النزاع الطائفي : يمكن تجاوزه
الساحة الاسلامية ، وشيوع الخطاب الطائفي .. مما نراه على شبكات الانترنت ، والفضائيات ، فضلا عن الكتب المعروضة مع كل معرض كتاب جديد ..
ولا يقتصر هذا الأمر على بعض الدعاة ، والخطباء وإنما امتد ليشمل السياسيين والحركيين على مختلف المستويات .. ودخل فيه عامة الناس ولو على مستوى المشاعر والمواقف إذا لم يكن على مستوى الكلام والفعل ..
* لا بد من التفريق بين الانتماء إلى الطائفة أو المذهب أو القوم ، وبين الحالة الطائفية .. فالأولى حالة طبيعية بل مرغوب فيها ، فإن ( القاصية من الغنم للذئب ) .. والحالة الثانية يلاحظ فيها : اعتبار الطرف الثاني باطلا وعدم التماس العذر ، والشعور بالحقد عليه ، وتمني السوء له ، بل القيام بذلك مع القدرة .. واعتبار معركة الانسان الأصلية في الحياة مع الطرف الثاني .
ما هي أساسات هذا النزاع :
تساق ثلاث نظريات في هذا المجال :
1/ إن أساسه ديني : فالمتدين لا بد أن يعيش تلك الحالة من العداء مع غيره من أصحاب المذاهب والطوائف ، فإن الهدى لا يجتمع مع الضلال .. والخلاف ـ مثلا ـ في الموضوع الشيعي السني هو خلاف في الأصول لا الفروع ، ولا مجال للالتقاء ، وإنما الصراع والنزاع هو الحاكم ..!
الشيعي ( الطائفي ) يرى أن المسألة بدأت مع السقيقة ، وبتخطيط من ذلك اليوم ، وأن كل ما يحدث هو نتيجة لذلك .. والسني الطائفي يرى أن المذهب الذي أسسه اليهود وعبد الله بن سبأ هو أساس المشكلة في العالم الاسلامي من تخلف وجهل وانحراف ..الخ .
والحل غير الجراحي في منطق هؤلاء غير ممكن ! فطرف يرى أنه لا بد من إلزام الرافضة بالاسلام ، أو نفيهم عن البلاد ( في فترة تاريخية طلب الإخوان من ملك البلاد ذلك ) . ويتمنى بعض أصحاب هذا التوجه نفس الأمنية لو استطاعوا ..
والطرف الآخر : يرى أن لا حل إلا مع ظهور الامام المهدي الذي سوف يقوم بقتل أولئك والانتقام منهم !
2/ إن أساسه اجتماعي ناتج عن ضيق الخيارات وتعارض المصالح : فيحدث التنازع ويلبس هنا لباسا مذهبيا ، أو دينيا .. بينما حقيقته ليس كذلك .
وشاهد ذلك : أننا وجدنا في التاريخ القديم والحديث كم جمعت المصالح والتنسيق فيها أناسا متعادين ، وكم فرقت أقواما متآخين ..
وأيضا في العصر الحديث ، فإنه حيث أرادوا النزاع كان السياسيون أصحاب القرار وحين أرادوا المصالحة لم يتكلم أصحاب الكتب في المسألة ( أمثلة لبنان والعراق وأفغانستان ) .
بل وجدنا المتآخين في العقيدة تعادوا وتحاربوا على المصالح ( الأكراد والعرب في العراق ، والأمازيغ والعرب في الجزائر ، والمسلمون على الطرفين في دار فور ، والفصائل الفلسطينية ، والشيعة في اتجاهاتهم المختلفة في حرب الضاحية ) .
3/ إن أساسه تحريك سياسي : باعتباره أحد الأسلحة التي يلجأ لها بعض الفرقاء للتحشيد والتعبئة ، فحين تصاعد النزاع بين العثمانيين والصفويين احتاج كل فريق لتعبئة أنصاره فاستخدم هذا السلاح .. وفي العصر الحديث في الحرب العراقية الايرانية صدر كما قال فهمي هويدي أكثر من 105 كتب طائفية في فترة وجيزة ..
حقيقة الأمر : ـ يقول هؤلاء ـ إن الحاكمين لا يهمهم كثيرا الجهر بالبسملة أو الإخفات فيها ، ولا التكبير أربعا أو خمسا على الجنازة ، أو سهام الارث وهل تعول أو لا تعول إنما يهمهم حكمهم ، وإنما تستخدم هذه الأمور كما تستخدم القذيفة في الحرب ..
( أحدهم كان صاحب مال وفير جيء به إلى السلطان محمود الغزنوي ـ وكان متعصبا ـ فقال له بلغني أنك قرمطي ( من القرامطة ) فأنكر ذلك ، فشدد عليه ، فقال له : إن لي مالا وفيرا ، فخذ منه ما شئت وارفع عني هذا الاسم ، ففعل وكتب له كتابا يبرئه مما قيل فيه ! ( الكامل في التاريخ 9/401 )
أرضية الحل : التقريب بين أتباع المذاهب ، باحترام الخيارات الفكرية والعقدية والفقهية ، مع تجنب إساءة أحد الأطراف إلى الآخرين ..
التقريب بين الأتباع ، وليس بين المذاهب ، وفرق ما بينهما واضح .. إن التقريب بين المذاهب عقديا وفقهيا ـ في أكثر الحالات ـ غير ممكن .. نعم الحوار والتعرف من أجل معرفة ما يقوله كل طرف حسن ( إن مثل كتاب العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل / معالم المدرستين / المراجعات .. ومثل كتاب الخلاف في الفقه ) هو مما يسهم في هذه الجهة ..
مؤتمرات التقريب والوحدة فائدتها هي أنها تصنع الأرضية ، ولا تشكل الحل .. فإن الفضاء العام الاعلامي إذا عبئ بصور التقارب والالتقاء بين القادة الدينين خصوصا سيختلف في آثاره عما إذا عبئ بالتصريحات النارية المتقابلة ، فإن هذا يعطي إشارة للجهلة والتكفيريين بالبدء بدورهم في التصفيات والقتل ..
نشر الفتاوى الداعية إلى الانسجام : خطاب السيد السيستاني :
- انا سعيد بما اسمع من خطاب وحدوي لدى علماء السنة ، ويعزّ عليّ ان اسمع احيانا الكلمات المثيرة للفرقة.
- الاختلاف في الفكر والاجتهاد لا يجوز ان يكون سببا للتفرقة بل "اختلاف أمتي رحمة".
- انا اجزم ان إرادة التفرقة : جاءت من الخارج.
- عليكم التركيز على بيان المشتركات ولا داعي للتعرض الى المسائل الخلافية.
- بعد التعرض لمرقد الامامين العسكريين دعوت الشيعة كلهم الى الهدوء وعدم الرد وقلت إن ما حدث لم يقم به اهل السنة.
- لو راجعتم كلامي خلال جميع لقاءاتي، فإني ادعو باستمرار الى الوحدة، ولم اتكلم بكلمة واحدة مخالفة لهذا التوجه.
- درست عن الشيخ احمد الراوي، وهو من علماء السنة في سامراء، ولم يكن يخطر ببالي انه على غير مذهبي.
- كنا نراجع بعض الاطباء وهم من اهل السنة، ولكوني من طلبة العلوم الدينية.. لم يكونوا يأخذوا منا اجورا ولم يفكروا اننا من السنة او الشيعة وهذا هو نموذج التعايش الوحدوي في العراق.
- لا يجوز ان نساهم حتى بشطر كلمة من شأنها ان تؤدي الى التفرقة، ويجب الابتعاد عن الخطاب المتشنج.
- انا اعجب كيف لا يقبل بعضنا من بعض حينما يعلن انه يشهد الشهادتين، وبينما نقبل كلام اعدائنا وقد اعلنوا انهم يشنون علينا حربا صليبية.
- قلت لبعضهم اذا كانت لديك فكرة، فعليك ان تعبر عنها بالمنطق اللين وليس بالخشن، واذا خـيرت بين اللـين وما هو ألين، فاختر ما هو ألين للتعبير عن قصدك.
- العلماء مدار الوحدة وقطبها والمسلمون بهم يهتدون فالمرجو منكم ان تظهروا للناس وحدتكم.
- نعم.. في كل طائفة يوجد متطرفون، لكن الخطر هو ان يوجد الصراع بين اصحاب الفكر والثقافة.
فتوى الشيخ الوحيد نصها : نحن مجموعة من الشيعة الامامية، حيث نقطن في محيط غالبيته من ابناء العامة (السنة)، الذين يعتبروننا كفاراً ويقولون ويعتقدون بكفر الشيعة، فهل نعاملهم بالمثل ونعتبرهم كفاراً ونتعامل معهم ككفّار؟ راجين من سماحتكم أن تبيّنوا لنا الموقف الشرعي الذي ينبغي أن نلتزمه وفق الظروف التي بيّناها أعلاه.
إمضاء: عدد من المؤمنين
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
كل من يشهد بوحدانية الله تبارك وتعالى ويشهد برسالة خاتم الانبياء ، فهو مسلم، ونفسه وعرضه وماله كنفس ومال وعرض اتباع المذهب الجعفري مصون ومحترم ومحقون.
وواجبكم الشرعي أن تعاشروا كل من يتشهد بالشهادتين ولو أعتبروكم كفارا بالمعروف وتتعاملوا معهم بالتي هي أحسن. واذا فُرض أن يتعاملوا معكم بالباطل، فلا بد أن تلتزموا أخلاق أئمتنا ولا تزيغوا عن طرق الحق والعدل الذي ألزمونا اتباعه.
ولو مرض منهم احد فلا بد من عيادته وزيارته، ولو مات منهم ميت حضرتهم جنازته وشيّعتموه، ولو قصدكم بحاجة لبيتم وقضيتم حاجته، ولا بد أن تسلموا لحكم الله تعالى الذي يقول:﴿ ولا یجرمن?م شنآن قوم علی ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوی ﴾. وأن تعملوا بقوله تعالى:﴿ ولا تقولوا لمن القی الی?م السلام لست مؤمنا ﴾.
والسلام علي?م و رحمه الله وبركاته.
وهذا الأمر له سوابق تاريخية قديمة وحديثة ..
أما الحل نفسه فيتوقف ـ كما يرى بعض الباحثين ـ على إصلاحات سياسية - دستورية في النظام السياسي :
إن الشعوب الأوربية عاشت حروبا دينية دامية وليس مجرد نزاعات لكنها عندما قررت أن تصلح أوضاعها السياسية وأن تحتكم إلى دستور يتفق عليه ويضمن حقوق الفئات المختلفة ، توقفت تلك الحروب ، وها نحن نراها وصلت إلى مؤسسة متحدة هي الاتحاد الأوربي الذي يضم 27 دولة مختلفة الديانات والأعراق ، في 500 مليون نسمة !
من تلك الاصلاحات تحول الدولة من حاكم فوق الشعب إلى حكم بين أفراده . ومن مالك لثرواته إلى ممثل عنه في إدارتها ..