المنهج القرآني في عرض المشاكل الاجتماعية

محرر الموقع
إن التشيع يمتلك جميع مؤهلات النجاح والتفوق والتحليق والانطلاق لكن نجد أن هذا المجتمع لا يحلق ولا ينطلق فلا بد من وجود معيقات وأثقال تمنعه من التحليق والانطلاق فما هي هذه المشكلات التي تعيق المجتمع من الانطلاق؟ وهذا ما سنتحدث عنه هذا العام بعد أن تحدثنا في السنوات الماضية عن تاريخ التشيع وعن ميزات التشيع وعن التشيع في المنطقة . ونقدم بمقدمة تحتوي عدة نقاط : النقطة الأولى: المجتمعات البشرية تحتوي على مشاكل متشابهة ، وتختص بعض المجتمعات بمشاكل خاصة فعلى سيل المثال البطالة فهي ليست مشكلة خاصة وإنما هي مشكلة عامة فهي موجودة في كل المجتمعات المتقدمة منها والمجتمعات النامية ،والمجتمعات الكافرة والمجتمعات المسلمة الكافرة ، برغم اختلاف الأسباب مثلا في البلاد المتقدمة أسباب البطالة مكننة الآلات بينما في المجتمعات النامية عدم وجود الفرص وسوء الإدارة .برغم اختلاف الأسباب إلا أن المشكلة واحدة ، وسيكون حديثنا عن المشاكل الخاصة بمجتمعنا الشيعي الذي نعيش فيه. النقطة الثانية: عندما نتحدث عن المشاكل لابد أن نفكر في الجذور و المناشيء و الأسباب فالكثير من الناس يلاحظون الظواهر ويقلقون من الآثار مثلا يرون شاب يمشي في الطريق بشكل غير طبيعي كأن يقوم بأفعال خارجة عن العرف فكثير من الناس يقلقون من هذه المظاهر ولا يرتاحون لها وهذا قلق من الآثار ومن المفروض أن نفكر في جذر هذه المشكلة فلا بد أن نتساءل لماذا يتصرف هذا الشاب بتلك الطريقة وما الذي يدعوا المجتمع إلى هذا السلوك ويدفعه إلى هذا التصرف فعلينا أن نبحث عن الأسباب الأصلية الكامنة وعن الجذور . وعلى سبيل المثال مجتمعنا التابع لأهل البيت عليهم السلام يمتلك من الإمكانيات الشيء الكثير جدا يمتلك كل مقومات الانطلاق والتقدم لنتساءل لماذا لم يتقدم ؟ لماذا لم يرتق ؟ فعلى سبيل المثال أن تر ى طائرة معدة للطيران بشكل كامل وقائدها موجود والمدرج معد ومهيأ ومع ذلك لا تطير لابد أن نتساءل لماذا لا تطير مع وجود كل مقومات الطيران والانطلاق في الطائرة ؟ فما الذي يمنعها من الطيران والتحليق ؟ هل هناك شيء يثقلها ؟ هل هناك شيء يجذبها إلى الأرض ويحبسها عن الطيران ؟. مجتمعنا على هذه الشاكلة فهو يمتلك فكر لم يشهد التاريخ فكراً أنور ولا أزهر من هذا الفكر الذي هو فكر الإسلام كما يبينه لنـا أهل البيت عليهم السلام فإننا نمتلك قادة وقدوات أمثال أمير المؤمنين (عليه السلام) فلننضر كيف يتحدث المسيحيين عنه وغير المسلمين يتكلمون عنه فضلا عن المسلمين وأتباعه وهو ليس إلا نتاج صياغة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيوجد عندنا هذا النموذج وهذه القدوة وهذا القائد ويمتلك إمكانيات مادية فمجتمعنا ليس فقيراً يوجد لديه وفرة في المال لا يعد من المجتمعات الفقيرة ويجد فيه حماس نلاحظه في أكثر من موضع ولو أطلعت على صورا من الحماس الديني لرأيت أنها لا تقل عن حماس خلص أصحاب رسول الله وخلص أصحاب الحسين فيوجد لدينا شباب متدينون و فتيات عفيفات يمشين على خطى البتول وخطى الحوراء فإذا كان يمتلك كل هذه المقومات مع ذلك لا يزال مجتمعنا يراوح مكانه لم ينطلق الانطلاقة التي ينبغي أن ينطلقها ولا يصعد على القمة ترجى له فلا بد أن نتساءل ما هي المشاكل وما هي المعوقات والحواجز فلا بد من وجود خلل يجعل هذه القوى العظيمة تكون معطلة إلا يحق أن يتساءل العلماء والمصلحون والشباب والكبار والنساء لماذا لا نتطور ؟ ولماذا لا نتقدم ونرتقي ؟ما هي المشاكل ؟وهذا ما سنحاول أن نتعرض إليه في هذه السنة وبهذا المعنى ( المشاكل التي نعتقد إنها تؤثر في تأخر مجتمعنا وتمنع انطلاقته وتقدمه) كيف نتعرض إلى هذه المشاكل ؟ هناك ثلاث مناهج في معالجة المشاكل التي تحصل في المجتمع : المنهج الأول منهج التستر والإخفاء : يقول أصحاب هذا المنهج _والذين يوجدون في أكثر البلاد الإسلامية على مستوى الدول وعلى مستوى المجتمعات والطوائف_ يجب التستر وهم يعتقدون أن الحديث عن المشاكل يضعف المجتمع فلا بد من إبراز المجتمع أمام الآخرين انه مجتمع قوي لا يوجد فيه مشاكل فلماذا نتحدث عن المشاكل وإخراجها وهو الذي يؤدي إلى إضعاف المجتمع ويقول أصحاب هذا المنهج أن إخراج المشاكل يؤدي إلى تشمت العدو فينا و من الأفضل أن لا نجعلهم يفعلون ذلك ولهذا ليس من الغريب أن تجد أنهم لا ينتبهون إلى المشكلة إلا إذا أصبحت كارثة وبعدها يتساءلون أين كانت هذه المشاكل ؟والمشاكل كانت موجودة ولكن مغطى عليها حتى انفجرت مرض في بدايته كان بسيطا ولكنه استفحل عندما تسترنا عليه ولم نبحث عن علاجه من البداية ولو من البداية وجد العلاج لم يستفحل المرض من أجل ماذا ؟ من أجل أن لا يشمت العدو فينا أليس هذا خيراً من نتستر على مشاكلنا وأمراضنا وتحدث الكارثة بعد مدة الزمن ومن هنا نص إلى نتيجة أن منهج التستر يصل إلى الانفجار والكارثة فتظهر المشكلة ولكتن لا يمكن السيطرة عليها فهذا المنهج منهج التستر منهج خاطئ فإذا كان هناك مشاكل في المجتمع لابد من مناقشتها والالتفات إليها وتوجيه النظر إليها لكي يقوم من يريد الإصلاح بحلها. المنهج الثاني منهج التهويل : وهذا المنهج منهج المبالغة والتهريج السلبي وهذا المنهج منهج خاطئ فلو تسأل بعض الناس عن الأوضاع فإنه يجيبك بسلبية وسوداوية في كل شيء حتى أنه لا يوجد عنده شيء جيد وإنما كل شيء يزخر بعيوبه من وجهة نظره ويمسح باللون الأسود على كل الأوضاع وهذا النهج مع الأسف يوجد في قسم كبير من الناس شائع وله خلفية نفسية ولا يتصور أن هذا المنهج يتبعه الناس مجانا وإنما يصل في نهاية الأمر إلى تبرير الكسل عند نفس الشخص بحجة أن العمل لا ينفع ما دام المجتمع وصل إلى هذه الحالة ، فهذا المنهج غير صحيح وغبر صادق بل كاذب لأنه يرى نصف الحقيقة أو ربعها والأخبار عنها كأنها الحقيقة كاملة وهذا يعتبر كذبا بل ينطبق عليه _أحيانا_ قوله تعالى] الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [ [1] المنهج الثالث منهج القرآن الكريم : وهذا المنهج عندما يتحدث عن قوم _مثلا_ يذكر الايجابيات ولكنه لا ينسى ذكر السلبيات فيذكر العناصر الجيدة وأنهم بنعمة الله يتمرغون لكن عندهم بعض المشاكل . وفي هذا المنهج يقول الصاحب بن عباد: مواهب الله عندي قد جاوزت أملي وليس يبلغها قولي ولا عملي لكن أعظمها عندي وأفضـلها ولايـتي لأمير المؤمنين علي[2] فهناك نعم إلهية كثيرة على الإنسان فالقرآن الكريم يوجه قوله إلى المسلمين ويقول ] لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [[3] فأكثر من مئة وثمانين واقعة أنتصر فيها المسلمون على أعدائهم الكفار لكن عندهم مشاكل فيوم حنين أعجبتهم كثرتهم وقل توكلهم على الله وكانت النتيجة كادوا ينهزمون وكذلك في يـوم آخر ] وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ [ [4] هذه الحالة التي كنتم تتمنونها ها انتم ترونها وهكذا يوضح القرآن الكريم للناس مواضع مشاكلهم في حدودها وفي نفس الوقت يعطيهم أملا في حلها ويخبرهم أنهم في نعمة الله ونعمة الله عليهم جارية ولكن يجب عليهم أن يتوجهوا إلى هذه المشكلة وهذه النقطة لكي يستطيعوا التقدم والنصر وهذا منهج أهل البيت عليهم السلام فكم مرة تجد أمير المؤمنين u مع أصحابه مبينا لهم نقاط ضعفهم " ألا وإنه ليظهرن هؤلاء القوم عليكم ، ليس لأنهم أولى بالحق منكم ،ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم وإبطاءكم حقي"[5] ليس لديهم حق ولكن عند ميزة تجعلهم يتفوقون عليكم " طاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم"[6] فطاعتهم لأميرهم برغم أنه على الباطل" صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه.وصاحب أهل الشام يعصي الله ويطيعونه"[7] فكان منهج أهل البيت عليهم السلام أنهم يوضحون للناس المشكل الذي هم فيه وفي نفس الوقت يعطوا أملا بحله ، يأتي رجلا إلى الإمام الحسن عليه السلام بعد قضية الصلح ويقول له : يا أبا محمد أنا في عجب من أمري أهل الشام هم أهل الشام (أعداء )وأهل العراق هم أهل العراق (شيعة أبيك) و أنت الإمام ابن الإمام فما الذي حدث كانوا يقاتلون أهل الجمل ويهزمونهم ويقاتلون أهل صفين ويكادون أن يهزموهم وعندما تدعوهم إلى القتال ينهزموا فأجابه الإمام الحسن " كنتم أيام أبي تقاتلون القوم وأن آخرتكم بين أعينكم ودنياكم خلفكم واليوم تقاتلون القوم وأن دنياكم نصب أعينكم وآخرتكم خلف ظهوركم "[8] فاختلاف الدوافع أدى إلى الهزيمة والإمام الحسين أيضا قد وضع الأمة في ذلك الوقت أمم مشكلتها فقد خرج من المدينة في الثالث من شعبان سنة ستين للهجرة وبقي في مكة المكرمة وجاءته رسائل أهل الكوفة أرسل الإمام الحسين مسلم بن عقيل إلى الكوفة في مهمة استطلاعية ولم يكن في مهمة انقلابية أو تأسيس الحكم فكتب إليه مسلم "أن الرائد لا يكذب أهله فقد بايعني ثمانية عشر ألفا فأقدم فإن جميع الناس معك"[9] والحسين عزم على الخروج في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يوم التروية ولكنه بين للناس الوضع الموجود والمشكلة القائمة فقام خطيبا بخطبته المشهور من أجل أن يوضح للناس طريقه وأنه ذاهبا للشهادة " خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ،وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ،وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النوواويس وأرض كربلاء...."[10] -------------------------------------------------------------------------------- [1]النور 19 [2]ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج /2 ص 4 [3] التوبة 25 [4]آل عمران 143 [5] نهج البلاغة الخطبة 97 [6] المتقي الهندي كنز العمال ج/13 ص 197 [7] نهج البلاغة ج/1 خطب الإمام علي عليه السلام ص 188 [8] ؟؟؟ [9] الدينوري، الأخبار الطوال ص 243 [10] ،السيد محسن الأمين، لواعج الأشجان ص 70