المجتمع بين الرشد والسفاهة

محرر الموقع
(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الزخرف:54) (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130) )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13) في مفردات الراغب : الأصل في السفه هو خفة في البدن ، ثم استعمل في خفة النفس لنقصان العقل ، وقد يكون ذلك في الأمور الدنيوية : كالتصرف في المال بخلاف مقتضى الشرع والعقل بالتبذير والاسراف ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) . وقد يكون في الأمور الأخروية ( ألا إنهم هم السفهاء ) ، و( أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) .. * كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم . .(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (الأنعام:140) مفردات الرشد لسان العرب ( الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد: نقـيض الغيّ. رَشَد الإِنسان، بالفتـح، يَرْشُد رُشْداً، بالضم، ورَشِد، بالكسر، يَرْشَد رَشَداً ورَشاداً، فهو راشِد ورَشيد، وهو نقـيض الضلال، إِذا أَصاب وجه الأَمر والطريق ) . معجم مقاييس اللغة (رشد الراء والشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق. فالمرَاشِد: مقاصد الطُّرُق، وَالرُّشْد وَالرَّشَد: خِلافُ الغَيّ، وأصاب فلان من أمره رُشْداً وَرَشَدَاً وَرِشْدة، وهو لِرِشْدَةٍ، خلاف: لِغَيّة. * حديث القرآن الكريم عن الرشد الفردي ، وترتيب أحكام شرعية عليه منها : أنه لا يسلم المال لليتامى إلا بعد رشدهم ،)وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )(النساء: من الآية6) . ومنع من تسليم السفهاء الأموال ، ومنه أخذ الفقهاء أحكامهم في باب الحجر والتفليس ، كما انتقد السفهاء في أنهم ربما كانوا سببا في هلاك أقوامهم . ( أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ). ورأى أن مخالفة الشريعة الصحيحة من سفه العقل ((وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) . *غير أن القضية الأخطر هي السفه الاجتماعي ، والمهمة المطلوبة هي ايجاد الرشد الاجتماعي . فإنه قد يحصل أن يكون مجتمع سفيها وغير راشد . ـ الجهات التي تصنع السفاهة الاجتماعية : 1/ الطواغيت : حيث لهم مصلحة في أن يكون المجتمع سفيها لتسهل بذلك سيطرتهم عليه ( فاستخف قومه فأطاعوه ) : رجوع إلى معنى السفاهة حيث هي خفة في البدن ثم استعملت في خفة العقل ، هنا استخفهم ، يعني جعلهم أخفاء .. والنتيجة ( أضل فرعون قومه وما هدى ) . اشارة الكواكبي إلى أن هناك صراعا بين المستبدين وبين العلماء الحقيقيين الذين هم ورثة الأنبياء في أن هؤلاء يريدون للناس معرفتهم ، ووعيهم وتبصيرهم بأمورهم بينما يسعى المستبدون إلى مزيد من الخرافة والسفاهة . عندما يبثون فكرة التخيير بين الحرية مع الفوضى والقمع مع الانضباط .. فهذا من تسفيه العقل . 2/ المرتزقة من أهل العلم : الذين يكتمون العلم ولا ينشرونه ويشترون في مقابل ذلك ثمنا قليلا (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:174) ، ينشرون الخرافة ، يسفهون عقول الناس . أدعياء العلم 3/ المترفون الذين يثرون على حساب عقول الناس ، ومنهم الذين يركزون على الأمور الشهوية وتكريسها في الناس ، ( الانترنت ونسبة الدخول فيه بين الثقافة والخلاعة ...) . دور الاعلام في صناعة السفاهة : التركيز على الجانب الشهوي في مقابل الفكري والعلمي ..الخطر الذي تشكله الخرافيات ( جن وشعوذة ) أسوأ من خطر اباحيات الفضائيات لماذا؟ ** الإشارة إلى ما هو موجود مما يسمى بالعلاج الروحاني ، ومن مسائل الأبراج ( كتب الأبراج أكثر تسويقا من بقية الكتب ، وتفسير الأحلام ، وقراءة الطالع ، والحساب على أساس اسم الأم وما سيحصل في المستقبل ، وما يسمى بالعلاج بالقرآن ..الخ . وعموما يصرف العرب سنويا على مثل هذه الأمور ( 5 مليارات دولار ) كما ذكرت بعض الاحصائيات . كل هؤلاء يقولون أنه علم أعطاهم الله إياه ، ومنحة أكرمهم بها ! * التي أخبر بعض هؤلاء زوجها أن عليها سبعة عفاريت ، فقام زوجها بتطليقها !! بالطبع هناك خلفيات تاريخية كروافد للوهم والخرافة فيوجد في بعض الشعوب خرافات ( فك المشمر ، وضع أشياء على باب بيت من لا تحمل ، وهذه كلها تعتمد قاعدة أن المشكلة هي خارجية ، بينما ( دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر ) . يستفيد الكثير من هؤلاء من حقيقة أن الانسان يحب أن يلقي بالمشكلة خارجا ، ويخلي مسؤوليته فإذا حصل الطلاق بينه وبين زوجته فلسبب وجود عمل ! وإذا فشل في عمله فبسبب جني وهكذا ، .. * كثير مما يقال عن الاستشفاء بالقرآن ليس في محله : ولعل قائلا يقول ماذا تقول في (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) (الاسراء:82 ) فالجواب : ـ أن الآية ناظرة في الأكثر إلى الأمراض الروحية والمعنوية والعقدية ، والشاهد على ذلك أنها تقول إنه فيه شفاء للمؤمنين ، بينما في العسل تقول (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) (النحل:69) هنا تقول الشفاء للمؤمنين بينما هناك العسل شفاء للناس ، وهنا القرآن يزيد الظالمين خسارا .. وقد أكد العلامة الطباطبائي على ذلك واستشهد عليه بعطف القرآن الرحمة على الشفاء مما يفيد أن الآية تتحدث عن الأمراض المعنوية . وشاهده الآخر ما ينقل عن النبي  ( من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله ) . * مشكلة مثل هذا أنه في الحالة الأخرى ـ عدم الشفاء ـ وهي كثيرة ، يحدث التكذيب بالقرآن ! * ثم من هو المعالج ؟ إذا كان الأمر نفسيا فهذا لا يحتاج إلى شخص يأخذ مقادير هائلة من الأموال لكي يقرأ عدة آيات أو يكتبها .. أحد هؤلاء تبين في مقابلة أنه يكسب حوالي 120 ألف ريال في الشهر من خلال هذا العمل ؟ ** ما هو موجود لدينا من الروايات يطالب الشخص نفسه بأن يفعل تلك الأشياء من القراءة والمسح .. ** المطلوب أن يصعد المجتمع إلى مستوى الرشد الاجتماعي ، فإنه إن وصل لذلك المستوى ، فإن السياسي حينئذ لا يستطيع أن يخدعه !! ( إنما قتل عمارا من جاء به إلى المعركة ) .! ولا عالم الدين غير الحقيقي الذي يصور له أن صراعه الأساس هو مع بقية الطوائف وأن ( الطائفة الفلانية أولى بالقتال من الكفار ) .، ولا المترف الذي يستحصل أمواله من خلال بعض الخدع ؟ ما به يعرف رشد المجتمع : 1/ هل هو سلوك القطيع أو السلوك الواعي أمام القضايا : ( الذي رأى جماعة يضربون شخصا فضربه معهم ثم سأل واحدا واحدا منهم عن سبب الضرب فلم يدروا لماذا ) .. ( سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم وحششتم علينا نارا .. كما قال الامام الحسين للجيش الأموي ) . 2/ هل يربط النتائج بأسبابها ومقدماتها ، أو أنه يفكر بنمط قماري ؟ في علاجه ، وثروته ، وسياسته ؟