نظرة جديدة في آفاق حديث الثقلين
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/3/1436 هـ
تعريف:

نظرة جديدة في آفاق حديث الثقلين

شهادة الامام الحسن العسكري

 


تفريغ نصي الفاضل عبد الله العسكري
قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإن اللطيف الخبير قد أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة" صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

بمناسبة شهادة إمامنا الحادي عشر الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام، يكون حديثنا - بإذن الله تعالى - في حديث الثقلين ومحاولة استجلاء بعض آفاق هذا الحديث الشريف.
لابد في البداية أن نبين أن هذا الحديث المبارك يتمتع بأهمية فائقة جدا لجهات سوف نتعرض إليها. إذ ينقل عن أعاظم الطائفة ومراجع التقليد فيها عنايتهم الكاملة بأن يكون هذا الحديث محلا للتدارس والتباحث ليس فقط على مستوى حلقات الحوزات العلمية بل إلى ما هو أعظم من ذلك، وهو أن يكون محورا للبحث بين المسلمين. وذهبوا إلى أن هذا الحديث من الممكن أن يكون طريقا للتقريب بين المذاهب الإسلامية وبين أتباعها في هذا الزمان، فإنه ينقل بعض تلامذة مرجع زمانه زعيم الطائفة السيد البروجردي - رحمة الله عليه -  أنه كان كثير التأكيد على هذا الحديث، وعلى أن يتم البحث فيه وكان يقول أنه أجدى وأنفع من النقاش بين المسلمين في القضايا التاريخية الخلافية.
ويستنتج من هذا التأكيد أن هناك قضايا ذات صبغة تاريخية، النقاش فيها ليس في نفعه كمثل النقاش في حديث الثقلين نظرا لأن هذا الحديث يعيّن المرجعية الدينية للأمة الإسلامية في هذا الزمان. وبالتالي فهو ذو نفع مستمر وحاضر.

كما نقل أيضا بعض تلامذة السيد الميلاني رضوان الله عليه -احد اعاظم الطائفة في زمانه- شيئا من هذا القبيل وأن التقريب بين المذاهب ومحاولة التوفيق بين أتباعها ينبغي أن تكون مقدمته البحث في حديث الثقلين. فالبحث في هذا الحديث والتأمل فيه ليس قضية تاريخية قد انقضت وليس أمرا خاصا بشيعة أهل البيت عليهم السلام  وإنما هو قضية حاضرة وتهم عموم المسلمين في هذا الزمان أيضا عندما تشخص لهم المرجعية الدينية التي يؤخذ منها العقائد والفقه والاخلاق وهم الثقلان المذكوران في الحديث الشريف. هذه جهة اهمية لهذا الحديث. 
جهة أهمية أخرى ترتبط بدرجة اعتباره، فبعض الأحاديث ليست قوية السند بما فيه الكفاية لتقنع الطرف المقابل. وهذا الحديث من الأحاديث التي تجاوزت حد التواتر. فإنه قد نقل هذا الحديث عن رسول الله قرابة ثلاثين صحابيا. وقد ذكروا أن التواتر قد يحصل بسبعة أشخاص فما ظنك بثلاثين راويا متعددي الأماكن بل حتى الاتجاهات. وأما من نقله في كتبهم من علماء مدرسة الخلفاء فيتجاوز ٢٠٠ كتاب نقلوا هذا الحديث
طبعا اذا نقله ٣٠ صحابيا .. لو فرضنا أن كل صحابي ينقله إلى واحد فقط، وكل واحد ينقله إلى واحد فقط وهو أدنى شيء لأن عادة من يسمع حديث سيما إذا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد أن يبلغه وأن يوصله الى سائر الناس ولا يكتفي بواحد أو خمسة  فتتعدد الأفراد و الرواة والنقلة في كل طبقة فيتحقق بذلك ما فوق التواتر، والتواتر عند جميع المسلمين مفيد للعلم وينبغي العمل على طبق الحديث المتواتر.و هذه جهة أخرى من جهات أهمية هذا الحديث.

جهة ثالثة أن في هذا الحديث الشريف آفاقا واسعة جدا في العقائد بحيث مهمات القضايا الكبرى العقدية يمكن للإنسان بشيء من التأمل التدبر أن يستوحيها وأن يستخرجها من هذا الحديث الشريف.

فإذن هذا الحديث له جهات أهمية كبيرة:
أولها أنه من القضايا المعاصرة التي لا تخص شيعة أهل البيت بل تعم في نفعها عموم الأمة حيث يبين لها المرجعية الدينية، فالنقاش في هذا الحديث ليس  مثل النقاش في أن خلافة فلان صحيحة أو غير صحيحة، ليست مثل النقاش في هل  قضية بدر وقعت في هذا التاريخ أو ذاك التاريخ، أو النقاش في أن  فلان قتله فلان أو لا، وإنما هي قضية حاضرة معاصرة، ولهذا كان محط توجيه واهتمام علمائنا الأعاظم لاسيما أولئك الذين حملوا على عاتقهم أمر التقريب بين المسلمين وإنقاذ الأمة بما هي أمة إسلامية.
يضاف إلى ذلك أن هذا الحديث يعتبر بحجم وعدد من رواه من الأحاديث المتواترة وأيضا فيه أبعاد عقائدية وآفاق متنوعة يمكن للإنسان أن يستكشفها.
سوف نحاول في هذا القسم الأخير إلقاء نظرة استكشافية على بعض الأفاق التي يمكن أن تستنبط من هذا الحديث الشريف.
اول ما يصادفنا في هذا الاتجاه ان هذا الحديث الشريف يعبر بتعبير الثَقَلين (بعضهم يقرأها الثِقلين وبعضهم يقرأها الثَقَلين)
وببعض المناسبات الثَقَل هو الأصح وهذا يحتاج بحثا لغويا، ولكن باختصار، وبمثال..
عادة المسافر يتخفف من كل شيء باعتباره في حالة السفر، فيتخفف من كل شيء ويبقي المقدار الذي لا بد منه وهذا يقال له ثَقَل
وهذا الحديث جاء بعدة صيغ في مقدماته ومؤخراته  لكن أصل المتن واحد. فمثلا في بعض الصيغ يقول: "يوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثَقَلين" وكأنما  يقول أنا  لا أستطيع أن أبقي لكم كل الاشياء، أو أوصي بكل الأشياء مثل المسافر الذي يجب أن يتخفف من كل شيء عدا الشيء الذي يجب أن يهتم به ويوصي به وهو الثَقَل الذي لا يمكن التخلي عنه. فالنبي في حالة سفر إلى الآخرة - يوشك أن يدعى إلى الآخرة فيجيب - فإن لم يوصي بكل شيء فلا بد أن يوصي بهذين الثقلين"
لذلك راى بعض العلماء ان لفظة الثَقَل هي الأصح والأولى.

أولا: كتاب الله ..  لماذا استخدم رسول الله هذا اللفظ و لم يقل القرآن أو  الفرقان أو كلام الله  أو ما شابه ذلك.
هناك احتمال ولعله هو الواضح، أن هذه الكلمة تدل على  معنيين مهمين.
المعنى الاول هو ما يذهب إليه علماء الامامية من أن القرآن الكريم في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،  كان مجموعا وكاملا وتاما ككتاب.
وهذا يعني أن ما قيل عن جمع القرآن فيما بعد سواء في أيام الخليفة الأول على رواية، أو أيام الخليفة الثاني على رواية،  أو أيام الخليفة الثالث على رواية أخرى. بغض النظر عن اختلاف تلك الروايات وتضاربها - وهذا ما أشار له مرجع الطائفة في زمانه السيد الخوئي في كتابه البيان في تفسير القران - قال ان هذه الروايات متعارضة في عدة جهات ومتهافتة من عدة نواحي بالإضافة إلى ذلك عندما يقول النبي "الكتاب" فهذا يعني أن هذا الكتاب مجموع، فلا يصح أن تقول لشخص أنا سأعطيك كتابا القسم الأول منه هنا، والثاني في المسجد والثالث في بيتكم والرابع في المخزن - هذا لا يكون كتابا -. الكتاب يعني شيئا كاملا من الغلاف إلى الغلاف تضمه وحدة موضوعية. ولو قلت أنني مثلا طبعت كتاب "مفاتيح الجنان" وأزلت منه عشر صفحات، سيقول الناس أنك لم تطبع الكتاب كاملا فهذا ليس كتاب مفاتيح الجنان. حتى ورقة واحدة لو أزلتها سيقولون هذا  ليس كتاب فلان الكامل، هذا ناقص.
فعندما يقول الرسول "كتاب الله" فمعنى ذلك لا بد أن يكون شيئا كاملا من أوله إلى آخره وهو مجموع، وهذا الرأي هو ما يذهب إليه علماء الإمامية من أن القرآن الكريم قد تم جمعه في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مؤلفا في وحدة واحدة، لم يكن هكذا كما قالوا فيما بعد: أنهم كانوا طفقوا  يجمعونه من العُسب (ما فوق كربة النخل) واللخاف والجلود وما شابه ذلك، ليس الأمر هكذا.
القرآن كان مجموعا في زمان رسول الله ولهذا تحدث عنه وقال إني تارك فيكم - هذا الكتاب - الكتاب الكامل والكتاب المجموع
فمن حديث الثقلين نستفيد أن كتاب الله عز وجل  القرآن الكريم كان مجموعا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتوصيات بهذا الكتاب في الحديث منصبة عليه .. انظروا كتاب الله وأي حديث يأتيكم عني "اعرضوه على كتاب الله" فليس من المعقول أن يكون كتاب الله مفرقا وموزعا - جزء في الشمال وجزء في الجنوب - والنبي يقول اعرضوه على كتاب الله فلا بد أن يكون شيئا  موحدا وواضحا ومجموعا.
فأول ما يستفاد من هذا الحديث الشريف أن كتاب الله عز وجل كان مجموعا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه قد ترك ذلك الكتاب المجموع الكامل إذ لا يعقل أن يترك شيئا ناقصا لهدايتهم.
لنفرض مثلا أننا صدقنا رواية أنه جمع في أيام الخليفة الثالث، يعني بعد وفاة رسول الله ص بحوالي عشرين سنة من سنة 11هـ وحتى سنة 31 هـ ، فكيف كانوا يتعاملون مع الأحاديث طول هذه المدة، والحال أن القرآن الكريم  لم يكن مجموعا!

الأمر الآخر .. نستفيد من الحديث  قضية الاقتران التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الكتاب وبين العترة حيث قال : "ألا وإن اللطيف الخبير قد أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض".
هذا نستفيد منه أمورا كثيرة
الأمر الأول: نستفيد وجود الإمام في كل زمان إلى يوم يلقى الناس ربهم ويردون على الحوض، لماذا؟
لأنه لو فرضنا أن زمانا من الأزمنة قد خلي وفرغ عن إمام فقد حصل الافتراق، عندها يكون القرآن موجود والإمام غير موجود فلا يوجد إمام في هذا الزمان كما عليه رأي المدرسة الأخرى.
و النبي يقول في الحديث المتواتر أن الله أخبره أنهما لن يفترقا فإذا لم يكن هناك إمام أصلا فمعنى ذلك أن الافتراق بين القران وبين العترة قد حصل وقد أخبر النبي أن الله تعهد بعدم افتراقهما وانهما مقترنان لا ينفكان من زمان وفاة رسول الله الى أن يرد الناس على الحوض وينتهي زمان التكليف.
 فنستفيد من هذا أيضا في مبحث الإمامة، أن وجود الإمام في كل زمان ضرورة دينية لكي لا يحصل تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،  في حديث الثقلين من أن الكتاب والعترة لن يفترقا .
لن يفترقا يعني أنهما لا بد أن يكونا موجودين في نفس الزمان، فالقرآن موجود عندنا الآن فإذا لم يكن الإمام موجودا أيضا عندها يكون الافتراق حاصلا. إذن فنحن نستفيد من هذا الحديث في مباحث الإمامة، لزوم وجود الإمام من العترة في كل زمان من الأزمنة إلى أن ينتهي زمان التكليف ويرد الناس إلى الحوض، هذا أمر ثان.
أمر ثالث : ينفعنا في قضية علم الإمام وكمال القرآن من جهة أخرى. إذ نعتقد نحن الإمامية -وهذا يستكشف أيضا من الحديث الشريف- أن القرآن الكريم كامل لا يوجد فيه نقص ولا يوجد فيه تحريف ولا زيادة على الاطلاق.  لأن المقصود من عدم الافتراق عدم الافتراق المعنوي أيضا بمعنى أنه لا يمكن أن يكون كلام القرآن مخالفا لكلام الإمام ولا العكس فإذا فرضنا - لاسمح الله - أن القرآن كان ناقصا آية أو آيات أو زائدا آية أو آيات عندها من الممكن أن يفتي الإمام على خلاف ما جاء في القرآن وهنا يحصل الافتراق.
ولو فرضنا أن آية ما ليست موجودة في القرآن، وأفتى الإمام بفتوى والقرآن ناقص، فيحصل هنا الاختلاف أيضا.
على سبيل المثال،  في موضوع الاستنساخ البشري أو موضوع الأسهم جاء الإمام و أفتى بفتوى وكانت هناك آية في القرآن في هذا الموضوع وحذفت، هنا أيضا يحصل الافتراق. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال "لن يفترقا"
من خلال هذا الحديث الذي يثبت عدم افتراق وانفصال الإمام والعترة عن القرآن نستنتج  أحد الأدلة على تمامية القرآن وعدم وجود نقص فيه أو خلل ونستنتج أيضا إحاطة الأئمة عليه السلام بعلم القرآن الكريم كما أخبر القرآن في قول الله عز وجل "قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب"

علم الكتاب كان موجودا لدى أمير المؤمنين عليه السلام بكامله وهو موجود أيضا لدى أئمتنا جميعا بتمامه وكماله ولا يختلف أحدهم عن الآخر في هذه الجهة - جهة العلم بكتاب الله وأحكامه والإحاطة بمرادات الله عز وجل في آياته - وكلهم في هذه الجهة علماء محيطون.
كيف نكتشف هذا من الحديث الشريف؟
لنفترض أن الإمام لم يعرف مسألة واحدة (فقط مسألة واحدة) وقال لا أعلم ولا أعرف الحكم في هذه المسألة - كما سئل غيرهم وقالوا بعدم علمهم بل ربما بعضهم عاقب بعض السائلين عندما عجز عن الإجابة - ففي هذه الحالة يحصل الافتراق.
و لم ينقل ولو كذبا أن واحدا من الأئمة سئل شيئا من القرآن فقال ليس عندي علمه، فكانوا يُسألون فيجيبون ويعرف هذا حتى أعداءهم

فلو سأل أحد أمير المؤمنين عليه السلام مسألة لم يعرفها، وكان الإمام ليس محيطا بعلم الكتاب ولو في مسألة واحدة، ويجيب بأنه لا يعلم حكم أو تفسير آية ما  فعند ذلك يحصل الافتراق.

لا بد ليكون هذه الحديث صادقا عن رسول الله ص وتاما أن نعترف أن علم الكتاب كان موجودا لدى آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

أيضا يضاف إلى هذا السياق أن الحديث يبين لنا عصمة الأئمة عليهم السلام، ققبل إثبات أصل وجود الإمام، يثبت هذا الحديث أن القرآن كان مجموعا في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن ما ينقل من روايات التاريخ الرسمي التي تقول بأن القرآن قد جمع على يد فلان أو فلان أو فلان روايات لا مصداقية لها. يمكن أن يكون المقصود بتلك الروايات توحيد للنسخة، لكن أصل الجمع، وجعل هذه السورة في هذا الموضع والأخرى بجوارها وأن يكون القرآن كتلة واحدة، فهذا  كان موجودا ومجموعا في زمان رسول الله وإلا لا يكون هناك معنى لأن يخلفه الرسول في أمته أو يتركه في أمته، بل حتى مجرد الإشارة إليه على أنه كتاب الله يعني كتاب الله الكامل، فأي كتاب تشير إليه وتقول هذا كتاب فلان فيفترض أن يكون هذا كتابا كاملا.

لنلخص من جديد ما يحويه هذا الحديث الشريف من إشارات:
1. في مباحث الإمامة، يشير إلى أصل وجود الإمام: لو لم يكن إمام موجود في زمان من الأزمنة يحصل الافتراق
2. يشير إلى علم الإمام: فعدم علم  الإمام بآية ولو كانت واحدة من القرآن الكريم يعني حصول الافتراق هنا
3. يشير إلى كمال القرآن وعدم طروء النقص أو الزيادة عليه
4. عصمة الأئمة عليهم السلام: وذلك لأن الشخص غير المعصوم قد ينسى حكما، وقد تغلبه شهوته فيغير بعض أحكام الله، أو قد يميل إلى جانب دون آخر، أو على الأقل يسهو ويغفل وينسى، فلو فرضنا أن الإمام نسي بعض الأحكام، وأفتى على ما في ذهنه ونسي، حينها سيفتي الناس بأحكام تخالف القرآن وهنا يحصل الافتراق.
الحديث الشريف يقول أن القرآن والعترة لن يفترقا، لن ينفصلا ، لن يتأخر أحدهما عن الآخر واستخدم النبي صلى الله عليه وآله كلمة "لن"

يقول علماء اللغة العربية "لن" تأبيدية تختلف عن "لا" ولهذا نجد في قول الله عز وجل:  "لن تراني" ونستطرد هنا للإشارة إلى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطأ من أن الله يُرى في يوم القيامة، فعند بعض الفرق في مدرسة الخلفاء أن الله عز وجل  لا يرى في الدنيا ولكن يرى في يوم القيامة - فيقولون أنه يمكنك أن ترى الله والعياذ بالله  في يوم القيامة -  وينقلون حديثا هو في رأينا غير صحيح  عن رسول الله حاصله "إنكم لا تضامون في رؤية ربكم يوم القيامة كما ترون البدر في ليلة تمامه" عندنا هذا الحديث حديث غير صحيح وأن رؤية الله ممتنعة بنص القرآن الكريم بعد الأدلة العقلية وقبلها "لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" " ولا يحيطون به علما"

ونشير هنا إلى أن نبي الله موسى لما سأل ربه أن يراه،  كان استجابة لكلام قومه وإلا فإن الله سبحانه وتعالى يعلم أن موسى لايسأل هذا السؤال وموسى أسمى من أن يسأل مثل هذا السؤال وقد ورد في الروايات أن الله أوحى إليه "سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بذلك" قال رب أرني أنظر إليك فكان هذا طلبهم وسؤالهم لأنهم رافقوه حتى يسمعوا كيف يكلم الله نبيه موسى، ولما سمعوا الصوت لم يتقبلوا الأمر وشككوا فيه، وطالبوه بأن يروا الله ليصدقوه ويطمأنوا، فغضب منهم، فقال لهم أن هذا لا يكون وأن الله لا يرى فأوحى إليه الله  "سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بذلك" وأراد الله أن يريهم قدرته  "فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا" وكانت الرسالة الموجهة لهم أن الجبل الصلب الصلد  لم يتمكن من تحمل رشحة من نور الله عز وجل، فكيف بكم أنتم أن تتحملوا أشعة من نور الله فضلا عن رؤيته. فالله تعالى قال في الآية "لن تراني"  والمقصود لا في هذه النشأة الدنيا ولا في الآخرة ولا في يوم القيامة، فعندما يأتي أحدهم راويا حديثا عن رسول الله أنكم ترون ربكم فلنتذكر أن الرسول أخبر أن الكذابة أو الكذبة يكثرون عليه فقال "ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه و ما عارض (أو خالف) كتاب الله فاضربوا به عرض الحائط". وعندما نعرض هذا الحديث على كتاب ربنا نرى أن الله يقول لنبيه موسى -وهو النبي المقرب- "لن تراني" و "لن" هنا  يعني مؤبدا ، نهائيا وفي آية أخرى "لا تدركه الأبصار"

الشاهد هو  أن "لن" للتابيد ليست لزمن معين فالمعنى أنهما لن يفترقا  للأبد في أي حال سواء أكان سهوا،  عمدا،  نسيانا،  تذكرا،  جهلا،  علما ..فالثقلان لا يوجد بينهما افتراق فلا يمكن أن يخطئ الإمام ولو على سبيل السهو والنسيان في مسألة أو حكم شرعي أو فعل من الأفعال لأن ذلك يعني أنه قد افترق عن كتاب الله ، فإن قام الإمام بأحد الأعمال أو أرشد إلى حكم شرعي، نسيانا، أو سهوا ،أو غفلة وتبين أن هذا ليس في القرآن فحينها أيضا يحصل الافتراق. وقد قال النبي "لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة"

وهناك أبعاد أخرى أيضا في هذا الحديث يمكن أن تستكشف.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم،  وهو يريد الارتحال من هذه الدنيا  خلّف في الناس هذا الكنز العظيم ولو أن الأمة الإسلامية في هذا الزمان انشغلت به - ومع الأسف لم تنشغل بهذا الحديث، بل على العكس عادة ما تتوجه النقاشات والحوارات إلى الأمور المثيرة للتشنج، والتعصب، والحدة، والشتم، والمهاجمة، والمهاترة، وعادة  لا تنتهي هذه النقاشات  إلى نتيجة صحيحة وسليمة - لكانت أقرب إلى نهج الله عز وجل.

متى يمكن للأمة أن تقترب من بعضها البعض وأن تقترب إلى نهج الله عز وجل؟
عندما تعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فالنبي جاء ومعه آلاف الأحكام، والأمانات، والقضايا المهمة لهذه الأمة، لكن الشيء الذي أكثر من الوصاية به والتأكيد عليه كان "عترتي أهل بيتي" و"كتاب الله" وتعددت الروايات فمرة يقول "حبل ممدود بين السماء والأرض أحدهما أكبر من الآخر" و "حبل ممدود بين السماء والأرض كتاب الله و عترتي أهل بيتي ألا وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض" و "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا"  و "إني مخلف فيكم".. وهكذا
وهناك روايات أخرى فيها إشارات "فانظروا كيف تخلفوني فيهما" تخلفوني وليس تخلّفوني أحيانا يقرؤها البعض تخلّفوني وهو غير صحيح. التخليف يكون من النبي والخلافة منا نحن المسلمين. وقد جاء في القرآن الكريم في قضية نبي الله موسى قال: "بئسما خلفتموني" ولم يقل خلّفتموني.
فمعنى تخلفوني هنا: أي انظروا كيف تقومون بخلافتي فيهما؟ كيف هي أمانتكم وخلافتكم لي في ما يتعلق بعترتي وماذا تصنعون؟ وأنكم ستردون علي الحوض وحينها أحاسبكم عن ذلك. و قد قال النبي هذا الحديث مرات كثيرة وهذا يبين شدة اهتمامه. وللأسف بعض غير العارفين والمدققين لاسيما من أصحاب الجدل الذين لا يريدون الانتهاء إلى الحق، يشكلون على اختلاف النصوص في هذه الرواية ويدّعون وجود تعارض بين النصوص فيقولون مرة تروون بنص يقول تارك فيكم، ومرة بنص يقول مخلف فيكم، ومرة بنص فيه زيادة.. فنقول أن لا تعارض هناك بل على العكس ، هذا يبين شدة اهتمام النبي بهذا الحديث فكان يلقيه في أماكن متعددة، على أشخاص متعددين، في مناسبات مختلفة ، وهنا نقارن بين شخص جمع أشخاصا  وألقى عليهم حديثا مرة واحدة وانتهى، وبين شخص ينتهز كل فرصة ومناسبة ليلقي نفس الحديث، في المسجد، أو في جماعة قل عددهم أو كثر، في جلسة خاصة، في حرب أو في سلم ويستفيد من كل فرصة ومناسبة للتأكيد على هذه المعاني فأيهما يريد التأكيد أكثر؟!
الأصل أن هناك ثقلين مهمين هما  كتاب الله والعترة تركهما رسول الله في الأمة وأمرهم باتباعهما فهذا الأمر ثابت في كل هذه النصوص على اختلافها ، فبعض هذه النصوص فيه زيادة مثلا "لا تقدموهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا" فربما يرى أن هناك جماعة تحتاج تأكيدا أكثر فيضيف هذه الإضافة ، وفي مكان آخر يرى أنه يريد من جماعة أن تسمع منه مباشرة للنقل إلى غيرهم من الناس فينقل لهم المتن الأساسي للحديث. ولذلك تعددت صيغ الحديث في مقدمها وفي مؤخرها ولكن المتن الأصلي المطلوب، والمعنى المطلوب كان واحدا في كل هذه النصوص.

نسأل الله سبحانه  تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بقرآنه الكريم وأن يعيننا على الاقتداء بعترة نبيه العظيم صلوات الله وسلامه عليهم
وأن يجعلنا من الذين يخلفون النبي في عترته بأحسن الخلافة ويتمسكون بهذين الثقلين أحسن التمسك، ونشير هنا إلى أن التمسك يختلف عن الإمساك - يقولون في اللغة العربية كلما زاد المبنى زاد المعنى - فالتمسك أشد ويحتاج إلى قوة وشدة أكبر، وهذا يبين أيضا أن التحديات تحديات كبيرة. فالأمر الهين يكفيه الإمساك، أما التمسك فهو يتناسب مع حالة التحدي والصعوبة. الالتزام بمنهج آل محمد عليهم  السلام يحتاج إلى تمسك نظرا لأن به تحديات كبيرة والالتزام المطلوب منك أيها المؤمن التزام استثنائي. الإمام الصادق عليه السلام يشير لهذا المعنى عندما يريد أن يرفع أفق الإنسان إلى أعلى مستوى يقول: "لا يكون من شيعتنا من يكون في مصر فيه عشرة آلاف ويكون فيهم أفضل منه" يعني إذا كنت في مجتمع أو قرية فيها عشرة آلاف إنسان فيلزمك - باعتبارك من السائرين على منهاج آل البيت عليهم السلام - أن تكون الأفضل بينهم. الأفضل تدينا، الأفضل أخلاقا، صلاة، صياما، تعاملا، الأحسن في كل شيء. وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الإنسان، لذلك تحتاج إلى تمسك بالقران الكريم، غيرك يتمسك بالشهوات، وأنت تتمسك بكتاب الله، غيرك يذهب إلى غير الصراط المستقيم وأنت تتمسك بعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهنيئا لهذا الإنسان المؤمن تمسكه بآل رسول الله صوات الله وسلامه عليهم وبكتاب الله عز وجل، فإنه عندئذ يكون يخلف رسول الله في  وصيته أفضل الخلافة، لا كما فعل طواغيت الأزمنة السابقة بل واللاحقة من أنهم أساؤوا الخلافة في كتاب الله و أساؤوا الخلافة أكثر في آل بيت رسول الله، حتى لقد ظلموهم واضطهدوهم وحتى قالت تلك المرأة من أهل البيت :
ماذا تقولون إن قال النبي لكم **** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ****  منهم ضحايا ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم **** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
فعلى الأقل إن لم ترد أن تتبع - يا أيها الطاغية الحاكم - آل بيت رسول الله ، لماذا تتعقبهم بالقتل والأسر والسجن.

هذا إمامنا الحسن العسكري عليه السلام، فهل تعلم كم كان عمر الإمام الحسن العسكري ع عندما استشهد؟ كان عمره  28 سنة فقط.
ماذا فعل الإمام العسكري عليه السلام  ببني العباس حتى سجنوه مرارا.  فترة إمامته كانت ست سنوات فقط أدخل خلالها السجن ثلاث مرات بعضها مع أبيه الإمام الهادي عليه السلام وبعضها منفردا . ما الذي فعله لهم الإمام العسكري عليه السلام وهو بضعة رسول الله ولحمه وذريته الذين أمر الناس بالإحسان إليهم والتقرب إلى رسول الله بإكرامهم، فهل يكون إكرام رسول الله أن يسجن ابنه وحفيده وذريته، وهل إكرام رسول الله أن رجلا عمره 28 سنة يدس له السم النقيع بواسطة المعتمد العباسي.
شاب في عنفوان الشباب لم يقض وطره من أداء خدمته الدينية، فهو شابه أمه الزهراء سلام الله عليه في صغر العمر والسن.

 

مرات العرض: 3379
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2586) حجم الملف: 27345.35 KB
تشغيل:

الرحمة المطلقة في مجتمع القسوة
رؤية حول صلح الامام الحسن ( المولد )