محاربة الهوية الشيعية .. لماذا ؟
لماذا عارضت الحكومات تاريخيا وحديثا عاشوراء ومراسم الحسين ؟ ولماذا تخالف الاعتقاد بالامامة ؟ ولماذا لا يعترف بالمذهب ـ في أحكامه الفقهية ـ بالنسبة لأتباعه ؟ وما الذي يضر الحاكم لو أن تقسيم الارث كان بهذه الصورة ؟ بدون عول أو تعصيب ؟ وماذا يؤثر في سلطانه لو أن الناس بكوا على الحسين أو لبسوا السواد ؟
ولماذا تجد هذا الأمر في أكثر فترات التاريخ ؟ جاء الأمويون ومنعوا ما يرتبط بالحسين ، وجاء العباسيون ، ثم الأتراك ، ثم الدول الحديثة في العالم الاسلامي .. لا تنظر بعين الود إلى هذه الأمور ؟
القضية أبعد من ذلك ..
ـ دعونا نكمل الحديث في مكونات الهوية الشيعية ، وقد ذكرنا منها مكونين : الامامة المنصوصة والمعصومة ، وكربلاء وشعائرها . ونكمل بقية تلك المكونات :
3/ الايمان بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه : لا معنى لأن يقول شخص إنه شيعي لكن لا يؤمن بالامام المهدي محمد بن الحسن العسكري ، المولود في سنة 250 هـ ، والمنتظر من قبل جموع المؤمنين لكي يملأ الله به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا .. هذا مثل أن يقول شخص أنا مسلم ولكن لا أومن بمحمد بن عبد الله رسولا ونبيا ..
الإيمان بالامام المهدي عجل الله فرجه ، نوع اعتراض على الواقع السيء ، وهو مصدر للأمل في الخير والتغيير ، وإيمان باستمرار التخطيط الالهي للبشر وأنهم لم يتركهم هملا .
ولمن أراد المراجعة والمطالعة في هذا الشأن من الناحية الثقافية والفكرية فإن موسوعة الشهيد السيد محمد الصدر الثاني ( الغيبة الصغرى ، الكبرى ، ما بعد الظهور ، واليوم الموعود ) فيها غنى وكفاية ، ومن أراد المطالعة في الأحاديث وما يرتبط بشؤونه عجل الله فرجه ، فعليه بكتاب منتخب الأثر ، فقد أورد فيه 1280 حديثا ، يعضد بعضها بعضا .
وفي المستدرك عن أبي سعيد الخدري عن النبي : المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا * صحيح على شرطهما ، وعن أم سلمة عن النبي ـ في المستدرك ـ : المهدي حق وهو من ولد فاطمة ..
الإيمان بالمهدي ـ كما يقول هنري كوربن / يعني وجود تحليل لدى الشيعة بالنسبة إلى نهاية العالم بنحو تفصيلي بخلاف غيرهم الذين يكون العالم بالنسبة لهم مجهولا ومبهما ..
4/ المرجعية الدينية : أصل الرجوع إلى الخبير والعالم مما تطابقت عليه العقول ، وأكدته النصوص الشرعية ( فاسألوا أهل الذكر ) و( لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) و( فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ) ..
وهذا المعنى كان موجودا لا شك حتى في زمان الأئمة عليهم السلام ، فقد كان يحيلون من لا يصلون إليهم إلى فقهاء رواتهم ، فهذا عبد الله بن أبي يعفور ، يقول للصادق ليس كل ساعة ألقاك ويأتي الرجل من أصحابنا يسأل وليس عندي كل ما يسألني عنه ؟ فقال : ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيها .. وهذا عبد العزيز بن المهتدي يقول للرضا إني لا ألقاك في كل وقت ، فعمن آخذ معالم ديني ؟ قال : خذ من يونس بن عبد الرحمن .. ومثله الجواب للحسن بن علي بن يقطين .. ويسأله علي بن المسيب : إن شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني ؟ قال : من زكريا بن آدم القمي ..
نعم تطورت المرجعية الشيعية من صورتها البسيطة الأولى ، إلى صورة أكثر تقدما وأصبحت في مستوى قيادة الطائفة سياسيا واجتماعيا ، ولم يعد الأمر مجرد رجوع في القضايا الفقهية التفصيلية ، وقد أشرنا إلى ذلك في محاضرة في العام الماضي .
هذا الإرتباط يجعل المجتمع الشيعي محدد القيادة ، فيقطع الطريق على المغامرين ، أو العلمانيين في قيادة الطائفة ، ولذلك قال صاحب كتاب ( الشيعة العرب ) إن مشكلة الليبراليين في المجتمع الشيعي أنهم لا يستطيعون أن يكون بديلا عن القيادة الدينية له ، لأن المجتمع مبني على هذا الأساس . كما أن فشل الدول في صنع إطار حقيقي للشيعة جعلهم يعودون إلى الجامع المذهبي .
5/ الجانب الروحي والعاطفي :
ـ ربما يوجد في بعض الطرق الصوفية مثل هذا الأمر ، لكن الفارق عنه في التشيع ، أن التشيع كلما زاد تعقلا زاد عاطفة ، وكلما على علما كثرت مناجاته وتهجده ، ودعاؤه ..
في الحالة الاسلامية نجد جهتين : ما يطلق عليهم الصوفية ، وغيرهم .. والأولى تهتم بقضايا القلب ، فيما تؤكد الطرق الأخرى على افعال الجوارح وأشكال العبادة ..
وفي الموضوع الشيعي يجتمع الأمران .. من غير تضاد ..
دعاء النبي ( مدد له في دعوته ) ، الامام علي ودعاء كميل ، الحسن ، الحسين ، الصحيفة السجادية ،
سعي الحكومات لإلغاء الهوية الشيعية :
تزعم الحكومات أن الخصوصية عامل تفتيت فتسعى لإلغاء الخصوصيات حتى يكون الجميع بلون واحد ! ( المشكلة أنها تفرض خصوصيتها على الآخرين !!) .
1/ رفض الفقه والمذهب : ( المفارقة أن الشيعة يسمون بالرافضة بينما هم في الواقع المرفوضون من قبل السلطات ! ماذا يعني أن يمنع الانسان من التعبد بالطريقة التي يراها صحيحة ! ) ماذا عدم الاعتراف بمذهب يدين به ما لا يقل عن 30% من المسلمين ؟ الامم في عالمنا اليوم تتحد وتجتمع لتتحول إلى قوة كبيرة ، ونحن نسلخ من أمتنا ما لا يقل عن 400 مليون مسلم ، فنقول لهم لا نعترف بكم ! في باكستان أسس الشيعة هذا البلد وكان محمد علي جناح أول رئيس له ( 1947 ) ، وساعدوا بأموالهم حتى إذا جاء بعض العسكر أرادوا فرض الفقه الآخر على الشيعة !
ماذا يعني الدمج القسري ، وإلغاء الثقافة الخاصة ؟ ومتى كانت تنفع ؟ لو نفعت في مكان لنفعت في الاتحاد السوفيتي السابق مع المسلمين !! ولنفعت في العراق بعد أجيال من القهر والقسر ، ها هو الحسين يحشد ملايين البشر مشاة إليه !
2/ منع الشعائر والمواسم : لقد كان كل شيء يشير إلى الحسين ممنوعا في بعض الفترات ! الأمويون ، ثم العباسيون ، ثم الأتراك ، ثم الدول الحديثة ، والتي بني بعضها على اسس علمانية والمفروض أنها لا شأن لها بالقضية الدينية لكن الأمر إذا وصل إلى هذه الجهة وجدتهم يصبحون أكثر طائفية من الطائفيين .
( وكان بعض الأشخاص لكي يتقرب من الدولة يسارع إلى المطالبة بمنع هذه المراسم ، انظر رسالة أحمد شاكر الآلوسي قاضي البصرة للحكومة العثمانية 1907)
3/ إثارة الغبار والشبهات حول المرجعية الدينية وحول الرجوع إليها : قضية الولاء الوطني ، البريطانيون هم أول من أثار عجمية المراجع لما قاوموه .. هل تقبل بمرجعية عربية في العراق مثلا ؟ تهم الفساد للعلماء والمراجع ، ( شيعة العراق ص 291 ) إنه يقدر ما كان يستلمه الشيخ الأنصاري من الحقوق ( 200) ألف تومان في الوقت الذي كانت ميزانية الحكومة القاجارية في تلك الفترة ( 3 ) ملايين ، يعني أن ما يصله كان بحدود 9% من ميزانية الدولة كلها .. فانظر إليه وإلى زهده .
السيد أبو الحسن الاصفهاني بينما هو مستعد أن يزود مملكة الاردن بحاجتهم من المال في مقابل تركهم للبريطانيين كما قال للملك عبد الله الذي جاء لزيارة فيصل في العراق ، كان لا يملك بيتا !
نقلوا أن البارون رويتر ( رئيس الشركة البريطانية ) المسيطرة على احتكار التبغ .. سأل عن الرجل الذي أفشل مشروعه كم عدد جيشه وكم هي ثرواته ؟ قالوا له : لا جيش له ولا ثروة .. فقال : لا سبيل إلى مواجهته إذن !
وما أشبه الليلة بالبارحة !