أفلا يتقون..؟
أهمية حياة القادة المعصومين هي أنهم جمعوا الكمالات في أنفسهم ، بل متضاد الكمالات .. وذلك أنه من السهل أن يكون شخص فارسا فاتكا شجاعا ، قويا ، ذا قلب حديدي ، فيقود المعارك ويقتل الأعداء ، ويحمي الثغور .. لكنه لا يملك صفات استثنائية في بقية المجالات !
وهكذا من الممكن أن يكون هذا الشخص زاهدا منعزلا عن الدنيا ومغرياتها ، مقبلا على الله سبحانه وعبادته ، فيكون ذا قلب خاشع ، ولسان طري بذكر الله ، وأعضاء خاضعة من هيبة الله وجلاله !
ولكن أن يجمع شخص كل هذه المعاني وغيرها في مزيج فريد ، فهذا الذي لا يتوفر إلا لدى الكاملين من الرجال وهم المعصومون عليهم السلام ، الأمر الذي يجسده صفي الدين الحلي في خطابه لأمير المؤمنين عليه السلام :
جمعت في صفاتك الأضداد فلهذا عزت لك الأنداد
زاهد حاكم حليم شجـــــاع ناسك فاتك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قط ولا حاز مثلهن العباد
خلق يخجل النسيم من اللطف وبأس يذوب منه الجماد
• إن معركة كربلاء شهدت التجسيد الكامل لهذا الشعر ، فبينما الحسين ( يطلب ) من الأعداء ويرجوهم أن يمهلوه سواد تلك الليلة ( العاشر ) لكي يصلي لربه ويتذلل ويخضع لله ويبكي ! هو نفسه الذي لا يلحق أحدا إلا بعجه بسيفه ، ولا يمر به أحد إلا قتله ! ذلك القلب الخاضع هناك هو نفسه القلب الفاتك هنا !
• كما أن ممارسات الامام الحسين وأصحابه فيها شهدت التطبيق الكامل للتقوى والتدين ، وفيها دروس وعبر لمن شاء أن يتدبر ! ولكي نوضح الصورة نأتي ببعض الملاحظات من واقعنا الاجتماعي ، ونقارنها بما جرى في تلك النهضة !
• * في ليلة العاشر ، يأمر الحسين عليه السلام من كان معه إذا كان على أحد دين فلينصرف ! فإنه لا ينبغي أن يكون شهيد هذه النهضة مطلوبا بحق لأحد ! في المقابل أنت ترى في واقعنا الاجتماعي من يقترض وهو لا ينوي أن يسدد ، مع وجود الحديث عن الامام الصادق عليه السلام ( من استدان وهو لا ينوي السداد كان سارقا ) . وبينما ترى مسلم بن عقيل يوصي عمر بن سعد أن يبيع سيفه ودرعه ليقضي دينا كان عليه في الكوفة ، بينما فينا من يسكن البيوت ولا يسدد لصاحب المنزل شيئا وهو يصلي فيه ويأكل ويشرب !
• بين الالتزام بالقوانين الشرعية في تفاصيلها كما صنع مسلم بن عقيل الذي لم يشرب الماء الذي قرب إليه لسقوط قطرات من الدم فيه ، وتنجسه على اثر ذلك .. بينما فينا من يرجع إلى المحاكم التي لا تفتي حسب مذهبه الامامي ، لكي يطلق طلاقا لا يصح وتبقى فيه الزوجة على ذمة زوجها السابق ، ثم تذهب وتتزوج ، ويأتي آخر لكي يستولي على جزء من الميراث اعتمادا على فتوى بالتعصيب وهو ما لا يحل أخذه .. وتأتي ثالثة لكي تأخذ حق الحضانة على أبنائها وبناتها على خلاف الحكم الشرعي الذي عليه فقه الامامية من أنه تنتهي حضانتها بتمام السنتين ..
• والتعامل مع الخدم والعاملين تحت أيدينا ، بين التعنيف والظلم واحتجاز الراتب ، وعدم الرحمة وبين تعامل الحسين الذي يقول لجون مولى أبي ذر إنك إنما تبعتنا للعافية فانصرف عنا إن شئت ولا تبتل بشيء مما حولنا ! فيرفض جون ويصبح شهيد كربلاء ويضع الحسين خده على خده !
لا تذهبن بكم المذاهب .
ـ من تزوج امرأة لا ينوي إصداقها فهو زان ،
ـ ومن اقترض ما لا ينوي أداءه كان سارقا .
ـ التعرض إلى ما يقوم به البعض من الكذب لأجل تحصيل المال ، ( اصطناع الفقر والحاجة والطلب من الجمعية الخيرية ، أو عالم الدين ، والتفنن في هذا المجال )
الانفصال بين العقيدة والعمل :
إذا كان الدين الإسلامي قد حفظ كتابه ورسالته من التحريف اللفظي ، فهذا ليس نهاية المطاف ، ذلك أنه قد حصل ما ينتهي من الناحية العملية إلى نفس مؤديات التحريف اللفظي ـ إجمالا ـ . الذي حصل هو الانفصال بين ما يعلنه القرآن من العقائد وما يدعو إليه من الأخلاق ومايريده من الحكم الشرعي من جهة وبين عمل المسلمين الملتزمين بهذه الرسالة وأفعالهم.
فإذا كان من الغريب أن تجد أحدا المسلمين يقول إن الله غير موجود أو أن الله له شريك أو يتحدث عن نسبة الخطيئة للأنبياء ..
إلا أنك تجد كثيرا من المسلمين لا يلتزمون بتوجيهات الدين مع زعمهم الانتماء إليه ، فهو في السوق يهودي الشخصية في عبادة المال وكأنه لا يصدق بوعد الله وجنته . وإذا جاء وقت العدل في القضاء أو الحكم فكأنه لم يقرأ ( ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .
وإذا كان في موقف الغضب وأخذه زمع التدمير والفساد ، لا يتذكر ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اْلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) .. إن هذا الفصل الحادث بين الانتماء إلى الدين ، والاعتقاد به ، وبين تطبيقه على جوارح الإنسان ، وحياته ، وتحكيمه في أمواله .. يجعل آثار الرسالة الخالدة والراقية غير ملحوظة في حياة الناس .. وهي من هذه الجهة تتساوى مع الدين المحرف .