خطابنا الديني المعاصر
قال صاحب المناقب وغيره : روي أن يزيد أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين وعلي عليهما السلام وما فعلا ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل ، قال : فصاح به علي بن الحسين : ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوأ مقعدك من النار ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ، ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب ، قال : فأبى يزيد عليه ذلك فقال الناس : يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا فقال : إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان .. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 45 - ص 137 - 138
تأمل في فقرات النص السابق :
* أن بعض الخطابات يقصد منها مرضاة المخلوق صاحب السلطة أو الجاه مقابل مرضاة الخالق ونتيجتها النار .
* في المكاسب المحرمة : سب المؤمنين ، والكذب .. والتدليس
* أن دور الاعلام والخطاب الصحيح في تعرية الخائنين مؤثر ، ولذلك يحجب ويلغى ، ويصادر( إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي ..) وهذا يبين لزوم الاهتمام بهذا الجانب .
* أن للخطاب الديني خطين : خطا عموديا ينطلق من رضا الله ويرجع إليه ، وآخر عموديا يتحرك في فائدة ونفع الجالسين المستمعين إليه ..
ثم إن الخطاب الديني لا يعني خطاب الخطيب فقط ، بل هو نمط الحديث من قبل الانسان المتدين وطريقة التفكير وإيصال المعلومة .. ولهذا فإن الحديث يشمل المستمع بنفس المقدار الذي يشمل المتحدث حيث أن المستمع بدوره له خطاب مع غيره سواء في مستوى العائلة أو العمل أو ما شابه .. نعم يختلف موضع كل واحد ومدى تأثيره ..
ـ الخطاب الحكيم ليس واحدا في كل زمان ومكان ومع كل الناس ( ما كل ما يعلم يقال ، ولا كل ما يقال حان وقته ، ولا كل ما حان وقته حضر أهله..) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 53 - ص 115
ـ خطابات الحسين لم تكن ذات نسق واحد بالنسبة للجميع : للحر : كتب لي أهل مصركم . ومع الوليد بن عتبة ، ومع عمر بن سعد ! ومع الجيش : في البداية : حتى أعظكم بما هو حق لكم علي .. ثم تبا لكم ..
ـ مواصفات الخطاب المطلوب :
ـ الخطاب الذي لا يخضع لعقلية ما يطلبه المستمعون : أو أن الجمهور يريد هذا الكلام ..وإنما ما يعتقد أنه نافع ! لا يعني ذلك أنه لا ينبغ أن يستشار المستمع من أهل الرأي والنظر بل هذا أمر ضروري ،( إشادة بالمحاولة التي تمت خلال هذه الأيام من قيام بعض المؤمنين برصد اتجاهات الساحة وحاجات الناس من خلال عملية إحصائية .. ) .
ـ خطاب التجديد : كل زمان يصنع ثقافته ، بحسب احتياجاته منطلقا من نصوصه وثوابته الدينية ، وهذا أمر طبيعي .. غير الطبيعي هو أن تبقى الأزمنة اللاحقة أسيرة لخطابات الأزمنة السابقة التي كانت تعالج أوضاعا معينة ، وظروفا خاصة .. مثلا في زمن كان المطلوب أن لا تنهزم الأمة نفسيا أمام العدو فكان ينبغي أن يبث فيها فخرها ، وتميزها .. اليوم المطلوب أن تستفيد من غيرها وأن تتجاوز تأخرها فلا ينفع هذا الخطاب الافتخاري ..
في بعض الفترات كانت الأجواء بين المذاهب أجواء صراع فكري وحوار ثقافي فكان من الممكن بل المناسب أن يتحاور هؤلاء بكل شفافية ، بينما اليوم ليس الأمر كذلك .
ـ لا يصح أن نبقى أسرى المتون القديمة ! إذا أردنا الحوار يحتج هذا الفريق على ذاك بأن عالمكم الفلاني قبل ألف سنة قد قال كذا ، فيجيبه الآخر بأن عالمكم قبل ذلك قال ما هو أسوأ منه .. في عملية عبثية لا تنتهي .
ـ خطاب المسؤولية لا التسلية. . ربما يرغب السامع والمتكلم أن يكون الحديث في قضايا نظرية لا ارتباط لها بالواقع ، ويقضي فيها الاثنان مدة من الزمان لكي يمتع كل منهما لسانه وسمعه ببعض القصص ..لكن هل هذا هو النافع أو المطلوب ؟
ـ خطاب الحاضر ومشاكله لا التاريخ .ما ذكره السيد البروجردي من أن قضية الخلاف في الخلافة الآن لا موضوع لها ، ولكن الذي ينبغي أن يبحث هو المرجعية الفكرية والدينية للمسلمين .
ـ خطاب الوحدة والتعقل في مقابل التشنج