تشيع العراق من عاصمة الامام إلى دور الحوزة العلمية
أهمية العراق بالنسبة للشيعة : 1/ أعظم تجمع شيعي عربي .. 2/ الموقع التاريخي والجغرافي على مستوى الأمة والطائفة . 3/ الموقع السياسي الفعلي .
العصر الإسلامي الأول :
ـ بالرغم من وجود شيعة كثيرين في الكوفة في زمان الخليفة الثاني والثالث ، وكان ذلك راجعا إلى أن قسما من الجيش الذي كان ذاهبا لقتال الفرس ، كان شيعيا ، بل إن الكثير من القبائل اليمنية التي كان المؤسسة للكوفة ( فيما بعد ) كانت شيعية ، مثل همدان والنخع وكندة ..
ـ إلا أنه يعتبر انتقال أمير المؤمنين عليه السلام إلى الكوفة بعد حرب الجمل مباشرة الفاتحة الحقيقية للتشيع في العراق .. حيث أنه بالتدريج غلب التشيع على هذه المنطقة ، سواء بمعناه العام ( الميل لأهل البيت ) أو الخاص الذي يعني الانتماء إلى منهجهم ، وإن كان بصورة متفاوتة . وبانتقاله انتقل معه كما قيل أكثر من ( 148 ) صحابيا ، فضلا عن التابعين . وأورد ابن سعد اسماء ( 500 ) شخص من التابعين .
ـ شكلت الكوفة بناء على هذا وهي أحد المصرين العظيمين في العراق في مقابل البصرة ، المعادل السكاني ( قريب من 300 ألف نسمة لكل منهما في تلك الفترة ) كما يرى بعض المؤلفين .. والعقدي حيث كانت البصرة ( عثمانية ) والكوفة علوية .
وتواصل التأثير الشيعي في الكوفة .. إلى أيام معاوية حيث تعرضت لهجمة قوية بعد هدنته مع الامام الحسن عليه السلام الذي عاد منها إلى المدينة مع بقية بني هاشم .. حيث تولى عليها رجال أشداء مثل زياد وابنه فيما بعد .. وتمت مهاجمة الحالة العقدية فيها ، حيث كانت الموطن الأول الذي يشتم فيه أمير المؤمنين عليه السلام ، وتم تهجير عدد غير قليل من العشائر الموالية ، منها همدان ـ كما سيأتي في الحديث عن التشيع في لبنان ـ ، وقسم آخر كان قد تخلى عن العيش في الكوفة على أثر الضغوط الحاصلة فيها . ويلاحظ نبرة العداء السلطوي لها ، حتى في الثقافة العامة : اتهام الكوفيين بالبخل والغدر ..
بالرغم من ذلك بقيت الكوفة خزان التشيع كما قيل ، فقد وجدنا أنها مصدر الثورات ( ذات المنحى الشيعي العام كالتوابين والمختار والثورات العلوية) .. ويشير إلى ذلك ، ما قاله أهلها لعبد الله بن مطيع ( والي الزبير ) إنهم لا يريدون غير سيرة علي بن أبي طالب .
أيام العباسيين أيضا لم تكن الكوفة في غير هذا الاطار ، بل إن المنصور العباسي ، أقنع السفاح أول خلفائهم أن لا يجعل الكوفة عاصمة ملكه لأنها مركز أهل هذا البيت ! وعندما ثار ابراهيم بن عبد الله في البصرة ، قال له مستشاروه املأ الكوفة بالرجال .
بعض الروايات تشير إلى بقاء الامام الصادق فيها مدة سنتين وكان قد سكن في محلة عبد القيس ( مقدمة اللمعة ) ويشير الحسن بن علي الوشاء إلى شدة تأثير الامام فيها بقوله ( أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كلهم يقول حدثني جعفر بن محمد ) .
بغداد :* لم يقتصر الأمر في الوجود الشيعي الكبير على الكوفة بل وجدنا بغداد المعادل الآخر للكوفة أخذت الطابع الشيعي بالتدريج ، فقد تأسست في بغداد الدولة البويهية ( 334 ـ 447 هـ ) التي كان لها اتجاهات شيعية واضحه ، وسيطرت على بغداد ( كان عضد الدولة يعظم الشيخ المفيد ويزوره في منزله ) .. واستفاد علماء الشيعة من الفرصة التي حصلت لهم في نشر علوم أهل البيت ، فقد كان فيها شيخ الاسلام الكليني الذي توفي ببغداد ( 328 هـ ) ، ، ولعل ما ينقل عن تشييع الشيخ المفيد يبين الوجود الشيعي هناك ، فقد كانت حياته في بغداد عالما ومدرسا ، ثم لما مات شيعه عدد هائل من الناس ( قال عنهم اليافعي إنهم 80 ألفا من الرافضة والشيعة ! ) ، وكان فيها الشريفان الرضي والمرتضى ثم شيخ الطائفة الطوسي الذي كان يحضر درسه هناك من الشيعة ثلاثمائة مجتهد ومن العامة ما لا يحصى !
واستمر الأمر حتى بعد مجيء السلاجقة ( وهم متعصبون مذهبيا ) حيث كانت تحصل مشاكل بين السنة والشيعة بتغذية من الحكام .
الحلة وأطرافها : بانتقال المركز العلمي إلى الحلة أيام ابن ادريس ، وآل طاووس وفيما بعد المحقق والعلامة الحليان ، وتأثرت أطراف الحلة بحركة التبليغ الشيعي بشكل واضح ..
مجيء المغول في حدود 656 هـ .. واثر ذلك ، قيام الخواجة نصير الدين الطوسي بحركة التفاف ، هو ووالد العلامة بحيث نجت المواقع المقدسة والمكتبات من فتك المغول بهم .. وبذلك حمى الشيعة أنفسهم ..
في سنة 914 هـ دخل الصفويون إلى بغداد ، وسيطروا عليها ، وأصبحت بغداد والعراق عموما محل تنازع بين الصفويين وبين الأتراك ..
ومع إعلان الصفويين – أن التشيع مذهب دولتهم الرسمية . دفع شيعة العراق ضريبة ذلك التنازع الطائفي بين الدولتين فقامت الدولة العثمانية باضطهاد شيعة العراق ومارس السلطان (سليم الأول ) سياسة إرهابية بحقهم حيث اعتبرهم غير مسلمين وأعلن ضدهم الحرب المذهبية واستصدر من رجال الدين فتوى بكفر الشيعة وجواز قتلهم وراح ضحية هذه الفتوى أربعين ألف شيعي .. وجاء بعده السلطان مراد الرابع فشن حرباً طائفية على الشيعة. حيث قتل فيها خمسون ألف .. وكذلك فعل والي مدينة كربلاء عام 1842 م ( 1258 هـ ) م حيث قتل فيها الوالي نجيب باشا الآلاف ..
واستمرت العلاقة بين الشيعة وبين الأتراك العثمانيين متأرجحة تؤثر فيها الظروف الاقليمية كالصراع مع الصفويين حيث يعانون من آثار هذا الصراع ، كما يؤثر فيها مزاج الحكام العثمانيين ، ومرت في فترات هدوء تبعا لذلك . فقد سكت داود باشا الوالي العثماني عن النشاط الشيعي وممارسة الشعائر ، ، مثلما كانت سياسة عبد الحميد الثاني العثماني الداعية إلى الوحدة عاملا مهما في أن يتنفس شيعة العراق الصعداء .
مع سيطرة البريطانيين على العراق عشية الحرب العالمية الأولى ( 1914) ، ذهلوا من سعة انتشار التشيع ، الذي كان يتعامل معه على أساس أنهم أقلية أيام الأتراك . وتنبهوا إلى أن الشيعة هم أكثرية في البلاد ( ما بين 53ـ 56% ).. وكانت الحالة في تصاعد .
وكان ذلك ناتجا عن عدة عوامل كما سيأتي :
في كتابه ذكر ابراهيم الحيدري ( عالم سني ) قائمة باسم العشائر التي تشيعت مثل ( زبيد ، وبني لام ، والبو محمد ، وعشائر الديوانية ، وبعض أفخاذ تميم ، وربيعة ...وشمر .. وقبلهم كانت قبائل المنتفق ، وخزعل ، وقسم من الدليم ..
وأخيرا القبائل التركمانية في كركوك ..
وتختلف هذه القبائل لكن أعرقها في التحول العقيدي كانت قبل 150 سنة ، وآخرها كان قبل 60 سنة ..
العوامل التي أدت إلى تشيع العشائر:
1/ هجمات الوهابيين على كربلاء والنجف ، ومواجهتهم لهذه العشائر زادت دوافعهم للتشيع . يذكر صاحب كتاب ( العراق : سياقات الوحدة والانقسام ) أن هذه الهجمات كانت سببا في تحالف العثمانيين مع الشيعة ، ونظر القبائل إلى التسامح الشيعي في مقابل التشدد الوهابي .
2/ توطين العشائر البدوية على يد العثمانيين الأتراك الذين كانوا يريدون زيادة مداخيل الدولة من خلال الضرائب على زراعتهم .. جعلهم في جوار الحواضر الشيعية كالنجف و( مناطق الفرات الأوسط ) وفي مدى التبليغ الشيعي ( بالقول والتعامل ) .
( ملاحظة الدور الذي قام به صاحب الجواهر في بعث المبلغين إلى تلك المناطق ، ما ينقل عن السيد مهدي القزويني زميل الشيخ الأنصاري من أنه كان يذهب إلى العشائر ويمكث معهم سنة كاملة في مضائفهم حتى يوجههم ويعلمهم !) ، وفيما بعد السيد أبو الحسن ( له 4 آلاف وكيل ) ..
3/ هدوء الوضع الداخلي فقد كان داود باشا آخر الولاة العثمانيين غير متشنج ، على خلاف سابقيه الذين منعوا الشعائر الشيعية علنا ، كما أن استراتيجية السلطان عبد الحميد في الدعوة إلى وحدة المسلمين ( ت 1909 ) قد ساهمت في تخفيف التشنج .
الشيعة في وجه البريطانيين
مع مقاومة البريطانيين من قبل المرجعية الشيعية وتحشيدها للقبائل ، وتحول المقاومة إلى هم اسلامي عام ، صمم البريطانيون على إقصاء الشيعة ، وجاء الأشراف الذين هم بأنفسهم كانوا مطلبا شيعيا في مقابل الحاكم الانكليزي ، فإذا بهؤلاء يتحالفون مع البريطانيين ، ويبعدون الشيعة إبعادا تاما .
فقد عارضهم شيخ الشريعة الاصفهاني والشيخ عبد الكريم الجزائري وسعى في ذلك الشيخ محمد رضا الشبيبي ، وأصدر الميرزا الشيرازي محمد تقي بيانا بهذا الخصوص يحرم فيه انتخاب حاكم غير مسلم كما اشترك في قتالهم السيد محمد سعيد الحبو بي مؤكدين على وجوب الاشتراك مع الحكومة المسلمة ـ أي العثمانيون ـ في دفع الغزاة 0 وأمر الشيخ مهدي الخا لصي بدفع الأموال في هذا السبيل .
قاوم البريطانيون نفوذ الفقهاء بالقول بأنهم لا يمثلون رأي الناس ، وأنهم فرس وعملوا على إثارة موضوع عروبة المجتهدين ، وأن عليهم أن يتركوا توجيه الشيعة العرب للمجتهدين العرب !
التف البريطانيون على الثورة بتعيين فيصل بن الشريف حسين ملكا ، وهو الذي كان مطلب العلماء والشريفيين غير أن فيصل كان يضمر تحطيم نفوذ العلماء .
تحالف البريطانيون مع فيصل ،( حتى في موضوع تحطيم نفوذ العلماء ) ولذلك فإن العلماء لما عقدوا مؤتمرا للرد على غارات الوهابيين في عام 1922 سعى المجتهدون ( النائيني والاصفهاني أبو الحسن ، والخالصي ) لتجميع الناس وتشكيل قوة عشائرية للرد على الغزاة ، حرض البريطاينون ضد المؤتمر الذي انعقد في كربلاء ، وضغطوا على فيصل لكيلا يحضر ، وكذلك رفض الآلوسي الحضور لكيلا يعارض الوهابيين السعوديين ، وفشل المجتهدون فيه في التحريض على البريطانيين .
التمييز الطائفي ضد الشيعة :
في الوقت الذي كان فيه الشيعة أغلبية السكان ( بحسب إحصاء بريطاني عام 1932 ) لم يكن وزير شيعي في حكومات العشرينات ، وللمفارقة فإن الأكراد الذين كانوا يشكلون 17% من السكان كان لديهم 22% من المناصب الحكومية والشيعة الأكثرية كان لهم 15% والباقي أي حدود 65% كان للسنة .
دعاة القومية والتشيع :
بدايات أفكار القومية كانت على يد ساطع الحصري ، وهو الذي صور التشيع على انه هرطقة مدفوعة بحقد فارسي على العرب ، ووضع مطالبات الشيعة بحقوقهم في إطار الإثارة الطائفية حيث وضعوا الشيعة في موقف دفاعي !
وصدرت موجة من الكتب الطائفية ضد الشيعة وعروبتهم ، منها : العروبة في الميزان لعبد الرزاق الحصان الذي اتهم الشيعة بالولاء الفارسي !
مطالب الشيعة المقدمة إلى الحكومات العراقية ( الأيوبي الهاشمي المدفعي ) :
1/ تعيين شيعة في البرلمان والحكومة والخدمات بحسب نسبتهم من السكان .
2/ تدريس الفقه الشيعي في كلية القانون .
3/ ضم عضو شيعي إلى اقسام المحكمة في قضايا الميراث .
4/ حرية الصحافة
5/ توزيع عوائد الوقف على كل المؤسسات الاسلامية بما فيها الشيعية .
6/ استثمار موارد حكومية في الصحة والتعليم في مناطق الشيعة .
الانقلابات على الملكية :
باستثناء فترة عبد الكريم قاسم كانت الأشد سوءا وسوادا بالنسبة لشيعة العراق ، حيث مورس ضدهم الاقصاء الطائفي ، وتفتيت الحوزة العلمية بالتدريج ، وإهمال مناطقهم .. وتصاعدت المواجهة ..في أيام صدام البعثي ..