الصحبة والأصحاب قواعد وأسس
بقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) : "إياك ومصاحبة الكذاب ، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، ويبعد عنك القريب، وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك ، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، وإياك ومصاحبة الأحمق ، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله".
وبين سماحته أن الإنسان لايفي عمره بأن يصاحب كل الناس، لذا لا بد من الانتخاب لمن يكون مناسبا، واجتناب من يجب اجتنابه.
وهذا الحديث مروي عن أمير المؤمنين والإمام الحسن (عليهما السلام) بعبارة مشابهة، مما يبين لنا قاعدة التوجيه بحسن اختيار الصاحب، حيث يشير الحديث إلى صفات خاصة لأناس يجب اجتنابهم.
ووسع سماحته الحديث في الذين ينبغي اجتنابهم، ممن لا منفعة لهم في الدنيا، في إشارة للآية الكريمة: "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" (الزخرف آية 32) ، حيث تحث على الانتفاع من الصحبة من الجهة الدنيوية بالحسنى وكذلك في الدين حيث التوجيه لما هو اقوم وافضل.
وأشار كذلك إلى وجوب الابتعاد عن المضلين والفجار وهو من قال عنهم الإمام (عليه السلام) في الحديث المذكور: "فإنه يبيعك بأكلة أو أقل من ذلك" ضاربا المثل بمعقل مولى ابن زياد الذي كان سببا في وصول ابن زياد لهاني بن عروة ومسلم بن عقيل وقتلهما وكان المقابل ثلاثمائة درهم فقط. وأضاف سماحته إلى هؤلاء، ممن يجب اجتنابهم، النمام الذي يفسد بين الاصحاب.
ثم تطرق سماحته إلى أسس وقواعد الصحبة، واشار فيها الى المحددات الأخلاقية ومن اهمها التوازن في المحبة بين الأصحاب وقد قال الإمام علي (عليهما السلام) في ذلك:" أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، واكره بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما" وهو معنى أن تكون بين الأصحاب مودة كاملة وليس ثقة كاملة.ومنها ايضا تقليل العتاب قدر المستطاع لما يفسد العتاب من العلاقات.
وذكر المحددات الشرعية التي يؤكد الشرع فيها على مجموعة احكام في التعامل مع الأصحاب منها ماهو مندوب واخر مكروه والثالث محرم وفي هذا السياق شدد سماحته على الإبتعاد عن التعاملات المشبوهة بين الجنسين كالخلوة او بين الجنس الواحد كالإثارات الجنسية المختلفة فهي من الأمور التي تبعد عن روح الدين وتهبط بالأخلاق الى اسافل الدرجات، مركزا على الإنتباه للاجواء الشبابية في المدارس والمحافل المختلفة كي لا تنفلت الى مهاو منكرة.
ان الصحبة هي التعامل بالحسنى و ان اختيار المتقين من بين الأصحاب هي واحدة من مقاصد الدين التي تؤمن للفرد طيبا في العيش في الدنيا و حسن العاقبة في الآخرة قال تعالى: " الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف آية 67) و مشيرا الى قول الحسين (عليه السلام) في اصحابه يوم عاشوراء : "فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي" فالينظر الموالون كيف انتهت بهم هذه الصحبة الى نعيم مقيم وذكر جميل يتمنى الأولون والآخرون ان يكونوا مثلهم ليفوزوا به وذلك الفوز العظيم.
الجدير ذكره ان حضور مجالس العزاء بدأت تزدحم بالمؤمنين رجالا ونساءا مع اقتراب المصيبة ويتسابق القائمون على المجالس كل حسب وسعه لتأمين جوا مناسبا وخدمة مميزة لمستمعي مصيبة اهل بيت النبوة (عليهم السلام) في هذه الأيام راجين القبول من الله تعالى.