الخط الأموي وأهل البيت ع : في الثقافة والسياسة
بالرغم مما ذكرناه من محبة عموم المسلمين لأهل البيت .. إلا أنه كان هناك خط تاريخي يواجه هذه الفئة ويحاربها على شتى الأصعدة ..وسنصطلح عليه باسم الخط الأموي ( للتمييز من جهة ولأن التأسيس الأكبر كان من قبل بني أمية وإن كان مستمرا إلى يومنا ) .
* تاريخيا يبدأ هذا الخط من أيام النبي حيث تمثل في أبي سفيان وأولاده ، وقد حذر النبي منه ، ولعن رؤوسه ، فقال : ( لعن الله الراكب والقائد والسائق ) ، و( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ) .. وخاض المعارك في بدر وأحد والأحزاب وكان رأس الحربة الموجهة.. لطمس هذا الدين ..إلا أن الله أظهره وهم كارهون فأصبحوا من المؤلفة قلوبهم .
* وتطورت الأمور إلى أن أصبح هذا الخط هو الحاكم على المسلمين في زمان معاوية ، فبدأ بحملة شعواء ضد الخط الرسالي للأئمة عليهم السلام ، (مطاردة شيعة أهل البيت عليهم السلام وإقصائهم ، والتعدي الصريح على المقدسات الدينية : أحكام : أما أنا فلا أرى به بأسا ، قرآن : تهددني بجبار عنيد قالها الوليد ، شخصيات [ شخصية النبي ما بالهم يطوفون بأعواد قالها الحجاج ، والامام علي عليه السلام: صدور مرسوم بتكذيب فضائل علي كما عن معاوية ] .
وكان من ذلك إقصاء فكر أهل البيت وفقههم .
* واستمر هذا الخط أيام الأمويين ، ومع أنهم سقطوا في نهاية الأمر إلا أن هذا الخط بنفس تلك المواصفات قد عاد مرة أخرى أيام المنصور العباسي ، وتعزز أيام المتوكل .. ولو استثنينا فترة المأمون عند العباسيين وعمر بن عبد العزيز عند الأمويين لحسبنا هذا الخط مستمرا استمرارا حقيقيا وأنه لم ينقطع .
* بل استمر فيما بعد في صورة الكتاب والمؤلفين الذين استهوتهم شياطين المال والسلطان ، وربما نجد بعض آثاره وآثارهم في حياتنا المعاصرة ، عندما نجد قسما من الناس يصابون بالحمى بمجرد ذكر أهل البيت ومرجعيتهم الفكرية والدينية .
ـ إذا المرجي سرك أن تراه يموت لحينه من قبل وقتـه
فجدد عنده ذكرى علي وصل على النبي وأهل بيته
على مستوى الصفات :
يمكن أن نرى في هذا الخط صفات متشابهة وإن اختلفت درجتها :
1/ القشرية والحرفية : فالدين هو القشور المتمثلة في مظاهر في اللباس والهيئة الشخصية ، والقرآن يختزل في حفظ حروفه ، بحيث يصبح الحافظ للحروف هو إمام الجماعة وقائدهم ، وفي العقائد التجسيم والانسياق وراء النصوص حتى لو خالفت الأدلة والبراهين العقلية ، ولذلك طرد هذا الخط التوجهات العقلية في عالم المسلمين كالشيعة والمعتزلة .
2/ الاستبداد في الممارسة وتبريره في الثقافة : فهو ضد حرية الرأي والعقيدة ، التي كفلها الدين وقال ( لا إكراه ) لكنهم يقولون بل لا يوجد إلا الاكراه ، وضد حرية الاختيار السياسي بينما يقولون ( الخليفة هذا ومن أبى فهذا ـ السيف ـ ) . وتبرير الاستبداد في الممارسة بحيث يعطي الحاكم ( شيكا مفتوحا ) باعتبار أن الله قد وكله في ما يصنع وأنه لو لم يره الله أهلا لما ولاه شأن الأمة !!
وأتي يزيد بن عبد الملك بأربعين شاهدا يشهدون أن الخلفاء ما عليهم حساب ولا عذاب !
3/ تربية الشعوب على الخنوع والذل : فبمقدار ما يرخي هذا الخط الخيط للحاكم ليمارس ما يريد باعتباره ما عليه من حساب ولا كتاب ، يربي الشعب على الخضوع وعدم الرفض ( لاحظ أن الرفض صار عندهم كلمة مكروهة ) ، فهاهي مصنفاتهم تتحدث عن أنه لا بد من الطاعة للسلطان وإن أخذ مالك وضرب ظهرك .
3/ رفض التفكير العقلي : في التاريخ ودور الأشخاص ، ويمثل ذلك كلام أبي زرعة ت 264 : ( إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ) ! بل حتى في المناهج العلمية فهم لذلك ضد الفلسفة تماما وضد المنطق !
* ومن الغريب : تعايش هذه الحالة القشرية والحرفية المتعصبة مع الانحراف والتهتك ، وعدم قدرتها على التعايش مع باقي المذاهب المختلفة معها ..( المتوكل يستطيع أن يتعايش مع موائد الخمر ، ولكنه لا يستطيع أن يتحمل زيارة الحسين ! ) لأن الأخيرة بدعة ! وهذا ما نجده في بعض دولنا المسلمة ؛ الفساد فيها في كل زاوية لكنك لا تستطيع أن تطالب بحسينية تبنى !
* هذا الخط كان صاحب الصوت الأعلى في تاريخ المسلمين تبعا لأنه كان يمتلك السلطة في الغالب والاعلام ويجند الأتباع وهكذا .. واختطف صوت المسلمين في العلاقة مع أهل البيت ، فصار البعض يتوهم أن كل المسلمين يعادون أهل البيت .
وهذا الخط هو نفسه اليوم يحاول إعادة إنتاج نفسه بعدما حوصر بأنه كيف يقصي أهل البيت ويمنع مراسمهم وأسماءهم ، وقضاياهم .. فيبدأ بالتدجيل من جديد . ليقول : إننا المحب الحقيقي لأهل البيت هو نحن ، وأما الآخرون فغلاة .. ومن النكات السمجة أن أحدهم كان يستدل على استفادتهم من أهل البيت بقوله بأن في المكان الفلاني استشهد المؤلف بتسعة عشر حديثا عن الامام الباقر !
ـ ونفس هذا الخط هو الذي يعيد تعويم موضوع أهل البيت في عموم نسب الهاشميين بما يشمل بني العباس وذرية أبي لهب ! وإدخال زوجات النبي ! وهكذا بل زعم بعضهم أن عترة النبي هي عموم أمته !
أين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في سياقه الطبيعي ـ ( كتاب الله وعترتي ) / وكلام علي ( أهل بيت نبيكم فإنهم لن يخرجوكم من هدى ..) .
________________________
( قال الامام الحسن سلام الله عليه في احتجاجه على معاوية : أتذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : اللهم العن الراكب و القائد والسائق ، أتنسى يا معاوية ! الغدير - الشيخ الأميني - ج 10 - ص 168
) مواقف الشيعة - الأحمدي الميانجي - ج 2 - ص 354 - 355
أمر المأمون بإشخاص سليمان بن محمد الخطابي من البصرة ، فلما مثل بين يديه قال له : " أنت القائل : العراق عين الدنيا ، والبصرة عين العراق ، والمربد عين البصرة ، ومسجدي عين المربد ، وأنا عين مسجدي ، وأنت أعور فإذن عين الدنيا عوراء " ؟ قال : لم أقل ذلك ولا أظن أنك أحضرتني لذلك قال : بلغني أنك أصبحت فوجدت على سارية من سواري مسجدك : " رحم الله عليا إنه كان تقيا " فأمرت بمحوه ، قال : كان " لقد كان نبيا " فأمرت بإزالته ، فقال له المأمون ، كذبت كانت القاف أصح من عينك الصحيحة ، والله لولا أن أقيم لك عند العامة سوقا لأحسنت تأديبك .