12الحقوق الزوجية بين خطاب القرآن والقانون والوعظ
التاريخ: 21/9/1437 هـ
تعريف: سلسلة العلاقات الزوجية والاجتماعية الحقوق الزوجية بين الخطاب القرآن والقانون والوعظ كتابة : الأخت الفاضلة امجاد عبد العال __________________________________________________________ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين المكرمين قال الله العظيم في كتابه الكريم: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) لا يزال حديثنا في موضوع العلاقات الزوجية وتحديد الطريقة المناسبة التي يفترضها الدين لهذه العلاقة. وحديثنا في هذا اليوم يتناول هذا العنوان: حقوق الزوجين بين ثلاثة خطابات. الناظر إلى هذا الموضوع يلاحظ أن هناك ثلاثة خطابات لا بد من التفصيل فيما بينها وعدم خلطها وإلا يسوء الفهم. الخطاب الأول: هو الخطاب القرآني الذي يعنى بجانب القيم. هناك قيم ينطلق منها التشريع، هناك مبادئ عامة تشكل منطلقا للأحكام الفقهية، وهذه في الغالب نجدها في القرآن الكريم. كقول الله عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) أو مثل (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أو مثل (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، هذه الخطابات القرآنية وأمثالها تشكل الأرضية التي تنطلق منها التشريعات والأحكام. هذا الخطاب الأول. الخطاب الثاني هو الخطاب الفقهي القانوني التفصيلي: وهو ما نجده في كتب الفقه وفي الرسائل العملية من أحكام يتحدث فيها الفقيه بنحو تفصيلي عما يجب على الرجل تجاه زوجته، وما يجب على الزوجة تجاه زوجها. الخطاب الثالث هو الخطاب الوعظي الأخلاقي، وهذا نجده غالبا في أحاديث المعصومين (ع)، مثل: "لَو أَمَرْتُ أَحَدًا بِالسُّجُودِ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، أو في غير هذا الموضوع، مثل: ما نقل عن رسول الله (ص) من قوله لأحد الشباب: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ". أو ما نقل عن رسول الله (ص) من أنه قال لامرأة أن حق الرجل أكثر بمئة ضعف من حقها، وما شابه ذلك. هذه خطابات أخلاقية وعظية. عندما لا يتم الفصل بين هذه الخطابات يحدث الخطأ. لا بد من التفصيل، ما هو مكان الخطاب القرآني، ما هو مكان الخطاب الفقهي القانوني، ما هو مكان الخطاب الأخلاقي الوعظي. على سبيل المثال، لو أن إنسانا جاء وقال لزوجته: انظري إلى حقي عليك فإن النبي يقول: "لَو أَمَرْتُ أَحَدًا بِالسُّجُودِ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"، يعني انظري أنا منزلتي بهذا المقدار، وأن حقوقي أكثر منك بمئة ضعف، وأمثال ذلك، وهذه موجودة، موجود هذا الحديث في كتب الحديث. لكن هذا الاحتجاج احتجاج خاطئ وغير صحيح. من الناحية القانونية، يمكن أن تقول له: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، كيف أنت أصبحت 100 ضعف في مثل حقي؟ عدم التمييز هذا، ينتهي إلى مثل هذا الأمر. "عطيني فلوس لتربحيها أنت"، "ليش؟"، "لأن أنا حقي أعظم من حقش بمئة مرة". "أنت يا أيها الولد لازم تعطيني أنا الوالد نصف راتبك بشكل مستقيم"، "ليش؟"، لأن الحديث يقول: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ". لكن هذا الاحتجاج غير صحيح؛ لأن منشأ عدم الصحة من أين؟ من أين الخلط بين هذه الخطابات؟ من عدم التمييز. هذا الخطاب لماذا قيل؟ وهذا الخطاب لماذا قيل؟ وهذا الخطاب لماذا قيل؟ متى نعمل بهذا الخطاب؟ متى نعمل بذاك الخطاب؟ الآية المباركة التي افتتحنا بها الحديث: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، أو آية أخرى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) مثل هذا الآية المباركة الأولى أو الثانية، يأتي إليها الفقيه فيستند إليها باعتبار أنها: هي منبع للتشريعات، هي روح للأحكام، هي مستند؛ ولذلك بعض فقهائنا المقلَّدين، عندما سئل عن هل يصح أن يرفع الزوج صوته على زوجته؟ دائما يصرخ عليها، هل هذا صحيح أو لا؟ لا تراه استند إلى هذه الرواية، ما جاء - مثلا - في حقوق الزوجة أن لا يرفع صوته عليها. ولكن استند هذا الفقيه على هذه الآية عندما سئل هذا السؤال، وقال: هذا مخالف للأمر القرآني: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) هي تصرخ عليه، مخالف للعشرة بالمعروف. هو يصرخ في وجهها أيضا مخالف للعشرة بالمعروف: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ)، ليس في كل شيء، فإذا استأذنت هي للخروج، أنا أيضا لا بد أستأذنها، كلا. وإنما الآية المباركة في صدد الحديث، أن الحياة الزوجية لا تعطي جهة كل الحق، وتحرم الجهة الأخرى من كامل الحق. مثل ما هذا له حقوق ويجب عليها الالتزام بهذه الحقوق له، كذلك أيضا هو يجب الالتزام بحقوقها، هذا له حقوق هي تلتزم بها، وهي له حقوق هو يلتزم بتلك الحقوق. نجي إلى الخطاب الثاني، وهو الخطاب الفقهي القانوني، الخطاب الفقهي القانوني خطاب صارم دقيق، لا بد من الالتزام به، وفي موارد التنازع يكون فيصلا. يبين الفقهاء في رسائلهم العملية - وسنقرأ بعض النصوص في ذلك في آخر الحديث إن شاء الله - أن حدود واجبات الزوج للزوجة هي كذا، وحدود واجبات الزوجة للزوج هي كذا، ما فضل عن ذلك هو في دائرة المستحب. طبيعي أنه لا أحد يمكنه وليس من الصحيح أن يأتي ويقول: كفى، أنا الواجب علي هذين الأمرين: الكسوة والنفقة. هذا المقدار هو الواجب علي تجاه الزوجة، أكثر من هذا ليس مطلوبا مني. هي أيضا تقول: أنا واجب علي الاستئذان في الخروج والتمكين الجنسي، أكثر من هذا ليس واجبا علي. وحتى شاع عند بعضهن، أنه تأتي وتتحدث تقول: الشرع لا يوجب علي أن أطبخ، ولا يوجب علي أن أكنس، ولا يوجب علي أن أرتب وما شابه ذلك. صحيح، في موارد التنازع، إذا أحدهم أراد أن يقول: أنني أنا لا ألتزم إلا بما هو واجب علي، الذي يقوله الشرع ألتزم به فقط، هذا ممكن، لكن هذا لا يصنع حياة زوجية؛ لأن أساسا ليس هذا المرجع، المرجع هو الأول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، المرجع هو: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ)، المرجع هو: (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، (بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) هذه هي التي تصنع الحياة الزوجية. نعم بعض الأحيان تكون هناك إشكالات وخلافات، فآتي أنا أحدد مقدار مسؤوليتي: الواجب علي ما هو؟ نعم، واحد: كذا، اثنين: كذا، هذا مقدار الواجب، ليس معنى ذلك، لا أقوم بغيره، الباقي الذي أقوم به هو تفضل، عمل بالاستحباب، رعاية لحق الطرف الآخر. وإلا لو فرضنا أنها قالت: أنا هذا المقدار فقط أوجبه علي الشرع، لم يوجب علي طبخا ولا غسلا ولا كنسا، وهو قال أيضا: أنا أيضا فقط أوجب علي الشرع هذا الأمر: قضية الكسوة والنفقة. هذه لا تنشأ حياة. ينقلون هذا المعنى: أن معنى امرأة قال لها زوجها – مثلا الصباح – أعدي لنا إفطارا، قالت: الشرع لم يوجب علي أن أطبخ لك. حسنا، اغسلي الثياب، قومي بكيها، الشرع أيضا لم يوجب علي ذلك، فقال لها: من قال لك هذا؟ قالت له: العالم الفلاني ابن فلان. يقول: أنه لا يجب على المرأة كذا وكذا وكذا، الواجب عليها أن تستأذن في الخروج وأن تمكنه جنسيا. حسنا، رتب الزوج شؤونه بنحو ما، حتى صار العصر، فقالت الزوجة: أبو فلان أريد أن أزور والدتي هلا أوصلتني إلى هناك. فقال لها: اطلبي من ذاك العالم ابن فلانة يوصلك إلى هناك. فالذي لم يوجب عليك تلك الأشياء، لم يوجب علي أن أوصلك إلى البيت، ليوصلك هو إلى ذاك المكان. وهذه القضية وإن كانت هي طرفة، إلا أن لها معنى، أن بهذا المقدار لا يمكن أن تقوم حياة زوجية. ليس واجبا علي - كزوج - أن أمدح زوجتي، الواجب علي أن أعطي إليها نفقة وكسوة، إطعام وكسوة، أما أن أثني عليها، أتغزل فيها، أقول لها: أنا أحبك، إلى آخره، ليس واجبا علي، فصم بكم في هذه الجهة. هي أيضا، ليس واجبا عليها أن تقوم بفلان أشياء لي، فتبقى هذه الحياة حياة قاحلة جرداء. هنا أيضا ليس صحيحا أن يقول الإنسان: أن الشرع فقط أوجب علي كذا وكذا، لماذا؟ هذا الخطاب إنما يرجع إليه في مقام حد الواجب ولا سيما في حالات النزاع. لو أن الزوج مثلا ألزم زوجته بكذا وكذا، لا بد تفعله وإلا يفعل فيها ويعمل، فتقول له: أنا من الناحية الشرعية غير مطلوبة بهذا الأمر، والقاضي لا يستطيع أن يلزمني. ونفس الكلام بالنسبة إلى الزوج، لو أن الزوجة أصرت عليه إصرارا شديدا في قضية السفر، لا بد أن نسافر وإلا يقع ما لا يعجبك. يمكنه أن يقول لها: أنا هذا من الناحية الشرعية لا يجب علي أن أسافر معك، لا يجب علي أن نسافر أصلا، هذا ليس واجبا علي، الواجب ذاك. في مواضع النزاع؛ لفض النزاع، يأتي ويقال هذا المقدار واجب وما عداه تفضل ومستحب. الخطاب الثالث هو الخطاب الوعظي والأخلاقي، ومع الأسف الشديد هناك خبط كبير في هذا الجانب، وكل واحد يمكنه أن يجر النار إلى قرصه. المرأة تستطيع أن تذهب لتتمسك ببعض الأحاديث في هذا الجانب: "المِرْأَةُ رَيحَانَةٌ وَلَيسَت بِقَهْرُمَانَة"، حتى تقول لك: المرأة - النبي قال - ريحانة، يعني مزهرية، يدعوها هكذا، أما أن تخدم وتشتغل وكذا، لا. لا بد فقط يهفون عليها - حسب التعبير - ويمروحونها باعتبارها ريحانة، والريحانة إنما تشم فقط، أما أن تشتغل وتخدمك وتعمل، لا ليس هكذا. هذا الخطاب يخدم من؟ المرأة. خطاب وعظي. في المقابل أيضا، هناك خطاب وعظي أخلاقي يخدم الرجل: أنه امرأة جاءت إلى رسول الله محمد (ص)، فقالت له: يا رسول الله، ما هو حق المرأة على الرجل؟ فقال لها: حقها أن يكسو ظهرها ويشبع بطنها. نفقة، طعام وشراب وملابس، هذا المقدار. قالت: فما حق الرجل على المرأة؟ فقال لها: حقه عليها عظيم. قالت: مثل حقها عليه؟ قال: لا، ولا واحد إلى مئة، ولا واحد من مئة ضعف. فقالت هذه المرأة: إذن لا أمكن أحدا من رقبتي أبدا. لا أريد زواجا، ما دام الأمر هكذا. هذه العلماء، عندما يأتون إليها، على فرض صحة أسانيد هذه الأخبار، لأنه قسم منها أخبار لا صحة لها. مثل خبر ينقله غير الإمامية، أنا ما رأيته في الإمامية ولله الحمد، ينقلون: أن النبي (ص) – وطبعا هذا الخبر لا يمكن تصديقه – قال: أن حق الرجل على زوجته، أنه لو كان من قرنه إلى قدمه، قيح وصديد ثم لعقته بلسانها من فوق إلى تحت لما وفت بحقه. هذا الخبر ليس موجودا عندنا، موجود في بعض كتب المدرسة الأخرى. وهذا الخبر مخالف للأصول، غير أنه لم ينقل في مصدر معتبر من مصادرنا. قسم من هذه الأخبار، وهو كثير، أخبار لا سند صحيح لها. القسم الذي سنده صحيح أيضا، لا بد ألا يخالف الأصول العامة، لا يخالف القرآن، أي حديث نعرضه على القرآن الكريم والأصول الثابتة في الدين. ونرى أنه مخالف لها، نتوقف في قبوله. ماذا معنى هذا الكلام ومعنى كلام الله (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ) فنأتي إلى مرحلة ثالثة، على فرض أن هذا الحديث قد قيل، كيف يمكن توجيهه وقد قام العلماء بعدة توجيهات، واحد من تلك التوجيهات: أن يكون قضية في واقعة خاصة، وهذا كثير، مثلا: حديث: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ" لعله أنا أشرت له في بعض المرات، "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ" يفسره الإمام الصادق (ع) فيما بعد: أن ولدا كان قد ورث من أمه - التي توفيت وهو صغير - مالا، وكان الوالد بلا أموال، فصرف ما ورثه الولد عليه، أي: نصيبه الذي ورثه من أمه، صرفه عليه، وهذا لا مانع فيه: أن الأب يصرف على الولد من مال الولد نفسه. لا سيما إذا كان الوالد غير غني، فصرف المال الذي ورثه الولد عليه في حاجاته، في قضاياه، فلما كبر وراح أناس يحرضوه، هؤلاء أهل الخير - حسب التعبير – يأتون يقولون له: كيف والدك صرف أموالك عنك وسرق ميراثك، وإلى آخره. فجاء إلى رسول الله (ص) وقال له بالقضية، النبي استدعى الوالد، الوالد قال له: القضية صحيحة، وأنا صرفت المال عليه، فأنا ليس لدي الأموال. فقال رسول الله (ص) للولد: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ"، يعني استح على وجهك. اخش. والدك سبب وجودك وصرف عليك من مالك في الوقت الذي لم يملك مالا شخصيا، فماذا تريد أكثر من هذا؟! يعود يعلق الإمام الصادق (ع) على هذا، فيقول: أفترى رسول الله كان يجب أن يسجن الوالد لحال الولد. هو صرفه عليه. فهل تتوقع من النبي أن يجر الوالد، ويقول له: لا، أنت مديون ولا بد أن تدفع وإلى آخره. قال له: استح على وجهك، أنت ومالك لأبيك. فهذه قضية خارجية، هذه القضية التي نقلناها هي من هذا النوع. هذه امرأة بشكل معين، حتى في نفس الحديث، الذي تقول في ذيله: ما دام الأمر هكذا، لا أريد الزواج من رأس، يتبين أنه لديها حالة الشعور – مثلا – بأن هي لها حق كبير ولازم. قسم من النساء وأحيانا الرجال، لا يعتبر أو تعتبر كامل الحق له، وهو دائما الطالب، والطرف الآخر هو المطلوب، هذا النمط يحتاج أن أحدا يعظهم، يقول لها: انتبهي، حق الزوج عظيم جدا. الآن بالعكس كان لا بد أن يتحدث معه النبي بشكل آخر، وهذا شيء طبيعي، الآن لو أحدهم جاء إليك، وهو عنيف المزاج، حاد الطريقة، فلا بد أن تتكلم معه بما يخفف غلواءه، وليس أن تتكلم معه على زوجته، صحيح أم لا؟ لأن العيب فيه، الإشكال فيه، فأنت تعظه بتخفيف اندفاعه، ولو كانت الزوجة هكذا فأنت لا بد أن تتكلم مع الزوجة عن حق الزوج وما شابه ذلك حتى يخف اندفاعها. من خلال هذه الرواية يتبين أن هذه المرأة التي جاءت لرسول الله (ص) كان عندها عدم توازن وعدم تعادل في نفسها، فالنبي أراد أن يوجهها بنحو تتوازن بعده وتتعادل. نحن لا يصح أن نأتي بهذا الحديث ونعممه على كل مكان، أو مثلا ما ورد في بعض الكتب في غير مدرسة أهل البيت، أن النبي (ص) مر على مجموعة من النسوة، فقال: إن أكثركن في النار، فتصايحن، وعصبن - حسب التعبير- فقالت له إحداهن: يا رسول الله ولما؟ فقال: لأنكن تكفرن بالعشير. فيأتي أحدهم ويقول: انظري - النبي بنفسه - أتى يقول أكثر النساء في نار جهنم، وأنت إحداهن ومعهن. هذا كلام غير صحيح، هذا منطق وعظي وأخلاقي لتلك المجموعة، إما أن النبي يعرف هذه المجموعة الخاصة أن لديها حالة من التمرد وعدم حمد النعمة وعدم القيام بحقوق أزواجهم، مثل ما أنت تعرف لنفترض فلانة وفلانة وفلانة أولئك لديهم مشاكل معينة، فتقول النساء هكذا يصنعون، النساء تعني أولئك المقصودات. أما أن تأتي وتقول كل النساء هكذا، فليس كذلك. أو أن أحدهم يقول: لا، المرأة التي لا تقوم بمسؤوليتها فتكفر بالنعمة يكون حالها حال أي أحد كالرجل وكغيرها ممن يكفر بالنعمة ولا يقوم بمسؤوليته أيضا يعاقب عند الله عز وجل. الحاصل أن هناك ثلاثة خطابات نجدها في موضوع العلاقات الزوجية وحقوق الزوجين، خطاب قرآني يمثل القيم العالية التي يفترض أن تدور الحياة الزوجية عليها: العشرة بالمعروف، المساكنة، المودة، الرحمة، المسؤولية المتبادلة، التكافؤ في حمل المسؤولية (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، هذا، والخطاب الآخر خطاب فقهي قانوني، لا يمكن الاقتصار عليه في بناء الحياة الزوجية وإنما هو يحدد مجال الواجب، وفي مواطن النزاع، هذا الأمر الثاني، هذا الخطاب الثاني والخطاب الثالث وعظي وأخلاقي، هذا الخطاب ينظر غالبا إلى مشاكل خاصة بالنسبة إلى: قسم من النساء، قسم من الرجال فيعظم الخطأ وينكر على ممارسيه بألفاظ تناسب خطاب الموعظة. أنقل لكم بشكل سريع ما ذكر في حقوق الزوج على الزوجة من الناحية الفقهية كما جاء في الكتب والرسائل العملية في منهاج الصالحين، قالوا: أن لكل من الزوجين على الآخر حقوقا، بعضها واجب وبعضها مستحب، والواجب منها على أقسام ثلاثة: القسم الأول: حق الزوج على الزوجة، وهو أن تمكنه من نفسها للمقاربة الزوجية وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له بمقتضى العقد – وهذا مر الحديث عنه – وأيضا أن لا تخرج من بيتها من دون إذنه -هذا مر علينا – وينبغي للرجل – هذا استحباب – أن يأذن لزوجته في زيارة أقاربها وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم ونحو ذلك، وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجب عليها، كالحج الواجب مثلا. هنا يأتي يقول: لا يستحق الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع كالكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك. فجوهر وروح الحياة الزوجية هو في هذا المستحب، لكن لو صار نزاع فثم مرجع قانوني يحدد ما هو واجب وما هو غير واجب. القسم الثاني: حق الزوج على الزوجة: وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن وسائر ما تحتاج إليه، وألا يؤذيها – هذا واجب – أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي، وألا يهجرها رأسا – الهجر في الفراش من غير نشوز، من غير مبرر – ولا يجعلها كالمعلقة لا هي ذات بعل ولا هي مطلقة. نعم. وبالتالي فكثير من الأمور من الناحية القانونية عند النزاع. افترض: إنجاب. الزوجة تريد الإنجاب والزوج لا يريد، لا يمكن للزوجة أن تجبر الزوج على هذا. هو يريد الإنجاب وهي لا تريد، لا يستطيع الزوج أن يجبر زوجته على ذلك. فقد ورد في إجابة عن السؤال: لمن أعطى الإسلام خيار الإنجاب للزوج أو للزوجة؟ فإذا أراد الزوج الإكثار من الأولاد والزوجة لا ترغب في ذلك لأسباب صحية أو غير صحية فهل يجوز لها استعمال موانع الحمل من دون علمه؟ جواب المرجعية: يجوز له ذلك. يجوز لها أن تستخدم موانع الحمل من دون علمه. وهذه ليست الحالة المثالية، هذه الحالة القانونية. الحالة المثالية: الاتفاق والتنسيق وعن تراض منهما وتشاور. هو يقول لها: أنا أحب أن يكون لدي أبناء، وهي أيضا من المناسب أن تتفهم هذه الرغبة. هي تقول له: الحمل المتتابع يجهدني ويهدم صحتي، لا أقدر عليه. وهو ينبغي أن يتفهم لها هذا الأمر، ما يمكنه أن يقول لها لا، أنا الأب ولا بد أن تحملي، أو هي تقول: التعب علي ولا أريد أن أحمل. لا حق له في إجبارها ولا حق لها في منعه، وإنما التشاور، والتراضي. كذلك في الأمور الاقتصادية، تستطيع أن تقوم بعمل اقتصادي إذا كان لا يعارض حقه، لا يعارض الخروج، لنفترض لها تجارة إلكترونية. أما تجارة بمعنى أن تأتي وتذهب وتصعد وتنزل وتفتح دكانا وتمكث فيه وغير ذلك، هذا يشمله دائرة الزوج، له الحق أن يمنع من الخروج إلا إذا اشترطت عليه في العقد وقبل بذلك، هذا يخرج عن سيطرته. وخلاصة القول أنه ينبغي أن نفصل بين هذه الخطابات وأن يكون حال الأزواج في علاقتهم الزوجية هو بصائر القرآن الكريم (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، (جَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ) وأمثال ذلك من آيات القرآن الكريم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لأن نعمل بأحكامه وأن نسعد أزواجنا وأهالينا إنه على كل شيء قدير وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
مرات العرض: 3396
المدة: 00:37:41
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2564) حجم الملف: 30.2 MB
تشغيل:

مسائل في الميراث
من يعيش الأمان في الحاضر والمستقبل