مكونات الهوية الشيعية
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال لما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرحمة هابطة قال ادعوا لي ادعوا لي فقالت صفية من يا رسول الله قال أهل بيتي عليا وفاطمة والحسن والحسين فجيئ بهم فألقى عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه ثم رفع يديه ثم قال اللهم هؤلاء آلى فصل على محمد وعلى آل محمد وانزل الله عز وجل إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه * المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 3 - ص 147 - 148
يعرف العصر الحديث بأنه عصر انبعاث الهويات ، بل تفجرها ، ومن خلال ذلك قامت دول ، وانتهت دول كانت جامعة لشعوب مختلفة ، وما ذلك إلا لأن عناصر تلك الشعوب تبحث عن هويتها الخاصة بعد أن قمعت في ظل تلك الدول ، والمثال الأوضح هو : استقلال الجمهوريات السوفيتية عن روسيا ، واتخاذها منهجا يحقق هويتها الخاصة كالاسلام دينا ، أو العرق الخاص ، بل وجدنا الأمر وصل إلى تحدي بعض الدول المستقلة للدولة الأم ( جورجيا وروسيا ) .
والمثال الآخر : سعي المسلمين في البوسنة والهرسك لتحقيق هويتهم الخاصة بعد الاستقلال عن اتحاد يوغسلافيا .
إن ( كثيرا من الباحثين الغربيين الذين راقبوا تفجر الصراعات القومية والمذهبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، مالوا إلى تفسيرها بأنها تعبير عما وصفوه بانفجار الهوية. ويقدر عدد المجموعات الإثنية التي عبرت عن نفسها سياسيًّا بما يزيد عن 3000 في مختلف أنحاء العالم، مقارنة بنحو 900 مجموعة في أواخر سبعينات القرن العشرين. ويقدر عدد الحركات الانفصالية التي قامت في هذا الإطار بنحو 600 حركة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
وخلاصة هذا التفسير أن مجموعات متمايزة إثنيًّا اضطرت سنوات طويلة إلى كبت هويتها أو خضعت لإدماج قسري في ثقافات أخرى مهيمنة، أو أنها لهذا السبب أو غيره كانت غافلة عن هذه الهوية ودورها في تشكيل رابطتها الاجتماعية وشخصيتها المتميزة. لكن مع زوال الهيمنة -بتفكك الدولة السوفيتية مثلاً-، أو بسبب انفجار ثورة المعلومات والاتصال (انتشار التلفزيون الفضائي، الإنترنت، التلفون المحمول) أو بسبب انتشار مفاهيم حقوق الإنسان والحريات الشخصية والمدنية والمشاركة، أو لهذه الأسباب مجتمعة، اكتشفت تلك المجتمعات ذاتها الخاصة، أو اكتشفت أنها تتعرض للتمييز أو قلة التقدير لأن الآخرين لا يعاملون أعضاءها بوصفهم مواطنين متساوين مع البقية في الحقوق والواجبات، بل بوصفهم جزءاً من جماعة مختلفة، كما هو حال المسيحيين واليهود في بعض البلاد المسلمة والأكراد في البلدان العربية، والشيعة في البلدان التي أغلبيتها سنية والسنة في الأقطار ذات الأكثرية الشيعية وهكذا) .
الشيعة جزء في هذا العالم ، بل يمثلون 70% من سكان أهم منطقة في العالم وهي الخليج من الناحية الجيوسياسية ..ويريدون التعبير عن هويتهم الخاصة ، وتعريف العالم بها ، بدلا من أن يقوم الآخرون بتعريفهم ..إن تقديم هوية مخالفة من قبل الشخص يعتبر تزويرا ، فكيف يكون الأمر حين تقدم هوية لمجتمع كامل يقدر بمئات الملايين ؟
القرن العشرون بالنسبة للشيعة ـ كما يقول تويال صاحب كتاب الشيعة في العالم ـ هو قرن وعي الذات الجماعية حيث أثارت الصراعات خصوصيتهم ، ورفضوا تصنيفهم كمواطنين من الدرجة الثانية /ص 166
الصورة الكاذبة التي عُرّف الشيعة بها للآخرين هي هوية مزورة .. ليلة الطفية / والذيل الشيعي / وانهم سيئو الأخلاق ( أغدر من كوفي / أنهم يضعون كذا في الطعام والعصير ..الخ ) / صاحب كتاب دولة التشيع في بلاد المغرب يقول : كنا نتحدث عن وضع المسلمين مع مجموعة من أهل الثقافة ، وعن المذاهب الموجودة فيهم ، فإذا بأحدهم يجعل سبب انكسار المسلمين وتأخرهم عائدا للمذهب الشيعي ! وأرجع معلوماته ( !) إلى كتب أحمد أمين .
. قال المقريزي : ومن فرق الروافض الحلوية والشاعية والشريكية يزعمون أن عليا شريك محمد ص والتناسخية القائلون ان الأرواح تتناسخ واللاعنة والمخطئة الذين يزعمون أن جبرئيل أخطأ والإسحاقية والخلفية الذين يقولون لا تجوز الصلاة خلف غير الامام والرجعية القائلون سيرجع علي وينتقم من أعدائه والمتربصة الذين يتربصون خروج المهدي والآمرية والجبية والجلالية والكريبية اتباع أبي كريب الضرير والحزنية اتباع عبد الله بن عمر الحزني ا
من مجلة المعرفة 2/1/1428/ الجزيرة نت : ( كلام المستشرقين عن الشيعة ..)
ويشير الباحثون الغربيون إلى دور وليم الصوري، أهم المؤرخين المسيحيين للحملات الصليبية في القرن الـ12 الميلادي، في تعميم الصورة عن الشيعة، حين نسب إليهم الاعتقاد بخطأ جبريل (عليه السلام) في تبليغ الرسالة،
ويعتبر جوزف جوبينيو أهم من ربط بين التشيع وديانات فارس ما قبل الإسلام. ففي كتابه "ثلاث سنوات في آسيا" يرجع جوبينيو مبدأ تبجيل الأئمة إلى تقديس كهنة الزرادشتية. كما اعتبر جوبينو في كتابه "ديانات وفلسفات آسيا الوسطى" الفكر الشيعي حركة انشقاقية وثأرا مبطنا لـ"الاحتلال العربي لأرض الفرس".
نعم ربما كان لهذه الهوية المزورة بعض النتائج المعاكسة لإرادة ناشريها ، حيث دفعت الكثير من الناس إلى التفتيش عن الشيعة والتشيع .. وراجعوا قصص المتحولين مذهبيا لكي تروا كيف أن هذه الصور أجرت خلاف ما أراد أصحابها : من الأنطاكي الذي كتب قصته إلى المعاصرين ..
اتيت سروري إذ أردت مساءتي وقد يُحسن الإنسان من حيث لا يدري
ـ الشيخ حسين الكاف من اندونيسيا ، يطلع على التشيع من خلال كلام صاحب التحفة الاثنى عشرية ( كان لكلام مدير المعهد أثراً كبيراً في نفسية حسين ، ومن هنا اقتنع بضرورة توسيع دائرة معارفة وعدم الإكتفاء بدراسة المذهب الذي يرثه الإنسان من آبائه ، فلهذا بادر بعد اتقانه لمباني واسس مذهب الإمام الشافعي إلى مطالعة كتب باقي المذاهب الإسلامية.
فسأل بعض الطلبة عن الكتاب الذي يستطيع من خلاله أن يتعرّف على مذهب التشيّع ، فأرشدوه إلى قراءة كتاب (التحفة الاثنى عشرية) تأليف الشاه عبد العزيز الدهلوي.
يقول حسين: تناولت الكتاب فالفيت كاتبه معادياً للتشيع ، بحيث دفعه هذا الأمر إلى الخروج عن حد الإعتدال في تقييمه لهذا المذهب ووجدته ينسب للشيعة آراء شاذه بحيث يستنفر منها العقل من قبيل القول بألوهية علي بن أبي طالب أو نبوته أو خيانة الأمين جبرائيل في إعطاء الرسالة الالهية وغير ذلك.)
ما هي مكونات الهوية وماذا يدل عليها ؟
المقصود هنا : العلامات التي تترافق مع وجود الكيان المحدد ، سواء منها العقدية أو الاجتماعية .. ولا تدخل فيها الأمور التفصيلية ، كبعض المسائل الفقهية أو العقدية ( كالمتعة ، والرجعة أو التقية ).
1/ الامامة المنصوصة المعصومة : يتميز شيعة أهل البيت باعتقادهم باثني عشر إماما معصوما ، قد تم النص عليهم وتعيينهم من قبل النبي صلى الله عليه وآله .. ولذلك فقد تمر الفراغ من هذه الجهة وليست هناك حالة انتظار لانتخاب شعبي مثلا أو خروج بالسيف أو غير ذلك ..فـ ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) .. ولا يقصد من الامامة هنا تولي الحكومة ، فإن علماء الامامية يفصلون بين أصل النصب الالهي لمقام الامامة وبين الممارسة الخارجية للحكم .. فقد تجتمع كما حصل للامام علي وقد تنفصل كما هو لباقي الائمة ، غير أن ذلك لا يؤثر في إمامة الامام .. ولو أردنا أن نمثل مثالا قريبا في ذلك ( اجتماع الفقيه المرجع مع قيادة البلد الفعلية كما في حال الامام الخميني ، وانفصال المرجعية عن القيادة كما في حال السيد الخوئي ) .
ويستدلون على ذلك بأدلة عقلية ونقلية كثيرة ذكرها العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر ، في كتابه ( الألفين في إمامة أمير المؤمنين ) ، وإذا ثبت لأمير المؤمنين ثبت لباقي الأئمة .. وما ورد من النصوص عن رسول الله التي تتحدث عن اثني عشر خليفة ، وإماما وأنهم كلهم من قريش وأنهم من أهل البيت وأن أولهم علي وآخرهم المهدي ، وأن التسعة منهم من ولد الحسين ، وأن التاسع من التسعة هو المهدي .. وهي كثيرة ( 310 أحاديث ) تعرض لها بالتفصيل الشيخ الصافي في كتابه منتخب الأثر ..
2/ كربلاء والشعائر الحسينية :
تعبير عن المواساة للنبي وأهل بيته كموقف .. وتمايز ثقافي بل أفضل إعلان عن الهوية المشتركة والجامعة ولذا يقال : إن عاشوراء هو يوم إشهار الشيعة لهويتهم الخاصة مع أنها قد تثير استغراب الآخرين أو اشمئزازهم ، لكن الهوية الخاصة هي هكذا .. تجمع أصحاب الهوية وتميزهم عن غيرهم .. إن لاهور الباكستانية ، ولكنهو الهندية ، وخراسان الايرانية ، وهالكالا التركية ، وكربلاء العراقية ، والمنامة البحرانية ، والنبطية اللبنانية ، والأحساء والقطيف السعودية ، كلها في هذا اليوم تتحدث بلسان واحد وإن اختلفت لغاتها ، وتسير بنفس المشاعر ..
كما أنها كانت الوسيلة لاستمرار النظام الاجتماعي الخاص بالطائفة . وتشكيل ثقافي متقارب .