آفاق سيهات ينظم حلقة نقاشية تناولت «رؤى في قضايا الاستبداد والحرية»

محرر الموقع

نظم مركز آفاق للدراسات والبحوث بمدينة سيهات مساء الأربعاء حلقة نقاشية تحت عنوان «رؤى في قضايا الإستبداد والحرية» منطلقاً في ذلك من مناداة أحد الكتب الصادرة عن المركز خلال عام 2007 للشيخ فوزي آل سيف والذي حمل نفس العنوان.

وقد جمعت الأمسية مؤلف الكتاب بجمهور من المهتمين في فضاء نقاشي استهدف نفخ روح التأمل في أصل وموضوع ثنائية الإستبداد والحرية بالإضافة إلى استضافة الأستاذ حسين بزبوز لتقديم مختصر ورقته النقدية بعنوان "الاستبداد ظاهرة طبيعية والعلاج هو التغيير الواعي" الرامية إلى استجواب موضوع الإستبداد والمعلقّة على ما جاء في كتاب الشيخ آل سيف وفصوله الثلاثة: الإستبداد السياسي وآثاره المخربة، الإستبداد الديني والتعصب، وحرية الرأي والتعبير. الأمسية النقاشية تولى إدارتها مسؤول اللجنة الإعلامية الأستاذ عيسى مرهون زين الدين.

حول موضوع الإستبداد

في البداية وفي ما يشبه المقدمة حول موضوع الإستبداد وبيان مدعاة الكتابة عنه، انطلق الشيخ توفيق بالحديث أن "أصل الفكرة نابعة من أن مجتمعنا المسلم على وجه الخصوص يعاني من مشكلة الإستبداد، تلك التي تتشكل في مظاهر كثيرة تتشكل عندما يرى الإنسان نفسه أن حقه فوق حق الآخرين وهو من يمتلك ملكية القرار بالنيابة عنهم في ما هو من حقهم. وهو يمارس الإستبداد في هذه الدائرة عندما يحتجب ويحتجز حق غيره".

واستكمل هذه الصورة عن محرضات الإستبداد كفعل وسلوك بالإشارة إلى أشكاله وارتسامه ضمن أطر العالم العربي والإسلامي بالإشارة إلى أن هذا السلوك‹‹له أشكالاً كثيرة، فردية وأحياناً جماعية. فرجل رجل الدين من الممكن أن يتحول إلى مشروع مستبد يمارس هذه الحالة على من يتبعه من مريديه، أو قد يتحول الحزب أو الدولة لهذه الممارسة عندما يتصير الحاكم أو السلطة استبداداً مقيتاً يختطف من خلاله التفكير نيابة عن الناس في صورة مشوهة للقيادة والإدارة. وكل هذه الحالات موجودة في مجتمعاتنا الإسلامية وهي واحدة من أسباب تخلفها››.

في الوقت الذي ذهب الأستاذ حسين بزبوز بإعادة التحليل وتناول هذه الظاهرة بالقول أن "الإستبداد والظلم طبائع بشرية لا يصح التعامل معها على أنها ظاهرة إستثنائية، فالنصوص الدينية والثقافية والأدلة العقلية تتكاتف في هذا الخندق لتفرز لنا حقيقة أن الإنسان كان دائماً ظلوماً جهولا. والإستبداد ليس ظاهرة فردية ينتجها ويسلكها أفراد بل هي جسد كامل متعدد الأعضاء".

كما علق الأستاذ البزبوز على العرض التاريخي للإستبداد في الكتاب أنه «مغالطة» معللاً ذلك بأن "الإستبداد التاريخي لا يبنغي النظر إليه على أنه صنع فردي حين أن الأمة تشارك في صناعة الإستبداد ونموه أيضاً". 
 
مواجهة الإستبداد

وعن مشهد ردود الفعل مقابل الإستبداد اعتبر الشيخ فوزي أن "مواجهة الإستبداد ليست بالأمر الشائع لدى الجمهور، وحتى إذا كانت هناك محاولات ودراسات فهي في وسط النخبة أما عامة الناس فهم يغمضون عن الأمر رغم شعورهم بآثار الإستبداد الحاصل. ولهذا، فإن ثقافة مقاومة الإستبداد وتشريح معادلات هذه المشكلة من قبيل.. من هو المستبد؟ ولماذا يحدث الإستبداد؟ ماهي طرق الإستبداد ...ألخ ينبغي أن تتحوّل إلى ثقافة شعبية وجماهيرية قوامها الممارسة والدفع السلمي".

وفي مداخلة من الجمهور وجه أحدهم سؤاله للشيخ فوزي عن سيكلوجية المستبد "وهل أن المستبد يعلم أو أنه لا يعلم أو لا يبالي لمن حوله؟ أو أنها حالة نفسية لمن يتمكن من السلطة فيتسبد بقهر الناس من حوله بدون رادع أخلاقي؟"

فجاءت الإجابة بأن السؤال بالإمكان النظر إليه كجزئين "الأول: هل أن المستبد يعلم بوقوعه في الإستبداد؟ والغالب أن المستبد يعلم بممارسته لكنه يستبدل هذا العنوان بعنواين أخرى، مع أن تغيير العنوان لا يغير من سوء الواقع".

أما القسم الثاني من السؤال "كيف يمكن لمن حوله ممارسة التصدي لهذا الإستبداد؟ فإن المستبد يبدأ بالإستبداد تدريجياً فإذا لم يجد ثقافة تتصدى لإستبداده ولا مجتمعاً صامداً أمامه فهو يستمر في ذلك إلى أن يدعي أنه رب أعلى". 
 
نزعة الإستبداد ومنشأها

ولما كان للأستاذ حسين بزبوز من حضور فاعل في إثراء جو النقاش ومساهمته المثوّرة لتبادل الأفكار فقد قدم تنويعات نقدية لبعض ما جاء في الكتاب المنظور لصاحبه الشيخ آل سيف، حتى أنه جاء متسلسلاً مداخلاته بذكر مجموعة قضايا. فهو يقول "أنا أنظر لقضية الإستبداد على أنها نزعة فطرية في الناس، كل إنسان يميل إلى الإستبداد إلا أن مؤلف الكتاب يريد تصوير نزاعات الخير والشير كخطين متقابلين بكشل متساوي بينما أنا أرى أن كثير من العوامل والظروف تدفع بالإنسان أن ينزح إلى الإستبداد".

ويواصل حديثه أو يعيده بصورة مختلفة مع الحفاظ على نفس المعنى المراد ويحمّله إستفهامات رديفة "سوف نشاهد كثير من الشواهد أن الحكومات مستبدة وأن الناس مستبدون، وأن الإستبداد قائم بين أفراد الأسرة! كيف يفسر هذا الإستبداد حتى داخل المدارسة الدينية؟ كيف نفسر هذا الأمر؟ حتى المتدينين أنفسهم هم أصحاب صراعات ومصالح.!".

وعلى هذا النحو يواصل مقاربته النقدية لآراء الشيخ فوزي لكن هذه المرة ضمن ما ورد في الكتاب ، فيقول "إنه للتأكيد على كون الإستبداد ظاهرة طبيعية فإني استشهد بما ذكره الشيخ حول الإستبداد وهو أن «في كل شخص مشروع إستبداد وطغيان»!".

هذا وقد قدم الشيخ آل سيف تعليقات على ضوء ذلك، فابتدء من حيث انتهى الضيف الآخر "لا أعلم كيف قرأ كلامي في تأكيد أن هناك طغيان في كل فرد واستبداد. الذي قلته في نفس التعبير أنه هناك مشروع طغيان في كل فرد, وهو يعادل في فهمي لـ "فألهمها فجورها وتقواها". أعتقد لو أردنا أن نحول هذه الآية إلى تعبير معاصر، ستكون إن في كل إنسان مشروع عدالة ومشروع طغيان، فأي المشروعين يقدمهما هذا الإنسان ويفعلهما؟ أعتقد أن هناك خلطاً لدى الأستاذ حسين بين أن تكون لدى الإنسان ضغوطات حياتية بين أن تكون لديه أهواء وشهوات تذهب به هنا وهناك! ثم لا يجد كل إنسان في نفسه أنه لا بد أن يكون مستبداً كما أنه لا يجد في داخل نفسه أنه لا بد أن كون صالحاً تقياً››. وقد وردت في هذا السياق مداخلة من أحد الحضور "وجدي المبارك" إذ علّق بأن "المصالح الشخصية والذاتية متى ما صعدت إلى مستوى الإستبداد، هنا تكمن المشكلة الأساسية".

عن الكتاب

وعن الكتاب، تقدم الأستاذ منصور سلاط من الجمهور بمداخلة مختصرة تطرق فيها إلى أنه "من بداية مقدمة الكتاب، يستطيع القارئ الفطن أن يفهم المبتغى الحقيقي والمثوّر في طرح قضية الإستبداد والحرية، فهي قضية إشكالية لا يزال العالم العربي والإسلامي يعيش في ظل أسرها الخانق الذي يؤخر الإسلام عن المنجر الإنساني وبناء المجدتمع المؤسساتي والمدني الذي يضمن حق التعيبر والرأي وممارسة المعتقدات ضمن الإعتراف بجود الآخر وإقرار إنسانية الإنسان ونشر ثقافة التسامح وتحطيم أوهام الرؤية إحادية الجانب وربط كل هذه القضايا بضرورة تحقيق العدالة المجتمعية بين جميع أفراد المجتمع وهي الغاية التي أرادها الكواكبي، كما أراه في "طبائع الإستبداد" ولا شك أن مؤلف "رؤى في قضايا الإستبداد والحرية" لامس الكثير من هذه الأمور ووفق في تسليط الأضواء عليها".

هذا وقد أنهى الأستاذ سلاط محور مداخلته بطرح موقفه وتصورّه لما جاء في الكتاب بنفَس الناقد والملاحظ "هذا الكتاب هو قراءة سياسية منتقاة تتلائم مع طبيعة المناسبة التي ألقيت فيها هذه المحاضرات «يعني بذلك موسم عاشوراء» ولكن ما يهمني هو السؤال عن ما الذي قدمه الشيخ من حلول اتجاه هذه الإشكالية؟ فالمؤلف طرح الموضوع دون أن يقدم حلولاً للإستبداد!!".

في ضوء ذلك، ردّ الشيخ فوزي بأن الكتاب هو "خطاب جماهيري مقصود منه تثقيف الناس وهو بطبيعة الحال ما يفرض على الكاتب بعض المحدوديات التي تعيق حركته بعكس المناخات الأخرى التي قد يتحث فيها الكاتب يتحدث بطريقة مفصلة وعلمية ومتخصصة تناسب المجال. وأنا لا أعلم، ربما لو كان هذا الكتاب تم إعداده لكي يخاطب شريحة معينة ونخبة ثقافية فلسوف يسلك مسارا مختلفاً".

الإسلامي والشيعي؟

وعلى الرغم من أن الأمسية تناولت وتعرضت للكثير من الأفكار والمحاور، لكن حمل النقاش في علاقة الإسلامي والشيعي بالإستبداد منحنيات وأسئلة متفرعة أفضت إلى أشكال من التلاقي والإختلاف داخل بؤرة حوارية سفحت حولها الكثير الأفكار والرؤى. وقد هيأ الأستاذ حسين أرضية هذا النقاش ودفع الحضور إليها عندما تحدث عن حرية الرأي إبتداءاً بقوله "الواجب علينا كمسلمين أن لا نتوقع من الإسلام أن يوفر عصاً سحرية لحل مشاكل الإستبداد والحرية، فالإسلام إرشاد عام ويبقى السعي حراك الإنسان للهداية، ثم إنني أؤكد وقوفنا مع الشيخ للقيام بدوره الكبير من خلال هذا الإصدار لكن هناك نقطة وجب الوقوف عندها والتأكيد عليها أيضاً تتعلق بتغاضيه عن بعض صور الإستبداد من داخل الطائفة الشيعية".

وأعقب بجملة استشهد بها على لسان الدكتور توفيق السيف حول أن الحرية في التعبير هي "حرية مطلقة لا مكان فيها للضابط والإحتكار" وأضاف البزوز عليها بقوله أن "الإسلام الحق الذي يمكن أن يحجّم الإستبداد يجب أن يأتي من خلال صندايق الإقتراع حتى نكون أمام حرية تقيد بالحرية فقط. فالإمامة مثلاً لا أنظر لها بوصفها حلولا كافية، ومع أنني لا أطعن في هذه الجوانب، لكن ما أحب قوله أن الناس كانوا سيرفضون عدل الأئمة لو تسلم الأئمة أنفسهم الحكم مثلاً". 

وهنا انتقل الحديث للشيخ فوزي، الذي تعرّض لشأن الإستبداد الديني وإيضاح رأيه في إستفهام الأستاذ حسين عن التغاضي في استعراض «الإستبداد داخل الطائفة الشيعية» على حد توصيف الأستاذ البزبوز. فذكر الشيخ "بأن هناك إستبداد سياسي وله آثار مدمرة، وهناك إستبداد بحسب التعبير ديني. لكن نسبة الإستبداد إلى الدين ليس نسبة صحيحة. إنما جاء الدين يدعو الناس لتحرير عقولهم وأرواحهم وذواتهم وفعلهم. فالمقصود هو الإستبداد الذي يمارسه المنتسبون للدين هذا أولاً.

ثم نحن لم نكن في معرض تقسيم الإستبداد إلى شيعي وسني. عندما يكون الحديث ثقافيا وسياسيا فالغالب أن لا تكون هذه الحواجز والتقسيمات حاضرة. نعم هناك بعض الأفكار للإستبداد وهذا ما جعلنا ننتقد مثل هذه التأسيسات، فعندما ننتقدها وإن كانت شائعة عند مدرسة دون أخرى فنحن نغمض عن هذا الإنتماء ونطرح النقطة كمحرك للإستبداد فقط. نحن نتحدث عن إستبداد لا هوية مذهبية له".

ثم عرّج، مستكملا،ً بالحديث عن وصف الأستاذ حسين للإسلام وللإمامة حلولاً غير متكاملة، فأوضح "الإعتقاد أنه سيعم الخير والرخاء بمجرد أن تقوم دولة إسلامية هنا أو هناك، هذا فيه تجاوز للواقع. لا يعني هذا في ما يعنيه أننا لا نستطيع إغفال أن للناس شهوات وفيهم نزوع إلى الظلم، لا أحد ينكره على الإطلاق، ولكن في نفس الوقت نستطيع أن نقول أن الإسلام يقدم للبشر نظاما أفضل الممكن مما يمكن أن يوفر. ثم أننا نعتقد في الدين الإسلامي والإمامة، لا نعتقد فيهما أنهما يحلان مشاكل الناس قسرا وبصورة سحرية لكنهما يوفران أفضل الظروف التي تنتهي إلى أفضل النتائج. الإمام والأنبياء يأتون في سياق توفير الظروف لمن أراد أن يهتدي".

فصول الحيرة من واقع الإستبداد

كانت آخر المداخلات في نهاية الحلقة النقاشية من جانب الأستاذ علي آل طالب الذي طرح إستفهاماً عريضاً قام بتوجيهه لمؤلف الكتاب.. جاء فيه ‹‹نحن في حيرة من أنفسنا كبشر. حقيقة فإن كل الحكومات الفردية ينتابها الكثير من الإستبداد، دعنا نتكلم ما بعد المعصوم، كلها حكومات من قبيل من" امتلك استأثر". فمع أن كل النصوص الشرعية تؤسس لحالة من حريات التعبير، لكننا لم نجد على مر التاريخ حكومة تنطلق من خلال هذا الأساس. إنني ألقي ببصري على التجربة الغربية في الفكاك من السيطرة الكنسية إذ عاشت بعد ذلك حالة من التطور والتقدم في مجال الحياة، هل بالضرورة قدرنا كشعب أو حالة عروبية أو إسلامية أن نضل تحت ربقة حاكم فردي في ظل خيارات الديمقراطية و نظام دولة القانون؟".

واكتفى الشيخ بالإشارة إلى أن "هذا طريق سلكه الغربيون ضمن ظروف تاريخية وزمنية، ليس بالضرورة أنها تناسب منظومتنا الفكرية. لكن دعنا ننظر إلى ما صنعته بعض الدول الإسلامية عندما سلكت هذه الطرق، مثل تركيا، تركت القضية الدينية في زاوية بعيدة جدا لكن استبداد العسكر والجيش ما يزال يفرض خناقه على الشعب".

وقبل الختام رغب الأستاذ حسين بزبوز بشد قوس الأسئلة في ثلاث إتجاهات تاركاً للجمهور مسؤولية تأملها وتفتيق إجاباتها:

• هل لدينا استبداد ديني شيعي؟
• هل يمكن أن تقوم أنظمة عادلة بدون نظام ديمقراطي؟
•هل الديمقراطية تتعارض مع ضوابط دينية ضد حرية التفكير؟

 

 

( من راصد )