفي أزمنة مختلفة لا مانع . على سبيل المثال الآن {المجتهد} كلمة المجتهد لها معنى هذه الكلمة في اللغة العربية ولها تأويل فنقول المجتهد مثلًا هو العلامة الحلي وبعدها نقول أن المجتهد هو الشهيد الأول بعدها نقول المجتهد هو المحقق الأردبيلي وبعد ذلك نقول أن المجتهد هو المحقق النائيني وهكذا…
   فمن الممكن أن هذه الكلمة في تأويلها وانطباقها على المصاديق ،تنطبق على ألف إنسان ولكن معناها هو معنى واحد في مرحلة المفهوم لها غالبًا معنًى واحد أو متقارب.
وأما في مرحلة التأويل فلها مصاديق كثيرة ،وشخصيات متعددة من الممكن أن تنطبق عليها فلهذا لاغرابة أن يأتي بعض التأويل لهذه الآية المباركة في حق حمزة بن عبد المطلب وأن يأتي بخبر آخر أنها مؤولة للإمام الحسين سلام الله عليه.
صفات النفس المطمئنة :

  هذه الآية المباركة وصفت النفس المطمئنة العائدة إلى الله بوصف في غاية الروعة.

     أولا:لحنها وأجوائها أجواء محبة لانظير لها كأنما هذه النفس المطمئنة كانت في حالة تيه في هذه الدنيا مكانها الأصلي قرب الله سبحانه وتعالى ليس مكانها الأصلي التقلب في أمور الدنيا هذا المعنى الذي يشير إليه في الدعاء {إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار}كما ورد في دعاء الإمام الحسين عليه السلام ،فتعالي ياأيتها النفس بعد أن سرحتِ في هذه الدنيا ارجعي إلى مكانك الأصلي ليس هنا، مكانك الأصلي قرب الله سبحانه وتعالي عودي إلى مكانك الأصلي بأي حالة ؟ راضية عن الله عز وجل وبما وهب الله لك ومرضية من قبل الله سبحانه وتعالى . فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ما قال عودي وارجعي وادخلي الجنة حتى تكون مع العباد الصالحين وإنما جنتي وعبادي نوع من التقريب والإلصاق من قبل الله عز وجل لهذه النفس المطمئنة هذا ليكن منطلق حديثنا عن موضوع{الرضا} رضا الانسان النفس الراضية لأنها إذا كانت نفسًا راضية ستكون نفسًا مرضية من قبل الله عز وجل مقدمة رضا الله عز وجل عن الإنسان أن يكون الإنسان في مقام الرضا عن ربه سبحانه وتعالى وهذا الرضا له شعب متنوعة له أطراف متعددة.
أطراف الرضا :
الطرف الأول عن الرضا ، الرضا بالتكاليف والاحكام
    الله سبحانه وتعالى علم أن هذا الإنسان لكي يتكامل لابد أن يختار له أشياء معينة ،برامج معينة فاختار الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان أنبياء ثم زودهم بالكتب ثم أعطاهم الشريعة لكي يوصلوها إلى هذا الإنسان لطفًا من الله عز وجل لهذه البشرية ،فاختار لهم أحكامًا واختار لهم أنبياء واختار لهم أوصياء واختار لهم مسارًا وينبغي أن يرضى الإنسان بما قسم الله له في هذا المستوى ليس لأحد الاعتراض على الله فيما اختار الله له بل ينبغي أن يكون راضيًا : ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ ))

في آية اخرى :  (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
    ليس فقط استجابة لأوامرك يا رسول الله وإنما لاتكون عندهم حتى أدنى حسيكة في داخل قلوبهم ، كأن يقولوا : لماذا  فعل النبي هذا ؟ ولماذا قام بهذا العمل؟ ولماذا عين ابن عمه؟ ولماذا جعل المسالة في أهل بيته؟ ولماذا خص هذا الغلام الصغير بما خصه به دون بقية أصحابه الكبار؟
وهذا ماينقل على مستوى التفسير في قضية أن بعض المسلمين كانوا رافضين ولو على مستوى الموقف النفسي لموضوع تولية أمير المؤمنين عليه السلام في قضية الغدير ونقل أن بعضهم احتج على رسول الله {صلى الله عليه وآله} أنه هل هذا الأمر هو أمر اجتهادي من عندك؟ أو أنه أمر إلهي لا مفر منه؟
فاول أنواع الرضا هو الرضا عن الله عز وجل في عبوديتنا له وفي إرساله الرسل وفي إيجابه الواجبات . فأحيانا قسم من الناس يعترضون لماذا هذا الحكم شرعه الله؟ لماذا شرع الله هذا الحكم؟ فيه عسر؟  فيه صعوبة؟ وهو في رأيه مخالف للعقل {هذا ليس من علامات الرضا} ولذلك أدبنا أئمة الهدى عليهم السلام على ممارسات معينة من المفروض أنها تصنع الرضا في مرحلة الرضا بالعقائد والاحكام والتشريعات . نجد هذا عندنا في أدعية الرضا مثلًا يستحب كما ورد في رواية عن الإمام الجواد {عليه السلام} ورويت عن الإمام أبي عبد الله الصادق{عليه السلام}
أن الإنسان إذا سمع المؤذن يؤذن ووصل إلى {أشهد أن لا إله إلا الله} يستحب للإنسان السامع للأذان أن يقول على أثر ذلك {رضيت بالله ربًا وبمحمدٍ نبيًا{اللهم صل على محمد وآل محمد} وبعليٍ إمامًا وبالمعصومين أئمة }هذا وارد في هذا المكان وسأنقل لك عدد من الأحاديث في هذا المعنى ثم أرجع إلى التعليق عليها.
     في روايةٍ أخرى صحيحة السند عن الإمام موسى بن جعفر {عليه السلام} أنه إذا انتهى الإنسان من صلاته وهوى إلى  سجدة الشكر يستحب له أن يذكر دعاء الرضا {رضيت بالله ربًا وبمحمدٍ نبيًا وبالقران كتابًا وبالكعبة قبلة وبالصلاة فريضة وبعليٍ إمامًا وبالحسن إمامًا والحسين إمامًا وعلي بن الحسين وهكذا إلى آخر الأئمة…..
اللهم إني قد رضيت بهم أئمة فرضني لهم}
يعني اجعلني أنا مرضي من قبل هؤلاء كما أني رضيت بهم  هذه أيضًا رواية ثانية ، وهذا ما أشرت له ربما في بعض المواضع أنه في السابق رحم الله آباءنا وأجدادنا الماضين وحفظ الله الموجودين منهم كانوا يعلمون مايسمون الاثنى عشر حسب التعبير المتعارف كما يعلمونه الفريضة ولا يتركونه يقوم إلا بعد أن يسبح تسبيحة الزهراء{عليها السلام} ويقرأ حسب تعبيرهم {الاثنى عشر}التي هي منشؤها هذه الرواية الصحيحة عن الإمام الكاظم {عليه السلام} التي فيها يبرز الإنسان المؤمن رضاه عن عقائده واعتقاده بأئمته {صلوات الله وسلامه عليهم}هذا مورد ثاني وارد فيما يسمى بدعاء الرضا .
      مورد ثالث عندما يغادر الإنسان  هذه الدنيا وينزل إلى قبره هنالك رواية صحيحة عن زرارة بن أعين الشيباني عن الإمام {عليه السلام} يذكر فيها أنه إذا صار الميت في قبره يستحب أن يدني الملقن فمه من أذن هذا المتوفي ويقول له :
{قل رضيت بالله ربًا وبمحمدٍ نبيًا وبالقرانِ كتابًا وبالكعبة قبلة وبالإسلام دينًا وبعليٍ أمامًا والحسن والحسين ويتلو ذكر بقية الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم} هذا رضا الإنسان عن العقائد والتشريعات التي سنها الله سبحانه وتعالى عليه.
   هنا  سأفتح بين قوسين فقط هذه أيضًا من الأدلة التي يسوقها علماؤنا حول موضوع النصوص على إمامة الأئمة الاثني عشر صلوات الله وسلامه عليهم ذلك أنه يوجد رأي عند أتباع مدرسة الخلفاء أن أهل البيت هم أناس طيبون وعلماء صالحون ومحدثون صادقون هذا المقدار فقط  طبعًا لأنهم يعتقدون برواية المعصومين فلا يعترفون بإمامتهم وأيضًا يضعفون ماورد عن رسول الله {صلى الله عليه وآله} من أحاديث النص فينتهي الأمر .
    هناك الآن في داخل المجتمع الشيعي من يطرح نظريات تنتهي إلى نفس الفكرة التي هي موجودة لدى مدرسة الخلفاء ويقول هؤلاء علي بن أبي طالب والحسن والحسين وزين العابدين هؤلاء ليسوا منصوبين من الله ومنصوص عليهم من الله وإنما هم كما يقولون  علماء أبرار طيبون أوثق الناس أعرف الناس بما كان لدى رسول الله {صلى الله عليه وآله}من الأحاديث فهم طريق جيد للتعرف على حديث رسول الله وشريعته بهذا المقدار ،أما منصوص عليهم ومنصوبين من قبل الله كأئمة خاصين ومستقلين فلا.
وبعضهم يزيد في ذلك أنه حتى الأئمة أنفسهم ما كانوا يتعاملون مع أنفسهم على أنهم أئمة منصوبين وإنما يتعاملون مع أنفسهم على أنهم علماء وهذا طبعًا فيه إغفال لكثير من الروايات الواردة في هذا المعنى ومنها هذه الروايات يعني نحن نقلنا الآن في هذه الدقائق روايتين صحيحتين تتحدث عن علي والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة {عجل الله تعالى فرجه الشريف} باعتبارهم أئمة ، باعتبارهم ماذا؟ أئمة وهذا التعبير له ظلال خاص في الاحاديث الشريفة.
فهذا بالإضافة إلى ماتشير هذه الروايات عن موضوع الرضا عن الأحكام والرضا عن التشريعات والرضا عن العقائد تشير إشارة مباشرة إلى قضية النص والتنصيب لأئمة أهل البيت عليهم السلام ، فأنا أرضى بهؤلاء ليس بأي اعتبار وإنما باعتبارهم أئمة بهذا التعبير وبهذا التحديد فأول ما يرتبط بالرضا وأحد شعب الرضا هو الرضا عن المنظومة العقائدية والتشريعية من قبل الله عز وجل.
و هناك قسم من الناس لايرضون إما مثلًا يحتج و بعضهم يقول ما هؤلاء ؟ وما الذي فضلهم على غيرهم هؤلاء أهل البيت حتى يصبحون خلفاء النبي {هذا وربك يخلق مايشاء ويختار} فالأمر ليس باختيارنا { إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} لماذا اصطفى  اذهب و اساله؟  فنحن قد وصل إلينا  خبر أن الله سبحانه وتعالى قد عين هؤلاء . وهكذا بالنسبة للتشريعات ،الواجبات والاحكام لماذا شرع الله هذا الحد الكذائي ؟ لأنه أعلم بما يصلح البشر فنحن نرضى بذلك . لماذا قال أن الواجب هو كذا في المال وكذا في الوقت وكذا وكذا في الصلاة وكذا في الزكاة وكذا في الحج ؟ قد نعرف فلسفته وحكمته وقد لانعرف ولكن نرضى ليس فقط نستجيب فالمطلوب ؟ {حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت} (شيء من الضيق أيضًا ما لازم تكون تبلغ مستوى الرضا عن الامر).
هذه الشعبة الاولى في قضية الرضا
الشعبة الثانية: مايرتبط بالرضا عن العطاء الإلهي والرزق : في  هذه الدنيا الله سبحانه وتعالى قدر أرزاق الخلق والعباد وعلم مايصلح كل أحد فأعطاه (وكل شيء عنده) ليس عبثًا لا وإنما (بمقدار ) . فالله سبحانه وتعالى لم يؤخر عنك مالًا لبخل عنده ولم يجعل المال لذلك الشخص لمصلحة خاصة وإنما قدر في هذا الكون أقوات الكائنات ليس فقط  بالنسبة لك أنت أيها الانسان ، بل أقوات الكائنات ، طعام الكائنات ، رزق الكائنات : ۞ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (
    كل شيء في كتاب وحساب ومقدار وميزان يجري على أساس الحكمة الإلهية والمعرفة بكل شيء . إذا صار الأمر هكذا  فلو أخر عني شيء من الرزق فلا ينبغي أن أعترض ولو زادني في وقت آخر أكون شاكرًا وإن أخر عني أكون شاكرًا وراضيًا . وهذا مع الأسف قد نجد له نماذج غير حسنة تنتهي إلى كفران الإنسان فيتبرم ويتسخط ويتضجر ،من قبيل لماذا لا يعطيني الله كذا ؟   ولماذا لا ينعم الله علي بكذا ؟ إلى متى ؟ غير كذا وكذا. وأنا ليس عندي شيء . هذه الحالة من التبرم ومن التسخط لا تتناسب أبدًا مع رضا الإنسان بعطاء الله عز وجل ورزقه وليعلم الإنسان أن ما كان قد أتاه لمصلحته وماكان قد حجب عنه حجب عنه لمنفعته وبحكمة ربه . فأحيانا هذا الإنسان قد  لا يعرف نفسه ،الله يعرف : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ
 فالله يدري أنا الذي رزقني ألف ريال إذا زادت ريالين أفرط فلا  أرض تقلني ، ولا أتحمل هذا القدر من المال ظرفي ،وضعي ،مستواي بهذا المقدار . فدولاب السيارة أحيانًا له حد معين أنت تنفخ فيه تنفخ فيه وتوصله لحد  منتهي فلو تزيده ١٠ درجات أخرى فإنه ينفجر . والإنسان هكذا  يعطى نعمة بمقدار معين له هذا المقدار كان يصلحه ، وأكثرمن هذا يضيع دربه فيخلط الماء والزيت حسب ما يقولون . فإذا أخر الله عني شيئا لاينبغي أن أكون متسخطًا ولامتبرمًا ولاضجرًا وإنما أقول الحمدلله على ماأنعم وله الشكر على ماألهم كما تقول سيدتنا الزهراء {صلوات الله وسلامه عليها} .
هناك شعبة ثالثة وهي شعبة الرضا بما يفد على الانسان من المصائب والمشاكل : هناك رضا في المرحلة الأولى قلنا رضا بالعقائد والأحكام والتشريعات ، ورضا بالرزق والعطاء الإلهي والقسمة ، قسم الله لك هذا العدد من الأولاد هذا الذي يصلح لك ثلاثة قسم لك ذكورًا أو إناثًا ثلاثة : يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}

رابط المادة: http://iswy.co/e27eug

أو يزوجهم يعني يعطي من هذه ومن ذاك أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا . وكل ذلك يجري لا بخل من عند الله عز وجل ، ولا لغفلة منه ، ولا لعدم حساب ، فكل شيءٍ عنده بمقدار هذا في الرزق . الرضا يرضى الإنسان ويرضى أيضًا فيما قد يفد إليه من المصائب والمشاكل . إذا عرف الإنسان من البداية أن هذه الدنيا أساسًا ليست دار استراحة  ،ولو كانت دار استراحة فهي مخلوطة إن أنصفك الدهر كما قال ذلك الحكيم {إذا أنصف معك الدهر،فيوم لك ويوم عليك}
أما إذا ما أنصفك ماذا سيحدث ؟  هذه الدنيا لم تخلق من أجل راحتك فيوجد مكان وحيد خلقه الله لأجل الراحة إذا تبحث عن الراحة فابحث عنه وهو جنته نسأل الله أن يرزقكم وإيانا جنته ونعيمه ، هذه الدنيا مخلوطة حلوها بمرها وصفوها بكدرها وآنئذٍ ستأتي إليك المصائب والمشاكل والقضايا المحرجة والفقر وغير ذلك وأنت ينبغي أن يكون موقفك في كل ذلك موقف الرضا إن جاء غنى الحمد لله رب العالمين نحن راضون بذلك ، وإن جاء فقر الحمد لله رب العالمين نحن صابرون عليه ،إن جاءت صحة فكذلك ، وإن جاء مرض فكذلك .
   نقلنا في بعض الأوقات حوار كان بين الإمام الباقر{عليه السلام} وبين جابر بن عبدالله الأنصاري، جابر توفي سنة ٧٠للهجرة على المشهور بعضهم يقول فوق هذه المدة وأدرك الامام الباقر{عليه السلام}وهو صغير السن يعني إذا كان الامام الباقر{عليه السلام}في سنة ٦١ للهجرة من أبناء ٣ سنوات فعمره في سنة ٧٠ للهجرة بحدود ١٢ سنة تقريبا ونقل جابر للإمام الباقر{عليه السلام}سلام النبي وهذا المعروف في أحاديث الإمامية وأخبره أنه تحدث النبي عن محمد بن علي باعتباره أنه {يبقر العلم بقرًا}
الإمام الباقر {عليه السلام}كان يحترم جابر الأنصاري لصحبته لرسول الله أولًا و هو شاب صغير فكان عمره ١٧-١٨ سنة كان مع رسول الله {صلى الله عليه وآله} حتى  وفاته . ومن الذين لم يغيروا ولم يبدلوا وبقوا على إخلاصهم لآل البيت {عليهم السلام} فهذه لجهة يستحق فيها الكرامة والجهة الأخرى حسب تعبيرنا للتبادل المعرفي .فالناس كانوا يتصورون أن الباقر كان يأتي ويتعلم من جابر بن عبد الله حديثه عن رسول الله ولهذا أتباع مدرسة الخلفاء عندما ينقل الإمام الباقر{عليه السلام} حديثًا عن رسول الله {صلى الله عليه وآله}يعتبروه متصلًا ؟لأنه رأى جابر الأنصاري وجابر الأنصاري صحابي فيقولون أن جابر نقل له هذا الحديث والباقر حفظ هذا الحديث وينسبه إلى رسول الله لكنهم لايقولون هذا بالنسبة للإمام الصادق مثلًا.
والحال كما هو في رواياتنا أن جابر على جلالة شأنه وعلى علو منزلته إنما كان يتعلم من الإمام الباقر لاعتقادنا أن الأئمة المعصومين {عليهم السلام} كانوا بحور العلم التي لا تنزح . في إحدى هذه الحوارات كما ورد في كتبنا الإمام يسأل جابر يقول له كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والموت خيرٌ لي من الحياة والمرض خيرٌ لي من الصحة والفقر خيرٌ لي من الغنى، كأنما هذه الجهات لان فيها جهات ابتلاء أكثر فيتحصل الانسان ثواب أكثر إذا مرض فهو يحصل على ثواب أكثركما هو في حال الصحة كما في رأي جابر إذا صار فقيرًا فهو يحصل على أجر أكثر مما لو كان غنيًا فجابر يفضل هذه الجهات على جهات الرخاء ، الامام الباقر{عليه السلام} وهو في ذلك السن قال له ياجابر: لكنا أهل البيت لسنا كذلك ،قال كيف أنتم أهل البيت ؟ قال: (إن اختار الله لنا الحياة أحببناها ورضيناها وإن اختار لنا الموت رغبنا فيه ، إن اختار لنا الفقر رضينا وإن اختار لنا الغنى رضينا وإن اختار لنا المرض رضينا وإن اختار لنا الصحة رضينا في كل الأحوال ). نحن راضون بما رضي الله تعالى لنا فهذا يعد
أعلى درجة يصل لها الإنسان أن يفوض أمره ويسلم شأنه إلى الله عز وجل ويعتمد على أن الله سبحانه وتعالى إذا وجه له  بلاء فإن هذا البلاء لا يدوم .
    بعض الآثار كما في الشعر فيها هالحالة من التوكل
كن عن أمورك معرضًا       كل الأمور إلى القضا
فلربما اتسع المضيق         وربما ضاق الفضا
ولرب أمرٍ مسخــــــــــط          لك في نهايته الرضا
الله عودك الجميـل       فلا تكن متعرضا
     مادام الله يفعل الجميل { يامن أظهر الجميل و ستر القبيح} الله يصنع هكذا فأنت حتى لو مرت عليك برهة من الزمان فيها إزعاج فيها ضيق فيها مشاكل فإن الله سبحانه وتعالى يثيبك على ذلك وهو أعلم بحالك من نفسك بنفسك ، هذا إذن الأمر الثالث {الرضا فيما يفد على الإنسان من مشاكل وقضايا يلخص كل هذه المعاني لنا .
حديث عن الامام زين العابدين {سلام الله عليه} يقول {اللهم صل على محمد وآل محمد وطيب بقضائك نفسي}
فإذا جاءني قضاؤك فاجعل نفسي طيبة بهذا القضاء ووسع بمراقع حكمك صدري . إذا حكمت علي حكم معين كان يجب أن  أتقدم فتأخرت ، كان يجب أن يرقوني فنزلوني كان يجب أن يكافئوني فطردوني من الشغل كان يجب أن أكون صحيح البدن فصرت الآن عليل البدن هذا يحتاج شرح للصدر وتوسعة للصدر . فالإمام يقول يارب وسع صدري بمواقع حكمك حتى استقبل هذه الأمور بصدر منشرح واسع وأستوعبها {وهب لي الثقة لأقر معها بأن قضاؤك لم يجر إلا بالخيرة}
اجعلني يارب واثق ، أنت يارب أعطني الثقة، الثقة بماذا ؟ بأن الذي جرى علي لم يجر إلا بالخير علي واجعل شكري هذا جدا مهم .  فأعظم النعم علينا نحن لا نلتفت لها لعلك أنت ملتفت وأنا لم أكن ملتفتًا يقول
{واجعل شكري لك على مازويت عني أوفر من شكري اياك على ماخولتني}
فإذا أراد أحدٌ أن يحمد ربه ماذا يقول ؟ الحمدلله رب العالمين. أنا إنسان متدين عندي وظيفة ، عندي رزق ، عندي زوجة، عندي بيت ،عندي أولاد عندي شخصية اجتماعية .هذه النعم الظاهرة عند الإنسان لاتساوي شيئًا أمام ما زوى الله عنك من أخطار فأنت في كل لحظة من اللحظات مهدد بالفناء صحيح أو لا؟ ولكن الله سبحانه وتعالى حرسك وحفظك وجعل لك كذا ملك حواليك يحفظونك { له معقبات من بين يديه ومن خلفه  يحفظونه من أمر الله} يعني هؤلاء  الحفظة  الخاصين بك ، هذا غير الحفظ العام بعد قليل نتطرق للحفظ العام.
فالحفظ الخاص لك مجموعة من الملائكة يحيطونك ويحفظونك من أمر الله ، يدفعون عنك الشر ، يدفعون عنك الأذى ، يدفعون عنك الموت و يدفعون عنك المشاكل كل ذلك من أمر الله معقبات بين يديك من خلفك يحفظونك من أمر الله يعني بأمر الله هذا الحفظ الخاص .
أما الحفظ العام فهو حفظ هذه الكرة الارضية ، فالعلماء يقولون أعداد هائلة من الكواكب الأخرى من النيازك من الشهب من غير ذلك لولا أن الله صنع حزام أمان حول هذه الأرض لتفلشت هذه الأرض وقد وضع كل ذلك من أجل خدمتك وحراستك وحمايتك فأنت ضمن المجموعة البشرية محفوظ ، وفي نفسك خاصة أيضا محفوظ هل التفت ذات يوم صباحًا أن تقول يارب أنت حفظتني كما في دعاء عرفة {وحفظتني وكلأتني من طوارق الجان وحفظتني من الزيادة والنقصان } في دعاء الإمام الحسين {عليه السلام} هل تبادر إلى ذهننا من الصباح حين نأكل أن نقول الحمدلله الذي رزقني الطعام واضح أمامنا ، لكن أن نقول يارب أنت حفظتنا من المشاكل ، من الاستئصال ، حفظتنا في أن وفرت لنا الأمان فنحن لم نصبح طحين حرب مدمرة ونحن نروح فيمايقولون مجموع المخترم الاموات المخترمين اللي بلا حساب ولا كتاب ولا   يذكر الإنسان هذا  أصلًا ، حفظك الله سبحانه وتعالى من كل هذه الأخطار فإذن يتوجه الإنسان بالحمد لله والرضا عن فعل الله عز وجل بمثل هذا، إلى آخر دعاؤه صلوات الله وسلامه عليه قبل أن ننهي الحديث أشير إلى مسالة أنه مادام هكذا ، لماذا لايرضى الإنسان ؟ نجد أناس ساخطين بالفعل ويظهر هذا السخط يظهره على لسانه بكلمات يقشعر له بدنك ، لماذا قسم من الناس لا يرضون؟ حالة الرضا لماذا غير موجودة عند هؤلاء ؟ أسباب متعددة أشير إلى بعضها
أسباب عدم الرضا:
السبب الأول: اعتقاد بعض الناس أن لهم حقًا على الله مستحقًا :
    فقسم من الناس يتصور أن له حق على الله كان  يجب أن يغنيه وكان يجب أن يعطيه الصحة ويجب أن يوفقه في عمله ويجب أن يجعله كذا وكذا ..... من أين أتيت بهذا الحق ؟ هل عندك دين على الله وجئت كي تستوفيه ؟ أو عندك اتفاقية معه تأتي بي إلى هذه الدنيا بشرط أن تصنع بي كذا وكذا وكذا ، فإذا ما أعطاك  تقوله أنت يارب أخلفت الاتفاق قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ
   لاهذا ولا ذاك وليس لك أي حق على الله ! فاذا أعطاه شيئًا فهو فضلٌ من عنده وإذا حرمه من شيء آخر فلا حق له في المطالبة لا تتصور كما يتصور بعضهم ، فبعض الناس يتصور مثل مايتصور العلاقة بينه كطفل وبين والده يقول والدي له حق علي يصرف علي يجب أن يشتري لي ، يجب أن يطعمني فإذا يوم من الأيام لم ينفذ له هذه الطلبات يغضب  عليه ولا يرتاح منه . أنت لست كذلك مع ربك ، ليس لك حق على الله سبحانه وتعالى وإنما هو صاحب الحق الكامل والفضل الكامل ، إن تفضل فمن عنده وإن منع فلا حق لك في مطالبته أبدًا، قسم من الناس يخطأ هذا المعنى يتصور له الحق وأحيانًا أكثر من هذا .
      لماذا ينشأ الحسد عند قسم من الناس ؟  لأنه يتصور أنه له الحق وهو أولى الناس أيضًا لا بد أن يكون أغنى الناس وأسعد الناس وأحسن الناس لماذا صار لغيره هذا الأمر إذن يجب أن يحتج على الله ، عليه ألا يرضى عن هذا الأمر كلا ليس لك في المطلق ، ليس لك حق على ربك بل ربك له الحق الكامل عليك هذا أحد الأمور .
السبب الآخر كثرة المقارنات والمقايسات :
   كثرة المقارنات عند بعض الناس تنتهي بهم إلى مثل هذا الأمر فيقول فلان عنده كذا، فلانة عندها كذا ، هذا مُنَعم ذاك معطي هذا غني هذا غير ذلك هذا قوي هذا ذو صحة ، هذه المقارنات تجعل الإنسان لايرضى عما عنده من الأمور مع أنه قد يكون لديه أشياء لايملكها هؤلاء الذين ينظر إليهم ويقارن نفسه بهم . 
     نقرأ في زيارة أمين الله ( الزيارات ليس فقط توجه بالتحية للإمام المعصوم وإنما هي أيضا معاني عقائدية) رزقنا الله وإياكم زيارة أمير المؤمنين ، في زيارة أمين الله نقول  {اللهم فاجعل نفسي مطمئنةً بقدرك راضيةً بقضائك محبة لأوليائك محبوبة في أرضك وسمائك صابرة على نزول بلائك} وما أروع الرضا إذا صار في هذه الصفوة الراضية المرضية التي اجتباها ربنا سبحانه وتعالى فأثبتت بسلوكها للناس أن الاختيار في محله لولا أن النبي المصطفى {صلوات الله عليه وعلى آله} كان بهذا المستوى العجيب من الرضا عن الله سبحانه وتعالى كما ينقل في أحواله عندما ذهب إلى الطائف { أنت رب المستضعفين وأنت ربي مليك   أمري } وأمير المؤمنين أيضًا كذلك . برهن هؤلاء لنا على أنه لو كان هناك في البشرية أعظم من هؤلاء لاختارهم الله سبحانه وتعالى لكن لا يوجد . فهذا الإمام الحسين {سلام الله عليه} في اليوم الأول الذي يخرج فيه من مكة ماذا يقول {رضا الله رضانا أهل البيت} فنحن في وقتٍ سابق تكلمنا عن هذه الجملة وقلنا أنها ذات معنيين ، أحد هذين المعنيين ينسجم مع حديثنا وهو أن ما يرضى الله لنا نحن نرضاه ونرحب به سواءً كان فيه موتنا أو حياتنا . وهذا نفس المعنى الذي تقوله زينب عليها السلام : ( هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم) بادروا مسرعين .
   هذا اليوم الذي خرج من مكة المكرمة ويوم الذي سقط على الأرض صريعًا من على ظهر جواده ماذا يقول { إلهي رضا بقضائك وتسليمًا بأمرك لامعبود سواك} هاتان الجملتان ما بين مكة ويوم العاشر اختصرت كل الرضا عند أبي عبد الله الحسين {سلام الله عليه} رضي بأن يقتل في سبيل الله عز وجل ، وأن تطحن جناجن صدره بحوافر الخيل ، وأن تبقى جنازته وجثته الشريفة معطلة ثلاثة أيام { إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى } نحن ننتظر رضاك يارب ونحن راضون عنك {رضي الله عنهم ورضوا عنه} .

 

مرات العرض: 3441
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2555) حجم الملف: 61724.89 KB
تشغيل:

7الأخوة في أبعادها النسَبية والايمانية
7 معرفة الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه