الدعوة الرسالية وأوهام التبشير
الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا .
العلاقة بين الخالق والمخلوق يمكن أن تتصور بأحد ثلاثة أشكال : الجبر أو
الترك أو الدعوة . لا جبر إذ أنه ( لست عليهم بمسيطر ) ، ولا تفويض (
أحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) وإنما دعوة وأمر ( ادع إلى سبيل ربك ..)
بل يعبر القرآن الكريم عن الله عز وجل أنه داع ( والله يدعو إلى دار
السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ) ، فحتى الأفعال التي ظاهرها فعل
تكويني لا بد من حملها على التشريع ، مثل يخرجهم ، ويطهركم ، ويريد بكم
اليسر ، وهكذا .
والأنبياء عملهم هو تحقيق هذه العلاقة ، ( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) .
( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) وأحد أسماء النبي أنه
الداعي .
وهكذا حال الأوصياء ..
بل عموم المؤمنين مخاطبون بقول الله ( ادع إلى سبيل ربك ) .
بل عموم الإنسان صاحب الفكرة هو داع ومبلغ لفكرته ، إما لأنها في رأيه
تحقق التقدم والسعادة الدنيوية ، وتغير نمط الحياة ، أو أنه يلتمس من
خلالها الثواب والآخرة .
كل صاحب فكرة أو عقيدة هو مبشر بها بشكل تلقائي : الكاتب في الصحيفة الذي
ينتقد التبشير الشيعي هو نفسه يبشر بأفكاره الخاصة ، والتي يكون قسم كبير
منها دينيا ! وهذه الصحيفة تنتشر في مختلف الطوائف والفرق !
المرأة التي تلبس الحجاب هي تقوم بالتبشير لهذا النموذج من دون أن تتكلم
( والغربيون فهموا بوضوح أن المعركة ليست في قطعة قماش ) ، والذي يلتحي
يدعو ـ غالبا ـ إلى نمط ديني خاص ، والذي يلتزم بالثوب القصير يدعو إلى
مسلك معين ، والغترة من دون عقال ، كما العمامة دعوة إلى نموذج ..
وهكذا ..
المسيحي الذي يلبس الصليب هو مبشر بذلك المنهج حتى لو لم يتكلم ..
والفيلم الاجنبي الذي تظهر فيه تلك الرموز الدينية هي حالة تبشير غير
مباشر ولكنه قد يكون مؤثرا ..
والقنوات الرسمية ( إذاعية أو تلفزيونية )في العالم الاسلامي هي قنوات
تبشيرية حيث أنها تصدح ليل نهار بالمذهب الرسمي الحاكم في نفس البلد ، مع
أن البلد يحتوي على فئات دينية ومذهبية مختلفة !
والمناهج الرسمية التي يتربى عليها التلاميذ منذ الصف الأول الابتدائي
وإلى الجامعة هي مناهج تبشيرية تستفيد من خلو ذهن طالب الابتدائية من
المعلومات الدينية فتثقفه بما تريد !
هذا هو الواقع القائم ، ولكن مع كل هذا حدثت ضجة ولا تزال تتجاوب أصداؤها
بين فترة وأخرى ، من قبل طائفيين متعصبين ، أو جهات سياسية وأمنية .. في
التحذير من التبشير الشيعي كما زعموه ..
أسباب الحملة في رأي أصحابها :
1/ أن التبشير والتشييع يتم من خلال استغلال المال واستثمار حاجة الفقراء ..
ولا ريب أن التبشير من خلال المال مرفوض ، لكن التفكير بأن تغيير عقائد
الناس يتم من خلال المال هو إهانة للناس ثم للعقائد .. وينقض بأنه لو كان
كذلك لصار المسلمون مسيحيين فإن المسيحيين أكثر مالا ، ولصار الاقبال على
بعض المذاهب في الحالة الاسلامية أكثر مع أننا نلاحظ أن الأكثرية ليست في
التي تملك المال ، بل المذاهب المدعومة بالمال هي الأقل ( الحنابلة وسائر
المذاهب .. الحنفية في الهند وتركيا مع وجود دعم لمذاهب أخرى ..) ،
والمالكية في المغرب العربي هم الأكثرية ، والمالكية والشافعية في المشرق
العربي كذلك ..
ثم إن التحول يحصل كما يشهد الواقع في فئات النخبة أكثر من الجمهور :
جامعيون ، وكفاءات وعلماء .. وهذا يكذب الموضوع المالي .
بل لحصل التحول من التشيع إلى المذهب الآخر .. مع كثرة الأموال والفرص ..
2/ أن ذلك يكون سببا إلى الاحتراب الداخلي وتمزيق المجتمعات .. والجواب :
أنه لماذا يكون هكذا ؟ لماذا عندما تتحول مجتمعات إلى الاسلام كما هو
الحال في اوربا لا يحصل هذا الاحتراب ؟ بل يعتبر ذلك مصدر ثراء ثقافي
واجتماعي ؟ ولماذا عندما تحولت بعض المجتمعات العربية مثل مصر ، من
فاطمية شيعية إلى المذهب الآخر لم يحصل هذا المشكل ؟
أسباب الحملة في تقديرنا :
1/ محاصرة المذهب ، وهو يتخذ أشكالا كثيرة ، فإذا قيل هناك تبشير فللوقوف
أمامه يجب أن يمنع الكتاب الشيعي وهذا ما حصل في بعض المعارض التي كانت
تستقبل ! وأيضا يجب أن تمنع الشعائر ، وأن لا يرخص للمؤسسات ..