التوظيف التربوي للموسم الحسيني
في خطابه عليه السلام قال الحسين ( ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله وحجور طابت وطهرت ونفوس أبية وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )
حجم الاحتفاء بالمناسبة حجم ضخم وهائل ، يناسب ضخامة الحادثة ..
استعراض لحالة الاحتفاء : ـ أنه لو فرضنا أن عدد الشيعة 300 مليون فإن نصف هؤلاء على الأقل يشاركون فيها ..
تتعدد المشاركات ، من الحضور في المحاضرات ، إلى المشاركة في العزاء والموكب ، إلى اللباس الذي يتغير في هذه الأيام ..
البعض يتصور أنه ما أن تنتهي المراسم ، وتنقضي العشرة حتى عاد كل شيء إلى سابق عهده ولم يتغير شيء .. وهذه فكرة خاطئة ، وذلك أن التأثر هو عبارة عن عمل تراكمي في النفس ، يظهر الفرق بين المجتمع الملتزم بمثل هذه الممارسات والمجتمع القريب منه غير الملتزم بها .
غير أنه لا يكفي ضخامة الحادثة أو أهمية الشيء ، وإنما المهم استجلاب دروسه إلى واقع الحياة ، من التاريخ .. وإلى الممارسة العملية من النظرية .
فإن هناك بعض المجتمعات تكون في وسط تجليات الله سبحانه ، وفي جو آياته الكبرى ومع ذلك فإنها لا تتأثر بها ، ولا توظفها في حياتها . ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف:105) ولذا فإن من الضروري أن يتم توظيف الواقعة الحسينية لتمارس فعلها في حياتنا ، وأن يتم الاستفادة من دروسها المتنوعة .
فماذا نستدعي في هذا الموسم :
1/ الكرامة ورفض الذل : الشعار الأكثر شيوعا فيه كلمة الحسين ( هيهات منا الذلة ) ويبرر ذلك بقوله يأبى الله ذلك لنا ورسوله ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ..
ـ الذل في الدنيا تبعا للطمع ، فالطامع أبدا في وثاق الذل .
ـ عبد الشهوات ذليل ( بئس العبد عبد له رغبة تذله ) .. ( أأترك ملك الري والري منيتي..)
ـ الذليل بطلب الحاجة من غير ضرورة إلى ذلك ، السؤال مذلة ، الاستجداء .. الطامع أبدا في وثاق الذل . الصبر على الفقر مع العز أجمل من الغنى مع الذل .. (من سأل عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم، ومن سأل وله ما يُغنيه جاء يوم القيامة و وجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم).
ويقول الإمام عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : "ضَمِنْتُ عَلَى رَبِّي أَنَّهُ لا يَسْأَل أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلا اضْطَرَّتْهُ الْمَسْأَلَةُ يَوْماً إِلَى أَنْ يَسْأَلَ مِنْ حَاجَة )
ـ ترك الجهاد ذل : فمن ترك الجهاد ألبسه الله ثوب الذل . (الامام علي ) . من أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت ( النبي ) .
2/ الدفاع عن المقدسات : الناس فيها على أقسام : عديم الموقف بالنسبة لمقدساته . يضحي بالمقدسات من أجل الذات ( إملأ ركابي فضة ..) ، ومن يضحي بنفسه لمقدساته ( إني أحامي أبدا عن ديني ..) . الحسين وهو أفضل الخلق في ذلك الوقت ، الأمر الذي أكده لهم ( ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي فيكم ولا في غيركم ) .
3ـ التضامن والتعاون : إننا نقرأ في زيارة الامام عليه السلام ، بل الأئمة : ( سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ، وولي لمن والاكم ..) ماذا تعني المسالمة لمن سالمهم ، يعني أن تكون العلاقة في داخل أتباع الطائفة بين أفرادها علاقة المحبة والتفاعل والتضامن .. هل من يغتابك مسالم لك ؟ هل من يعبئ الأجواء ضدك مسالم أو هو يعلن الحرب عليك ؟ وهكذا في قوله : ولي لمن والاكم .. الولاية امتزاج من عمق المحبة مع قوة الانتماء الاجتماعي وتوفير النصرة الخارجية .. هذه هي الولاية ، فهل يقوم بها أحدنا تجاه أخيه ؟
هذه الدروس وغيرها هي شيء من عطاء الواقعة الحسينية والملحمة الكربلائية .