ليلة الرغائب : بحث وتحليل

الشيخ فوزي السيف
كان لسماحة الشيخ فوزي آل سيف  حديث في خطبة الجمعة اليوم عن شهر رجب ، وقد ابتدأ الحديث بأنه هل أن الأزمنة والأمكنة التي وردت الأحاديث في فضلها ، لها قيمة ذاتية ولذلك صارت محلا للعبادات ووعاء للصلوات والصيام ؟ أو أن قيمتها صارت بعد أن اختيرت لذلك ؟ 
لكل من الرأيين ذهب فريق ، واستشهد بعضهم للرأي الأول بأن الأشياء لو كانت متساوية في القيمة من كل النواحي لما ورد تخصيص هذه الأزمنه كشهر رمضان وليلة الجمعة بمزيد من العناية خصوصا وأن لسان بعض الروايات يشير إلى قيمتها الذاتية مثل ( شهر هو عند الله أفضل الشهور ..) وهكذا مثل ( شهر شعبان شهري ) .. وأيضا ما ورد في تعليلي استحباب لبس الخاتم ببعض الأحجار لأنها سبقت للتوحيد وهكذا ! ويقول أصحاب الرأي الثاني بأن الأشياء والأزمنة والأمكنة بالنسبة لله عزو جل هي على مستوى واحد  فكلها مخلوقات لله ، ولأنه سبحانه لم يشأ أن يجعل كل الشهور للصوم ، فجعل واحدا منها وهو شهر رمضان أو ليلة في الأسبوع صارت الجمعة وهكذا .. وإنما تعبد الله الناس بالواجبات والمستحبات في هذه الأزمنة وغايته من ذلك أن يطيعوه لا أن في هذه الأزمنة خصوصية ذاتية .
وعلى أي حال فللبحث في هذا المجال واختيار القول الراجح والاستدلال عليه يحتاج إلى تفصيل .
ومن المعلوم في مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن هناك حثا وتأكيدا على الاستفادة من شهر رجب ، حيث أن العمرة فيه تفضل العمرة في شهر رمضان فضلا عن سائر الشهور ، والصوم فيه مستحب والصلاة بكيفياتها المختلفة المروية .
ومن ذلك صلاة وعمل ليلة الرغائب المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
هذا في مدرسة أهل البيت وإلا ففي مدرسة الخلفاء لا يتميز شهر رجب عن غيره ، بل ربما قال بعضهم أن كل الأحاديث الواردة في شهر رجب لا تصح ـ عندهم ـ .
وبالنسبة لصلاة الرغائب وعمل تلك الليلة فقد عدوها من الأحاديث الموضوعة ومن البد ع المذمومة ، بل رأى أحدهم وهو البكري الدمياطي في إعانة الطالبين أنه يجب على ولي الأمر منع فاعلها .
وفي مدرسة الامامية تنقل عن العلامة الحلي رحمه الله كما في إجازته لبني زهرة ، وقد أوردها الحر العاملي في كتابه الوسائل 8/98 . والسند الذي ينقل في تلك الإجازة حول عمل الرغائب ليس تاما ، ولكن يوجد لدى علمائنا قاعدة تسمى قاعدة التسامح في أدلة السنن وتعنى أن ما هو مطلوب من الوثاقة في احاديث الواجبات والمحرمات ليس ضروريا في المستحبات والمكروهات ، فلو كان هناك خبر ضعيف عن النبي في ثواب عمل وأتى به المؤمن لاحتمال صحته ووروده عنه صلى الله عليه وآله ، أوتيى ثوابه يوم القيامة .
وبهذا المعنى يقولون إنه لا مانع أن يأتي الانسان بهذا العمل الخير المشتمل على ذكر التوحيد والتنزيه لله : سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وعلى ذكر الصلاة على النبي وآله ، برجاء أن يكون النبي قد قاله 
بل يعطى الثواب على هذا العمل كما في صحيحة صفون عن الصادق عليه السلام (( من بلغه شئ من الثواب على شئ من الخير فعمل به كان له أجر ذلك ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ) .
وفي نهاية الخطبة تم التأكيد على أن الاهتمام بالمستحبات بما فيها الرغائب مطلوب لكن الأهم هو الاهتمام بالواجبات الالزامية فلا معنى لأن يصوم الشخص الرغائب وهو مطلوب بصوم قضاء واجب بل لا يصح منه ، ولامعنى لأن يذهب للعمرة المستحبة بينما يمتنع عن الخمس الواجب ، ولا معنى لأن يذهب للزيارة بينما هو ييؤخر دينا حالا عليه !