ارتباط المسلمين بأهل البيت عليهم السلام
* يجمع المسلمون ـ إجمالا ـ على فضل أهل البيت عليهم السلام ، وإن اختلف هؤلاء في حجم التفضيل فبينما يرى الشيعة أنهم أئمة معصومون مفترضو الطاعة ، يرى عامة المسلمين في أهل البيت رجال علم وتقوى يجب موالاتهم ومحبتهم .
* ولو استثنينا بعض الجهات وهي تحديدا ( السلطات السياسية جهازها ـ وفقهاؤها ) فإن عامة المسلمين في أدوارهم التاريخية كانوا يتعاطفون ـ في الجملة ـ مع أهل البيت عليهم السلام . ولو على المستوى القلبي الذي لم يكن يستتبعه اتباع عملي أو دفاع عن منهجهم غالبا .
هذا الاعجاب والاعتراف بالفضل ، تقتضيه طبيعة الأشياء ، وذلك أن شخصيات أهل البيت عليهم السلام كانت من السمو والرفعة ( علما وتقى وخلقا ) بحيث تفرض وجودها في ساحة المسلمين ، تماما مثلما أن المنظر الجميل يأسر الألباب ويستحسنه الطبع سواء كان للناظر أو لعدوه !
ـ ففيما كان الناس يرون في الحاكمين صورة السيء البشع الذي لا يرعى في الله ولا خلقه إلا ولا ذمة ( وخذ بني أمية والعباس مثلا في ذلك ) كانوا يرون في أئمة أهل البيت صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والمحافظ على شرعه ، والمؤمن الصادق .( بل ندر أن ثار أحد من أهل البيت في مكان إلا واتبعه الناس ، حتى أن بعض الثائرين كانوا ينسبون أنفسهم إلى أهل البيت كذبا لهذا الغرض ) .
* كما أن تأكيد القرآن على لزوم مودتهم ومحبتهم وأن ذلك هو أجر رسالة النبي جعل الناس يتفاعلون معهم على مستوى الولاء والمحبة من جهة دينية . وذكرهم بالتطهير ، وبالصلاة عليهم ، وبالمباهلة .. كل هذا ساهم في أن يتوجه المسلمون إلى أهل البيت .
* إضافة إلى ما ورد من الروايات الكثيرة والمتظافرة عن النبي فيهم : ومنها ما نقله الفخر الرازي في تفسيره عن الزمخشري ( يلاحظ أن الاثنين في موضوع الخلافة يواجهون الرأي الشيعي ) لكنه ينقل عنه عن النبي ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا . ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان ).
لقطات مشيرة :
* إنه حتى الحاكمون كانوا يعلمون منزلة أهل البيت ولكنهم كانوا يطمسونها بسبب المصلحة السياسية :أبو جعفر المنصور يقرره أبو حنيفة أن أعلم الناس هو جعفر بن محمدعليه السلام ، ( المأمون يعرفه الرشيد فضل موسى بن جعفر ، و
* عامة الناس : في حادثة الامام السجاد سلام الله عليه مع الحجر الأسود ( مع ملاحظة أن الامام ليس من سكان مكة ) وفي حادثة الامام الرضاعليه السلام مع أهل نيشابور وحملة الأقلام .. آلاف من الناس .
* كبار الفقهاء عندما يأمنون بطش السلطة كانوا يقرون بفضل أهل البيت :
ـ الزهري : ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين .
ـ عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر .
ـ عمرو بن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين .
ـ أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد .
ـ مالك : ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد علماء وورعا وعبادة .
ـ الشافعي : وما عرف من شعره : ياراكبا قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي .
وشعره المعروف : يا آل بيت رسول الله حبكم .
والثالث : كما في رشفة الصادي للامام أبي بكر بن شهاب الدين ـ :
ولما رأيت النـاس قد ذهبت بهـم * مذاهبهـم فــي أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهـو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
* تصنيف العلماء كتبا في فضائل أهل البيت خاصة :
ـ إحياء الميت بفضائل أهل البيت : لجلال الدين السيوطي ( ت 911) .
ـ الخصائص الكبرى ( فضائل علي ) للنسائي .
ـ نور الأبصار للشبلنجي .
ـ ذخائر العقبى للطبري .
ـ ينابع المودة للقندوزي الحنفي ( ت 1294).
ـ المناقب للخوارزمي .
ـ فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم : للحموي الشافعي ( ت 730 ) .أورد فيه الأحاديث عن الإمام الحجة المهدي .
ـ تذكرة خواص الأمة : سبط ابن الجوزي ( ت 644 ) . وكان واعظا مؤثرا سأله أحدهم أن يذكر الامام الحسين فبكى مدة وقال : لا بد أن ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ .
* بل إن قسما من العلماء أولئك كانوا يذكرون أهل البيت بالامامة فيما أطلق عليه بعضهم بالتسنن الاثني عشري ، فإن أكثر الطرق الصوفية تذكر أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى الإمام الثاني عشر ( في مصر والسودان وأفريقيا ) في أذكارها .
ـ ومن ذلك كتاب السؤول في مناقب آل الرسول : لابن طلحة الشافعي ( 652 ) حيث ذكر جوانب من حياة الأئمة الاثني عشر .ومنه ( منتخب التاريخ ) لحمد الله المستوفي ( 750 ) . وكتاب ( الفصول المهمه في أحوال الأئمة ) لابن الصباغ المالكي ( ت 855 ) .
* نعم : كان هناك خط ( سياسي ـ ويعضده بعض الفقهاء) كان يعمل على إيجاد الفاصل بين الأمة وبين أهل البيت حتى على مستوى التفضيل والاعجاب والتقدير ، فضلا عن الاتباع . ولنسم هذا بالتوجه الأموي ( وقبله كان يعبر عنه الامام علي بالقرشي ) ، وقد كان له أثر في كتب التاريخ ، وبشكل خاص في كتب العقائد والكلام .. وقد استفاد منه السياسيون بشكل خاص ودعموه ، كالأيوبيين في مصر ، والسلاجقة في العراق ، وبقيت كتب هذا الخط ورموزه مؤثرة بشكل أو آخر إلى زماننا .
ومن أساليب هذا الخط لتقليل الارتباط بأهل البيت ما يلي :
1/ الإدعاء بأن الشيعة لديهم غلو في أهل البيت وأنهم يعبدونهم .. وكأن الاتباع وأخذ الفقه منهم والعقائد هو الغلو .. وذلك لكي يحذروا الناس من الاتباع ، حتى لا يصبحوا غلاة !
2/ تعميم أهل البيت إلى حالة واسعة ، مثل أن زوجات النبي هن أهل البيت ، أو أن جميع من يتصل بالنبي بنسب هو أهل البيت ، وسيؤدي هذا إلى ضياع ( عنوان أهل البيت بما هم هداة لن يضلوا ولا يضلوا وأنهم وصية النبي ) في هذا الجمع الكبير .
3/ الفصل بين الشيعة وبين أهل البيت ، وأن الشيعة لا يتبعون أهل البيت ! وإنما عندهم الابتداع !
4/. تغييب مدرسة أهل البيت: ودورهم في الحياة الدينية للمسلمين فلا تجد لهم ذكرا إلا لمما، ولا تجد تصويرا لدورهم في نشر التعاليم الإسلامية وحماية الدين من الأخطار، وتختفي نصوص النقل عنهم فلا تجد لهم نصا ولا عبارة أو دعاء أو رأياً أو تاريخاً كأنهم لم يكونوا موجودين يوما ما ولم يكن العلم يتدفق من تحت أصابعهم ولم يوصفوا بالعلم وكثرته كما أشاد لهم المترجمون من علماء السنة. هذا التغييب يشمل أسماءهم كما يشمل مبادئهم ، تلك الأسماء التي هي بطبعها محايدة تختفي في حين تجد إشادات بأسماء وآراء من الصحابة والتابعين والعلماء الذين كانوا متواجدين في زمنهم ممن لم يكونوا أكثر منهم علما ودورا في تشييد بناء الدين ونشر التعاليم الإسلام .
مسؤوليتنا في هذا العصر :
بعدما رأينا أن الوضع الاسلامي العام ، يقبل أهل البيت .. وكيف لا يقبلهم ؟ ينبغي أن نتوجه إلى الأمور التالية :
1/ نشر محاسن علومهم : ( يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) ( اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم ) عند التزاحم بين الأفكار ننتخب الأحسن بالنسبة للمستمع ، والأفضل بالنسبة للزمان والمكان .. العلوم التي تؤلف أحسن ، العلوم التي هي محل اتفاق وفهم من الآخرين هي المحاسن .
2/ زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا .. فإن الرجل منكم إذا صدق في الحديث وأدى الأمانة ..
3/ التبليغ بهذه الفكرة : أن المحبة والمودة والاعجاب وإن كانت حسنة إلا أنها غير كافية بل لا بد أن ينضم إليها الاتباع والاقتداء .. أن يتحول أهل البيت إلى مرجعية فكرية عقدية وفقهية للانسان المسلم في حياته فهذا هو معنى ( حديث الثقلين ) . فإن الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما جاءت تكرس هذا الموقع : ( عن حنش الكناني قال : رأيت أبا ذر آخذا بباب الكعبة وهو يقول : أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله يقول : مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق ) قال الحاكم هذا صحيح على شرط مسلم . وفي الدر المنثور لجلال الدين السيوطي عن علي عليه السلام : إنما مثلنا في هذه الأمة كمثل سفينة نوح وكباب حطة في بني اسرائيل ) .