امامة اهل البيت عليهم السلام في نهج البلاغة

محرر الموقع
* (لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوى بينهم وبين من جرت عليه نعمتهم أبدا هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي وفيهم خصائص الولاية ولهم الوراثة والوصية ) . * (ألا ترى غير مفتخر ولكني محدث بنعمة الله علينا أن قوما من المهاجرين والأنصار قد استشهدوا في سبيل الله ولكلٍّ فضلٌ حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وصلى عليه رسول الله بسبعين تكبيرة وألا ترى أن قوما من المهاجرين والأنصار قد قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بأحدنا ذلك قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين ولولا ما نهى الله عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تقبلها قلوب المؤمنين ولا تمجها أسماع السامعين ) . * ( هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل ) . وصف بعضهم قضية الإمامة في كتابه الملل والنحل بأنها أساس النزاع الذي حدث في الإسلام بين فرق المسلمين ولم يحدث نزاع بين المسلمين كما حدث في النزاع على الإمامة . ولكن ينبغي الحديث عن أي إمامة نتكلم ، ولا بد من تعريفها بين الفريقين ، فإنه يحدث أحيانا أنه مع عدم تحديد المصطلح لا يمكن الوصول إلى نتيجة . سوف ننقل عن التفتازاني الرأي المشهور لدى أهل السنة في قضية الإمامة في النقاط التالية وسيكون كلامه محصورا بين قوسين : في البداية يتحدث عن أن ( نصب ) الإمام هو من قبل الناس وهو أمر كفائي ، فيقول ( نصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات وهي أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية لا ينتظم الأمر إلا بحصولها ) . ثم إن هذه القضية ليست من الأمور الاعتقادية وإنما هي من الأمور العملية : فيقول ( يقصد الشارع تحصيلها ـ الإمامة ـ في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كل أحد ولا خفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية ) . وأما شروط الإمام فليس فيها مثلا العصمة ، أو التعيين الالهي بل ولا الأفضل من بين الناس ، وإنما ( يشترط أن يكون مكلفا مسلما عدلا حرا ذكرا مجتهدا شجاعا ذا رأي وكفاية سميعا بصيرا ناطقا قريشيا فإن لم يوجد من قريش من يستجمع الصفات المعتبرة ولي كناني فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل فإن لم يوجد فرجل من العجم ولا يشترط أن يكون هاشميا ولا معصوما ولا أفضل من يولى عليهم ) كيفية انعقاد الامامة : أنها ( تنعقد الإمامة بطرق أحدها بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد ولا اتفاق من في سائر البلاد بل لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته ) وأما كيفية تولي الأئمة المتأخرين : ( إذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له وكذا إذا كان فاسقا أو جاهلا على الأظهر إلا أنه يعصى بما فعل ) هل يجب طاعة الامام الجائر ؟( يجب طاعة الإمام مالم يخالف حكم الشرع سواء كان عادلا أو جائرا ) إذا ثبت الإمام بالقهر والغلبة ثم جاء آخر فقهره انعزل وصار القاهر إماما ولا يجوز خلع الإمام بلا سبب ولو خلعوه لم ينفذ وإن عزل نفسه فإن كان لعجزه عن القيام بالأمر انعزل وإلا فلا ولا ينعزل الإمام بالفسق والإغماء وينعزل بالجنون وبالعمى والصمم والخرس وبالمرض الذي ينسيه العلوم قال إمام الحرمين وإذا جاور إلى الوقت فظهر ظلمه وغشمه ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على ردعه . أما الإمامة بالنسبة إلى الإمامية الاثني عشرية فيمكن تلخيص رأيهم فيها في التالي من النقاط ، كما عن الشيخ المظفر فهو يقول : ـ هل الامامة بالنص أو تعيين الناس وانتخابهم ؟ ( - عقيدتنا في أن الإمامة بالنص نعتقد أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله أو لسان الإمام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الإمام من بعده ، وحكمها في ذلك حكم النبوة بلا فرق ، فليس للناس أن يتحكموا فيمن يعينه الله هاديا ومرشدا لعامة البشر ، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه ، لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله ولا يعين إلا بتعيينه ) . وهل يمكن أن يعين أي شخص أو أن هناك شروطا خاصة للامام ؟ يقول : نعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل ، ومن تدبير وعقل وحكمة وخلق . والدليل في النبي هو نفسه الدليل في الإمام . . . أما علمه فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الإمام من قبله . وإذا استجد شيء لا بد أن يعلمه من طريق الالهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه ، فإن توجه إلى شئ وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي ، لا يخطأ فيه ولا يشتبه ولا يحتاج في كل ذلك إلى البراهين العقلية ولا إلى تلقينات المعلمين ، وإن كان علمه قابلا للزيادة والاشتداد ، ولذا قال صلى الله عليه وآله في دعائه : ( رب زدني علما ) . وهل يجب أن يكون معصوما ؟ أو يمكن أن يكون غير معصوم ؟ يقول الشيخ المظفر : نعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من سن الطفولة إلى الموت ، عمدا وسهوا . كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان ، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي ، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة ، بلا فرق . ليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد . وبملاحظة عابرة يمكن أن تتضح الفوارق الكبيرة بين الإمامين والإمامتين فالإمام بناءا على النظرية غير الشيعية هو رجل رجل عادي قبل البيعة له لا يتميز عن سائر المسلمين بميزة استثنائية فليس ضروريا أن يكون أفضلهم ، بل يمكن أن يكون من عامتهم ولو فرضنا أنه لم تحصل له فرصة الوصول إلى هذا الموضع القيادي ، لم يتغير عليه شيء ! بل لو وصلت هذه الفرصة فإنه يصبح إماما وإن كان لم يتهيأ له ، أو كان غيره أفضل منه ! فلو تصورنا مثلا أن أبا عبيدة بن الجراح أو عمر بن الخطاب قبلا عرض أبي بكر في السقيفة لكان أبا عبيدة هو الخليفة والامام الأول في تاريخ المسلمين ! لكن لم تحصل تلك الفرصة فبقي أبو عبيدة مأمورا ومأموما . بينما بالنسبة إلى الإمام في نظرية الشيعة هو إمام منصوب من الله ، ولا يرتبط بهذا النصب أن يكون حاكما على أحد أو لا يكون فهو إمام سواء كان قائما أو قاعدا فـ ( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ) .. الإمام هو إمام سواء كان علي ابن أبي طالب وهو حاكم وبيده السيف والأمر والنهي ، أو كان موسى ابن جعفر المسجون وفي رجله الحديد . وبعبارة أخرى فإن الموقع والمنصب في النظرية الأولى مقوم من مقومات الإمامة ، فلا معنى لأن يكون إماما من دون حكومة أو رئاسة وأمر أو نهي ، ولكنه في النظرية الثانية لا يعني شيئا أساسيا فحتى لو لم يكن هناك منصب وحكومة ، بل لو كان محكوما طيلة حياته من قبل حاكمين متسلطين فهو الإمام دونهم ! السلطة في النظرية الأولى تعطي الإمام والإمامة معناها ، بينما ليست كذلك في الثانية ! ولو أردنا التقريب بمثال عرفي ، فإننا نستورد مثال الورقة النقدية التي يكون اعتبارها بيد الجهة المصدرة لها وقيمتها بحسب ذلك الاعتبار ويمكن أن تسلبها الاعتبار في أي وقت ، بينما العملة الذهبية قيمتها في ذاتها بغض النظر عن اعتبار الآخرين إياها الامام في النظرية الأولى قيمته بمكانه وبطاعة الناس له ، بينما في النظرية الثانية قيمته بنصب الله إياه عن طريق النبي أو الامام السابق ولا يضره أن لا يكون حاكما مسيطرا ! ولعل هذا يفسر مقدار ( زهد ) الامام أمير المؤمنين في الخلافة الظاهرية ، وتشبيهه الإمرة أحيانا بفردة النعل إلا أن يقيم حقا أو يدفع باطلا فقد روي عن عبد الله بن العباس دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله ! فقال لي :ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها ! فقال عليه السلام والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا . وكذلك مما يلاحظ فيها أن ( رأي ) الناس و ( طاعتهم ) مؤثرة تأثيرا كاملا بحسب النظرية الأولى بحيث أن الناس لو رفضوه أو عزلوه ولم يطيعوه لم يبق له من مبرر ، ولم يعد إماما بل ربما صار متسولا من المتسولين على قارعة الطريق كما نقل عن بعض الخلفاء العباسيين المتأخرين عندما فقأ الأتراك عينيه وعزلوه عن الحكم ، صار يتسول قائلا : أنا بالأمس خليفتكم واليوم كما ترون ! وأما على النظرية الثانية فإنهم لم يصبحوا أئمة برأي الناس حتى تنتهي بانتهاء طاعتهم ! بل الامام هنا إمام منصوب من قبل الله تعالى ومعين من النبي صلى الله عليه وآله ، وكما لا يضر النبي أن يخالفه قومه أو يكفروا به بل أن يقتلوه ، فلا يؤثر ذلك في نبوته ، بل يبقى نبيا ، فكذلك هو حال الامام . ومثلما أنه لا يمكن للمكلف أن يخلع طاعته للنبي إلا إذا كفر به ، فكذلك الحال بالنسبة للامام ، بل نفس الإمام لا يستطيع أن ( يستقيل ) من الإمامة وما يُرى من تسليم بعض الأئمة الرئاسة الظاهرية للحكومات الفعلية كما فعل الامام علي  وبعده الحسن المجتبى  إنما هو تقديم لمصلحة الإسلام وتنازل عن الرئاسة الظاهرية لا عن الرئاسة الدينية والإمامة الحقيقية ، وأما الامامة فلا يستطيع أن يتركها لغيره ممن ليس بإمام ...يقول لك فو الله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين . ميزات آل محمد : كل هذا لم يكن اعتباطا ولا عبثا وإنما كان بناء على مميزات كانت في محمد وآل محمد جعلتهم محل اختيار الله سبحانه قادة لهذه الأمة ، ولا ينبغي أن يقال أن هؤلاء من قريش وغيرهم من قريش فإذن يمكن أن يكونوا محلهم ! أو كما قال المنصور العباسي للإمام الكاظم  أنه ما الذي يفضلكم علينا ونحن من بني هاشم ؟ يجيب الامام أمير المؤمنين  على ذلك بالقول : ( لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد )! فليست القضية أن هؤلاء أفضل من غيرهم ، بعدما كان بينهم وبين غيرهم جهة اشتراك ثم جهة تفضيل ، بل لا محل للمقايسة أصلا .فلو كان لديك شمعة وكان في الطرف الآخر الشمس ليس من الحكمة أصلا أن تصنع بينهما مقايسة .. وتقول بأن الشمس أنور من الشمعة ! أهل البيت لا يقاس بهم أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس النعمة وفي طليعتهم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأهم النعم نعمة الهداية إلى الايمان ، فضلا عن سائر النعم . أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي وفيهم خصائص الولاية ولهم الوراثة والوصية ) كذلك فإن دورهم في الأمة هو أنهم ميزان ومرجعية في الفكر ، فإذا أريد الحصول على التعادل والتوازن الفكري بحيث أن الغلاة ينبغي أن يرجعوا إليهم إذا أرادوا الوصول إلى الفكر الصحيح لا بد يرجعوا إلى آل محمد . والمقصرون الذين لم يستطيعوا أن يصلوا إلى الهدف من الدين ينبغي أن يلتحقوا بمنهج أهل البيت عليهم السلام . أيضا فإن فيهم خصائص الولاية ، ولهم الوراثة والوصية .. فماذا يعني ذلك ؟ لقد ذكر بعض الشراح كابن أبي الحديد خلاف ما هو المتبادر من معنى الكلام ، ونحن نذكره في البداية ثم نعلق عليه : قال (عاد إلى الثناء على آل محمد صلى الله عليه وآله ، فقال : " هم أصول الدين ، إليهم يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ، " جعلهم كمقنب يسير في فلاة ، فالغالي منه أي الفارط المتقدم ، الذي قد غلا في سيره يرجع إلى ذلك المقنب إذا خاف عدوا ، ومن قد تخلف عن ذلك المقنب فصار تاليا له يلتحق به إذا أشفق من أن يتخطف . ثم ذكر خصائص حق الولاية ، والولاية الامرة ، فأما الامامية فيقولون : أراد نص النبي صلى الله عليه وآله وعلى أولاده . ونحن نقول : لهم خصائص حق ولاية الرسول صلى الله عليه وآله على الخلق . ثم قال عليه السلام : " وفيهم الوصية والوراثة " ، أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليا عليه السلام كان وصى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا إلى العناد ، ولسنا نعني بالوصية النص والخلافة ، ولكن أمورا أخرى لعلها - إذا لمحت - أشرف وأجل . وأما الوراثة فالإمامية يحملونها على ميراث المال ، والخلافة ، ونحن نحملها على وراثة العلم ) . إلا أن الصحيح هو أن نرجع إلى ما كان لرسول الله صلى الله عليه من الولاية وهو ما يشير إليه القرآن الكريم في قول الله  ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) وهو ما أشار إليه رسول الله في خطبته بغدير خم ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فلما قالوا بلى ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) .. هذه الخصائص في الولاية التي هي للنبي هي ذاتها لأهل بيته الأئمة الهداة عليهم السلام . وأما الوراثة فمن المعلوم أن وراثة المال لا يختص بها النبي كمورث ولا أهل بيته كورثة ، إذ عامة الناس كذلك ، وإنما هي وراثة العلم والخلافة ، حيث أثر عن رسول الله مرارا قوله لعلي ( أنت وارثي ) مع أن من الواضح أنه لا يرثه من جهة المال مع وجود ابنته الزهراء عليها السلام .وإنما هي وراثة العلم والموقع القيادي والامامة الالهية .فهذه يتميز فيها النبي كمورث وأهل البيت كوارثين على سائر الناس . هذه الإمامة التي نتكلم عنها تحتاج إعدادا كونيا ، وينتخب لها أشخاص يحتوون على صفات خاصة ، تحتاج إلى العصمة ، وإلا لو لم يكونوا معصومين يلزم من ذلك التناقض في فعل العبيد والمكلفين ، ذلك أن الله أمرنا بطاعة أولي الأمر (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ) والاطلاق يقتضي أن أطيعوهم في كل شيء ولا تتخلفوا عن طاعتهم في جميع أحوالكم ، ومع فرض أن الامام غير معصوم فلو رأيناه على معصية من معاصي الله ، وعلى خلاف الجادة .. فماذا نصنع ؟ هل نتبعه أم نعصيه ؟ ..إذا عصيناه خالفنا القرآن في قوله ( وأطيعوا .. و أولي الأمر منكم ) إذا اتبعناه عصينا الله لأنه أوردنا في طريق منحرف ! فإما أن نخالف القرآن وإما أن نخالف طريق الله ! هذا يعني أن الله يقول لنا أطيعوه ولا تطيعوه في نفس الوقت ..يلزم التناقض من هذا ..أما إذا كان الإمام معصوم لا يمكن أن يسلك طريق معصية ولا يمكن أن يأمر بما فيه معصية لذلك يجب عليك طاعته على كل حال . من خصائص هذا الإمام أن يكون عالما بنحو لا يحتاج مع هذا العلم إلى غيره ..أمير المؤمنين يقول (إن الله أرحم بعباده من أن يكلفهم طاعة عبد ثم لا يكونوا عنده جميع ما يحتاجون إليه ) وهذا الأمر منحصر في أهل البيت . بل غير ذلك من الخصائص التي يشير إليها الامام في نهج البلاغة في كتابه لمعاوية بن أبي سفيان ، إشارة عابرة ولكنها ذات معنى ! يقول لمعاوية في كتابه :ألا تتأمل في هذا المعنى : أن المهاجرين والأنصار ضحوا في سبيل الله ، قاتلوا ،قتلوا ، استشهدوا في سبيل الله ولهم فضلهم وعلى الله إكرامهم، حتى إذا استشهد شهيدنا أي أهل البيت ويقصد بذلك حمزة ..قيل له سيد الشهداء هؤلاء قاتلوا وهذا قاتل ..فكيف هذا صار سيد الشهداء والباقين صاروا من عامة الشهداء ؟ مرة أخرى مع الأنصار والمهاجرين الذين فقدوا أيديهم في القتال، لكل منهم فضله ..حتى إذا فعل بأحدنا وهو جعفر ابن أبي طالب..قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين ..أنت لا تتأمل إلى هذا المعنى أن هناك خصوصية ولهم خصائص الولاية وفيهم الوصية والوراثة ..بل لو لا خوف الإمام من أن يقال أنه يزكي نفسه ، و ولولا نهي الله عن تزكية المرء نفسه ..لما قال يا أيها الذين آمنوا لا تزكوا أنفسكم بل الله يزكيكم ..لولا هذا النهي لذكر ذاكر ..يعني هو لذكر ذاكر فضائل جمة تقبلها قلوب المؤمنين ولا تمجها أسماع السامعين وهي فضائله ومناقبه وسابقته ! أهل بيت النبوة هم عيش العلم ، وموت الجهل ينبيكم ظاهرهم عما لديهم من علم في باطنهم ، لقد جرب يحيى ابن أكثم أن يسبح في بحر الإمام الجواد مرة فكاد أن يغرق !عندما سأله مسألة واحدة : ما تقول في محرم قتل صيدا ..الإمام فرع له وشقق له أكثر من اثنين وعشرين فرعا من هذه المسألة فقال الإمام أبو جعفر عليه السلام : قتله في حل أم حرم ، عالما أو جاهلا ، عمد أو خطأ ، عبدا أو حرا ، صغيرا أو كبيرا ، مبدءا أو معيدا ، من ذوات الطير أو غيره من صغار الطير أو كباره . مصرا أو نادما ، بالليل في أوكارها أو بالنهار وعيانا ، محرما للحج أو للعمرة ؟ قال : فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفر عليه السلام . لم تكن وصية النبي أمته بالثقلين ، الكتاب والعترة ، عبثا ولا مجاملة ، ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ) هذه القضية قضية شرطية لها منطوق و مفهوم :ما إن تمسكتم لن تضلوا ..هذا منطوقها .و مفهومها : إن لم تتمسكوا ستضلون وتتيهون مهما اتبعتم غيرهم ، إذ دلالة الشرطية على الانحصار مما لا ينكر . الأمة مأمورة بإتباعهم والإقتداء بمنهجهم ، ولكن مع الأسف ضيعت هذه الأمة حظها و غفلت عن نصيبها ، وهي تدفع اليوم ـ كما في السابق ـ وستدفع في المستقبل تدفع الضريبة من دمها ،من عرقها ،من تأخرها ،من مالها ما لم تغير المنهج . لقد كانت نبوءة صادقة من الصديقة الزهراء عليها السلام بنت الصادق القول ، عندما قالت : أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون ، غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم ، وبهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لكم ، وأنى بكم ، وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ) .