النقد الذاتي على مستوى الفرد والأمة
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165)
النقد الذاتي شجاعة ، وطريق نجاح وتغيير للأخطاء.. والاسترسال مثلما هو الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب ! وبقاء في الخطأ . وهو بمثابة إجراء فحوص دورية لجسم الفرد والأمة لتتعرف على أمراضها ..
ـ من هذا المنطلق وجدنا أن القرآن الكريم مع أنه في صدد تقوية الأمة المسلمة ضد أعدائها إلا أنه يفتح باب النقد الذاتي على مصراعيه فيها ، فهذه سورة الأنفال تبدأ ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) (الأنفال:5)وأنهم يجادلون في الحق بعدما تبين ، وأنهم يريدون غير ذات الشوكة تكون لهم ، وأنهم يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ..
وأما التوبة ، فقد سميت بالفاضحة ، لكثرة تعرضها لهذا الجانب (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (التوبة:25) .. وما لكم إذا قيل انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض .)
ـ وأئمة أهل البيت في الوقت الذي يتحدثون عن الشيعة باعتبار أنهم المثل الأفضل ، فإنهم ينتقدون بعض السلوكيات السيئة الموجودة في بعضهم !
ـ الشعوب الناضجة تقوم أخطاءها .. انظروا إلى العدو الاسرائيلي ، فإنه بعد إخفاقه في الحرب الأخيرة ضد لبنان ، ثارت الضجة على الجيش وقيادته ، واستقال قائد الجيش وكلام عن وزير الدفاع . ماذا عن بلادنا الاسلامية ؟ هل رأيتم أحدا استقال من نفسه على أثر أخطاء أو مشاكل ؟ أو أقيل حتى بهذا السبب أو ذاك ؟
غير أننا نجد أن هناك ميلا للاسترسال ، وعدم محبة للنقد لا سيما على مستوى الأمة ، فالنقد الذاتي ممنوع في المجتمعات الاسلامية ، التي لا تحبذ هذا النوع من الفكر .. فلماذا :
1/ الخلط بين الانتقاد والعداوة ، وتصور أن كل من ينتقد وضعا خاطئا فهو عدو .
2/ طريقة الانتقاد التي تميل أحيانا إلى التعميم ، بالقول : لم يقم أحد بكذا ، كل أبناء الأمة كذا ..
3/ النقد الذاتي يضع الفرد والأمة في مواجهة الشهوات والتقصير ، وفي موقع الاتهام ، والكثير لا يحبون الوقوف في هذا الموقف !
النقد الذاتي على المستوى الفردي :
ـ القرآن يقسم بالنفس اللوامة باعتبارها محكمة داخلية تستقصي أخطاء الفرد ولا يغيب عنها أعماله ، ولا يمكن التعمية عليها
ـ المحاسبة وظيفة يومية لتكريس النقد الذاتي . ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم .
ـ التوبة أهم تجليات النقد الذاتي من قبل الانسان لنفسه ، وبينما يكون موقف الانسان المؤمن ( ربنا ظلمنا أنفسنا ) كما قال آدم وحواء . ترى الشيطان يحمل غيره مسؤولية خطئه وذنبه ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (لأعراف:16) ..
ـ الاستغفار
ـ استغفر الله : هذا تقديم طلب ، تماما مثلما هو الحال في أي مورد آخر ، لا بد من تقديم طلب .. توظيف أو زواج ، أو غير ذلك
ـ ما هي المرفقات مع طلب الاستغفار ؟ شيء من الاعتراف أمام الله .. مثلما تفعل في تحديد هويتك عند التقديم ، تطلب مساعدة فتعترف بالحاجة ,, لا يمكن أن تقول أنني غني ولا حاجة لي ومع ذلك تطلب .. حدد ما لديك ، ما هي مؤهلاتك في هذا الجانب ؟ قل : ظلمت نفسي ، بل ظلمت ربي .. هل يستحق الله منك هذا الجفاء ؟ وهذا العناد ؟ وهذا التعدي ؟ أعطاك من كل شيء وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة ، فهل جزاء إحسانه إليك ، طغيانك على حقوقه سبحانه ؟
نحن نظلم الله وإن كان الله لا يُظلم ، لكن نحن في موقع الظلمة ! أعطى كل شيء ثم وعدك بجنة عرضها السماوات والأرض لو قمت بأعمال وتركت أخر ، وقال لك لو هممت بالحسنة كتبت لك ، ولو فعلتها فإنه يكتب جزاؤها على الأقل بعشر أمثالها ، وأما السيئة فلو هممت بها لا تكتب عليك ، ولو فعلتها تؤجل إلى ست ساعات لكي تستغفر فلا تكتب ، ولو لم تستغفر كتبت عليك واحدة ، وبقي أيضا مجال الاستغفار عنها لمحوها مفتوحا ! ثم إذا بك وبي ، نعاند ربنا ونتخطى حدوده ! كأنه أهون الناظرين !
ـ انقطع إلى الله : إلهي من لي غيرك أسأله كشف ضري والنظر في أمري ، غيرك يا رب إذا كشفت له حاجتي أذلني ، وربما أراق ماء وجهي ، وأنت يا رب .. لا تفعل ذلك . ناد ربك : يا الله وكررها ، فإنه ورد عن الصادق u أنه قل عشر مرات ( يا ألله ) فلم يقلها أحد من المؤمنين عشر مرات إلا ناداه الجليل : لبيك عبدي سل حاجتك
غيرك يا رب لو كشف خطئي وذنبي يعيرني ، يهددني ، يفضحني ، وأنت تزداد محبة لي مع ذنبي ، وتزداد سترا علي مع عظيم جرمي .. ( قصة موسى مع مذنب بني اسرائيل الذي منعوا المطر بسببه ثم أمطروا بسبب توبته ، وفي كلتا الحالتين لم يخبر الله عنه )! هل تعيش حالة الاضطرار إلى الله : أمن يجيب المضطر إذا دعاه !
ـ التفصيل ما بين حقوق الناس وحقوق الله : أيما رجل استدان دينا لا يريد أن يؤدي إلى صاحبه حقه فمات لقي الله يوم القيامة سارقا .. عن النبي 1 .
ـ تذكر أن هناك مراحل وعقبات تنتظرك , وأنك سائر إليها ، ( أرى عمري مؤذنا بالذهاب ..)
ـ فكر أن تفي لله بما وعدته : حتى تصبح من الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ..