جهات القوة في التشيع
تتمايز الأديان والمذاهب ( دينية أو وضعية ) بمجموعة الأفكار التي تحملها ، فتجتذب إليها أنصارا أو تبعد آخرين بناء على قبول تلك الأفكار ورفضها .
ولهذا يقوم دعاة تلك الأديان والمذاهب ، بعقد اقتران بين اسماء مذاهبهم ودياناتهم وبين الأفكار والعناوين المحبوبة لدى الناس .. فداعية المسيحية يقوم بتسمية الدين المسيحي بأنه دين السلام والمحبة والتسامح .. وفي المقابل يقرن بين سائر الاديان وبين ما هو غير محبوب كأن يقول بأن دين الاسلام هو دين العنف والقسوة !
وهكذا في المذاهب الوضعية فإن أتباع المذهب الليبرالي الغربي مثلا ، يحاولون أن يقنعوا الناس بأن هذا المذهب هو مذهب حرية الانسان وحقوقه !
وفي ما بين المذاهب الدينية تأتي نفس المعادلة .
غير أن هذا الأمر لا يعني حسم القضية ذلك أن أتباع الدين أو المذهب بعد أن يصبح لهم القدرة على التحليل والتفكر ، يقومون بمقارنة ما لديهم من اتجاهات وأفكار وبين ما يفقدونه وهو موجود لدى الآخرين ، فإذا وجدوا في مذهبهم أو دينهم نقاط ضعف فإنهم يبدؤون بنقدها ، وربما ترك الالتزام بهذا الاتجاه والمذهب ..والبحث عن غيره مما هو أكمل في رأيهم .
* ومذهب أهل البيت عليهم السلام حصل له توجه استثنائي منذ ثلاثة عقود ، وبشكل أخص منذ عشر سنوات ، على أثر ما سمي بالصعود الشيعي ، فعقدت الندوات والمؤتمرات وكتبت الكتب لدراسة وتحليل هذه القضية ، وتم التعرض فيها إلى أفكار هذا المذهب ، وطبيعة علاقاته ، وتاريخه القديم والحديث ، وهكذا !
ورافق هذا توجه واهتمام من قبل عامة الناس ( مسلمين وغيرهم ) ، والبعض من هؤلاء اكتفوا بالمراقبة البعيدة ، بينما أعجب بعض آخر به . وانتمى إليه قسم ثالث .
* موضوع التحول بين الأديان والمذاهب ليس حادثا جديدا ، ولا طارئا وإنما هو أمر طبيعي موجود ..
فقد وجدنا انتقالا بين المذاهب الأربعة فها هم يذكرون في ترجمة محمد بن خلف البندنيجي ت 538 هـ وهو عالم كبير جامع لفنون مختلفة أنه لقب ( حنفش ) لأنه كان في البداية حنبليا ، ثم صار حنفيا وانتهى به الأمر إلى أن صار شافعيا !
والواعظ ابراهيم الشافعي الذي لقب نفسه بالناجي ، ت 900 هـ ، لأنه كان حنبليا ثم صار شافعيا !
والواعظ أحمد بن المعالي ت 554 هـ الذي كان حنبليا ثم صار حنفيا ثم شافعيا ، ثم قال أنا ما أقلد أحدا وإنما اتبع الدليل !
والفقيه علي بن سعيد البغدادي المعروف بابن العريف الذي كان حنبليا ثم شافعيا ثم صار إماميا !
نعم ربما رافق هذا التحول شيء من التشنج في بعض الحالات ، كما نقل في حال الحافظ بن ناصر السلامي الذي كان شافعيا فصار حنبليا ، فأعاد جميع صلواته وغسل كل ما كان في منزله من أثاث وأدوات ، بل حتى الجدار ! فقيل له كيف فعلت ذاك والحال أن أحمد تلميذ الشافعي ؟
الأديان والمذاهب بطبيعتها سيالة كالماء، فلا تحتاج إلى ميزانيات أو خطط للتبشير بها ! لقد بدأت البوذية في جنوب الهند، واليوم تشهد أعظم انتشار لها في الصين، والمسيحية بدأت في فلسطين وبلاد الشام، واليوم تعتنقها أوربا وأمريكا وروسيا. والإسلام بدأ في مكة المكرمة غير أن أعظم انتشار له اليوم هو في جنوب شرق آسيا كاندونيسيا.
ونشير هنا إلى بعض جهات القوة في مذهب أهل البيت ، مما يشكل نقطة جذب للآخرين ..
1/ يرى مراقبون بأن من أهم الأسباب التطور الحاصل في المذهب :
ـ استقرار المذهب في بنائه الفكري والعقدي العام بعدما أصبحت المدرسة الأصولية هي البارزة
ـ وحل عدد من القضايا التي كانت تشكل عنصر تباعد وتفارق مع باقي المسلمين : كفكرة التحريف في القرآن التي ذهب إليها بعض العلماء لا سيما قسم من المحدثين .. وأيضا الموقف تجاه غير الشيعة من سائر المسلمين ، والذي كان حادا على سبيل الاجمال قبل هذه الفترة ، من جهة مساواتهم بالنصّاب .. والموقف من الروايات حيث أن قبول التحقيق فيها وعدم قبولها على كل حال كان عاملا مساعدا في هذه الجهة .
2/ نموذج المؤسسة الدينية المرجعية : في هذه الفترة أيضا حصل استقرار للوضع المرجعي ، حيث نشهد على الأقل منذ مائتين سنة من الزمان ، مرجعيات كبيرة أو عليا ( زمان الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب الجواهر فصاعدا ).. استقلالية المرجعيات ماليا ، كفاءتها علميا ،
وبقي هذا النموذج متميزا في الوقت الذي انماثت فيه المؤسسات الدينية الأخرى ـ غير الشيعية ـ فإما ضُعفت لصالح الدول والحكومات غير الدينية ، فكان العالم غير الموالي لا يسمح له بشيء ، والعالم الموالي للحكومة لا يستطيع إلا أن يوافق حتى على المساوئ ، وهذا شكل فاصلة بين الجمهور العام وبين هؤلاء العلماء فلم يعودوا مرجعية بالمعنى الصحيح .
أو لصالح الحركات الإحيائية كما تقدم .. التي وجدت أن من برامجها أن تغير الأنماط السائدة في الاتباع بين الناس وبين المؤسسة الدينية الرسمية التي رأتها جزءا من مشكلة الأمة .
في المقابل قدمت المؤسسة الدينية الشيعية نموذجا في المرجعية .. ينبثق من حالة بعيدة عن التسلط في الغالب ، قائمة على أساس العلم والفقاهة .. ولا يسلب موقعه كما لا يعطى من خلال مرسوم أو قرار رئاسي أو حكومي .. وإنما من خلال اعتراف الوسط العلمي به وإذعان الطائفة بتقدمه .
الحاجة إلى المرجعية في الدين قائمة كما هي الحاجة إلى قيادة في الدنيا . لا سيما في ظروف الأزمات . وهذه الحالة معدومة في الوسط غير الشيعي ، لو استثنينا ، الحالة الصوفية وهي الحالة الأقل في الوضع المسلم .
3/ حزمة من الأفكار جذبت الكثير من المسلمين إلى هذا المنهج :
منها النظر التحليلي للتاريخ ، وعدم القبول بمسلمات السابقين ، مثل عدم النقاش فيما جرى بين الصحابة لأنه مكتوب عليهم ولا بد أن يعملوه أو غير ذلك .. وإثارة السؤال واقتحام الممنوعات غير الصحيحة .
ومنها محبة أهل البيت والدفاع عن مظلوميتهم ( قضية الحسين : أحد المستبصرين أحمد حسين يعقوب يتحدث عن أن الذي هزه كان مقتل الحسين عندما قرأ تلك الصور في كتاب أبناء الرسول في كربلاء ويقول فجعت إلى أقصى الحدود بما أصاب الحسين وأهل بيته ).
ومنها فكر الجهاد لدى الشيعة ضد الظلم والسعي للعدالة ,
تسخيف فكرة أن تشيع الأفراد إنما يتم لغايات سياسية ، أو أنه على أثر دفع أموال من قبل هذه الفئة أو تلك ، فإن من المعلوم أن من ينتحل التشيع فليتخذ للبلاء جلبابا من الأنظمة القمعية وهذا ليس حديثا سابقا ، بل هو حالة واقعية معاصرة ..
*المضمون الروحي الموجود في تراث المذهب :
إن تأثر البعض بدعاء كميل ، ومقتل الحسين ، وقراءة عمل مقاومة الاسرائيليين وصمود الصامدين في وقت لا يزال الآخرون يخطبون ود اسرائيل لكيلا تفضحهم ..