مقاييس الطائفية

في اجواء ماطرة باردة استمر مجلس القراءة في جامع الرسول الأعظم بنفس الوتيرة والزخم وبدأ سماحة الشيخ فوزي آل سيف حديثه بالآية الكريمة: (قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذبا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض، أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) الأنعام 65 قال بعضهم: عذابا من فوقكم أي صواعق ورياح ومن تحتكم زلازل أما الطبرسي فاورد في مجمعه معنى مختلف فيرى "ان العقوبات لا ترتبط بالغيبيات، فمن فوقكم أي السلطة المستعلية الجائرة ومن تحت أرجلكم أي الناس السفلة اللذين يستغلون الظروف ليتمكنوا من اذلال غيرهم ويسلبون خيراتهم". فالسلطان الجائر أحد أنواع البلاء والسفلة الذين لاأخلاق لهم و يسيطرون على مقدرات وحريات و مصالح الناس، فيبثون حالات العصبية لإستقواء فئة على فئة، وهم في الأغلب مرتبطون بالسلطان او محميون منه، ذلك من انواع العذاب التي تحل بالمجتمعات. المجتمع البشري ككل ليس متجانسا، لذا وجب ان يضبط الإختلاف ادبيا وعرفيا وقانونيا، والإختلاف والتنوع إما ان يكون له ضابط صحيح أو يستغل فيتحول الى طائفية بغيضة ولانعني بالطائفية هنا التعصب لللأفكار او العمل لصالح القبيلة او اهل المذهب أو الدين تبرعا من احد افراده ولكن الطائفية هي أخذ حق الباقين لصالح قومه او طائفته اودينه او جماعته وحرمان الباقين بحيث تكون الثروة و السلطة في فئة دون البقية فهذه هي الطائفية. ولكي توضح الفكرة فقد اورد سماحة الشيخ مجموعة من العلامات بها تقاس الطائفية في زماننا: • تنوع التمثيل السياسي للفئات المكونة للمجتمعات لجميع الأديان والطوائف والأعراق والجهات الجغرافية وعدم إقصاء احد هو أصل في تقاسم السلطة وبه يقاس مستوى الطائفية في الدول والأمم. • التنمية المتوازنة بين فئات الشعب ومناطقه وبلداته، فالثروة مهما كانت، قليلة او كثيرة، يجب أن تديرها الدول بحيث ينتفع منها الجميع بالتساوي، فلا تؤخذ هذه الثروات للمراكز وتبقى الأطراف ومناطق الثروات معدمة فهذه إشارة الى ممارسة طائفية. الأصل في التنمية المتوازنة هي التساوي في نصيب الافراد من ثروات البلاد تعليما وصحة وخدمات، المهم -على اقل تقدير- ان يكون حساب التنمية متقاربا. • تقارير وانطباعات المؤسسات العالمية والحقوقية حول الممارسات والقوانين الطائفية في البلدان المختلفة هي واحدة من المقاييس العصرية. فإن معظم المؤسسات العالمية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (HRW) وغيرها غالبا تكون حيادية، فيُلجأ لتقاريرها إن وجدت كأحد مقاييس الطائفية. • ملاحظة مظاهر التنوع الديني والثقافي والإجتماعي فإن كان واضحا فهذه اشارة صحية وان تقلصت للون واحد وخصوصا إذا كان بالفرض فإن مقياس الطائفية سيكون مرتفعا في هذا المجتمع ثم تساءل سماحته لماذا يجبر الناس على ثقافة واحده ويدرَسون على مذهب واحد ويحاصرون في عقيدتهم وشعائرهم و ممارساتهم ولغتهم وفي احيان لباسهم ومنظوماتهم الإجتماعية؟ الحقيقة هي اننا اذا رأينا مجتمعا متنوعا فكريا ودينيا وثقافيا وسياسيا ولغويا وعرقيا فهو مجتمع ثري ومتطور وغير طائفي والعكس صحيح أيضا.