تاريخ التشيع في المدينة المنورة
مراجعة تاريخية عن حال التشيع في مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فترات تاريخية لم يسلط عليها الضوء فشرح سماحته الحالة المذهبية التي كان عليها أهل المدينة المنورة وذلك لفهم خروج الحسين (عليه السلام) منها معلنا ثورته وحركته. ويمكن رصد الإسقاطات التاريخية بوضوح على ما يحصل اليوم.
إذ بين سماحته بأن التشيع كان توجها لدى بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،من الذين كانوا يجدون في الإمام علي (عليه السلام) الممثل الأفضل له، وقد دعم النبي ذلك التوجه بالإشادة بأصحابه بالإضافة إلى الحث على الالتفاف حول الإمام علي (عليه السلام).
وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفرزت تلك المرحلة ثلاثة خطوط هي: الخط الأموي، والخط القرشي، والخط العلوي، فمال كثير من الصحابة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و صنف التشيع في تلك الفترة كحالة مجاميع لم تصل إلى الحالة الشعبية.
أما بعد استلام أمير المؤمنين (عليه السلام) للخلافة فلم يلبث حتى غير مكان الخلافة فجعلها في الكوفة، وبقي فيها حتى وفاته، فلما مات رجع ولداه الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) إلى المدينة، وهنا بدأ الأئمة (عليهم السلام) بتدريس نهج أهل البيت حتى تحول التشيع من مجرد توجه قلبي ونفسي إلى مدرسة عقدية وفقهية وذلك منذ زمن الإمام زين العابدين (عليه السلام) ثم الإمام الباقر (عليه السلام) وبعده الإمام جعفر الصادق(عليه السلام).
و استمر الإمام الرضا (عليهم السلام) على ذلك، وكان يدرس ويفتي بين الناس، حتى تخرج عدد كبير من العلماء على يديه، الأمر الذي أدى بالمدرسة الشيعية إلى أن تترسخ.
أصبح الشيعة في المدينة هم أصحاب الكثرة العددية بعد القرن الثالث والرابع،.وقد تطور الوضع في القرن الرابع والخامس الهجري فبدأ السادة الحسنيون والسادة الحسينيون يحكمون في المدينة ولمدة قرن كامل، وهنا حصل التحول على أثر الجهود السابقة في عقائد اهل الحجاز حتى ان الشهادة بالولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت ترفع على منارات المسجد النبوي في ذلك الزمن واصبح التسامح بين اتباع المذاهب الإسلامية.سمة بارزة في الحياة الدينية والعامة في مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
بعدها بدأ التجاذب السياسي بين الفاطميين والعباسيين، إلا أن المظهر الولائي لأهل البيت (عليهم السلام) في المدينة لم يتغير، إلى أن جاء الأيوبيون وكان على رأسهم صلاح الدين الأيوبي، والذي كان من أهم أعماله هو التخلص والقضاء على المظاهر الولائية لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) ، فلم يكن في عصره يؤخذ بقضاء القضاة الشيعة، بالإضافة إلى عزلهم تدريجيا وعزل الخطباء بالمسجد النبوي واغراق المدينة بالقضاة وائمة الجماعة القادمين من مصر والشام فتقلص تواجد اتباع مذهب اهل البيت في المراكز الإدارية و الدينية.
ونهج المماليك والعثمانيون نفس النهج من التهميش والعزل، وبذلك تراجع حضور المذهب الشيعي في مراكز الدولة الأساسية بتراجع الطاقات والشخصيات المهمة في الحياة العامة.والإدارية مما أدى بالأشراف أن يخفوا مذهبهم و هاجر قسم منهم إلى أطراف المدينة حتى فرغت المدينة من الشيعة وتغيرت التركيبة السكانية فيها لصالح المستوردين من الشام ومصر وغيرهما، وحلت الشخصيات الجديدة محل المبعدين من الشيعة.وتواصل هذا العمل لقرون عديدة.
قد كانت المدينة مع حرمتها وحرمة ساكنيها محط تجاذب عنيف ودموي للأطراف المختلفة خصوصا في العهد الأموي وان المطالع لتاريخ المدينة المنورة يستطيع ان يستشف السبب الرئيسي لتراجع مركزها كعاصمة اسلامية وتراجع دور اهل البيت وفكرهم وغياب الريادة في العلوم الدينية فيها وطغيان حالة التنافر بين مكوناتها البشرية