متى تكون إعانة الظالم محرمة ؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 17/9/1433 هـ
تعريف:

متى تكون إعانة الظالم محرمة

?تابة الأخت الفاضلة صفاء السعد

 (ولا تركنوا إلى اللذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لاتُـنصَرُون ). آمنا بالله صدق الله العلي العظيم..
يأتي ذنب الإعانة للظالم على ظلمه ضمن الحديث عن كبائر الذنوب كعنوان من تلك العناوين البارزة في كبائر الذنوب.. فقد ذُكِـر في بعض الروايات بالنص وينطبق عليه أيضا ماسبق أن ذكرناه من أن من مقاييس كون الذنب كبيرا هو أن يُتَوعَّـد فاعله بنار جهنم أو أن يُـلعن بحسب آيات القرآن الكريم, والآية المباركة  تشير إلى أن من يركن إلى الظالم سواء قلنا بمعنى أن الركون إلى الظالم أن يأتي إلى ركنه فيكون  ركنا للظالم أو أن يركن إليه بمعنى أن يكون الظالم ركنا له, وعلى أي التقديرين فهو يدل على شدة الارتباط والالتصاق والتفاعل بين هذا الراكن وبين ذلك الظالم.
والآية المباركة ترتب بفاء السببية مساسَ النار لهؤلاء الناس على الركون إلى الظالم :( ولاتركنوا ...فتمسُّكم)أي أنه  يسبب لكم أن تمسكم النار..
قضية الظلم كما أشرنا لها فيما سبق وبيَّـنا أن نفس الظلم هو ذنب من الذنوب الكبيرة وأنه شيء مبغوظ لله تعالى بمختلف مستوياته, وبقدر ماأن العدل هو صفة محبوبة  من صفات الله عز وجل فإن الظلم مبغوظ وصاحبه ليس بمحل هداية الله , فالله لايهدي القوم الظالمين , وهو ليس بمحل محبة الله , فالله لايحب الظالمين. وقد ركز الفكر الإمامي – فكر أهل البيت عليهم السلام – على أمر العدل في كل المراحل وحارب الظلم في كل المراحل كذلك.. ركز على العدل وكرسه بدءاً من مستوى الأصول الاعتقادية حيث انفرد تقريبا أهل الإمامية بجعلهم العدل واحدا من أصول الدين. بينما لم يعتبره غيرهم كذلك .. نعم اهتم المعتزلة كثيرا بموضوع العدل لكن ليس بالنحو الذي ذكره أصحابنا الإمامية.. فأنت ترى مثلا أصول الدين على المشهور عندنا في مذهب الإمامية خمسة : التوحيد أولا , العدل ثانيا , النبوة ثالثا , الإمامة رابعا و المعاد خامسا. مع أن العدل ؛ لو نظرنا إليه نظرة تجريدية؛  فهو صفة من صفات الله مثل القدرة , الحكمة , الرزق  أو الحياة لكن تبعا لموقعه في فهم التوحيد أولا , ثم لموقعه في فهم العقائد ثانيا , ثم في موقعه في التطبيقات الفقهية ثالثا , هذا المركز المتميز الذي يحتله العدل في مختلف المراحل انتُـزِع منه كونه أصلا من أصول الدين.. وبالرغم من عدم وجود آية قرآنية تدل على أن أصول الدين خمسة  ولا وجود لرواية تقول أيضا  بأن أصول الدين خمسة..لكن العلماء نظروا إلى موقع هذه الاعتقادات في الشريعة والدين فجعلوها أصلا يتفرع منه باقي الأمور..
في المقابل قبح الدين - ولاسيما فكر الإمامية – الظلم تقبيحا كبيرا في القرآن والسنة والأفعال. فتاريخ الإمامية هو معارضة للظالمين, شهداء قدموا في هذا الاتجاه و لم يتعايشوا مع الظلم أبدا ..كأنهم ينظرون إلى المثل الأعلى كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: " أما والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا أو أن أُجَر في الأغلال مصفدا أحب إلي من أن ألقى الله ظالما لبعض العباد "..وأيضا قوله (ع) : " لو أُعطِـيت الأقاليم السبعة  مع ماتحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة _ أي أن أظلمها بهذا المقدار_ مافعلت"..فمقياسهم في الحاكم هو هذا المقدار..وبالنسبة للظالم فهم حرب شعواء عليه,, ولذلك يُعتَـقد أن إعانة الظلم في ظلمه تأتي ضمن هذا السياق من تقبيح فعل الظلم ومقاومة الظالمين وعدم التعاون معهم والقطيعة..
هذا البحث يُـعَدُّ بحثا طويل الذيل كما يُقال لكن نحاول الإيجاز فيه وترتيبه..يمكننا أن نتصور العلاقة بين الإنسان العادي وبين الظالم في تعامله معه على ثلاثة أنحاء:
النحو الأول: أن يعين هذا الإنسان الظالم في ظلمه , فمثلا أن يقدم له السوط ليجلد الضعفاء  , وهذه إعانة في الظلم ..أو أن يناول الظالم سيفا ليقتل به أحدا .. أو أن يضع يد مظلوم بيد الظالم ليعتقه.. أو أن يوشي شخص بإفشاء سر الآخرين أو تسليم الظالم صكوك أراضيهم لتتم مصادرة أموالهم .. وفي هذا إعانة للظالم في ظلمه..وهنا يقول الشيخ مرتضى الأنصاري - أعلى الله مقامه -  وهو أحد الشيوخ الأعاظم وأستاذ المدرسة الأصولية في العصر الحديث ومن جاء بعده أخذ عنه غالبا وإلى هذا اليوم أثره نلاحظه في الحوزات العلمية, وله كتب كثيرة مهمة وأشهرها كتابان :(المكاسب والرسائل المعروف بفرائد الأصول) وهذه الكتب يندر أن يكون طالب علم ذا فضيلة لم يدرسها باعتبارها حلقة متوسطة ينتقل من خلالها إلى فهم البحوث التخصصية المعروفة ببحث الخارج- وقد تم التحدث عن شخصيته فيما سبق بعنوان " أعلام الإمامية "..
في كتابه المعروف بـ " المكاسب المحرمة " والذي يُـعنى بدراسة المعاملات المحرمة, هناك بعذ المعاملات حرام وأخذ المال منها أمر محرم, ومن جملة هذه المعاملات يذكر هذا المورد: " إعانة الظالم في ظلمه وهو حرام في الأدلة الأربعة " ..أي أن القرآن الكريم يدل على الحرمة , السنة تدل على الحرمة , العقل كذلك يدل على قبح هذا الفعل والنهي عنه , و أيضا إجماع علماء الطائفة قديما وحديثا على حرمة هذا الأمر..
وهذا الأمر لابحتاج إلى استدلال كثير , حيث أنه على سبيل المثال: أن تقيد إنسانا بريئا و يأتي الظالم ليقطع عنقه , هذا الموقف لايحتمل أن يجوزه العقل..فهو حرام , والمال الذي يستلمه ذلك الإنسان لإعانته الظالم سحت لايجوز له التصرف فيه لأنه أخذ أجرة على عمل محرم بهذه الدرجة, وهذه تعد الصورة الأولى.. أما الصورة الثانية فهي مقابلة للصورة الأولى تماما وهي أن يتعامل الإنسان مع الظالم في أمور حياتية عادية ..لنفترض أن هناك رجلا خياطا يخيط لكل من يأتي له بالقماش..وإذ بمندوب الظالم يأتي ليطلب أن يخيط له ثيابا.. أو أن هناك بائع يبيع الفاكهة وإذ بسيارة تقل وكيل الظالم أو الظالم نفسه أراد أن يشتري الفاكهة..أو كان خبازا...الخ ,على هذا المعدل فيما يخص الشؤون الحياتية العادية, هذا الأمر عند علمائنا لايحرم نظرا لكونها معاملة عادية مستوفية للشروط المختلفة في صحة المعاملة وأنا أبيعه شيئا له ثمن وآخذ منه المال , وهذا ليس إعانة على الظلم , فبيعه هنا لكي يأكل أو يشرب أو يلبس..نعم يُـستفاد من بعض الروايات أن هذا الأمر إذا اقترن بمحبة بقاء الظالم يكون خللا في إيمان الإنسان..مثلا أن يتمنى البائع بقاء الظالم كونه يشتري بأعلى ثمن من الباقين..هنا تمني بقاء الظالم مع ماهو عليه من الظلم والاضطهاد للناس هذا يسبب خللا في إيمان الإنسان..وإلى ذلك يشير مارُوي من حوار بين الإمام الكاظم عليه السلام وبين صفوان الجمَّال.. وهو رجل من أصحاب الإمام الكاظم ( ع ) الخُـلص..وكان عنده بما يشبه مالدينا في هذا العصر بما يُسمى "شركة نقليات"تأجير دواب للسفر وللأحمال والشحن.. جاء صفوان ذات يوم للإمام الكاظم( ع )فقال له الإمام:يا  صفوان , بلغني أنك تعامل أبا أيوب وهارون,فقال صفوان: بلى ياسيدي ولكن والله ماأكريته في معصية إنما أكريته جِـمالي في هذا الطريق – أي الذهاب إلى مكة وهو يعد سفرا مقدسا – فقال له الإمام ( ع ) : " ألا تحب بقاءهم حتى يخرج كراءك؟"-  بمعنى أنه على سبيل المثال لو استأجر منك في النصف من شوال حتى يسافر بها إلى مكة ويرجع في النص من محرم فخلال هذه الفترة ألا تتمنى بقاءه لكي يدفع أجرتك؟- فقال صفوان: بلى, فقال الإمام ( ع ): "تمنيك على بقائه لاينبغي منك"..فتمني بقاء الظالم مع العلم بظلمه مما يخدش إيمانك..وينزلك من درجة أعلى عليين من الإيمان..بالرغم من أن أصل المعاملة لاتعد حراما..أن تملك الأموال لاتوجد فيها مشكلة والعمل فيها ليس بمحرم وكراؤك لأجرتك صحيحة لكن إن وجد الخطأ فهو في احتمال وجود ميل قلبي في نفسك لهذا الظالم..وهذه هي الصورة الثانية المقابلة..
أما الصورة الثالثة هي ماإذا عمل الإنسان المؤمن ضمن جهاز الحكومة التي يقودها الظالم..بتوليه منصب في الوزارة أو الرئاسة أو الاستشارة أو تولي أي منصب ذا أهمية..فهل في هذا إعانة للظالم على ظلمه؟فيحكم عليه بعدم الجواز؟؟ ..أو يُعد كخياطة الثوب له فيجوز مثله مثل بيع الفاكهة للبائع ذو الخبرة الاقتصادية القادر على العطاء والتخطيط لعمله ومشاريعه الاقتصادية في مقابل ذلك يتم استلام المال , شأنه شأن الخضَّـار أو الطبيب أو الموظف الإداري الذي يقوم بإدارة الوزارة أو المؤسسة الفلانية لهذا الحاكم الظالم.. فهل يُـعتبر ذلك إعانة له على ظلمه فلا يجوز؟؟ أو يُـعـتبر مثله مثل بيع الثياب أو الخضار ؟ ... يقول العلماء هنا: يجوز العمل في مثل هذه الأمور بشرطين أساسيين..:
الشرط الأول: أن يكون هناك نحو اضطرار إلى هذا العمل , إما اضطرار شخصي أو اضطرار اجتماعي..على سبي المثال إنسان لديه خبرة معينة والحاكم طلبه لكي يعمل في هذا المنصب.. إذا لم يعمل في هذا المنصب يُعد ذلك موقفا سلبيا من قبله تجاه ذلك الظالم فيؤذيه بأن يضيق عليه أو يزجه في السجون أو يعرضه لمشاكل لاقبل لها .. وهنا تُـعد حالة اضطرار شخصي..أيضا يمكن أن نعمم كما عمم بعضهم هذا الأمر إلى الاضطرار الاجتماعي , بمعنى أن هذا الإنسان المؤمن كونه جزء من مجتمع أو طائفة أو مذهب إذا ما قام بعمله المطلوب فقد يتعرض مجتمعه للأذى..إما لأن البديل إنسان سيء أو حاقد أو طائفي أو ممن ليست لديهم الخبرة في العمل, بينما نجد الطرف المقابل إنسان مؤمن تتوفر فيه صفات الإخلاص في العمل والخبرة والتقوى وإن كان يعمل في إحدى مجالات الحياة لكن درءا للمفسدة التي قد تترتب نتيجة تولى ذلك الإنسان الفاسد هذا المنصب..فهنا يخلق هذا الموقف لدى الإنسان المؤمن المتدين نوع من الاضطرار للحاظ حال المجتمع..وهذا هو الفرق بين كون الاضطرار شخصيا من جانب تعرض الشخص نفسه للأذى والمشاكل في حال رفض التولي..أو كونه اضطرارا اجتماعيا بتعرض المجتمع كله للأذى إذا ماتولى المكان شخصا سيئا لو لم يقم بتوليه صاحب الأمانة والخبرة والإيمان..
الشرط الثاني: ثقة الإنسان أو اطمئنانه بأنه يمكن أن يقدم خدمة للناس..إذا كان لديه اعتقاد أنه يستطيع أن يقدم خدمة إلى عباد الله والمجتمع والدين , وأن لا يكون عونا للظالم عليهم أو سيفا مسلطا على رؤوسهم وإنما يكون باب رحمة من الأبواب التي ينتفع بها المؤمنون , وإلى هذا يشير مافعله علي بن يقطين رضوان الله تعالى عليه وهي قصة معروفة لدى الكثير.. حيث كان والده – يقطين -  من الرجال البارزين في الدولة العباسية..حيث كان في هذه الدولة كثير من الرجال  الشيعة المهمين الذين التفتو إلى الخيانة التي صنعها بنو العباس للعلويين وإلا فإن بداية الثورة على بني أمية كانت علوية فاشترك فيها عدد غير قليل من الشيعة , وبرز قسم منهم كدعاة كبار من ضمنهم أبو سلمة الخلاَّل وأيضا يقطين وغيرهم آخرون وهذا – يقطين – كان في بلاط العباسيين وكان رجلا ذا وجاهة وشخصية ..وكان ابنه عليا من أصحاب الإمام الكاظم ( ع ) قد أصبح جزءا من هذا الجو , فلما توفي يقطين وُزِّر ابنه أي صار وزيرا.. وكان له أهمية..فاستأذن الإمام الكاظم ( ع ) فأذن له الإمام وعلمه طريقة خاصة في الوضوء على نحو التقية كما أخبره للبقاء على هذا النحو..علي بن يقطين قام بأدوار كثيرة مهمة أقلها تجهيز مئات المؤمنين للذهاب إلى الحج..قال بعضهم: كنا نرى في كل سنة مائة وخمسين ملبيا في عرفات كلهم جهزهم علي بن يقطين بما يحتاجون من النفقة ..وله أعمال أخرى في المجال السياسي والحفاظ على المؤمنين وماشابه ذلك..إلى أن ضاق به الأمر يوما من الأيام..فهو إنسان ذو قلب وضمير حي..يرى الإمام الكاظم ( ع )حيث السمو الروحي والأخلاقي والطهارة والقرب من الله عز وجل يذكره برسول الله (ص) وفي الجهة المقابلة يجلس في مجلس هارون بين لعب الغانيات والغناء وغيره..فهو يمثل أسوأ أمثلة الدنيا وبينما الكاظم ( ع )أحسن أمثلة الآخرة .. علي بن يقطين كان يُـجبَر صابرا على تحمل هذا الوضع ..حتى ضاق به الأمر فأرسل برسالة إلى الإمام الكاظم (ع)قائلا: " ياأبا الحسن إن صدري قد ضاق , فإن أذنت لي أن أخرج من بلاط هارون" ..فرد له الإمام الجواب :"لاآذن لك ثم لاآذن لك"ثم قال له: " ياعلي إن لله عبادا بأبواب السلطان ممن نور قلوبهم بالبرهان وعلى يدهم تُـقضى حوائج العباد وأنت منهم" .. جعل الله في مثل هذه الأماكن أُناس نُوِّرت قلوبهم بالقرآن وهؤلاء عندهم اتصال بالله عز وجل وقد أحسن الله إليهم عندما أنار بصيرتهم..كما جعلهم الله سبيلا لقضاء حوائج المؤمنين..لذلك هذا النوع من الناس  ينبغي تقديرهم وعدم الضغط عليهم إذا حسنت نيتهم..وبالفعل كان قصده وفعله ينتهي إلى خدمة الناس من الأشخاص الذين يستحقون الدعم والتقدير بالرغم مما يقتضيه دوره من أمور خارجة عن إرادته وتحت تأثير الضغط..ولما لم يأذن له الإمام من الخروج فذلك لما كان لديه من بصيرة وإيمان وخدمة إلى جموع المؤمنين..ثم قال له بعد ذلك: " ياعلي, كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان"..فالذي جَوَّز لك الرقي إلى هذا المكان هو كما ذكرنا إما اضطرار فردي أو اجتماعي أو ثقة بأنك تخدم الناس وإلا فإن بها مشكلة لولا هذه الاستثناءات وهناك روايات قاسية في هذا المجال..منها أن أحدهم جاء إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) وقال: " ياأمير المؤمنين من أعون الظلمة؟حيث تقول: " إذا كان يوم القيامة نودي أين الظلمة وأعوان الظلمة"..فقال الإمام :" من لاقى له دواة ومن خاط لهم خيطا " ..فجاء كلام الإمام (ع) ليحذر الإنسان بطريقة ولاتقربوا الزنا.. فالإنسان عندما ينخرط في حكومة الظالم وذهابه في هذا الاتجاه إنما لأجل خدمة الناس وإذا توفرت إليه الفرصة فعلا يخدمهم ففي ذلك يكون: "إن لله بأبواب السلطان عبادا نور قلوبهم بالبرهان" .. وهذه هي الصورة الثالثة من أشكال: إعانة الظالم في ظلمه حرام في الأدلة الأربعة بل إن الذي يعين الظالم لهو الظالم نفسه وليس معينا للظلمة للمبالغة والتشديد في مثل هذه الحالات من أجل المال والحطام الزائل نراه يورط مؤمنين وصادقين ويؤذي عوائل وأسر وإلى غير ذلك..ومن أجل الدنيا يقبض مالا محرما وللدنيا فيه آثار وفي نفسه ونسله وذريته ..فهو يشتري عذابات الناس بثمن زهيد وأسوأ من هذا من يشتري رضا المخلوق بسخط الخالق ..قسم من الناس يهتم بمجاملة السلطان والسير معه دون الاهتمام لأمر الآخرة ومثالا لذلك في بلدان المسلمين الكثير من الصحفيين الذين يتوددون لبعض الحكام بأطنان من رسائل المديح..وماإن ينقلب الوضع عليه يشنون أطنانا من رسائل التقديح..وفي حكاية من أن أحد السلاطين استدعى يوما من الأيام  أحد طهاة القصر ليسأله عن طبق هذا اليوم..فأجاب: كما تريد..قال السلطان:ماترى في الباذنجان؟ قال الطاهي : هي أفضل الأصناف..تهدئ الأعصاب وتصفي الدم..إن قُلي صار كالزبدة ..بعد فترة غير السلطان مزاجه في طهي الباذنجان..وتبعا لذلك غير الطاهي رأيه كذلك بذم الباذنجان..!!!سأله أحدهم عن تغييره رأيه بهذه السرعة فرد بأنه خادم للسلطان وليس الباذنجان..وأغلب قضايا الناس من هذه النوع..اليوم مع هذه الجماعة لأن السلطان يميل معهم حسنا .. وغدا ضدهم لأن السلطان انقلب عليهم وهكذا..وفيه إعدام الإنسان لرأيه وشخصيته.. وكم رأينا وسنرى في هذه الحياة من هذه الأمثلة والنماذج وأحيانا أسوأ من هذا عندما لاتتحول القضية إلى دنيوية فقط بحيث يشتري سخط الخالق برضا المخلوق ويبيع جنته ودينه وآخرته ومصيره حتى يحصل على شيئ من المال برضا مخلوق ضعيف أمره بين لحظة وضحاها...فرغبتك في هذا الحطام الزائل من ذلك الحاكم الزائل لاينفعك كما لو طلبته من الله عز وجل " وما عند الله خير وأبقى" , فالله هو الذي يقسم الأرزاق هو الذي يعطي ويمنع..بيده الملك.. بينما البشر وإن كانوا يملكون شيئا اليوم  فغدا يكونون تحت التراب فاقدون.. فمن يبيع دينه ليشتري رضا المخلوق بسخط الخالق فهو إنسان خاسر كما أشار إليه سيدنا زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد .

 

مرات العرض: 4078
المدة: 00:52:02
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2572) حجم الملف: 17.8 MB
تشغيل:

ارتكاب الظلم من كبائر الذنوب
الفرار من الزحف