تذكر نعم الله طريق لمحبته
(وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون * وعلامات وبالنجم هم يهتدون * أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون * وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)
العجز عن تعداد أنعم الله سبحانه لا يسقط أهمية التذكير بها خصوصا للتعرف عليها وزيادة محبة الله من خلالها :
1ـ نعمة الايجاد بعد العدم ، والبقاء على سلامة الأعضاء والجوارح .. تأمل فيما أعطاه الله لك من جوارح حتى صرت بها أجمل خلق الله ، وأفضلهم أداء وقضاء لحوائجه بما متعك الله به من هذه الأعضاء وتصور عشرة آلاف قال أختار سلامة العين ، لو خيرت بين سلامة السمع وبين عشرة آلاف ، قال : سلامة السمع وهكذا أخذ يعدد نعم الله عليه حتى وصل مائة ألف ، فقال إن من يملك مئة ألف ليس بفقير .
2ـ النعم المحيطة بحياتك من تسخير الشمس والقمر والليل والنهار والبر والبحر لخدمتك ، فإن قطعة الخبز التي تأكلها لا بد أن تعمل فيها : الأرض والشمس والماء والهواء ونفس النبتة حتى تكون شجرة وتستفيد منها . وهذا أبسط مثال ..
3ـ نعمة الهداية إلى الطريق السوي ، فإنها أعظم مما عداها من النعم ، فإن نعمة الجوارح وإن جلت إلا أنها مع عدم الهداية تكون حجة على الانسان .. زودنا الله بالعقل ليكون حجة باطنة علينا وهاديا لنا ، وبالرسول وأهل بيته ليكونوا دعاة لنا وقادة .. وعلى جهدهم قام الدين : بدين جدي وأبي وأخي اهتديت لو كنت مسلما .
الأمالي - الشيخ الطوسي - ص 491 - 492
لما نزلت ( وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) قالوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أيام الله نعماؤه ، وبلاؤه مثلاته سبحانه . ثم أقبل ( صلى الله عليه وآله ) على من شهده من أصحابه ، فقال : إني لأتخولكم بالموعظة تخولا مخافة السأمة عليكم ، وقد أوحى إلي ربي ( جل جلاه ) أن أذكركم بالنعمة ، وأنذركم بما اقتص عليكم من كتابه ، وتلا ( أسبغ عليكم نعمة ) الآية . ثم قال لهم : قولوا الآن قولكم : ما أول نعمة رغبكم الله فيها وبلاكم بها ؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والأزواج إلى سائر ما بلاهم الله ( عز وجل ) به من أنعمه الظاهرة ، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) ، فقال : يا أبا الحسن ، قل فقد قال أصحابك . فقال : فكيف لي بالقول - فداك أبي وأمي - وإنما هدانا الله بك . قال : ومع ذلك فهات ، قل ما أول نعمة بلاك الله ( عز وجل ) وأنعم عليك بها ؟ قال : أن خلقني جل ثناؤه . ولم أك شيئا مذكورا . قال : صدقت ، فما الثانية ؟ قال : أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا ميتا . قال : صدقت ، فما الثالثة ؟ قال : أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب . قال : صدقت ، فما الرابعة ؟ قال : أن جعلني متفكرا راغبا لا بلهة ساهيا . قال : صدقت ، فما الخامسة ؟ قال : أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها ، وجعل لي سراجا منيرا . قال : صدقت ، فما السادسة ؟ قال : أن هداني ولم يضلني عن سبيله . قال : صدقت ، فما السابعة ؟ قال : أن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها . قال : صدقت ، فما الثامنة ؟ قال : أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا . قال : صدقت ، فما التاسعة ؟ قال : أن سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقة . قال : صدقت ، فما العاشرة ؟ قال : أن جعلنا سبحانه ذكرانا لا إناثا . قال : صدقت ، فما بعد هذا ؟ قال : كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت ، وتلا ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لتهنك الحكمة ، ليهنك العلم يا أبا الحسن ، وأنت وارث علمي ، والمبين لامتي ما اختلفت فيه من بعدي ، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقيم ، ومن رغب عن هواك وأبغضك لقي الله يوم القيامة لأخلاق له.