الأرض وتربة الحسين ع
الأرض والتربة الحسينية
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (سورة الروم: 20)
ـ توجهان في تفسير الآية ، وخلق الانسان من التراب ، أحدهما ينتهي إلى أن نمو الانسان يعتمد على مصدرين في طعامه : حيواني ونباتي ، والحيواني مرجعه إلى النباتي ، والنباتي إلى الأرض والتراب .
وثانيهما أن الآية إشارة إلى خلق آدم أبي البشر حيث خلق من تراب ، وهذا من جهات العظمة والقدرة التي يريد القرآن الاشارة إليها ، وذلك أنه قد يكون ممكنا صناعة شيء من شيء مجانس له ومشاكل ، ولكن ان يخلق من شيء مضاد له أو مناقض فهذا أمر معجز .. فالتراب الذي هو شيء متفرق جامد لا حياة فيه ولا رطوبة أو نداوة ، ولا نعومة فيه .. من كل هذه الصفات يخلق الإنسان الذي هو حي متحرك مفكر ، له العين السائلة ، والبشرة الناعمة ، وما إلى ذلك مما يتباين مع التراب وصفاته !
مبدأ الانسان من التراب ، ومنتهاه إليه كذلك .. وفيما بين هذين الخطين ، يبني حضارته ويعمر الدنيا على أساس التراب ، فالأرض هي أحد أضلاع البناء الحضاري بالاضافة إلى الانسان والوقت كما قال مالك بن نبي المفكر الجزائري المعروف .
وقد يكون إلى هذه الفكرة أشار الحديث الوارد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ( من وجد ماء وترابا ثم افتقر فأبعده الله ) .
ومثلما لهذا الموضوع هذا الدور في الجانب الكوني فله أيضا حضور في الجانب التشريعي حيث وقع التراب محلا لعدد من الأحكام الشرعية :
منها ما يرتبط بالطهارة الحدثية والخبثية ، حيث يكون التيمم بالتراب بدلا عن الطهارة المائية ( في الوضوء والغسل ) .. وإلى ذلك أشارت اية المائدة المباركة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (سورة المائدة: 6).
وفي الطهارة الخبثية حيث ذكر العلماء أن الأرض تطهر باطن النعل والرجل وكعب العكاز وأمثالها بشرط زوال عين النجاسة .
وفي مسائل الصلاة يبرز هذا الموضوع في قضية السجود ، حيث ورد في الحديث ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) فكان السجود على التراب هو الأصل في جواز السجود ، وما عداه كالسجود على الثياب أو السجاد هو الذي يحتاج إلى الدليل ، ومن العجيب أنه يعترض بعضهم على الامامية في سجودهم على تربة الحسين وهي لا تحتاج إلى دليل .. بل هي الأصل .
وقد اختصت تربة قبر الحسين بخصائص منها أن فيها الشفاء كما ورد في روايات كثيرة من طرق أهل البيت عليهم السلام ، وأشار إليه ما لا يحصى كثرة من التجارب والقصص ..
ويمكن أن توجه تلك الروايات في الربط بين التربة والشفاء باحتمالات :
1/ أن تكون أمرا غيبيا محضا ، فإن الله الذي جعل خصائص في بعض العقاقير والأغذية تؤثر في بعض الأمراض وعلاجها .. قد جعل في التربة هذه خصائص توجب أن يتم الشفاء من خلالها .. وقد أخبر عن ذلك أوصياء رسول الله .
2/ أن يكون الأمر مثلما يذكر في أقسام الطب البديل في العلاج ، حيث توجه العالم بعدما رأى تعثر العلاج الاكلينكي المعتاد في مواضع كثيرة ، وأنه يسكن الآثار و لا يعالج جذور المشكلة في مواضع أخرى ، لجأ إلى بدائل مثل الأبر الصينية ، والعلاج بالأعشاب الطبيعية ، وبالتنويم المغناطيسي ، وما شابه !
ومن العلاجات البديل ، العلاج بطاقة الأحجار الخاصة ، فقد ذكروا أن لبعض الأحجار طاقات إشعاعية خاصة تنفع في علاج بعض الأمراض ، ويتم الآن تجربة هذه النظرية ، فقد يكون لتربة الحسين لو تمت هذه النظرية مثل هذا الأثر .
3/ وقد يكون الأمر راجعا إلى تقوية نفس المريض وبدنه وإعطائه القدرة على محاصرة المرض ومنع تقدمه في البدن ثم القضاء عليه ، إذ أن بدن الانسان له جهاز مناعة يواجه الأمراض ، فقد يضعف هذا الجهاز أو البدن أمام المرض الكذائي ، ويستوطن فيه المرض ، فإذا تم تقوية الجسم .. قام بذلك الدور المنوط به ، وحيث أن أكل التربة ـ بمقدار الحمصة ـ متيقنا أن الله سبحانه يشفيه من مرضه ، يرفع من قدرة الجسم ومقاومته يتم حصول الشفاء على اثر ذلك ..