حيّ على مجمع الكمال ـ الصلاة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/1/1437 هـ
تعريف:


حَيَّ عَلى مَجمعِ الكَمَال – الصَّلَاةَ

 

قال الله العظيم في كتابه الكريم (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) 54 العنكبوت

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع الصلاة التي هي عبادة تجمع الكمالات.

لماذا نتحدث عن الصلاة ؟

هناك أكثر من سبب يدعونا إلى الحديث عن الصلاة، أحد تلك الأسباب أن الإنسان على أثر التكرار لايلتفت إلى المعاني الجميلة والبديعة المرتكزه في ذلك الشيء المتكرر.

مثال ذلك ، مَن مِنا مثلاً يستيقظ صباحاً فينظر إلى الشمس فيرفع يديه بحمد الله عزوجل وشكره على هذه الشمس المخلوقة لنا، والتي لولاها لكنا في ظلام دامس ولولاها لما أكلنا ثمرة من نبتة ذلك أن النبات يعتمد على هذه الشمس وعلى ضؤها في النمو ولولاها لكان كثير من البشر مصابون بالأمراض كالكساح أو الشلل أو وهن العظام وما شابه ذلك نظراً لأن بعض الفيتامينات التي بالعظام كما يقول الأطباء لا تتوفر بنسب معقولة إلا من خلال إشراقة الشمس على هذا الإنسان.

اذن أَكلُ هذا الإنسان ،صحته ،ضيائه ،سراجه ، معتمدٌ على هذا المخلوق ،على هذه الشمس ، ولكن أصبحت في اشراقتها كل يوم زائرٌعادي ،لايتم الإلتفات إليه ، لا يستحضر نعمة الله عزوجل من خلال اشراقتها، لا يفكر الإنسان في أن هذا الإشراق سيصنع كذا وكذا، لماذا؟!

ببساطة لكثرة التكراروالنظر الدائم إليها نظرة ٌعابرة دون تفكر، كما هو الحال بالنسبة إلى الشمس نجد الإنسان المصلي ربما يصلي ولكن هل يلتفت إلى الآثار التي تحققها هذه الصلاة و إلى المعاني التي تختزنها و إلى الدور الذي تقوم به أو إلى المحل الذي جعلت فيه وجعلها في منظومة العبادات الإلهيه ؟! وهذا مالايحصل عادة. لهذا سوف نتطرق إليه ونلم ببعض جوانبه.

نظرة في كيفية تعاملنا مع الصلاة

عادة الإنسان يتعامل مع الصلاة باعتبارها عبادة و واجب من الواجبات التي لابد أن يؤديها فإما أن تكون الصلاة راحة و سكناً ومن هنا كان النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما يحلُّ وقت الصلاة، يقول لصاحبه بلال رضي الله عنه: (أرحنا يا بلال) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج80، ص 16.

وهذا مالا يحصل غالباً،فالغالب أننا سنصلي لنرتاح من الثقل المحمول على ظهرنا فنقوم لنصلي حتى نطرحه ونرتاح ، لانرتاح به وإنما نرتاح منه ولانرتاح إليه.

بعض الأسباب التي تدعونا إلى إعادة التفكر في الصلاة

 فأول سبب ممن الأسباب التي تدعو الإنسان إلى إعادة التفكير وإلى إعادة التأمل والتدبر في هذه الصلاة التي وجبة عليه و سيؤديها ،أن الإسترسال وكثرة التكرار تفقد الشيء العظيم ميزته فلا ينتبه إليه، وهذا أحد الأسباب.

ومن الأسباب أيضاً أن قسماً من الأجيال الجديدة في فترات المراهقة وفي أيام الشباب لاتفهم الصلاة على حقيقتها، ولذلك تهمل وتترك ويستخف بها.

بعض الشباب تجده يترك الصلاة لماذا؟

لأنه يعتقد أنها شغل الملتزمين(المطوعين) أو كبار السن، ونجد مثلاً فتاة تعيش وسط محيط معين يرى أن قضية الصلاة ليست ضمن شكل الحياة الحديثة، هذا شأن النساء الكبيرات ذوات الخمسون عاماً وأكثروأقل، وبالتالي نجدهم اتبعوا هؤلاء وانسجموا معهم وتوافقوا و إياهم اجتماعياً ولم يحصلوا على فهم جديد لهذه الصلاة يجذبهم إليها.

تدبر وتأمل في بعض جوانب الصلاة

سنتعرض لبعض جوانب هذه الصلاة والتي سنحاول أن نلفت النظر إليها ولربما كنتم أحبتي ملتفتين إليها أو ستلتفتون إليها إذا تدبرتم وتأملتم قليلاً، ولكن سنشير إليها ضمن نقاط متعددة.

أول عبادة يدعى لها من الميلاد

هذه العبادة تبدأ معنا و الدعوة إليها منذ اليوم الأول لولادتنا ولاتفارقنا إلا بعد أن ندفن .

فالمسلم في أول أيام حياته يدعى فيها إلى الصلاة لأن المستحب المؤكد عندنا أن المولد عنما يولد يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في أذنه اليسرى .

في وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام):  يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية فأذن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى، فإنه لا يضره الشيطان أبدا ( بحار الأنوار  ج 77 / 66.

الأذان خارطة طريق عقائدية

والأذان هو نداء الصلاة فيه الدعوة إلى الصلاة : حيّ على الصلاة  حيّ على الفلاح   حيّ على خير العمل ،

وفي الإقامة : قد قامت الصلاة.

لاحظوا أن هذا الطفل ذهنه ودماغه و ذاكرته صافية،لا يوجد بها أي شيء إنما أُريد أن تلتصق الصلاة في ذهنه وفي ذاكرته في أول أيامه وهذا الأمر مؤثر في الإنسان في حياته فيما بعد.

الأذان الذي يحوي على مجمل أمور العقائد الدينية و أمور الحياة والدعوة إلى العمل الصالح وإلى خير الأعمال ،الدعوة للنجاح والفلاح الدعوة للصلاح والعبادة، يبدأ بكلمة الله.

مما يُشار إليه فيما مضى أن صيغة الأذان هذه لايمكن أن تكون نِتاجاً بَشرياً حصل عند نوم أحد العباد مثلا ً وإنما هي نِتاجٌ إلهي رباني. يختصر برنامج حياة الإنسان العقائدية مختصر هذا البرنامج هو الأذان،التكبير والتهليل .الشهادة لله بالوحدانية والشهادة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  بالنبوة والرسالة وعندنا نحن الإمامية الشهادة بالولاية لعلي عليه السلام،الشهادة بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) مكملة للشهادة بالرسالة ومستحبّة في نفسها وإن لم تكن جزءاً من الأذان، فهي تشكل المسألة العقائدية لدى الانسان.

ودعوة إلى العمل الصالح

ثم حيّ على خير العمل .

أي هي السبب في النجاح في الحياة وفي الآخرة، العمل الصالح و الطيب، الأعمال الخيرة ،البناء في الحياة ، هذه كلها موجودة في الأذان ، فيبدأ الإنسان المسلم في أول ايام حياته وأيام وجوده في هذه الدنيا مدعواً إلى هذا البرنامج ، وهو برنامج الأذان والإقامة الذي هو مقدمة الصلاة ، وينتهي آخرالأمر أي آخر أيام حياته فينادى أن هلموا صلوا عليه صلاة الجنازة والميت ، حتى تكون آخر عهده الصلاة ويدفن،هذا على المستوى الشخصي في حياة الإنسان.

الظواهر الكونية وتناغمها مع الصلاة

أما على المستوى الطبيعي في حياة الكائنات ، لانجد عبادة من العبادات تتوافق مع الظواهرالكونية أو الطبيعية كالصلاة التي يصليها الإنسان المسلم وهذا فيه إشارة لقضية الإنسجام بين عالم التكوين و الطاعة لله (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) 11 فصلت.

السماوات والأرضون عرضت عليها الأمانة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ) 72الأحزاب، عرض عليها أمر الله أن تقبله طوعاً أو كرهاً فأجابت بالطاعة .

هذا الكون المطيع هذه السماوات المؤتمرة والمستجيبة لنداء الله عزوجل من خلال حركتها المرسومة بدقة ،هذه هي طاعتها و الإنسان يتوافق معها.

فإذا طلع الفجر وهي ظاهرة كونية ، صلى هذا الإنسان ، وإذا زالت الشمس وانتصف النهار صلى ، وإذا غربت صلى، كما أن هذا الكون يتحرك ضمن قانون الله عزوجل والطاعة لربه، فهذا المسلم يقول أنا ايضاً منسجم مع هذه الحركة الكونية.

مثال على ظواهر كونية تستدعي الصلاة

على مستوى السنين تظهر قضايا كونية كالكسوف والخسوف فهي تستدعي الصلاة أيضاً.

وهنا يأتي سؤال يثيرة البعض وهو أن قسماً من الناس يقول صلاة الآيات لامعنى لها ، لأن الخسوف والكسوف ظاهرتان كونيتان من الممكن أن يحسبها العلماء ويتوقعوها لما بعد عشرات السنين،أين ومتى تحصل فهي ليست حاله مخيفه.

ففي الزمن القديم لأن الناس لم يكونوا يعرفون أسباب هذه الظواهر فنجد حالة الخوف والهلع تسيطر عليهم ويربطونها بحكايات و أساطير، فيقال أن الشمس ابتلعها الحوت و الشياطين تنطلق من معاقلها وتنزل لتأكلهم أو أنه ينذر بنهاية العالم، وهكذا فالناس تخاف وتهرع للصلاة .

الآن مع العلم والمعرفة لاداعي لهذا ، هنا نقول أنه اشتباه في الفهم ،فصلاة الآيات تماماً كصلاة الظهر كصلاة الفجر كما أنه يحصل تغيرفي الكون تارة يكون مرتب على أساس يومي كطلوع الفجر و زوال الشمس وغروب الشمس ،هنا أيضاً كأنما يقول كما أن الكون مستجيب لأمر الله عزوجل تكويناً أنا أيضاً أستجيدب له تشريعاً بصلاتي ، وأن هذا الكون بما يحويه من شمس وقمر و كواكب ونجوم وغيرها، كما وضع له برنامج وقانون دقيق منضبط فقد وضع لجعل هذا الإنسان منضبطاً لايتأخر قيد أنمله ، وهو مايجعل الإنسان قادر على اكتشافه.

فلولا قانون الله وبرنامجه لهذه الكائنات لما استطاع الإنسان أن يحسب ابداً .

فلوفرضنا أن هناك مساحة حرة للشمس وفي كل سنة أو شهر لها الحرية بأن تفعل ما تشاء، أن تتحرك للشرق أو للغرب ،أن تسرع أو تبطئ من حركتها كيفما يحلو لها، لما استطاع الإنسان أن يحسب هذه الحسابات ، و لأن هذه الشمس وذلك القمر وتلك الأرض خاضعة لقانون إلهي دقيقي وممتثلة فيه، أنا ايضاً كإنسانٌ مسلم خاضع لنفس القانون و لنفس هذا الأمر الإلهي كما تحدث على أرضية (أَتَيْنَا طَائِعِينَ) 11 فصلت.

أنا أيضاً كمسلم آتي طائعاً ملبياً راغباً متذكراً نعمة الله وعظمته ،فقضية الكسوف والخسوف ليست ضمن الظواهر المتعلقة بالخوف من المجهول ولاترتبط بالخوف ،حتى لو الإنسان لم يخاف أو يرتعب فعليه أن يصلي صلاة الآيات في مثل الخسوف والكسوف.

لذا نلفت إإلى أن هذه الصلاة يجب الإتيان بها على كل مكلف عدا الحائض والنفساء (1) عند كل مخوف سماوي، والمعيار فيها: أن تكون مخيفة بحسب النوع بمقتضى طبع الإنسان وإن لم يحصل الخوف فعلاً عند بعض الأفراد بسبب التعوّد أو قسوة القلوب أو تفسير الحوادث تفسيرا علمياً أو غير ذلك (2).

من ذلك نجد أن هذه الصلاة تتفاعل وترتبط بعالم التكوين في الطبيعة ، بينما بقية العبادات ليست كذالك، إذ لايوجد لدينا صوم للشمس أو لظاهرة تعلقت بها أو حج يرتبط بالفجر والظهر وماشابه ذلك وإنما الصلاة هي من ترتبط بهذه الأوقات وترتبط بهذه الظواهر الكونيه أو بعضها ، بل ترتبط بها ارتباطاً يؤثر بعالم التكوين ،فإذا حدث قحط وجفاف وغير ذلك فزعنا إلى صلاة الإستسقاء ،إذاً من الممكن أن تؤثر هذه الصلاة في عالم الطبيعة وتحول الفقر إلى غنى و الجفاف إلى خصب وري،هذا لانجده في سائر العبادات وأنه يؤثر بهذا الإرتباط .

وصلوات ( اجتماعية )

هذا على مستوى الطبيعة وعالم التكوين أما على المستوى الإجتماعي لدينا صلوات خاصة ترتبط بالإجتماع مثل صلاة العيدين والجمعة وماشابه ذلك.

فصلاة العيدين مناسبة للإبتهاج والسرور والإجتماع ، وليس لدينا صوم بمناسبة العيد ، ولكن عندنا صلاة العيدين والجمعة في تأكيد على هذا المنهج الإجتماعي الذي تعبر عنه الصلاة.

ولهذا أيضا كانت من خصائص الصلاة أنها لاتسقط بحال، عندنا ففي الخبر عن صادق أهل البيت عليهم السلام في ذيل السؤال عن حال المستحاضة علله أنها يجب عليها أن تصلي و بأن الصلاة لاتسقط بحال ، كاما في الجنابة بخصوص المرأة في وقت الدورة الشهرية فإنها لاتجب عليها الصلاة لانتفاء شرط الطهارة التي هي من شروطها ، ولذلك لوفرضنا أن هناك امرأة لا تحيض لمرض أو لسبب ما أو تكريماً لها كما كانت الزهراء عليها السلام أو بالنحو الذي يفسد صلاتها فهنا تجب عليها الصلاة و هي لا تسقط بحال.

الصلاة عبادة لا تسقط في أي حال

هناك عبادات تسقط كما في المرض يسقط الصيام أو يقضى لاحقاً (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ)184 البقرة.

أما في قضية الصلاة، فالصلاة واجبة ولاتسقط على الإنسان حتى لو فرضنا أنه كان لايستطيع أن يحرك حتى عضواً واحداً من أعضائه فهي واجبة عليه ، يومئ ايماءً ،فإن لم يستطيع فليحرك رجله ،لم يستطع فليحرك يديه ،لم يستطع فليحرك طرف اصبعه ،لم يستطع فليحرك طرف عينه ،يضطجع لم يقدر فعليه أن يحاول ويحاول ..لأنها لاتسقط وهذا يبين أهميتها عند الله عزوجل .

بينما نجد فريضة الحج على أهميته التي هي واجبة مرة في العمر فإنها تسقط عند عدم الاستطاعة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ )97 آل عمران. ولكن الصلاة لاتقسط .

لديك الصحة بإمكانك أن تحج بينما في الصلاة لديك الصحة أو ليست لديك فإنها لاتسقط، فغاية الواجب تنتقل من درجة لدرجة ومن حالة لحالة، بل حتى في الحرب المحتدمة فهناك صلاة تسمى صلاة المسايفة .

المسايفة :يعني السيوف مشتبكه مع بعضها البعض ولم يقف القتال كالضرب المتواتر والطعن المتتابع وعادة تكون في القتال وحال الحرب هنا أيضاً لابد للمقاتل أن يصلي ولاتسقط عنه حتى في تلك الحالة .

تسايف القوم أي تضاربوا بالسّيوفِ .المعجم:  الوسيط.

إذن هذه الصلاة حالة إستثنائية وبقيت الأعمال و بقيت الواجبات قد تسقط لسبب أو لآخر إلا الصلاة فإنها لاتسقط بحال.

فعن الصادق (عليه السلام)، في صلاة الزحف قال: تكبير وتهليل، يقول الله عزوجل: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) الفقيه 1: 295 | 1344

وعنه(عليه السلام) قال: في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه، فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فان أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم باعادة الصلاة.
التهذيب 3: 173 | 384.ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير الكافي 3: 457 | 2. ورواه العياشي في (تفسيره) عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، مثله تفسير العياشي 1: 272 | 257، واورده في الحديث 2 و 8 من الباب 2 من هذه الابواب.

الصلاة كمعنى ومضمون

وهنا لابد لنا أن نشير إلى بعض المعاني والمضامين التي تحملها هذه الصلاة وقد وضحتها هذه الآية المباركة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) 45العنكبوت.

نجد في ذيل الآيه تقرير مع التأكيد في قوله (إِنّ الصَّلَاةَ) ، إِنّ حرف توكيد ، وفي قوله (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ )، أي أن الصلاة في حالة استمرار و مضارعة و لايوجد توقف ، فهي مستمرة في النهي ، ليس أنها بالأمس نهته و اليوم توقفت لا هي دائمة النهي اليوم وغداً وبعد خمسين عاماً و مائة عام إلى ان يشاء الله فهي في حالة إستمرار في النهي عن الفحشاء والمنكر الدائمة لك ولغيرك (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ).

(وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ ) لها أكثر من تفسير فبعض التفاسير قالت عطف على الفحشاء والمنكر، يعني كما أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإن فيها ذكر الله وذكر الله أكبر وأعظم هذا أحد التفاسير. وأحد التفاسير التي طرحناها سابقاً في ذكر الله ، وأن ذكر الله أعظم منها (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

فيكون قوله ) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ( من باب عطف الخاص على العام، لفضل الصلاة وشرفها، وآثارها الجميلة، وهي )إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ( .الفحشاء: كل ما استعظم من المعاصي التي تشتهيها النفوس. والمنكر: كل معصية تنكرها العقول والفطر.

ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهي بمثابة صمام الأمان للإيمان ذلك أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشربالمداومه والمحافظة عليها ، فإنها ستؤثر فيه وتنهاه عن الفحشاء والمنكر، وهذا من أعظم ثمراتها. وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر اللّه، بالقلب واللسان والبدن. فالصلاة، فيها من عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها، ولهذا قال( وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ )

تساؤلات في آثار الصلاة ولماذا لا تؤثِّر الصَّلاة فينا؟!

يأتي هنا سؤال يتبادر إلى ذهن قسم من الناس ،أن البعض يصلي ولكن صلاته لاتنهاه عن الفحشاء والمنكر ؟!

تلاحظ ، ظالم يصلي، وسارق يصلي ،وشارب خمر ربما يصلي ،ومغتاب للناس يصلي ، إذن كيف أن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ؟! فهي لم تنهه عن شئ !! .

كيف يقول الله أن هذه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر إذن من الأفضل أن لايصلي هذا الإنسان.

هذا الكلام مردود عليه وغير صحيح .

هنا نقول له : إذا رأيت إنساناً يصلي ويمارس بعض الفحشاء وبعض المنكر ، لاتقل له إن صلاتك لاتنفعك ولاتفيدك والأفضل لك أن تتركها ،هذا غير صحيح قل له صل ولاتفعل المنكر،أقم الصلاة ولاترتكب المنكر .

أما الجواب على ذلك السؤال ، فإن الإنتهاء عن الفحشاء والمنكر مراتب .

لنفترض أن المرتبة تعادل مئة درجة ، هنا على سبيل المثال نجد بعض الناس يلاحظون و يفكرون في صلاتهم و يستحضرونها ويقومون بشرائطها كامله ،هؤلاء تنهاهم صلاتهم مثلاً عن 70% من الفحشاء أو 80% .

بينما قسم من الناس لايفعلون ذلك لاتؤثر فيهم هذه الصلاة أو لاتؤثر فيه ذلك التأثير الكامل أي تؤثر بمقدار 10% هذا الإنسان الذي يرتكب على سبيل المثال ستين ذنباً أو سبعين ذنباً لو لم يكن يصلي لكان يرتكب مئات الذنوب ، فبهذا االمقدار الذي يصليه ، بهذا المقدار الخاص صلاته نهته عن 10% أوعن 30% ، ولوفرضنا نفس هذا الشخص لم يكن يصلي وكان يأتي بالفواحش و المنكرات بنسبة 100% فهذه الصلاة بالنسبة له أثرت فيه بنسبة 10%.

إذن طبيعة الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء وتنهى عن المنكر لكن ليس نهي جبري ،ولكن بشكل اخياري طبيعي تربوي وهذا ليس في الصلاة فقط ، فنجد أن الله عزوجل يتعامل معنا بهذا المنظور أيضاً.

فالله عزوجل لم يجعلنا جميعاً نمشي على الصراط المستقيم ، لذا في يوم الحساب في ذلك الوقت نجدنا نمشي ولكننا مسلوبين الإرادة، وفي ذلك الوقت المذنب يكون مستحقاً العقوبة بل هو مجبور عليها ، فالله وهو أصدق قيلاً ، ومع ذلك ندائه يؤثر فيك ولوكان10% وفي شخص آخر 90% ، إذن هل هناك اشكاليه في نداء الله أم في تأثرك ؟!

وهذا ما يطلق عليه قابلية القابل أو فاعلية الفاعل، فالشرط بهذا المعنى يطلق في مقابل المقتضي في الإصطلاح الفلسفي ، فالصلاة في طبيعتها بما أخبر القرآن الكريم أنها (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ،بشكل دائم وبشكل تراكمي.

ليصلي هذا الإنسان حتى لوكان لديه بعض المعاصي ولديه بعض الذنوب ، لاتقل له لاتصلي مادمت بهذا الشكل ،لأن الصلاة تؤثر فيه بشكل تراكمي إلى أن ينتج أثرها )إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ(.

نظرة في دواخل الصلاة

لنتوجه الآن لداخل الصلاة ونجد مالذي يؤثر فيها؟

يوجد في هذه الصلاة كما ذكرنا سابقاً دوراً عقائدياً إذا توجه فيها الإنسان بكل جوارحه، ففيها الإقرار بالشهادتين،ففي التشهد يقول ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله )، كل يوم .

هذا لانسان يكرر الشهادة يومياً، وعندما تلتفت له تجد أنه رد على أمثال هؤلاء المغفلين والحمقى الذين يتهمون غيرهم بالشرك. فأنا كل يوم وفي كل فريضة أكررها فهي عقيدتي وأنا انشرها بين يدي الله عز وجل في كل يوم عدة مرات :( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ).

وقسم من هذه العقيدة تجده في الفاتحة حيث اثبات المعاد، ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) 4 الفاتحة: إثبات المعاد ، أنا عندما أحمد الله وأنه المالك ليوم الدين يوم القيامة فأنا أقر بالمعاذ وأن هناك يوم الدين وله مالك ومتصرف فيه ومهيمن عليه وأطلب من الله عزوجل خريطة في الحياة وهي اهدنا الصراط المستقيم هذا كله أنت تجعله في أجزاء العبادة وأجزاء الصلاة ، أنت في كل يوم تقر بعقائدك الدينية وتذكر نفسك بخريطتك العامة الصحيحة في الحياة من خلال الأذان والإقامة تارة ومن خلال الأذكار والأدعية تارة أخرى، وتجسد خضوعك لله عزوجل وعبادتك إياه بأسمى تجسيد عندما تخضع له وتسجد له ، والسجود هو أقصى درجات الخضوع ، فأنت تضع أشرف مواضعك و أعلاها على التراب تضرعاً وتقرباً إلى الله عزوجل ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):  (أقرب مايكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء).صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٦٧ / ٤٨٢ باب ٤٢.  وهذا نلاحظه في معنى الصلاة.

أما في مقدمات الصلاة على المستوى الحياتي فهي تعلم المجتمع المسلم النزاهة والنظافة فلايصبح هذا المجتمع قذر أو وسخ ،فأنت عندما تلاحظ فإن هذه الفرائض توجب النظافة ،مثلاً غسل الجنابة وغسل الحيض عند النساء ، تجد أن الجنابة موضعها محدود ولكن لماذا تحتاج لأن تغسل كل هذا البدن ؟

الحيض أيضاً موضعه محدود، لماذا على المرأة أن تغسل كل بدنها من شعرها أولاً ورقبتها ثم جسدها ثانياً وعند بعض المراجع احتياطاً تنصيف الجسد الأيمن أولاً ثم الأيسر ، فلا يصح غسلها إن لم تغسل شعرها ورقبتها ثم بعد ذلك بدنها ، وعليها إعادة الصلاوات ،فالصلاة لاتعاد إلا من أمور منها الطهارة البدنية ، فإذا كان الغسل باطلاً أو الوضؤ باطلاً فعليها إعادة هذه الصلوات ،فلوكانت قضية نجاسة وخلاف ذلك فلاتوجد مشكلة ،أما الطهارة الحدثية الوضؤ ،الغسل غير الصحيح فهذا يؤدي إلى إبطال الصلاة ، هذا في أمر الغسل مع أن الحيض مكانه محدود ومع أن الجنابة مكانها محدود إلا أن الشارع المقدس جاء ليصنع مجتمعاً نظيفاً، فهذا الرجل أو هذه المرأة لابد أن يغتسلا سواء كان طيباً أو إجباراً ،فلو فرضنا أن تشريع غسل الجنابة لم يكن موجوداً وكذلك تشريع غسل الحيض لم يكن موجوداً فمن الممكن أن يوجد إنسان طوال شهر كامل لايغسل بدنه ولكن مع هذا التشريع فمن المستحيل أن لايفعل ، فلابد للمرأة أن تغتسل ولو لغسل الحيض وكذلك الرجل أن يغتسل لأجل الجنابة، وفي فلسفة ذلك نجد أن في غسل الجمعة ذكر موضوع نظافة المجتمع المسلم ،فلدينا روارية عن الشيخ الصدوق في كتابه علل الشرائع ، في علة الإغتسال في يوم الجمعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة جاؤوا فتأذى بأرواح آباطهم وأجسادهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك السنة)علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج ١ - الصفحة ٢٨٥ ، فشرع من أجل ذلك حتى يتنظف هؤلاء المسلمون.

وعندما ننتقل للوضؤ تلاحظ الغسل فيه أنها للأماكن الأقرب للإتساخ فتجد أنك عندما تغسل أعضائك الخارجية لاتغسل بطنك مثلاً أو ظهرك لأنها هذا عادةً مغطاة بالملابس، لكن باقي الأعضاء كالوجه واليدين والقدمين عادةً تكون أكثر عرضةً للإتساخ ففيها تنظيف خارجي وتأثير داخلي فهي تعطي نورانية وترسل بأنوارها للسماء، عندنا في ذيل الأية المباركة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  )12 الحديد.

أي أنه يأتي في يوم القيامة جعلنا الله وإياكم من أصحاب هذه الأنوار، فيقال له هذه مواضع وضوئك لأنه كان لايتركها بغير وضؤ على قدر الإمكان ، لذلك نقول أن لها آثار لانراها رؤيا العين ولكن في ذلك العالم نراها أمامنا فيكشف الغطاء عن جانب من بصائرنا فرى هؤلاء على نورانيتهم وضيائهم .

فهذه الصلاة تعطي الإنسان بالإضافة لنورانياته الداخلية، فإنها تعطيه نظافة ونزاهة خارجيه ، نجد أن هذه الصلاة تعلم النظام و الإنضباط لاسيما صلاة الجماعة ،ولاسيما عندنا في المذهب الإمامي أن لها اشتراطات خاصه في الإتصال ولابد أن تكون الصفوف متصلة متراصة بدون حواجز و أنه من غير الجائز ولا تصبح صلاة جماعة بدون اتصال .

هذا الإتصال يصنع نظاماً بحيث كل الصفوف متصلة متراصة ليس بينها فرج أو حواجز ليس بينها خلل ،هذا يعلمنا النظام في الحياة ، لكن في بعض الحالات تجد انفصالاً فهذا الإنسان الذي بالمسجد هو نفسه خارج المسجد ولكن تصرفه مختلف تماماً،فتجده ملتزم في الصلاة بالنظام والصف وتجده خارج المسجد يغلق الطريق بسيارته على الناس ويعمل حاجزاً يعطل حركة الطريق ، مع أنه من المفترض أن هذه الصلاة التي خرج منها لتوه قد علمته النظام والإحترام لنفسه والآخرين.

نجد أيضاً أن الصلاة لاسيما صلاة الجماعة تعلمنا قيمة العدالة .

العدالة لاسيما على المذهب الإمامي التي هي من شروط الإمام، فأنا لاأصلي خلف أحد لاأطمئن بعدالته ، على عكس باقي المذاهب التي تقول صلي وراء كل بر وفاجر، المشكلة ليست الصلاة وراء كل بر وفاجر لكن المشكلة سترتقي ويصبح الحاكم لك أيضاً كل بر وفاجر، فهؤلاء كانوا يصلون خلف الحجاج الثقفي القاتل السفاح و أمثاله.

فإذا كانت صلاتك التي هي عنوانك عند الله عزوجل صارت تفد على الله بواسطة الحجاج الثقفي وأمثاله و أنت تعلم أن إمامك هو وفدك إلى الله ، لذلك اشترطت الإمامية قضية العدالة لما لها من مركزية مهمة تبدأ من صفات الله عزوجل للوصول إلى العدل ،أي العدل الإلهي .

فالحكم عندنا أصله العدل وأن الظالم لا ولاية له ولا يقبل أمره حتى لو لم يظهر كفراً بواحاً ، وحتى لو أظهر ظلماً فهو لا ولاية له ،إذن عندنا العدل تعلمنا إياه قضية الصلاة وبالذات صلاة الجماعة وهناك أمور كثيرة في هذه الصلاة لانستطيع التعرض إليها بالكامل لما للوقت من ظرف.

يبقى لدينا نقطة أخيرة وهي أن مسؤلياتنا أيها الأحباب و أيها الأخوة ماذكره الله في القرآن الكريم (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) 41 الحج.

فإذا كنت متمكن فعليك أن تسعى إلى إقامة الصلاة والدعوة إليها سواء كان ذلك في المدرسة ،الشركة ، المجتمع ، وليكن مثلاً في المساجد لجان للدعوة إلى للصلاة.

فكثير من المساجد فيها لجان خيرية ودينة لكن لاتوجد لجنة للصلاة ، و المقصود أن توجد جماعة يتحملون هذا الجانب يعملون على إحياء الصلاة بالدعوة لصلاة الجماعة مع جيران المسجد مع الشباب ذكور وإناث والوصول لهؤلاء الشباب هذا أمر ضروري ومهم.

على سبيل المثال هناك لجنة اسمها لجنة إقامة الصلاة تولى مسؤليتها أحد مفسري القرآن وهوالسيد محسن قراءتي حفظه الله،عمله هو هذا ، ويعتبرها أفضل من أي منصب أو عمل، أنه يدعو إلى الصلاة ولديه برامج فيها ، وهذا مجرد اقتراح لأهل المساجد وإداراتها أن يتطلعوا على هذا الجانب فهناك ابتكارات كثيرة في الدعوة للصلاة.

فمثلاً نحن عندما نريد الدعوة للصلاة نأتي بمجلس قراءة ونتحدث عن الصلاة مثل حديثي الآن ، لماذا لانفكر في أمور جديدة ، مثلاً لو أتينا بلاعب معين مشهور يعتبره اشباب قدوة لهم و حضر للمسجد وصلى وارسلنا صوره للشباب فهذا يربط الشباب بين النجاح والبطولة مع الصلاة ، لايجعله يعتقد أن الصلاة للمتخلفين وماشابه ذلك.

أو نأتي بممثل أو ممثلة أو عالم شاب أو مخترعة شابة و يؤخد لهم صورة وهم يصلون فله تأثيره في نفوس هؤلاء الشباب ،فلا يجدوا أن مثلهم الأعلى تلك المتهتكة أو الخليعة بل ترى أنها ملتزمة محافظة على الصلاة فتدفعها هي الأخرى للصلاة لأنها ترى أن تلك التي وصلت لمرحلة النبوغ والنجاح أيضا ملتزمة بالصلاة وأمثال ذلك كثير.

نحن نحتاج للإبتكار في الدعوة للصلاة والإبلاغ عنها ، أن تكون هناك لجان وجماعات في كل مسجد في كل حي للمحافظة عليها لأنه لوتركت هكذا فمن الممكن أن يضعف خط الصلاة.

تجليات البعد العبادي في الصلاة

الصلاة التي حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وآل والأئمة من بعده ، وهي آخر وصايا الأنبياء .

فهم عليهم السلام الذين يجسدون المثل الأعلى في الالتزام الديني ، كانوا يُولون الصلاة عناية فائقة ، لإدراكهم الواعي والعميق لأبعادها وأسرارها وفضيلتها ، وتفاعلهم معها وانفعالهم بها .

فنجده (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لصاحبة بلال:( يا بلال أقم الصلاة وأرحنا ) المزي، تهذيب الكمال، ج 23، ص 107.

وكذلك كان الإمام الحسين (عليه السلام ) الذي قاتل في ميدان الحرب وضحى بنفسه من أجل الصلاة التي هي عمود الدين ، نرىاه على الرغم من المعاناة التي كان يقاسيها في تلك الليلة العصيبة قد استمهل القوم ليلة العاشر من محرّم كي يصلّي لله تعالى فيقول لأخيه أبي الفضل العبّاس: (ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار.( تأريخ الطبري ٣: ٣١٤، الإرشاد: ٢٣٠، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي ١: ٢٤٩،الكامل في التأريخ ٢: ٥٥٨، اللهوف: ٨٨، البداية والنهاية ٨: ١٩٠، بحار الأنوار ٤٤: ٣٩١، العوالم 17: 242، وقعة الطف: 193 مع اختلاف.

رغم كلّ الظروف التي تبعث على اليأس والضعف ، تراه قد اهتمّ بإقامة الصلاة في ذلك الوقت العصيب وفي ظهر عاشوراء عندما صاح أبو ثمامة الصيداوي مذكرا بها وبوقتها ، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه و صلى بهم صلاة الخوف قصراً وسهام الأعداء تنهال عليه بالرغم من استمهاله إيّاهم لإقامتها !

الصلاة هي عمود الدين التي لا تترك بأي حال من الأحوال.

فنجد أنّ الحسين عليه السلام الذي صلّى الظهر صلاة الخوف ، كان أعداؤه يخافون من صلاته ، لأنّهم وجدوا فيها سلاحاً لتأجيج المشاعر وصحوة الضمائر ، لذلك حاولوا بشتى السبل أن يمنعوه من إقامة شعائر الصلاة ، خصوصاً وانّه لم ينس أو يتناس الصلاة ، حتّى في أحرج ساعاته قدوة بأبيه علي عليه السلام الذي لم يؤخّر صلاته المفروضة في أحرج ساعات الحرب ، وخاصّة في ليلة الهرير يوم صفين. فصفّ قدميه لوجه الله مصلّياً ، والحرب قائمة على قدم وساق من حوله ، ولما لاموه عليها ، بيّن لهم أن حربه أساساً كانت لإقامة الصلاة ، التي تنهى عن المنكر والبغي ، وكان ابنه الحسين عليه السلام يسير على منواله .

هذا الثبات المنقطع النظير هو ثمرة من ثمار الصلاة التي أذهلت أعداءه و أخافتهم و أرعبتهم.

وبذلك أعطى الإمام الحسين (عليه السلام) الأمة درساً في وجوب المحافظة على الصلاة، والإتيان بها في الشدة والرخاء ، في السلم والحرب، في القوة والضعف، فهي لاتسقط بحال.

وبجهاده وتأكيده على الصلاة قد بث روح أقامة الصلاة في قلوب المؤمنين، وأن إقامة الصلاة يعني إنتصار النبي(صلى الله عليه وآله) وانتصار ثورته(عليه السلام) التي تعني إنتصار رأس الإسلام على رأس الشرك.

في رسالة للأجيال المؤمنة أنه ليس بين الكفر والايمان سوى ترك الصلاة .

وقد ورد في زيارة وارث (  أشهد أنك أقمت الصلاة ) هذا هو الدين ..

جعلنا الله و إياكم من المقيمين لها والمحافظين عليها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخوئي، منهاج الصالحين، ج 1، ص 195؛ السيستاني، الفتاوى الميسرة، ص 192؛ السيستاني، منهاج الصالحين، ج 1، ص 239؛ الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 192. (2)  اليزدي، العروة الوثقى، ج 1، ص 725؛ الخوئي، منهاج الصالحين، ج 1، ص 195؛ الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 191؛ السيستاني، منهاج الصالحين، ج 1، ص 239.

 

 

 

 

 

 


 

 

مرات العرض: 4096
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2565) حجم الملف: 45552.39 KB
تشغيل:

آفاق المعرفة في خطبة العقيلة زينب عليها السلام
دور المنبر الحسيني في بقاء التشيع