12 المراهقة المرحلة الحرجة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 12/1/1438 هـ
تعريف:


المُراهَقة المرحلة الحرِجَة

تفريغ نصي الفاضلة أم أحمد
مِن كلامٍ لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام أرسله لِولدِه الإمام الحسن عليه السلام : ( وجَدْتُكَ بعْضي بلْ وجدْتُكَ كُلِّي ، حتى كأنَّ شيئاً إذا أصابكَ أصابني ، وكأنَّ الموتَ لو أتاكَ أتاني ، فعَناني من أمركَ ما يعْنيني من أمرِ نفسي ، فكتبْتُ إليكَ مُستَظْهِراً به إن أنا بقِيت أو فَنِيت فإني أُوصيكَ بتقوى الله أيْ بُنَي ولُزومِ أمرِه ، وعِمارَةِ قلبِكَ بذِكرِه ، والاعتصامِ بِحبْلِه ) صدق سيدنا ومولانا أميرُ المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ... حديثنا يتناول موضوع مرحلة المراهقة ، تلك المرحلة الحرِجة في حياةِ من يصِلُ إليها : وصفها _ حلول بعضِ مشاكلها ..
هذه الرسالة أرسلها أمير المؤمنين بعد مُنْصَرَفِهِ من صفين .. من الجهات المهمة في هذه الرسالة :

1/ المعنى التأريخي : وهو أنها مُوجَّة لابنه الحسن عليه السلام وقال له : ( وجَدْتُكَ بعْضي بلْ وجدْتُكَ كُلِّي ) . هذا تعبيرٌ عن أنك تُشابِهُني  وتعادلني ، وأنت كأنك أنا ، أنت كُلي ، لست بعضي ، وهذا ردٌّ على الأقلام التي كَتَبت في المرحلةِ الأموية والعباسية في مُحاولةٍ للإساءة للإمام الحسنِ بنِ علي الزكي عليه السلام ، نعلم أن الصراع الذي خاضَهُ الإمام الحسن عليه السلام مع الأمويين مُمَثَّلينَ بِمعاوية كان شاملاً واسْتُخْدِمَتْ فيه كل الأدوات ، الأمويون كما اغتالوا شخص الإمام الحسن عليه السلام بالسم ، حاولوا أن يغتالوا شخصيتَهُ بإشاعة ما لا يُناسِبُ هذه الشخصية ، ومن ذلك ما أشاعوهُ من مُخالَفتِهِ لأبيهِ عليه السلام ، وهذه الروايات موجودة إلى الآن في الكُتُب التأريخية المُتأثِّرة بالمنحى الأموي من أنه عليه السلام كان مُخالِفاً لأبيهِ في حثروبِه ، وهذا المعنى لصالح الأمويين سواء أضَرَّ بالإمام علي أو بالإمام الحسن عليهما السلام ، يَزعُمون بأنه احتج على أبيهِ في حربِ الجمل وصفين ، وخالَفَهُ في غير ذلك .. العباسيون كذلك نظراً لأنهم كانوا يعيشون صِراعاً مع أحفاد الإمام الحسن عليه السلام ، أكثر الثورات الهاشمية ضد العباسيين كان يقودها أبناء الإمام الحسن وأحفاده  ؛ لذا تكلَّموا بالسوء في جدهم الإمام الحسن عليه السلام وأشاعوا كلاماً غيرَ مُناسِب عنهُ ، هذه الرسالة الواردة بعد صفين في أواخر سنة 38 إلى 39 هـقبل استشهاد الأمير بسنتين تقريباً ، يعبر فيها عن أنه يُمثِّلُهُ تمثيلاً تاماً ، وتأخذ شخصيتي بشِكلٍ كامل .. وهذه تثبت عكس هذه الإشاعات الأموية والعباسية ..
2/ المعنى التربوي : وهو أنه عندما وجَّه هذه الرسالة الوعْظِية والأخلاقية إلى الإمام الحسن وهو في ذلك الوقتكان بعمر 34 سنة ، متزوج وعنده أولاد ، وعنده حالة من الاستقلال الحياتي والشخصي عن أبيهِ أمير المؤمنين عليهما السلام ومع ذلك وجهها إليه ، وفي هذا توجيه لنا أن لا نقول : بأنه عندما يستقل أبناؤنا في حياتهم الشخصية فنحن لا شأن لنا بهم ، كلا ، أميرالمؤمنين مع أن ابنه الحسن اسمٌ على مُسمَّى وبعد زمنٍ بسيط سيُصبِح الإمام المفروض طاعتُه على الخلق ، إلاأن هذا لم يمنعْهُ عليه السلام من أن يُوجهَهُ ، فالتوجيه والتربية لا تقتصر على الأطفال ، ولا المُراهِقين ، ولا الشباب ، وإنما تمتد لفترة متأخِّرة كما فعل الإمام مع ولدِهِ الحسن عليهما السلام ..
المُراهقة من المواضيع المهمة دائماً ؛ لأن الرجل إما أن يكون والِداً فهو بحاجةٍ للتعرُّف على هذه المرحلة التي سيصلها ولدُه في وقتٍ من الأوقات ، أو أن يكون شاباً في طور النمو فهو سيمُرُّ في هذه المرحلة ، وبالتالي فالتعرف عليها وعلى أجوائها  ، يُمكِّنُنا من تجنُّبِ عثَراتِها بِشِكلٍ جيد وأفضل مما لو كنا جتهلين وغير عارفين بها .
تعريف المراهقة عند عُلماء الاجتماع والباحِثين :  
من ناحية الزمان : هي حالة يصلها الانسان من سِن 14 إلى 21 بالنسبة للشاب وقد تسبق هذه الفترة بالنسبة للشابة ،نظراً إلى أن المراهقة تترافق مع البلوغ الذي هو عبارة عن تغيُّرات بدنية في الشاب كنبوت الشعر الغليظ في مواضع خاصة في البدن ، لا سيما في منطقة العانة أو بلوغ سن 15 للشاب ، أو الاحتلام ، وهو إما بإخراج أو استدعاء السائل المنوي عبر العبث بأعضائه التناسيلة وهذا أمرٌ مُحرَّم من الناحية الشرعية على الشاب والفتاة ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه عندما أُوتي بشابٍّ عبِثَ حتى أنزَل _ استمنى _ فضربه عدة ضربات على كفِّهِ كنوع من العقوبة ، ثم أمر بتزويجِهِ .. والبلوغ عند الشابة يكون بإكمال 9 سنوات على المشهور  ، وعلامة أخرى هي خروج دم الحيض من العادة الشهرية .. وفي هذه المرحلة يكون قادراً على الإنجاب والتوليد سواء كان ذَكَراً أو انثى ..
أما المراهقة فهي حالة أوسع من ذلك ، وتستمر لفترة أطول  ، قد تصل إلى 4 أو 5 سنوات ، وتختلف باختلاف الأشخاص ، وهي كذلك تغيرات ليست بدنية فقط ، وإنما تغيُّرات عاطِفِية ، شخصية متنوِّعة الاتجاهات .. وينبغي أن يُلاحِظَها الوالدان وأن يَعِيَا هذه التغيُّرات ؛ حتى يتعاملا معها بشكلٍ سليم .. مما يُذكَر في هذه المرحلة أنها

1/ مرحلة العواطِف المُلْتهِبة في أكثر من اتجاه ، في اتجاه الصداقات والعداوات ، فمشاعره تذهب بشكلٍ حادٍّ وقوي باتجاه الصداقة والحب أحياناً ، وأحياناً باتجاه العداوةِ والكُرْه ، ويلاحظ الوالِدان تصرفاتٍ غير طبيعية ، مثلا : كثرة الجلوس والمقام مع الأصدقاء لفتراتٍ طويلة ، ونفس الكلام يحصل بالنسبة للفتيات .. هذه مشاعر الحب والصداقة مُبالغ فيها في هذه الفترة في حالة منشبه عدم الوعي ، فهم لا يعتَبِرون أن هذه المسألة غير طبيعية ، فقط الأب والأم هما مَنْ يُلاحِظ ذلك ويتعجَّبان ويتساءلان فيما بينهما عن سبب هذا الجذْب ... وفي الكراهةِ والبُغْض أيضاً كذلك ، فأحياناً قد تحدُث معارك بينهم ؛ لأنه مثلاً أخذ صديقه المُقرَّب منه فاشتعل في داخِلِه فتيل الغضب والكراهية بشيءٍ غير مُصدَّق .. في الجانب الجنسي أيضاً هناك نفس المقدار من التوجُّه إلى العلاقات الجنسية ، فالشاب في هذه الفترة يبدأ يتحسَّس المَيْل إلى الجنس الآخَر ، وبالعكس ، ورُبما سلك إتِّجاهاً خاطِئاً ، في مثلِ مُمارسةِ العادةِ السِّرِّيَّة ، أو ممارسة بعض أنواع الشذوذ ، أو ما هُو أسوأ من ذلك ... وبعض الشباب قد يمر بمرحلة المُراهقة وينتهي منها دون أن يفهم أو ينتبه متى بدأت ومتى انتهت ؟
فإذا استطاع الوالدان والمُجتمع استيعاب هذه الحالة فإن الشاب سيمر بهذه المرحلة بسلام  .. لكن لو تم التعامل معها بشكلٍ سيِّء فستتضاعف المشاكل ..
2 / أنها فترة التَّمَرُّد على السائدِ والمألوف ، فالغالب أن الشاب المُراهِق صعب الانقياد ، وهذا ليس عِناداً منه ولا سُوءً فيهِ ، وإنما هو يُفتِّشُ عن موقِع يريد أن يقول للناس : أيها الناس إلتفِتوا أنا عضوٌ جديدٌ في هذا المجتمع ، أوجِدوا لي في زِحامِكم مكاناً ، إذا لم تنتبِهوا لي فسأفعل شيئاً يجعلكم تنتبهوا لي .. فإذا تم استيعاب هذه الفئة في مشاريع طيبة ، نجِد منها إبداعات عجيبة ، كحُماةِ الصلاة والمآتم ، والعاملون في المجالات الاجتماعية قسم كبيرٌ منهم من هذه الفئة ، وهم في هذا المجال سيعملون دون كلل ؛ لأننا بذلك نقول لهم بأن لكم مكانٌ بيننا والناس تعترفُ بكَ وتُشجِّعُكَ وتُثني عليك ، هنا الشباب سيستقر ؛ لأنه حصل على الاعتراف به .. لكن الأغلب في مجتمعاتنا المسلمة _ للأسف _ بالنسبةِ للمُراهِقين يوجد عجز في ابتكار واستِقْطابِ الأفكار ، في بعض الدول الأخرى يُخطِّطون ويبتكِرون أفكاراً ومشاريعَ مختلفة ، بحيث أنها تُشرِك هذه الفئة وتزيدُ نشاطاً .. الشاب المُراهِق إذا وجد نفسه ضائعاً في وسط هذا البحر من البالغين والكبار والأجداد والآباء وأصحاب الشخصيات ، ولم يبقَ لهم مكان ، ولم يلتفت لهم أحد ، فسيسيرُ بالعكس حتى يلفتوا الانتباه .. في الطريق عندما تسير السيارات بخط واحد واتجاه واحد فلن يلتفِت أحدهم للآخر ، لكن عندما تسير سيارة أو اثنتان بعكس الاتجاه فسيلتفت الكل إليهم .. وتبدأ هذه بأمورٍ شخصية كالتدخين مثلاً ، وهذا ليس طَمَعاً بالتدخين نفسه بل إنه يُخالف المألوف لِيلتفِت إليهِ المجتمع ويعترِف به .. أو اللبس والحلاقة بشكل مُعيَّن ، وركوب الدراجة والتفحيط بشكل مُعيَّن .. لا ينبغي أن يُفهم أن هذا الانسان معزول ، بل إن هذه الأفعال من الشاب تُنْبيءُ عن حاجةٍ داخليةٍ لاعتراف المجتمع .. وقد تتطوّر الحالة إلى مُخالفة القانون :  كالسرقة ، فأغلب قضايا السرقة ليست ناجِمة عن حاجة للأموال ، وإنما هي تعبير عن التمرُّد ، ولا سيما إذا استقطبهم بعض ضعاف النفوس مِمَّن يعرِفون هذه المرحلة وطبيعتها واحتياجاتها ، وعدم اهتمام الآخرين بها ، فيستقطبونهم ويُخرِجوا طاقاتهم في هذا الجانب الذي يتماشى مع إرادتِه في كسرِ القانون ومُخالفة القانون وإثباتِ الذات ، بل حتى الحركات السياسية تستفيد من هذه المرحلة عادةً ، فالشاب في هذه المرخلة عنده حالة تمرُّد ونقمة ، فإذا رُفِعَت له بعضُ الشعارات تراهُ يُسارع إلى هذا الأمر  .. وكذلك لو أعطيناهُ مضموناً صحيحاً ونظيفاً ، فسيخدمُنا خدمةً عظيمة .. فحركات التحرر في معظم بقاع العالم تستفيد من مثل هذه المرحلة .. في كرلاء وجدنا لهؤلاء الشبيبة ومَن هم في هذا السن دوراً مُتميِّزاً .. في أيام الدعوة النبوية لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم ، كان يُعابُ عليه أنه خالَفَهُ الشيوخ ، وحالفَهُ الشباب ... في مثل هذه المرحلة كانوا الركن الأساس للدعوةِ النبوية .. اآن شبابنا فارغ من المضمون ، وعنده حماسٌ شديد ومُخالفة للمألوف ، هذه المُخالفة نابعة من مُحاولة إثبات الذات ، فإن أُعطِيَ مضموناً فاسداً ( سرقة -تخريب – تكسير ) سار فيه ، وإن أُعْطِيَ مضموناً صالحاً وهادفاً في المجتمع سار فيه ..
3 / أنها مرحلة الأهواء المُتقلِّبة وعدم الثبات .. الكبار استقرت أمزِجَتُهم ، صار لهم نمط حياة وعلاقات مُعينة قد تثبُت إلى 30 سنة ، لكن الشاب في مرحلة المراهقة لعلَّهُ في كل يوم يتغير ، وهذا التغير نابع من تنازع الطفولة مع الرجولة معه ، وكل طرفٍ منها يُخالف الثاني ، فالطفولة فيها جانب الاعتماد على أبويه توجيهاً ومصروفاً وأنه غير مُحاسَب كثيراً باعتباره طفلاً ، بينما الرجولة خلاف هذا ، فيها استقلال اقتصادي واعتداد بالنفس ؛ لقُدرتِه على تدبيرِ نفسه واتخاذ قراراته ، فالمُراهق ليس بطفل حتى يُعامَل كطفل ، ولا هو رجل ناضج ، يريد من الطفولة أن تُصرف له الأموال ولكن لا يريد منها التوجيه ، بل يريد أن يتصرَّف كما يُحِب ولا يُريد أن يُحاسِبَهُ أحد أو يُعاقبُه أو يُعاتِبُه ، تجاذب بين مقْتَضَيات الطفولة ومُقْتَضيات الرجولة ، وهذا ما يجعله في الة من التغير قد تكون بشكلٍ يومي في بعض الأحيان ، وهذا ما يُحَيِّرُ كثيراً من الآباء في كيفية التعامل معه ، فالأمر الذي لم يقبله بالأمس قد يطلبهُ هذا اليوم ، ما الذي حدث ؟ هي حالة التقلُّب المزاجي .
*كيف يتعامل الوالدان مع هذا المراهق ؟
ينبغي أن لا نعتبر أن هذه حالةٌ خاصَّةٌ به ، التغير المفاجيء في سلوك المراهق من طفل مؤدب إلى شاب عنيد ، هذه حالة حتى الأب مرَّ بها في مثل عمر ابنه بنحوٍ من الأنحاء ، وقد لا يتذكرها ، وكذلك الأم ، وسيمُرُّ بها أخوه ، وابنه وحفيدُه .. فهذه الحالة ليست مرضية تحتاج علاجاً  ، ولا هو سحر ،  كنت تتعامل مع طفلٍ هاديء والآن أصبح مراهقاً مُتمَرِّداً وحسب .. كذلك علينا إبقاء باب الحِوار معه مفتوحاً على مِصْراعَيْه ، وهذا يقتضي أن يُشارك الوالدان ابنهما أو ابنتهما في اهتماماتهما ، فإذا كانت اهتمامات الولد رياضية واهتمامات الأب دينية لم يكُن هناك جامِعاً بينهما ، فعلى الأب أن يتعرف على اهتمامات ابنه من خلاله ، مثلاً : لماذا يا بُني تؤيِّد الفريق الفُلاني ؟ من خلال صول اللاعبين وعلم الفريق وبدلة الرياضة التي يشتريها ، يتحدث معه عن مُميزات وأفراد هذا الفريق ؛ حتى يشعر الابن أن الفاصلة بينه وبين أبيه ليست بعيدة ، بالعكس لو يتحدث الأب مع ابنه في أمور سياسية ودينية مع عدم وجود هذه الميول لدى ابنه هنا سيعتقد الابن أن أبيه من الزمن الماضي البعيد ، لا يفهمان لبعضهما ، حتى لو أراد توجيهه دينياً وأخلاقياً فسيُفكِّر أن هذا التوجيه من الزمن الماضي  .. بعض الشيوخ والعلماء يضطرون إلى مشاهدة بعض الأفلام العادية ؛ لِيتَمكَّنوا من مشاركة أبنائهم ولو بدون إلتفات فقط ليشعروا بأنهم معهم .. ولو رأى شيئاً غير جيد في الفيلم يتناقش معهم في وقتٍ آخر حول هذا الشيء السيِّء في الفلم ويستطيعوا توجيههم .. على الأب إما أن يقترب من اهتمامات أبنائه ، أو أن يُقرِّب أبناءهُ من اهتماماته ؛ لتُصبِح بينهما نقطة حِوار مُشتركة ...  
** الحِوار مع الابناء لا يعني التوجيه والاملاء واعطاء التكاليف والفروض ، هذه كلها من واجبات المعلم ، الحوار هو أن يستشعر الابن أن هناك مساحة يستطيع أن يتحرك فيها من غير تسفيهٍ لِكلامِه ، أنه يستطيع أن يعرِض رأيهُ ، أن هناك كلاماً يستطيع أن يقوله مع أبيه بلا حواجز ، وأن يستمِع الأب إلى ابنه في آرائه وأفكاره وتمرُّداتِه ؛ حتى يتعرَّف حقيقة مُزْعِجات هذا الابن .. المطلوب هو الحِوار لا المحاضرات والتوجيهات ..

يترتب على هذا في الموارد التي يرتكِبُ فيها المراهق خطأً _ وهي كثيرة _ أن يترك له مجالاً للتراجُع ، يفتح لهُ باباً للعودة .. كما فتح االه لِعِبادِه باباً أسماهُ التوبة _ ولله المثلُ الأعلى _ ( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحَا ) .. الله كذلك يطلب منا أن نستر على أنفسنا ولا نقول بما أذنبناه أمام أحد .. باب التوبة هو باب العودة ، فلو فرضْنا أن الله سُبحانه وتعالى أغلق علينا باب التوبةِ _ والعِياذُ بالله _ فهل سينجو أحد من ذلك ؟ كلا
في المعنى العسكري والسياسي يقولون : إذا كان هناك جيشان أحدهما سيتغلبُ على الآخر ، هذا الجيش المُنتصِر إن كان عاقِلاً فسيفتح الباب لهروب الجيش المهزوم ، يترك ثغرة من الثغرات لِمَن أراد الهروب ، ومن الخطأ محاصرَتُه من كل الجهات ؛ لأن هذا الجيش المهزوم لو تأكد أنه مُحاصر ومقتول فسيُقاتل بِكُل ما أُوتِيَ من قوة  ، وكثيراً ماحصل أن هذا الجيش المهزوم المُحاصر يهزِم الجيش المُنتصِر ، وكذلك ابني لو أخطأ يجب أن أفتح له باب العودة والرجوع .. حتى ولوأنكر وكان عندك ما يُثبِت خطأه .. اقبَل منهُ ما يقول وفتح له باباً للعودةِ والرجوع عن هذا الخطأ  . تحدَّث معه بثقَةٍ وحُسنِ ظنٍّ بهِ وبِأخلاقه ، بهذا تبني أخلاقه وتبني جسور العلاقة معه ، وبالعكس لو كذَّبهُ وواجهه فسيعتقد بأن أبيه لن يُصدِّقه أبداً ويستمر فيما كان يفعله ...
النقطة الأخيرة : الاجتناب قدر الإمكان عن المُقارنات بين أبنائنا وبين غيرهم .. مثلاً لو لم يحصل على الدرجات الأولى في المدرسة ، فنصرُخ في وجههِ ونُعَنِّفَهُ ونُقارن بينه وبين أبناء عمه أو أبناء خالهِ .. هذه المقارنة خاطئة على كل المستويات ، مقارنة الزوجة بغيرها سيِّْ .. ومُقارنةِ الزوج بغيره سيِّء ، مقارنة الابن بغيره سيِّء ؛ لأنهم ليسوا زجاجاً مصنوعين في مصنعٍ واحد حتى نريدهم أن يكونوا متماثلين .. أخوان توأمان ولكن قد نجد مستوى الذكاء عند أحدهما أعلى من الآخر .. واحد لديه توجه علمي والآخر عملي  ، واحد سريع الانفعال والآخر بطيء الانفعال وهما توأم ، فلا تنبغي المقارنة ... حسناً لو أراد الابن أن يُقارن بين أبيه المُوظف العادي وبين أبي زميله الدكتور .. أو التاجر أو أو ..... فبِماذا سيُجيبه الأب ؟أصل المقارنة شيءٌ خاطيء ؛ لأن إمكانات الناس وقُدُراتُهم وظروفُهم مُختلِفة .. أحياناً حتى المعلم قد لا يُوفَّق ابني بكونه مع مدرس جيد فيجعل منه طالباً كارهاً للعلم والتحصيل ..  
    

مرات العرض: 3402
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2554) حجم الملف: 61089.38 KB
تشغيل:

إضاءات في التطبيق العملي لمسألة الخمس
7الأخوة في أبعادها النسَبية والايمانية