مشكلة الانفعال العاطفي و أثرها السلبي

محرر الموقع
يعرف شيعة أهل البيت بالمخزون العاطفي الانفعالي الذي يمتلكونه ولهذا المخزون آثار إيجابية في حياتهم الدينية بما قد لا يتوفر هذا المقدار من الشعور العاطفي والانفعال الايجابي عند غيرهم ، ونراه يظهر في مظاهر كثيرة منه التعطف مع قضايا أهل البيت عليهم السلام ،واهتمامهم بالشعائر الدينية، حزنهم ، وفرحهم ،لدرجة أنه قد لا يحزن على قريب كما يحزن على أهل البيت وهو ما جاء في حديث للإمام الصادق "رحم الله شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا"[1] وهذا من الآثار الايجابية للانفعال العاطفي ،وكذلك علاقتهم بخالقهم والتبتل له والتوسل والدعاء من الآثار الإيجابية للانفعال العاطفي القلبي حتى صاروا معروفين بمراسم الدعاء زمانا ومكانا وهذه الممارسات فيها من الانفعال العاطفي والارتباط القلبي يوثق العلاقة مع الله سبحانه وتعالى. فهذا الانفعال العاطفي له جوانب ايجابية يجب المحافظة عليها ودعمها كالجوانب التي ذكرناها حيث تلعب دورا في شدة الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، والدعاء يلعب دورا في تقوية الصلة بالله ورقة القلب أمام الله . ولكن أحيانا يكون للجانب العاطفي والانفعالي سلبيات عندما يكون الجانب العاطفي يقرر للإنسان طريقة حل المشاكل وطريقة إدارته للأمور في هنا تتحول الحلة العاطفية والانفعالية إلى حلة سلبية بل إلى مشكلة من المشاكل فلو بقيت هذه الحلة في مكانها الطبيعي تكون إيجابية وتكون ميزة ولكن عندما تنتقل هذه الحالة العاطفية والانفعالية إلى مثل حل المشاكل سواء كانت فردية أو اجتماعية أو السياسية تتحول هذه الميزة إلى مشكلة وإلى مرض وإلى كارثة ونقطة سلبية لابد من القضاء عليها . وهذه النقطة لها جزء من أجزاء المسؤولية عن تأخر مجتمعنا التابع لأهل البيت وتخلفه وكونه في الموضع الذي هو فيه وتحدثنا سابقا عن امتلاك المجتمع الشيعي لإمكانيات التقدم والانطلاق في قضية الفكر والمنهج والنموذج والقدوة ، أو في جانب الحماس الديني والخيري أو في جانب النعم المادية التي يمتلكها فهو يمتلك في كل هذه الأمور الشيء الكثير ، فلماذا لا يستطيع أن يغير أوضاعه ؟ وقلنا أن هناك أثقالا وموانع وحواجز تمنع هذا المجتمع من أن يستفيد من هذه الطاقات والقدرات ولذلك يبقى متأخرا والانفعال العاطفي في حل المشاكل ومعالجة القضايا التي تسود في المجتمع احد تلك الموانع والحواجز . وعلى سبيل المثال في الحالة الفردية : أحد الزوجين سمع عن الآخر كلمة سيئة فإذا كان التصرف انفعالي سيكون فيه دمار الأسرة فالزوج سيطلق زوجته والزوجة ستذهب إلى بيت أهلها وبذلك تتفكك تلك الأسرة بسبب حل المشكلة بحالة انفعالية ورد فعل سريع وبذلك تهدم تلك العائلة ، وفي الحالات الاجتماعية العامة تجد نفس الطريقة نسمع مثلا أن فلان تهجم على مقدساتنا فالتفكير العقلائي المتزن يفكر لماذا يسب مقدساتنا؟ ومن الذي يحرضه على ذلك ؟ يعتبر أن هذا الشخص هو السهم الموجه فمن الذي وجهه؟ هل يريد الموجه أن يغرق مجتمعنا في فتنة طائفية مثلا ؟ . تارة يفكر الإنسان تفكيرا عقلائيا متزنا ويتخذ من الخطوات ما يساهم في دعم خطته الأصلية وتارة يفكر تفكيرا عاطفيا منفعلا فمن سب مقدساتنا يجب أن نسب مقدساته وإذا نشر ضدنا كتاب ننشر ضدهم اثنين هذا الرد الانفعالي السريع وهذه الردود السريعة لا تنهي إلى قوة المجتمع بل في كثيرا من الأحيان تؤدي إلى استنـزاف طاقات المجتمع ومع الأسف وجدنا هذا في مجتمعنا حتى فيما بيننا ، وكم من الجهود استنـزفت في هذا الأمر ولم يبقى من طاقاتنا من أجل البناء والإصلاح في المجتمع فكل جهة مشغولة في هدم الأخرى ، وبذلك تضيع جهود وطاقت المجتمع في المشاكل العقائدية أو المرجعية ، وكثيرا ما أستغل العدو هذا الانفعال العاطفي والحماس ويوجهها لصالحه مثل المياه المحبوسة إذا استغلت في قنوات للسقاية في البساتين فإنها ستكون نعمة من الله أما إذا وجهت تلك المياه إلى المنازل في قناة واحدة فإنها ستكون نقمة من الله وكارثة ، فالمياه المحبوسة مثل العاطفة الجياشة التي نمتلكها . ومع الأسف كثيرا ما أستغل العدو ذلك وشغلنا بالمشاكل الجانبية عن أهدافنا و واجباتنا . والمفروض علينا كأتباع لأهل البيت أن تكون عندنا فكر كاملة في كيفية إنهاض هذا المجتمع في الجانب الاقتصادي والسياسي والثقافي ويجب أن تكون لدينا فكرة للطلاب كيف ينمون ويخدمون مذهبهم ومجتمعهم ؟والطالبات كذلك والعمال والموظفون إلى غير ذلك . وأهم ما يجب علينا ، أن لا نهتم بالمشاكل الجانبية و إلا سيبقى مجتمعنا باستمرار في ردود أفعال وينسى خطه الأصلي خط البناء والتقدم والتطوير والإقلاع بما يمتلك من الطاقات فاليوم صراع طائفي وغدا صراع علمائي وبعده صراع مرجعي وبعده صراع سياسي... وهكذا تستنـزف الطاقات ويذكر في هذا المجال القصة التالية:ينقلون أن رجلا كان في كربلاء وكان في نفس المكان عالم أخباري وهذا العالم سيطر على الأوضاع في تلك المحلة فالتف الناس حوله مما أزعج ذلك الرجل وما كان منه إلا أن دعا نفرا من قرويي العراق وتحدث عن فضائل أبو الفضل وفي النهاية سألهم ماذا تقولون في من يقول أن شباك ضريح العباس نجس _وذلك لعلمه أن بعض العلماء الإخباريين يفتون بنجاسة الحديد _ فأجابوه :نقطعه !! من يجرء على ذلك ؟ فقال لهم هناك عالما يقول ذلك وأن لم تصدقوا اسألوا ذلك العالم هل شباك ضريح العباس طاهر أم نجس ، فذهبوا وسألوه فقال لهم : ظاهرا أن الحديد نجس . فقالوا له: لا يهمنا ذلك بل الذي يهمنا هل شباك ضريح العباس طاهر أم نجس. فقال لهم : إذا كان من الحديد فهو نجس . ولم يكد أن ينتهي من كلامه حتى انهالوا عليه ضربا ولكما ورفسا ولم يخرج من ذلك المكان إلا بحشاشة نفسه ولم يعد بعد ذلك إلى تلك المحلة فنلاحظ كيف استغل ذلك الرجل حماس القرويين بإخراج ذلك العالم نعم كثيرا ما استغل الحماس أحيانا بحسن نية ولكن أحيانا بسوء نية . الانفعال العاطفي إذا كان في مكانه يكون إيجابيا ولكن عندما وبقدر ما يكون إيجابيا يكون أكثر منه سلبيا إذا كان في غير مكانه إذا دخل في حل المشاكل الفردية منها والاجتماعية ولذلك يقول أمير المؤمنين " أشد الناس ندامة وأكثرها ملامة العجل النزق الذي لا يدركه عقله إلا بعد فوات أمره "[2] إي بعد فوات الأوان يتبين له أن تفكيره بعد أن تذهب السكرة تأتي الفكرة ليكتشف ماذا حل به من هنا كان كلامه أشد الناس ندامة وأكثرهم ملامة العجل النزق ومن هو النزق يأتي الجواب هو الذي لا يدركه عقله إلا بعد فوات أمره بعد (أن يقع الفأس على الرأس ) يقول يا ليتني وهل تنفعه؟ هذه المشكلة من المشاكل الذي نعانيها في مجتمعاتنا فنرى التحديات تحيط بهذا المجتمع وأعمال من خلال أشخاص مخالفين ومعادين فيقول بعض المتحمسين لماذا لا نرد عليهم بنفس طريقتهم ، والتفكير الصحيح لا يقول بتفريغ الشحنات برغم أن هذا التفريغ قد يهدأ ذلك الحماس ولكن هل هذا علاج المشكلة ؟! أن علاج المشكلة شيء آخر وهو ليس في حدودها ، وإنما علاجها في حدود المجتمع وعلى مدى الزمان ،فلماذا يتهجمون علينا ؟ لأننا ضعفاء ويجب علينا أن نفكر كيف نستطيع أن نقوي ونحصن أنفسنا من خلال خطة دائمة مستمرة لماذا يشتمك لأن تحالفاتك قليلة والارتباط الاجتماعي قليل و إلا لو كان مجتمعنا قويا مترابطا متماسكا مثقفا ذا كفاءة يحرك ماله واقتصاده في المجال الصحيح فأن مجتمعنا يصبح قويا والقوي لا يتهجم عليه فلابد من التفكير كيف نقوي مجتمعنا وكيف نحرك الطاقات فمثلا بدلا من التفكير في الرد على كتاب طبع ضدنا بكتاب أو كتابين ضد هذه الطائفة أو غيرها لابد أن نفكر كيف نحصن مجتمعنا ضد مثل هذه الكتب وذلك بالتفكير كيف نبني مجتمعنا ضد هذه الأمور وبتثقف شبابنا ثقافة عقائدية بحيث لا يتأثر بمثل هذه الكتب ويعتبره هراء بينما الرد عليهم بكتاب آخر بتلك الطريقة فإن سلسة الكتب التي من هذا النوع لن تنقطع . فإذا كان انتماء الإنسان لمذهب أهل البيت يجعله في موقع تحدي من فلان أو فلان لا بد من التفكير كيف نقوي ترابطنا بحيث يتحول إلى قوة ولا يستضعف من قبل الآخرين أما تفريغ الشحنات بطريقة انفعالية بالسب والشتم ينطبق عليه كلام أمير المؤمنين "وقد أرعدوا وأبرقوا ،ومع هذبن الأمرين الفشل"[3] فالإبراق والإرعاد ورفع الصوت قرين الفشل لأنه بلا خطة فلابد من الفكير في حل المشاكل على طريقة أهل البيت لا بطريقة الانفعال ورد الفعل وإنما من خلال النفوذ إلى عمق المشكلة ملابد أن نأخذ من أئمتنا طريقة حل المشاكل لابد أن،نأخذ من قصصهم العبر فها هو الإمام زين العابدين u في قصته المشهورة مع الشيخ الشامي عندما كان الإمام في ركب السبايا وقال له : شيخ من أشياخ أهل الشام فقال له : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وقطع قرن الفتنة . فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضى كلامه ، قال له علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : أما قرأت كتاب الله عز وجل ؟ قال: نعم. قال: أما قرأت هذه الآية ] قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [[4] ؟ قال: بلى. قال: فنحن أولئك. ثم قال: أما قرأت ]وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ [[5] ؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. قال: فهل قرأت هذه الآية: ] إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا[ [6] ؟ قال: بلى. قال: فنحن هم. فرفع الشامي يده إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أتوب إليك. ثلاث مرات، اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد، ومن قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم.[7] ألم يكن عند الإمام زين العابدين u حلا غير هذا أقله بالدعاء على هذا الشيخ ألا يمكنه أن يرد عليه الاعتداء ] فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ.. [[8] ولكن الأئمة لا يتبعون هذه الطريق هذه الطريقة وإنما يفكرون بأصل المشكلة فمثلا مشكلة هذا الشيخ هو الجهل فلا بد من أن بد من نقل المعرفة إليه والوعي إليه فالخطة الواجبة على الطرف المقابل هي نشر الوعي والثقافة في المجتمع ومن يحيط به ومن فوائد نشر الثقافة يصنع القوة . وكذلك في صلح الحديبية ، النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاء لكي يصالح ، قسما من المسلمين اعترضوا عليه "وقال له :يا رسول الله أسسنا على الحق ،أوليس عدونا على الباطل .قال:بلى ، . فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟قال أني رسول الله ولن أعصيه ولن يضيعني"[9] أجل أن فعل النبي كان ضمن خطة يجب أن يمشي عليها ولا يصغي للانفعال العاطفي عند الأصحاب أو غيرهم فعندما صالح النبي يجب أن يلتزم بذلك الأمر حتى لو لم يكن هذا الأمر يرضي بعض الحماس عند بعض الأصحاب وإنما الحماس لابد من أن يوجه في أمور البناء ولا نتعامل من منطلق شحنة عاطفية يريد أن يشفي غليل نفوسنا وانتهى الأمر ونلاحظ أيضا مسلم بن عقيل لم يصغي للانفعال العاطفي عندما قدم إلى الكوفة لذلك لا بد منأن نستقي هذه الدروس من منهج أهل البيت في وضع الانفعال العاطفي في مكانه المناسب لكي يكون نقطة قوة لا نقطة ضعف. -------------------------------------------------------------------------------- 1 الشيخ محمد مهدي الحائري ، شجرة طوبى ج/ا ص 3 2 علي بن محمد الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ 3 علي بن أبي طالب، نهج البلاغة ج/1 ص 43 4الشورى 23 5 الأسراء26 6 الأحزاب33 7 الشيخ الصدوق ،الأمالي ص22 8 البقرة 194 9 ابن أبي شيبة الكوفي، المصنف،ج/8 ص 515