بناء الأمل في بيئة الإحباط
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/1/1435 هـ
تعريف:

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بناء الأمل في بيئة الإحباط

 

قال الله تعالى :(يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

الآية من سورة يوسف تتحدث عن الفترة التي أعقبت إبقاء أخي يوسف الشقيق في أرض مصر معه وعودة بقية الأخوة إلى أبيهم لكي يذكروا له أن أبنك قد سرق (وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ) وكان توجيه يعقوب لأبنائه أن اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه التحسس يختلف على رأي بعض فقهاء اللغة عن التجسس فيما أن التجسس: عادة هو تتبع الأمور السيئة من الطرف الآخر وقد ورد في القرآن النهي عنه في قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا).

بينما التحسس:هو أشمل و من الممكن أن يكون تفتيش عن الأمور الحسنة والجيدة فاستخدمت هذه الكلمة في الآية المباركة باعتبار إن نبي الله يعقوب كان يريد من أبناءه أن يذهبوا للبحث عن يوسف وأخيه باستخدام حواسهم السمع_البصر وإذا كان أمر البحث عن أخي يوسف الذي سجن بناء على أنه وجدت السقاية في رحله فهذا شيء طبيعي نظرا لقصر المدة أما التحسس والبحث عن يوسف الذي مر على مفارقته لأبيه سنوات طويلة والعنوان الرسمي أنه قد أكله الذئب وبالتالي انتهى أمره فأن يطلب منهم نبي الله يعقوب بالبحث عنه بعد هذه المدة الطويلة وبعد كون العنوان الرسمي لغيابه أنه قد أكل وانتهى فلابد أن يثير في الذهن هذا السؤال أنه كيف وهذا طلب غير معقول هنا يأتي قوله تعالى : (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ) كأن القضية ليست ضمن القضايا الطبيعية القريبة الحدوث الحصول  فيقول لهم :(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ)

رَوح : تختلف عن ُروح فالروح مقابل البدن يقال الإنسان فيه روح وبدن

أما رَوح : فهي بمعنى الفرج ،الإسترواح

إنسان مثلا : يسجن في مكان ضيق مخنوق يقول أخرج أستروح فيهب عليه روح من ربه تعادل الرحمة تعادل الفرج بعد الضيق(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)

اليأس من روح الله لماذا ينتج الكفر ؟

ينتج الكفر نظرا لإن اعتقاد الإنسان أنه لن يفرج الله عز وجل وهذا نابع من أحد أمرين:

 أما أن الله لا يقدر على ذلك وهذا نسبة العجز لله وسلب صفة القدرة وهذا يعد كفرا  .

وأما هو قادر ولكن بخيل يقدر و لا يفرج عنا لا يرسل روح منه لا يعطي الناس ما يريحهم  عنيد وهذا سلب صفة الرحمانية والرحيميية والكريمية من الله والعكس أن الله كريم ورحيم وهي بالالتفات تنتهي للكفر .

وفي الآية المباركة تشير إلى أن حالة اليأس أحيانا تتحول وتكون مقاربة للكفر فعندما يعتقد إنسان أن الله لن يغير الحال لن يفرج لن يصنع شيء أفضل مما هو الآن هذه تصل الى مرتبة الكفر. فاليأس من روح الله أو التعبير المعاصر لها وهو الأحباط الداخلي قد يكون في فرد وقد يكون في مجتمع فهناك بعض الأفراد في حياته الخاصة يعتقد أن لاشيء حسن سيحدث والمستقبل أسوأ من الماضي في رأيه والأمر يسير من سيء إلى أسوأ وأن لا شيء سيتغير للأحسن فيه حالة من الإحباط في داخله هذا بالنسبة لشخص .                

أحيانا وهو الأسوأ عندما تكون مجموعة بشرية يائسة ومحبطة هنا القضية أكثر إشكالا فعندما يكون المجتمع مجتمع محبط ويائس ويتوقع أن لاشيء جيد سيقع وان الأمور الآتيه هي أسوأ من مما مضى هنا المشكلة تكون أكبر لأن المجتمع حينها سيتحول الى كتلة سلبية متوقفة. فكيف نستطيع أن نبني الأمل في مثل هذه المجتمعات والتي منها مجتمعنا الاسلامي والشيعي يتأثر بدرجة وأخرى بحالات الإحباط واليأس هذا يحتاج أن نفكر سويا  في بعض الأسباب المرتبطة بحصول هذه الحالة فلم تحصل في هذا المجتمع دون ذاك وفي هذا الفرد دون غيره فهناك عدة أسباب منها:

1- شيوع ثقافة محبطة يائسة هذا على فرض أن نسمي هذا بمسمى الثقافة فهناك كلام في المصطلح : هل يصح إن نسمي الأفكار السلبية الداعية إلى التراجع بمسمى الثقافه هناك بحوث في هذا الصدد.

فهنا وضعت هكذا كتعبير دون النقاش في المصطلح هنا نريد إن نركز على نقطة غالبا ماتغفلها الأذهان وهي دور الأمثال الشعبية في صناعة الإحباط فهي من الأمور المهمة التي ينبغي للباحثين والدارسين دراستها و البحث عنها وهي قضية تتبع دور المثل الشعبي في صناعة ثقافة يائسة ومحبطة والمثل الشعبي مهم جدا ومؤثر فقد يكون تأثير أحيانا أكبر من الكتاب والخطاب لأنه قريب منهم الكبير والصغير يعرفه يتفاعلون معه من بيئتهم ولا يحتاج إلى شرح فهو يؤثر تأثير سريع ومباشر حتى في الإنتخابات بعض الأمثله و الكلمات وأبيات الشعر تسود في  فترات معينة فتصنع سلوكا يائسا ومحبطا فمثلا لو تحدث مع آخر عن العمل في مشروع من مشاريع الخدمة الاجتماعية عادة في كثير من الحالات يتعذر سريعا بأن هناك من يخالفه ويأتي لك ببيت شعر سريع :

أرى ألف بان لا يقوم لهادم      فكيف لبان خلفه ألف هادم

وكأن المجتمع نسبة المخربين والمخالفين للعمل الصحيح هو ألف ضعف وهذا غير صحيح أكثر الناس ميلهم إلى الخير بغض النظر أنه يقوم به أو لا ,وهناك الكثير من المشاريع مثلا : مساجد تحت الإنشاء وغيرها والكثير يتعاون والذي لم يتعاون أما لأنه لم يكن عنده مال أو عنده شيء آخر سيصرفه فيه،لا أن هذا الشخص لا يريد أو سلبي فنسب الخير في المجتمع كبيرة جدا فلما يقول الفرد بيت الشعر السابق فهو يصور صورة خاطئة عن المجتمع وبالتالي ينشر صورة خاطئه عن العمل فلا يعمل ويتحرك وكثير من الأمثلة الشعرية والحكايا الشعبيه تنتشر والدارسين في هذا المجال سيتبين لهم أن عدد من الأمثلة شعرا أو نثرا تنشر آثار سلبية للمجتمع وتشكل ثقافة لهذا المجتمع

فهذه الأمثلة أين وتوجيه القرآن أين ؟

فالقرآن يقول :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)

الذرة الحسنة التي يأتي بها الفرد يثاب عليها. ومنهج أهل البيت يكذب النظرية السلبية

فكربلاء مثلا : قامت على مئة شخص وعملت عليه كل معاول الهدم الرسمية واليوم هؤلاء المئة أصبحوا ثلث المسلمين وأكثر مع كل ذلك التهديم .

فهذا واحد من الأسباب التي تنتهي بتشكيل مجتمع يائس ومحبط وجود فكر متخلف يتشكل تارة في قضايا دينية فأحيانا بعض الأفكار التي تنسب إلى الدين تقوم بدور معاكس للدين والأمثال الشعبية لها دور

2- من الأمور التي قد تنتج الإحباط طلب المثالية في الأمور والمثالية هي : طلب أعلى شيء في أقل وقت وبأدنى الأثمان وهذا لا يحصل عادة

فأنا أريد أن أعمل عمل مريح جدا ساعتين خلال اليوم وأريد أن أصبح ملياردير خلال أسبوع هذا محال فأنت إما أن تقلل المبلغ أو تزيد الجهد أو تزيد المدة أو أحدها أو مجموعها

فهذه المثالية في الأمور تنتهي أحيانا إلى الإحباط

فنحن مثلا : نرى في المجتمع أناس يتحركون في إنشاء مدينة جامعية في هذه المنطقة تفيد الناس والعلم والمنطقة ككل فيأتي شخص و يقول ما فائدة هذا نحن نريد تحصيل الحقوق الكبرى وإلا فما فائدة المدينة الجامعية هذه من المثالية في الأمور فإذا تحقق إنجاز في الجانب الاقتصادي يقول لك ماذا صنعت في الموضوع السياسي وهكذا على سائر الأصعدة فدائما يقول ما قيمة هذا وما قيمة ذاك

 فهناك قسم من الناس إما أعلى شيء أولا شيء كما في المثل :( لو حكيم باشي لو اموتن ) إما رئيس الأطباء وإلا اموت أفضل

هذه المثالية في الأمور وفي الطلبات عادة تؤدي إلى الإحباط  لأنها لا تحدث لأن الإنجازات تراكمية أي مجتمع في الدنيا الإنجازات فيه تراكمية فلا يوجد مجتمع في الكون لم يبدأ من درجة (1)الى درجة(مئة) مباشرة لابد من تدرج في كل القضايا لابد من تراكم واستمرار هذه المدنية والحضارة والإكتشافات التي تتنعم فيها الإنسانية اليوم لم تكن قبل 300 سنة موجودة ووجدت بالتدريج عندما يتعود مجتمع على أنه لا يريد إلا المثالية هذا المجتمع يصاب بالإحباط ومع الأسف أنه قسم من مجتمعنا الشيعي هكذا لأن مقاييسنا الشيعية على أهل البيت : مثلا نريد قائد ولكن كعلي بن أبي طالب لكن الإمام علي لا يتكرر نسخة فريدة

أخلق لك ما شئت من الظروف فعلي بن أبي طالب لا يتكرر أو المقدس الأردبيلي وإلا لا أصلي خلفه القضية ليست هكذا فمقاييسنا ليست مثالية وعالية يحدث إحباط وتراجع هذا الأمر الثاني

وصناعة الإحباط  أيضا قد تأتي من قبل جهات سياسية تتعمد ذلك لكي لا تتحرك المجتمعات في اتجاه النهضة وتطالب بحقوقها فتعوق المسيرة باستمرار حتى تحبط هذه الجهود أما الطرف الأخر الذي لابد من التحدث فيه وهو:

 كيف يبني الإسلام الأمل؟؟

فهناك عناية خاصة على أكثر من مستوى يحاول الدين من خلالها أن يبني في الناس الأمل ومنها أن الدين يقول للإنسان أن عملك لا يمكن أن يضيع فالعمل الصالح يرفعه الله فهذه طبيعية العمل الصالح

(وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) له جذور راسخة مستمرة وله ارتفاع حتى يراه الناس وهذا العمل لا يجب أن يكون كبير ومفصل بل أي عمل يأتي به الفرد (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) وفسرت المؤمنون في بعض التفاسير المعصومون عليهم السلام وبتفاسير أخرى هو أعم   

فأنت تزرع شجرة بعد عشر سنوات تجدها مثمرة أنت تبدأ بناء مسجد بعد عشر سنوات تجد فيه المصلين بكثرة فيرى المؤمين نتيحة عملك فعملك لا يضيع أبدا :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)

لا يقول يرى ثوابه يراه هو وهنا إشارة أنه قد يرى نتائجه في هذه الدنيا كما سيرى نتائجه في الآخرة وهذا شيء واضح فعندما مثلا : يقال كلمة واحدة للإنسان في ظرف من الظروف أنت تتأثر بها

كما هذا البيت الذي قاله عمر بن جندب بن جناده ذلك الغلام الذي عمره عشر سنوات في كربلاء

أميري علي ونعم الأمير     سرور فؤادي البشير النذير

إلى الان هذه الكلمات في محرم تؤثر في قسم من النفوس مع إنها قيلت منذ زمن بعيد ولم يتوقع هذا الصغير أن يكون لها أثار أو إن أحد سيتأثر بها , أو ما ينسب إلى عابس مثلا : حب الحسين أجنني فلم يتوقع عابس إن أجيال من الناس سوف تتأثر بهذه الكلمات وهي كلمة قيلت في عمق التاريخ , فمن يعمل خيرا ومن يتكلم خيرا ومن يقدم خيرا سيرى بل حتى لو حصل فشل فلو تكلم شخص ورأى ما قاله غير صحيح أو حتى لو عمل عملا واتضح لصاحبه أنه غير مجدي الدين هنا يقول لا تتأثر لا تمت كمدا ولا تهمتم لعل الذي أبطأ عني هو خير لعلمك بعاقبة الأمور

فالفرد عليه بوظيفته والقيام بها يعد ويخطط أو يتهيأ  ويستعد ويعمل ولكن فشلت ماذا تصنع الآن تفكر بالأنتحار تشعر باليأس لا لأنه لعل الذي أبطأ عني هو خير لي.

وإذا رأيت ذاك الطرف الأخر الذي يقاوم مشاريعك طرف قوي ويؤثر سلب عندها فحسبنا الله ونعم الوكيل (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

فالتوكل على الله شيء مهم علينا أن نعمل فلسفة التوكل وليست مجرد قضية أخلاقية في جانب بل ان التوكل على الله فلسفة حياة فيعطيك الدين هذا الأمر وإن كانت أمورنا جدا ضيقة وصعبة فلنراهن على المستقبل وهو قائم أل محمد

فالآخرون كل ما يمتد به الزمان يتعب ويسئم تستنفذ طاقته يقل أمله.

اما نحن لا إذا تعبنا أو ضعفنا فهناك قوى يبعثه الله لرفع ضعفك فإذا أكفهرت الأرض وملئت جورا يبعث لنا من يملأها فرجا وقسطا هذا أمر مهم جدا حتى يعطينا رهان على المستقبل فغيرك لا مستقبل له وأنت المستقبل كله بين يد 

مرات العرض: 3419
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2584) حجم الملف: 19720.02 KB
تشغيل:

ثقافة النجاح في الحياة
المجتمعات حين تسقط نفسها