الامام الكاظم عليه السلام

محرر الموقع

موسى بن جعفر الكاظم 
الإمام أبو الحسن
128- 183 هـ
ولد عام 128 هـ وتوفي عام 183 ومدة إمامته 35 سنة.
شيء عن خصاله وصفاته :
العبادة : كان في الدرجة العليا من التعبد والتبتل لله سبحانه ، فقد عرف بالعبد الصالح ، وأي مرتبة هي أعظم من كون الانسان عبدا لله لا لسواه . أترى شخصا يحب السجن لأنه سينال فراغا أكبر فقد سجد لله شكرا وهو يقول : اللهم إنني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت فلك الحمد .
وعندما صار في سجن الربيع بن يونس كان يطل عليه هارون الرشيد من أعلى القصر فيرى ثوبا مطروحا ، فيسأل عنه ، فيقول له ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة هكذا من بعد طلوع الشمس ..
والحلم : وهو سيد الأخلاق ، فقد كان يسيء إليه شخص من أعدائه ، وينبزه بكلام سيء ويشتم أجداده فيحاول شيعة الإمام أن يؤذوا ذلك الرجل ، وينهاهم الإمام حتى إذا كان يوم سأل عنه فاخبر عنه أن ببعض نواحي المدينة في بستانه ، فركب إليه الإمام فلما رآه ذلك الرجل نادى لا تطأ زرعنا .. إلى أن وصل إليه وقال له الإمام : كم غرمت في زرعك هذا ؟ قال : مئة دينار ، قال فكم ترجو منه ؟ قال : لا أعلم الغيب ! قال له : إنما قلت لك كم ترجو منه .؟ فقال : مئتا دينار .. فأعطاه الإمام ثلاثمائة دينار !! فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته !
وكان يوصي أهل بيته : يا بني إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الأذن اليمنى مكروها ، ثم تحول إلى اليسرى فاعتذر إليكم وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره !
والعلم : فقد كان علم آبائه ميراثه الأكبر فقد قال عنه أبوه الصادق : إن ابني هذا لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم .
ويمكن تقسيم حياة الإمام  إلى مرحلتين : ما كان في أيام أبيه  ـ أي خلال السنين العشرين الأولى من عمره الشريف إذ استشهد أبوه سنة 148 هـ ـ حيث كان في ضمن تلك الدائرة العلمية العظيمة التي قد بدأها والده الصادق  ، فنحن نرى كم نقل عن الإمام من أحاديث من بينها ما ينقل بينه وبين أبي حنيفة عندما سأله عن أن المعصية ممن ؟ فأجابه بجواب متين ولما يكن الإمام في تلك الفترة قد تخطى وقت الشباب المبكر .
وكان الإمام الصادق في هذه الفترة دائم الإشارة إليه على أنه الإمام بعده ، وخليفته وحامل علمه . فكان يقول : هذا هو المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على شيعتنا منه . ويقول لمن حضر وسأله عن الخلف بعده : مشيرا إلى ابنه الكاظم : هذا صاحبك الذي سألت عنه .
والمرحلة الثانية تبدأ من حين استلامه لمقاليد الإمامة : عندما تصاعد الوضع السياسي أيام المنصور العباسي كما ينبؤنا عن ذلك اغتيال الإمام الصادق ، ثم وصيته بذلك النحو حيث جعله واحدا من خمسة لكيلا يقوم المنصور باغتياله مباشرة ( أوصى إلى أبي جعفر المنصور ، وحميدة ، ومحمد بن سليمان والي المدينة ، وعبد الله الأفطح ، وموسى )  .. واستمر ذلك مدة عشر سنوات تقريبا حتى موت المنصور الذي سلم إلى المهدي عهدته كما ينقل الطبري في تاريخه الجزء السادس ، جثثا من العلويين في خزائن ، ثم خف الوضع قليلا في أيام المهدي ثم الهادي أيضا لمدة قد تصل لعشر سنوات ، وفيها استطاع الإمام أن يقوم ببث علمه ، وتربية أتباعه ..
ولا يعني ذلك أنه كان استرخاء تاما ، فقد كان الصراع الفكري على أشده بين العباسيين وبين أهل البيت فقد تبنى العباسيون بعض الشعراء الفاسدين كمروان بن أبي حفصة الذي كان ينشد الأشعار التي تبعد أهل البيت عن موقع الإمامة ووراثة النبي .
كما شهدت أيام الهادي العباسي ثورة الشهيد الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى .. صاحب ثورة فخ .. والتي تألم لها الإمام عليه السلام .
إلى أن جاءت أيام هارون الرشيد ، وفيها بلغت المواجهة أيامه بين الحكام العباسيين وبين أتباع الأئمة أقصاها، حيث ظروف المراقبة الشديدة ، كما يلحظ في الألقاب التي تطلق على الإمام الكاظم  عليه السلام  عند نقل الرواية عنه  عليه السلام  (الشيخ، والرجل، والعابد، والعالم...) وفي إقدام هارون الرشيد على سجن الإمام لمرات عديدة، ولم يشهد هذا مع غيره من الأئمة عليهم السلام.
كان للإمام الكاظم  عليه السلام  موقف صريح معارض، يتمثل في اعتبار الخلافة العباسية حكماً ظالماً، وأن التعاون معه ولو في حدود كراية الدواب في طريق مكة، عمل لا يليق بالمؤمن، وأنه من مصاديق الركون للظالمين، ولم يكن يقتصر في بيان ظلم العباسيين ولا شرعيتهم على أصحابه، بل كان يواجه الحكام بذلك أيضاً، فقد طلب إليه أحد الخلفاء العباسيين تحديد فدك ليردها إليه. فأخبره أن فدك هي بحدود العالم الإسلامي آنئذٍ، يعني أن المغتصب منهم هو منصب الخلافة وقيادة الناس.
وفي المقابل كان الإمام  عليه السلام  يحيط المحتاجين والفقراء، بكرمه، وعطاياه، وكانت " صرر موسى" قد ذهبت مثلاً آنئذٍ. كما كان يعرف بكظمه للغيظ وعفوه عن الخاطئ، ولذا لقب بالكاظم.
في مواجهة الحكم العباسي للإمام  عليه السلام تعددت الأساليب، بتعدد الحكام حيث عاصره المنصور، والمهدي، والهادي والرشيد، فهم من جهة منعوا من الاتصال بالإمام تلاميذه تحت طائلة العقوبة، وشجعوا فقهاء آخرين على الإفتاء ودعوا الناس إليهم، وألزموا المسلمين بالعمل طبقاً لمذهب مالك، بعدما فرضوا (الموطأ) في دوائر الدولة. وحاولوا في نفس الوقت ادعاء أنهم أقرب للرسول من الأئمة، وأن الأئمة هم أبناء علي لا أبناء النبي، وقد ناظر الإمام الكاظم هارون الرشيد في المسألة حينما سأله عن ذلك، فقال له الإمام: لو خرج رسول الله وخطب إليك أكنت تزوجه ؟! قال هارون: نعم وكنت أفتخر بذلك. فقال الإمام: لكني لا أزوجه ولا يخطب إليّ لأنه ولدني !! ...
 روى العلم عنه حوالي 319 راويا وفقيها .. كان منهم فحول الفقه والمعرفة مثل : يونس بن عبد الرحمن ، وابن أبي عمير والبزنطي وصفوان بن يحيى ، وهشام بن الحكم ، وقد بلغت مؤلفات بعض هؤلاء عددا كبيرا ..
كما كان لديه من أصحابه من كان في مرتبة وزير الديوان الحاكم ، وهو علي بن يقطين فكان يقضي حوائج المؤمنين ، ويمارس دوره الايجابي من ذلك الموقع . وعبد الله بن سنان فقد كان خازنا لهم ، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع .
وأخيراً توجت مواجهتهم له بالسجن، لفصله عن أتباعه، والضغط عليه، وأخيراً قتله في السجن. وبالفعل فقد تم سجن الإمام في سجن عيسى بن جعفر في البصرة أولاً، ثم في سجن الفضل بن يحيى، ثم في سجن السندي بن شاهك، ويرى بعض المؤرخين أن مجموع الفترات التي كان الإمام فيها مسجوناً بلغ أربعة عشر عاماً.
أرسل إليه يحيى بن خالد فقال له : يقول لك ابن عمك إنه قد سبق مني يمين أن لا أخليك حتى تقر لي بالاساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إياي منقصة .. فكان رد الامم عليه : يا أبا علي يقول لك موسى بن جعفر : لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون . وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه والسلام .

توفي مسموماً في سجن السندي بن شاهك عام 183 هـ. ودفن في بغداد..