خطابنا الديني بين التيسير والتعقيد (1)
في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا خير دينكم اليسر وبذلك أتاكم كتاب الله قال الله : يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) و ( يريد الله أن يخفف عنكم )
الخطاب والثقافة الدينية التي تسود في مجتمع هي عبارة عن فهم ذلك المجتمع لهذا الدين ، وليس بالضرورة أن تكون هي الدين . ويمكن تشبيهها بأنها صورة تلتقطها كاميرا عن واقعة فتارة تعبر عن الواقعة بنسبة بسيطة وأخرى بنسبة أعلى تبعا لنوعية تلك الكاميرا .
على هذا يلحظ في أنديتنا الدينية نموذجان من الخطاب :
الأول : خطاب التيسير والتبشير واعتبار الدين مصدر السعادة الدنيوية قبل الفلاح الأخروي.
الثاني : خطاب التعسير والاحتياط الذي قد يصل إلى التنفير والابعاد .
مواصفات الخطاب الثاني:
1/ النظر إلى العقائد : صورة الله الذي خلق النار وأعدها ، والمولى الذي لا يفلت من عقابه أحد ، والمتلذذ بعذابات العباد ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم ).. التخويف باستمرار بالعقوبات الالهية ( تسونامي ، الأعاصير الفيضانات ، الحرائق العامة ..( لهذا ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يشق عليهم ويفزعهم )
صورة الدنيا : دار فتنة ومشاكل ، وأنها لا تستحق أن يعمل فيها ولها .
التعقيد في العقائد : أكثر الناس لا يفهمون ، أكثرهم واقعون في الشرك ، في البدعة ! أو أن يقول بعضهم نحن لا نفهم النبي ، لا نفهم الأئمة ولا يمكن أن نفهمهم !
** قد يقول قائل إن الذي يقوله هؤلاء إنما هو من الروايات والآيات فلم يأتوا بشيء من عندهم .. والجواب : إن الآيات والروايات عالجت الموضوع بتوازن بين الجانبين ، وبينت الأمرين ، والجرعة التي أعطتها لجانب التخويف جرعة محدودة ، وقد تكون لأشخاص معينين .ليس للأفق العام .
2/ جانب الصعوبة والاحتياط في الفقه والفروع : إذا لم تفعل كذا بطلت أعمالك ، إذا فعلت كذا ذهبت إلى النار ، أسهل ما يقوله البعض : تعيد صلواتك كلها .. بينما عندنا في الفقه من القواعد التسهيلية والتصحيحية والامتنانية الكثير .. عندنا أدلة ثانوية تسهيلية ، لا حرج ـ لا ضرر ، قواعد تصحيحية : لا تعاد معذورية الجاهل : أيما امرئ ارتكب أمرا بجهالة فلا شيء عليه . مسلك الاحتياط في كل شيء . ( قضية الحج : لا حرج لا حرج )
3/ التركيز على العبادات واهمال المعاملات والسياسات : الدين عند هذه الفئة هو في العبادات فمتى ما أتقنها فقد جاز القنطرة ، وأما المعاملة فلا يهتمون بها أصلا .. يسبح ولكنه يغتاب ، ويدقق في المستحبات ولكنه لا يهتم بحقوق الناس ، ويستقصي وصول الماء إلى داخل عينه ولكنه لا يبالي بأعراض الآخرين وهكذا .. ( الذي سأل عن دم البعوضة وقد قتلوا الحسين)