عطية العوفي عالم وليس خادم
صحراء مترامية الأطراف، ونهر يجري دون توقف، وروائح عطرة تنبعث من قبور متناثرة، ورجلان يغادران النهر نحو تلك الروائح المنبعثة، جاءا ليزورا الإمام الحسين فأرتبط اليوم بهما، وردد التاريخ ذكرهما انهما جابر بن عبدالله الانصاري وعطية العوفي.
ونحن نعيش اجواء أربعين الإمام الحسين تواجهنا أسئلة كثيرة حول التاريخ والسيرة، لذا توجهت بأوراقي لسماحة الشيخ فوزي آل سيف [1] الخطيب والكاتب المعروف وبدأت الحوار معه وهنا الجزء الأول منه:
اسمح لنا سماحة الشيخ أن نبدأ بالسؤال عن عطية العوفي.
سمعتك على المنبر تقول «عطية العوفي هذا العالم الجليل» وكنا نسمع الخطباء يقولون انه كان خادما لجابر.. فمن هو عطية العوفي؟
الراوي الثقة عطية العوفي، يغمط حقه عادة مع أهمية دوره وربما لا يذكر اسمه في المحافل إلا في كونه غلاما أو خادما لجابر، ولم يكن غلاما، وإنما هو تلميذ نجيب لجابر وراو واع لأحاديثه وصاحب مواقف وإن ضعفه بعض رجاليي المسلمين.
كان أبوه سعد بن جنادة وهو من بني جديل أول من أسلم من أهل الطائف، وصحب النبي ، وروى عنه عددا من الأحاديث، وبعد وفاة رسول الله كان ممن عرف أمير المؤمنين ، ووالاه وشارك معه في حروبه، وروى عنه بعض الأحاديث.
وربما كان في أواخر خلافة أمير المؤمنين عندما ولد له ابن، جاء به إلى الإمام لكي يسميه، فقال هذه عطية الله، وسماه عطية.
إذا هو ليس كوفي الأصل؟
لا.. لقد نشأ عطية في الكوفة، ولذا لقبه بعضهم بالكوفي «إضافة إلى العوفي». وتشرب التشيع من أجوائها.
وهناك تعرف وصاحب جابر؟
نعم هناك تعرف على جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري «أو الكلبي» وصحبهم، ولعل جابر أكثرهم تأثيرا فيه.
ذكرتم أنه ضعف من قبل بعض الرجاليين.. لماذا؟
لعل الناظر إلى نوعية الأحاديث التي رواها، وأكثر منها يعرف سر تضعيف رجاليي الجمهور لعطية، فإنه قد روى حديث الثقلين، وأن الأئمة اثنا عشر، وحديث سفينة نوح، وتفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» في أهل البيت، وحديث الغدير، والمنزلة وسد الأبواب غير باب علي ، وحديث إعطاء النبي فدكا، وروى خطبة الزهراء الفدكية وروى عن رسول الله في المهدي أنه «رجل من أهل بيتي».. وغيرها.
أين ذكر ذلك سماحة الشيخ؟
حديث الثقلين: في مسند أحمد ج 3: حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك يعني ابن سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله أني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ونجد حديث الأئمة اثنا عشر في كفاية الأثر للخزاز القمي: أخبرنا أبو المفضل رضي الله عنه، قال حدثنا الحسين بن زكريا العدوي، عن سلمة بن قيس، عن علي بن عباس، عن ابن الحجاف، عن عطية العوفي، عن ابي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله يقول: الائمة بعدي تسعة من صلب الحسين والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم والويل لمن أبغضهم.
وحديث سفينة نوح أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ج 2 ص 22: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقري عن أبي سلمة الصائغ عن عطية عن أبي سعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له.
وجاء في المعجم الأوسط - الطبراني ج 2 ص 229 في تفسير آية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» وأنها في أهل البيت،: حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا أبو الجواب الاحوص بن جواب عن سليمان بن قرم عن هارون بن سعد عن عطية العوفي قال سألت أبا سعيد الخدري من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فعدهم في يده خمسة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين قال أبو سعيد في بيت أم سلمة أنزلت هذه الآية.
هل كان له دور سياسي ام دوره توقف عند رواية الحديث؟
لم يكتف عطية فيما يظهر من حياته بمجرد الولاء النفسي والموقف الفكري، بل كان لديه رؤية واضحة في المجال السياسي، تجلت في موقفه المضاد للحكم الأموي معتمدا على ما رواه من أصحاب رسول الله، عنه : «إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباد الله خولا ومال الله دولا..»
لكننا لا نقرأ عنه إلا كونه رافق جابرا إلى كربلاء، وما ذكرتم له من روايات.. هل تختصر حياة هذا العالم بهذه القصة؟
وإن لم يلحظ له ذكر في أيام الحسنين عليهما السلام، إلا ما يروى عن ذهابه مع شيخه جابر بن عبد الله إلى كربلاء يوم العشرين من صفر وافتراقه عنه بعد ذلك كما يظهر من ذيل الرواية التي نقلها عماد الدين الطبري في كتابه بشارة المصطفى، إلا أننا نلاحظ له دورا فيما بعد كربلاء، فقد شارك بدور فاعل في ثورة المختار الثقفي، وكان على رأس الجماعة الطليعيين والأقوياء الذين ارسلهم المختار إلى مكة المكرمة، لانقاذ الهاشميين الذين سجنهم عبد الله بن الزبير بعد أن رفضوا مبايعته، وعزم على إحراقهم «!!!» في خندق إن لم يستجيبوا لبيعته.
«... فقطع المختار بعثا إلى مكة فانتدب منهم أربعة آلاف فعقد لابي عبد الله الجدلي عليهم وقال له سر فإن وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم أنت ومن معك عضدا وانفذ لما أمروك به وإن وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى بن الزبير ثم لا تدع من آل الزبير شفرا ولا ظفرا...
فسار القوم ومعهم السلاح حتى أشرفوا على مكة فجاء المستغيث اعجلوا فما أراكم تدركونهم فقال الناس لو أن أهل القوة عجلوا فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة فكبروا تكبيرة سمعها بن الزبير...».
كما أن عطية كان من جملة الثائرين على الحجاج وظلمه..
هل كتب ذلك في التاريخ؟
نعم.. قال ابن سعد «.. خرج عطية مع ابن الاشعث على الحجاج، فلما انهزم جيش ابن الاشعث هرب عطية إلى فارس، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم: أن ادع عطية فان لعن علي بن أبي طالب والا فاضربه اربع مئة سوط!! واحلق رأسه ولحيته، فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج، فأبى عطية ان يفعل، فضربه اربع مئة سوط، وحلق رأسه ولحيته، فلما ولي قتيبة خراسان خرج عطية إليه، فلم يزل بخراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق، فكتب إليه عطية يسأله الاذن له في القدوم، فأذن له، فقدم الكوفة، ولم يزل بها إلى ان توفي سنة إحدى عشرة ومئة.. وكان ثقة وله احاديث صالحة..»
سماحة الشيخ ارتبط اسم عطية بأسم جابر الانصاري «رض» ويذكر ان جابر كان كفيفا في كربلاء حيث كان يقوده عطية.. كيف توفقون بين كون جابر بن عبد الله كفيف البصر في كربلاء، وبين كونه قد رأى الإمام الباقر في المدينة وهو صغير فقال شمائل كشمائل رسول الله ثم بلغه سلام النبي؟ فإن كان كفيفا كيف رأى الباقر وإن كان مبصرا حينئذ فكيف كان كفيفا في الأربعين «العشرين من صفر»؟
من التتبع للروايات التاريخية، وفي كتب الحديث يظهر أن هناك عدة احتمالات في وقت فقدان جابر لبصره، ومنها قبل يوم الأربعين، وقد يستفاد هذا من ظاهر رواية صاحب بشارة المصطفى كما في قوله: ألمسنيه «القبر».. وقوله فيما بعد خذني نحو ابيات كوفان أنه كان كفيف البصر في يوم الأربعين «العشرين من صفر» سنة 61 هـ.
ونحن نرجح أنه لم يكن كفيف البصر في يوم الأربعين.
سماحة الشيخ لا يوجد في رواية بشارة المصطفى أي ظهور صريح لكونه اعمى.
نعم فإن الرجل الكبير مثل جابر في ذلك السن المتقدم «حوالي 82 سنة أو 87 سنة»، «إذ أن عمره عندما توفي كان 95 سنة» يحتاج إلى مساعدة شخص يكون معه، وهكذا ألمسه القبر، ثم أخذه إلى طريق كوفان دليلا ومرافقا.
لكنه قال ألمسنيه؟
ربما يكون ذلك من أثر حالة الحزن الشديد والبكاء المتواصل التي اعترته إلى حد أنه قد وقع مغشيا عليه على القبر، لما لمسه.
بل في نفس الخبر الذي نقله صاحب بشارة المصطفى قرائن أخرى تخالف هذه العبارات.
مثل ماذا؟
مثل قول «عطية» عن جابر أنه دنا من الفرات ثم قوله دنا من القبر.. وهكذا قوله فيما بعد ثم جال ببصره حول القبر. فكيف يجول ببصره وهو كفيف.
ولم يذكر في أي مصدر آخر من المصادر التي تعرضت لحياة جابر على نحو مستقل أو ضمنا، أي إشارة إلى كونه كفيف البصر في تلك المرحلة.
إلا يخالف ذلك المصادر الرجالية والتاريخية وبالخصوص قوله للإمام الباقر شمائل كشمائل رسول الله ؟
نعم كما قلت إنه مخالف لما اتفق عليه الرجاليون والمؤرخون من أن جابر بن عبد الله إنما كف بصره في أواخر عمره «وبعضهم يقول آخر عمره»، ولا يقال لمن كف بصره قبل سبعة عشر سنة من وفاته أنه فقد بصره في أواخر عمره.
وهو يصطدم أيضا بما ذكر في أكثر المصادر الشيعية «وبعض المصادر السنية» من لقائه بالإمام الباقر ، في المدينة فيما بعد، ونظره إليه وتعرف شمائل النبي فيه.