تشيع القطيف والاحساء : البذرة المبكرة
مختصر تاريخي لوضع المنطقة :
كانت المنطقة التي تشمل القطيف والأحساء وقراهما ، من المناطق التي خضعت للامبراطورية الفارسية ، إذ كانت مجاورة لها من جهة وكانت كثيرة الخيرات من جهة أخرى ، فسيطر عليها الفرس كما سيطروا على كثير من البلاد العربية المجاورة لهم ، وعينوا على القطيف أحد ابنائها وهو المنذر بن ساوي العبدي .
بعد أن بعث النبي صلى الله عليه وآله بالرسالة ، وأقام مجتمع الاسلام في المدينة بدأ يبعث برسله إلى الأطراف ، فكانت هذه المنطقة مما بعث إليه النبي : فقد ارسل رسالة إلى المنذر يدعوه وقومه للاسلام ، وكانت بيد العلاء الحضرمي ، فقرأ المنذر رسالته على الناس وأعلن عن إسلامه ، فتبعه في ذلك قومه .. فأرسل رسالة جوابية للنبي يخبره فيها بما جرى .. أما بعد، يا رسول الله، فإني قرأت كتابَك على أهل هَجَر، فمنهم من أحب الإسلام ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس، ويهود، فأحدِثْ لي، يا رسول الله، في ذلك أمرَك..
وأرسل النبي إليه رسالة بواسطة أبان بن سعيد بن العاص وهو من خلص أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يبين له ماذا يعمل بالنسبة للمسلمين وبالنسبة للمجوس ، وقيل إنه أسس مسجد جواثا في مكان جثو الناقة التي حمل عليها كتاب النبي .
في السنة السادسة جاءت الوفود للنبي ، ومنهم وفد عبد قيس وعلى رأسهم المنذر بن ساوي والجارود العبدي ، فرحب بهم النبي قائلا : سيطلع عليكم ركب من هاهنا هم خير أهل المشرق كما قال العسقلاني في فتح الباري . وأمر الأنصار باستقبالهم : أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام أشبه شيء بكم شعاراً وأبشاراً، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قُتلوا.
• في زمان الامام علي كان واليهم عمر بن أبي سلمة ، وكان ممن غرس التشيع في البلد .. وناصر العبديون الامام عليا عليه السلام في حروبه كالجمل وصفين ولذا قال فيهم ( انتم سيفي ورمحي وأنتم أوثق حي في العرب في نفسي ) .، وبرز منهم صعصعة وإخوانه ، وحكيم بن جبلة ، وجويرية بن مسهر .. وغيرهم .
• وفي زمان الحسين : استشهد معه في كربلاء عشرة أشخاص ، وهم بملاحظة أن عدد الشهداء يصل إلى مئة تقريبا ، يشكلون 10% من شهداء واقعة كربلاء .
• وكان لهم دور مؤثر في ثورتي التوابين والمختار ، حيث كان بعض قادة الثورتين منهم إضافة إلى الأنصار .
• في زمان الصادقين : شارك العبديون في ثورة زيد بن علي ، فقد ذكر في أنساب الأشراف أن المدائن التي صارت موطن عبد القيس ، بايعت كلها زيد بن علي .
• وكان منهم الشعراء مثل سفيان بن مصعب الذي يقول فيه الامام الصادق : علموا أولادكم شعر العبدي فقد كان على دين الله ) .
• ومنهم الرواة لعلوم الائمة وبعضهم مكثر في الرواية مثل ربعي بن عبد الله ومسعدة بن صدقة .
• واستمرت الأمور بالشيعة في أيام الأمويين بين ناري الخوارج من جهة والأمويين من جهة أخرى ! وهكذا الحال أيام العباسيين ، إلى أن قامت الدولة الأخيضرية في القطيف حوالى سنة 252 هـ . لتنسحب منها إلى اليمامة .
• وبعدهم العيونيون ، ثم يتراوح على المنطقة حكم القبائل والعشائر لتنتهي بالاتراك ، وأخيرا الدولة السعودية .. حيث سلمت القطيف أمرها إليهم .
• من الواضح أن ضم البلاد ، كان إلى جانب كيانات ثقافية ومذهبية متنوعة ، فهنا يكون أمام الشيعة ثلاثة احتمالات بالنسبة لعلاقتهم بمحيطهم : :
إن أمامهم الخيارات التالية :
الانقطاع والعزلة عن المحيط : منطق أننا لا نحتاج إلى غيرنا .
الصدام مع المحيط : منطق أن الآخرين أعداء لنا ، وأنهم جميعا على قلب واحد ، هو المعادي .. ولا سيما إذا تعزز هذا ببعض أشكال العداء ، بالفتاوى أو الممارسات الطائفية ..
الانفتاح والتواصل لبناء الشراكة : ( الاستشهاد بفتاوى العلماء ، وآخرهم الشيخ الوحيد ، وقبله السيد السيستاني ، مع أن الشيعة في العراق أكثرية ، مما يشير إلى أن الأمر ليس لجهة الأقلية ، والضعف ، وإنما لجهة المصلحة العليا للاسلام .
وهذا الطريق هو الذي كان يمارسه المعصومون عليهم السلام ويوصون به شيعتهم ليكون موقفهم تجاه بقية المسلمين . فعن ا لامام الصادق عليه السلام : إن الله تعالى يقول : قولوا للناس حسنا ، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم واشهدوا لهم وعليهم وصلوا معهم ..