المدرسة الامامية:قوة الأصل وإشكال العرض
مع توفر إمكانيات الحديث والنشر عن فكر أهل البيت وشخصياتهم تبقى المهمة الأصعب هي في كيفية العرض ؟
ـ عرض المسكنة والمظلومية .. والذي يظهر أن هذا ليس مقصورا على هذا الجيل بل كان حتى في أيام الأئمة عليهم السلام مثلما نجد في حوار السيد الحميري وجعفر بن عفان الطائي ، فقال له السيد : ويحك أتقول في آل محمد ( عليهم السلام ) شرا ! : ما بال بيتكم يخرب سقفه * وثيابكم من أرذل الأثواب فقال جعفر : فما أنكرت من ذلك ؟ فقال له السيد : إذا لم تحسن المدح فاسكت ، أيوصف آل محمد بمثل هذا ؟ ! ولكني أعذرك ، هذا طبعك وعلمك ومنتهاك ، وقد قلت أمحو عنهم عار مدحك :
أقسم بالله وآلائه * والمرء عما قال مسؤول إن علي بن أبي طالب * على التقى والبر مجبول وإنه كان الامام الذي * له على الأمة تفضيل يقول بالحق ويعنى به * ولا تلهيه الأباطيل كان إذا الحرب مرتها القنا * وأحجمت عنها البهاليل › يمشي إلى القرن وفي كفه * أبيض ماضي الحد مصقول مشى العفرنى ( 1 ) بين أشباله * أبرزه للقنص الغيل ( 2 ) ذاك الذي سلم في ليلة * عليه ميكال وجبريل ميكال في ألف وجبريل في * ألف ويتلوهم سرافيل ليلة بدر مددا أنزلوا * كأنهم طير أبابيل فسلموا لما أتوا حذوه * وذاك إعظام وتبجيل كذا يقال فيه يا جعفر ، وشعرك يقال مثله لأهل الخصاصة والضعف ... الأمالي - الشيخ الطوسي - ص 198 - 199
وأسباب هذا كما أشار إليه السيد ( هذا طبعك ، وعلمك ومنتهاك ) أي هذا انعكاس لحالك الذي تعيش فيه أسقطته على المعصومين ، ومستوى وعيك ومعرفتك بهم ، وما تنتهي إليه نظرتك .
ـ عرض الغلو والارتفاع . فيبدأ البعض بذكر بعض الأحاديث التي يوهم ظاهرها ، ولا يتيسر له الوقت ولا المقام وأحيانا المستوى بأن يوضح أبعادها .. ولا شك أنه يوجد في رواياتنا ما يحتاج إلى كثير من التوضيح في صفات الأئمة .. فإذا ذكر من غير ذلك كان ما يضر أكثر مما ينفع ، بل ربما لم ينفع في شيء . إن الحكمة تقتضي معرفة الجمهور المخاطب ومدى استيعابه ، ونقل غير المنفر والموهم ، وإيضاح ما قد يلتبس على البعض وهذا ما قام به الامام الرضا ، عندما سأله المأمون كيف أن عليا هو قسيم الجنة والنار ، قربه إليه ، بقوله : ألم ترو عن أبيك عن آبائك عن ابن عباس أن الرسول قال: حب علي إيمان وبغضه نفاق .. قال بلى ، قال إذا كانت قسمة ما بين الجنة والنار على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار .
* الاعتراض بأنه ينبغي أن لا نجامل وأنه لا توجد تقية ، وسوف نقول كل ما لدينا ! كيف يجاب عليه ؟
ـ عرض المذهب على أنه شيء مختلف غير مفهوم ، أو على أنه الفطرة السمحة ؟ وأنه الأصل .. هل هو فكرة باطنية غير مفهوم ويجب التعبد بها من دون نقاش ؟ أو أن الخطوط العامة للإسلام هي ما نتحدث عنه ؟ وأن أهل البيت فئة خارج البيت الاسلامي تقود جماعة خارج الأمة ، أم هم أئمة المسلمين جميعا ، ويجب أن يتعرف عليهم المسلمون ؟ لقد فتح بعض علمائنا بابا واسعا من البحث على أثر مجهولية التشيع لدى غيرهم ( جرجي زيدان وكلمته عن تراث الشيعة حيث أنتجت .. الذريعة وتأسيس الشيعة، (في مقدمة كتاب حصر الاجتهاد للمحقق آقا بزرگ الطهراني ص 60: وكان الباعث على تأليف الذريعة هو ما ذكره (جرجي زيدان) في كتابه" تاريخ آداب اللغة العربية ط 1911 م" حينما تحدث عن الشيعة فقال ما خلاصته: " الشيعة طائفة صغيرة لم تترك أثرا يذكر، وليس لها وجود في الوقت الحاضر ". فدفع هذا القول بالشيخ آغا بزرك ورفيقيه في العلم " السيد حسن الصدر" المتوفى عام 1354 و " الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء " المتوفى عام 1373 أن يتعاهدوا ويأخذ كل واحد منهم على عاتقه بيان جانب من جوانب الثقافة الشيعية الفنية والتعريف بها ". " وقد تقرر أن يبحث العلامة السيد حسن الصدر حول الآثار العلمية الشيعية، وبيان فضل الشيعة، وسهمهم في تأسيس علوم الإسلام، وظهرت ثمرة بحثه في كتابه " تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام " الذي طبع بمساعدة الشيخ نفسه عام 1370. أما العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء فقد تقرر أن يكتب نقدا لكتاب جرجي زيدان " تاريخ آداب اللغة العربية " ويكشف عن كل أخطائه فيه، وقد نفذ هذه المهمة، وكتب نقدا علميا جامعا للكتاب بمجلداته الأربع وأما الشيخ اقا بزرك فقد تعهد أن يكتب فهرسا يجمع فيه أسماء كل مؤلفات الشيعة، والذريعة كتاب في 29 مجلدا، فيه 94 عنوانا في موضوع أصول الاعتقادات، وفي خصوص موضوع الإمامة هناك 119 عنوان كتاب، وفي تفسير القرآن يصل إلى 350، ومع الإرجاعات إلى 700 عنوان، وفي نهج البلاغة إلى 86 ، هذا غير سائر القضايا من فقه وأصول وفلسفة وغيرها.. وأما في الحسين فقد ذكر أكثر من ألفي كتاب.)
ـ
إبراز الأئمة كرواد للعدالة الاجتماعية ، ومطبقين للقيم الاسلامية ، نهج البلاغة كنص للعزة والمعرفة والرقي ، موقف الحسين في كربلاء .. وهكذا . سيرة حياة الأئمة ..حيث هي برنامج .
* إن جزءا مما يعرض هو الثقافة التي تصنعها الرواديد ، وقصائدهم ، والمنشدون من الخطباء وكلماتهم ، وفي هذه من القصائد في المستوى الأعلى من النضج والقوة ، لكن يوجد في بعضها الآخر اسفاف خطير يؤثر بشكل سلبي حتى على الأجيال الشابة الشيعية فضلا عن غيرهم ! إن جزءا مما يعده علماؤنا غلوا في بحوثهم العقائدية ، يستمع إليه أبناؤنا في بعض هذه القصائد !! كقول البعض عن الامام علي : انت الكلمت موسى ، ونجيت ابراهيم من النار ، وأجريت سفينة نوح .. إلخ ولا نريد ذكر مزيد من النماذج . وذلك أن الشاعر ليس في مقام الدقة النظرية ، ومستواه الثقافي والعلمي ليس بالضرورة عاليا ، ولكنه يتحول شعره إلى لوحات ثقافية .
انظر إلى هذا النمط وانظر إلى نمط حديث القرآن والنبي عن علي ، وحديث علي عن نفسه !
* هناك فرق بين تعميق الولاء وبين الحديث غير الدقيق عن أهل البيت ، وخصوصا على هذا المستوى ، فإن تعميق الولاء يعتمد على المعرفة الناضجة ، وتقريب المعنى ، ولا يكفي ـ خصوصا في هذا الزمان ـ أن نقول أن عقولكم أيها المستمعون لا تبلغ أو أننا لا نصل إلى هذا المعنى لكن يجب أن نؤمن به ، بل الصحيح أن نختار من المعارف ما يمكن توضيحه ، وما يمكن للمستمع أن يفهمه فيقوى بذلك ولاؤه لأهل البيت .